|
الفيلسوف الكردي
ابراهيم محمود
الحوار المتمدن-العدد: 1668 - 2006 / 9 / 9 - 08:06
المحور:
كتابات ساخرة
في بريدي الشخصي جاءتني حديثاً، تحية من صديق وشاعر مغترب، وهو يعلق على مادة لي انترنتياً، مذكّراً إياي بأكثر من مثال، حول أن أحدهم يعرّف بنفسه، في حوار معه، على أنه مفكّر، وهو دون التسمية كلياً، وتعليقاً على ذلك، يقلق صديقاً آخرمعرفياً: له ولي، بمثاله هذا، ليحرضه على القول: إذا كان الوضع كذلك، فابراهيم محمود فيلسوف ! أورد هذا القول، حيث لم أذكر لا صاحب المثال، وهو متنوع ومتعدد في توجهاته، ولا صاحب الإيميل ولا مقترح لقب ( الفيلسوف)، أورده وملء جوارحي ضحك وسخرية مما يجري، وفي الآن ذاته: مساءلة لا تتوقف عما يجري. ضحك، لأنني أعتبر ما يخصني دعابة ملهِمة حقاً( وقد ذكرت اسمي، لأنه يمكن أن أذكره باعتباري المعني بالموضوع الذي علَّق عليه الصديق الشاعر، مثلما أنا معني بالموضوع الذي عنونته بـ( الفيلسوف الكردي)، ومثلما أنا معني كغيري، وفي المجال المعرفي، بتعقب مسار هذه الخطوط المنسوفة قيمياً( خطوط الألقاب) هنا وهناك)، وأن الدعابة هذه، بالنسبة لي تشكل باستمرار حالة مراجعة لمجمل ما أكتب في موضوعات إشكالية، كالتي نحياها بصور شتى، وخصوصاً في الشأن الثقافي والاجتماعي والسياسي، وسخرية، حين يستدعي التعليق ليس تهليقاً بدوره، وإنما مكاشفة للذهنية التي تسحرها الألقاب وتسجرها. ولولا الصديق ذاك وصديقنا المشترك الآخرذلك، لما كان هذا الموضوع أساساً. نعم، أنا الفيلسوف الكردي، وأنا أكبر مفكر كردي، وأنا العلامة، وأنا الذي لا يشَقُّ له غبار، وأنا الناقد الأوحد في الكردية، وجامع الفضائل الأدبية والفكرية فيها، مدرك اختصاصه وقصاصه، العارف بجهات القول ومناحي المعنى، مكتشف الحقيقة أنَّى كانت ... الخ، نعم، أنا كل هؤلاء، وأكثر من ذلك، ولكن ما نفع القول: لمن يعدَم فيه الحول والصول؟ ماالذي يغيّر في محمّل نفسه ألقاباً كما هي نياشين المهووس بمكانة مغتصبة، والمثقَل تحتها؟ ربما أمكنني القول ، ومنذ البداية، ومع اعتزازي بتعليق من أشرت إليه، باعتباره حالة أدبية وثقافية بدورها، [انني لم أفكر مطلقاً بلقب ما، ووحده التعريف بـ( باحث) لا يشكل استعراضاً، أو علامة فارقة في سوق المنازعات والخصومات الأدبية والفكرية وسواها، هو الذي أستخدمه، عندما أراسل منبراً ثقافياً ما، باعتباره ضرورة متفق عليها . لست باحثاً مبدئياً، ولا مثقفاً ولا ناقداً وأخصائياً بمجال ما، ولا مفكراً( وهذه كبيرة الكبائر)، ولا فيلسوفاً، وهذا استخفاف بالفكر الفعلي، ولا حتى كاتباً إن أردت ، يكفي أنني أكتب كحالة قصوى، وأن ما أكتبه يتناول موضوعات مختلفة، الشيء الوحيد الذي يحثني على الكتابة، ليس لأنني أصيّر نفسي كاتباً، أولأظهر خصلة ناقد في شخصي، أو نزوع مفكر...