رعد مطشر
الحوار المتمدن-العدد: 1669 - 2006 / 9 / 10 - 04:55
المحور:
الادب والفن
وأنا أتلقّى دعوتي للمشاركة في مؤتمر وزارة الثقافة حول (الثقافة والفيدرالية في الدستور الجديد) في بغداد، إنتابني ذلك الإحساس الغريب، القريب من الهذيان منذ أن دخل الغرباء إليها.. فمنذ حريقها وإندثار الكثير من تأريخها وحضارتها تمّلكني خوفٌ غريبٌ عجيبٌ ينبضُ بين كرّيات دمي الذي يرفض الدماء المستوردة، المليئة بالحقد والقتل والكآبة والتقسيم، محاولاً (كلما دخلتها) أن أتماسكَ وأن أخاطبها بهذيانٍ دائري يشبه شكلها الممسوح من ذاكرة الداخلين: بالله تماسكي وترجّلي من خوفنا إلى رماد أبنائنا المتناثرين في طقوس الذبح الجديدة تحت خناجر الكلاب وسكاكين ذئاب الإرهاب المنشغلة بأكلِ نفسها، والمشتعلة بحرق أجسامها في نارِ حقدها.. تماسكي واجعلي من نصب حريتك باباً مشرعاً ينزلُ منه الجنود ليصطحبوا أطفالنا نحو حرية العراق إلى جهات الدنيا كلَّها.. تشجّعي بنظرة الأمّهات المترقّبات عودة الأزواج الغائبين، والأبناءِ المنتشرين في أزقّة البطالة المقنّعة في ساحة الطيران، أو عند النصب المستلقي كميّتٍِ بين أكفّ (الصانع الأمهر) جواد سليم، المختبيء خلف الأسلاك الشائكة والعوارض الكونكريتية، والحرس والشرطة.. ومع المدنيين في ساحة (الأُمّة).. أصلُ إليها.. فيتكسّرُ الوقتُ بين خوفي والنصب الشامخ فوق جثتي، حيثُ تنزل الرايات من جبهة النحاس، توقظني:
• (أنت الآن في بغداد..).
تفتحُ نوافذ الشجن العراقي: (أسمعْ خطى العابرين بدباباتهم..)
فمن هنا مرًّ الغزاةُ فيما مضى تحت ضوء النصب والعاطلين، وهاهنا يجدل الخائفون أحزانهم القديمة قَِدم الطغاة، الغزاة، المتوالدين في ثنايا المدينةِ، القاتلين حرية البلادِ في نصبها، النازعين حصان النحاس من شهيقهِ، والموزّعين نشيج الشهيد الأزلي مكافأةً للعامل في مطرقته، وللطائر في قضبانهُ، وللجندي المحلّقِ في سّرِهِ، وللطفل المخطوف في عراقٍ بلا أجوبة.. ولي أنا الذاهب إليها، إلى بغداد، إلى نصبها، بخوفي وقلقي وإنتباهتي على صوت الحرس المنتشرين قرب النصب:
- هيه.. أنتَ.. تحرّك.. فالإنفجارُ قريب!!
#رعد_مطشر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