الخ، وإنما هو العيش عبر الذات لا تتشيّع لأي ٍّ كان، تكتب لتستشعر أنها تمارس الحياة التي تجذّر فيها اختلافاً دون ادعاء. أذكر هنا، مدى رفض جاك دريدا( ت سنة 2004) للقب الفيلسوف، وهكذا بالنسبة لفوكو قبله، أذكر صنيع ادوارسعيد وهو يراهن على لقب ( المثقف الهاوي) كحد أقصى بالمقابل، يمكّن أياً منا في أن يوسع حدوده الذاتية، ويعيش العالم من على عتبة مفتوحة من الجهات الأربع. كل لقب تأطير، وكل تأطير يلزم المرء في أن مخلصاً لداخله، ممنوعاً من الخروج عنه، والكتابة الفعلية هي التي تبعد صاحبها عن كل تمركز، عن أي لقب هو قلب ُ له، يعميه من جهات عدة. أنتحدث عما وراء الألقاب في تجليها كردياً، وقد تناولتهامن جوانب مختلفة؟
البريق والبرق الخلَّب: ثمة تمييز معروف بين البرق المبشربهطول المطر، والبرق الخلب: المخادع. العلاقة بين الاسم والمسمى هي هكذا، إنما يجب وضع العلاقة بالصيغة التالية، ومن خلال المتردَّد( اسم على مسمى) أولاً. هل هناك اسم على مسمى؟ الاسم الذي يكون مطابقاً لمسماه. الاسم الذي يظل دون مسماه. الاسم الذي يعلو مسماه. ثمة زيف جلي جداً، في الحالتين : الأولى والأخيرة. إذ يستحيل أن يطابق الاسم مسماه. فمن يقول عن العادل بأنه العدل نفسه، إنما يمارس تشويهاً وتجييراً لحقيقة العدل، حتى لو كان ذلك من قبيل المجاز، والأكثر شناعة وبشاعة حين يقال عن أن الاسم الفلاني بز مسماه، كما في كيل المديح التسويقي لمتنفذ ما أو سواه. اللقب هو هكذا بدوره، ولقد وُجِدت الألقاب والتسميات من باب التصنيف والتمايز المهنيين، وليس الذاتيين، كما يجوز لأي كان أن يحوز اللقب الذي يريد. كان يقال للشاعر : شاعر، لأنه يكتب الشعر، أما أن يكون أمير الشعراء أو فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة، وشاعر الجزيرة، أو شاعر الكرد الأوحد، ففي ذلك نسف للتاريخ ولخاصية المعرفة المثلى، أولما هي انساني وأدبي وثقافي وفكري ... الخ، عند التشديد على صفة النسبية، إذ ليس هناك في التاريخ: الأدبي أو غيره، من هو مميَّز بلقب ما، وفي ظرف ما ، ولم يكن محط ذم وتسفيه في أمكنة أخرى، وهذا ينطبق على أي كان، والدور الثقافي أو الأدبي منوط بالقيمة التنويرية لهذا أو ذاك . أن يحمل أحدهم صفة الشاعر، لا يعني أنه بات شاعراً، بقدر ما يتطلب الوضع منه، استمراراً في قول ما هو شعر، وفي التمايز المستديم بالشعر، وهذا شأن الموضوعات الأخرى. هنا يجدر القول، أنه في كل المجتمعات ثمة مزيفون، مدعو كتابة في حقول مختلفة، وفي تاريخ كل أمة، يصعب حصر الذين يمتهنون الكتابة الأدبية وسواها، ولكن كم عدد هؤلاء الذين يستمرون في التاريخ من جهة، وكم عدد هؤلاء الذين يظلمهم التاريخ لينصفهم بعد ذلك، وفق معايير أو اعتبارات مستجدة أو طارئة، حيث يكون تعيير وتغير في المجتمع في هذه المرحلة أو تلك من جهة أخرى؟ إن ذلك يستدعي التأني سواء لحظة سماع لقب ما، أو لحظة المرور باسم تهمَّش لأمرما!
في الحيّز الكردي: نعم، كما هو شأن كل أمة أو شعب، فإن للكرد كتابهم، وفي حدود معينة، ووفق تصنيفات محددة. ولأن الحديث ينصب على اللقب، وكيف يبزغ صاحبه أو يلثغ أو يلدغ، يمكن، ومن خلال العنوان المقدَّم، التعرض له في المنحى التالي: تستند ظاهرة المسميات أو التسميات أو الألقاب( وليس حالة، فهذه فردية غالباً)، إلى عدم استقرارالكرد في وسط مجتمعي مدني. إن الشوباشية، أو الشوبشة، أو التشبيش( للتشويش)، لا تقوم على توافر علاقة طرفينية، بين من لديه استعداد في كيل المديح الفارط لهدف مادي ( أي للارتزاق)، كما هومعهود في وسطنا، وينتمي هذا غالباً إلى فئة أو شريحة اجتماعية معروفة تاريخياً، أو من يحاول التحرك بظل من ظلالها اقتباساً أو استئناساً أواختلاساً، بطرق أخرى، في كيل المديح للحصول على علاوات أو ترقيات أو محظوظيات بأساليب متعددة، ومن لديه استعداد لسماع من يطنب في وصفه مديحاً أو تعظيم حسب أو نسب، أو تفخيم ذات، أوتعظيم اسم، ربما من باب التشهير والاشهار: التشهير بسواه وهو على مقربة ما منه، والاشهار: أي تغليب اسمه قيمياً على سواه. ناشد اللقب، أو المسياتية أو التسمياتية، هو من يستشعر داء الشوباشية في ذاته، من يعيش الحالة المزدوجة، من يكون الضارب والمضروب، وما في ذلك من لاسوية وجدانية ونفسية. إذ لا شيء يوضح بؤس الإجراء سوى بؤس الشخص ذاته، ذاك الذي يستسهل تحويز التسمية أو اللقب، أن يسمي نفسه مثقفاً أو مفكراً أو ناقداً، وبإجازة مفتوحة من جهته، ويبرز هذا الداء قرفاً وصلفاً وزناخة، وسط السكوت الذي يعم ويصم مجمل المعنيين بذلك، في الوقت الذي لا يتوانون عن نقد هذه الظاهرة، ثم يصمتون إزاءها، أليس لأنهم يتلذذون بـ( قطرانها) المعتّم على بصيرتهم؟ حتى أكثرهم نفوراً من الظاهرة هذه، يعايش رموزها، وكأن الذي عناهم بالأمس في مجلس ما، لم يكن هو، إنما هوشخص آخر، ليؤكد هنا جانباً شيزوفرينياً فيه !!!! عقدة الظهور، كسلعة استهلاكية في سوق القيم المتهافتة كردياً، تتجسد في مشاهد كثيرة: عند تدبيج نص ما، أو إجراء تييرشكلي في نص ما، لتأكيد استمراريته، أو عند نشر مادة، في مواقع كثيرة تاكيداً لإفلاس، يصحّرداخله، أو ضغينة سدى عليه أفقه الفكري أو الأدبي أو النفسي، وفي أزمنة متباعدة، وما في ذلك من اعتبارات زمنية ومهادنات ومساومات وتحديات صريحة او تلميحية، أو تذبذبات من الداخل، واستغباء للقارىء، وهو يجري أحياناً تغييراً في العنوان أوالتاريخ هنا، من جهة التعريف بالكاتب وموقعه الاعتباري، دون أي اعتبار لصدى النص لحظة قراءته هنا أوهناك !!!! ظاهرة التسمية دون رصيد قيمي: كتابي، فعلي، وكما يقرر التاريخ من خلال وقائع مثبتة، تؤكد مدى الاستهتار بما هو كردي: بالذهنية الكردية، تلك التي يستبد بها، ويهتكها أكثر المعنيين بها من أهل الكتابة، بالتاريخ الكردي الذي لا يعير أهمية للذاكرة، أولأي أرشيف ممكن أن يواجه الدخلاء الشاباشيين أو المشوبشين باستعراضية ساحاتية أو مجالسية أو خماراتية أو استزلامية شبة غائبة عن وعيها لفعلها، مثلما تفعّل المزيد من الاستقواء بمن ( يصفر) الكردية ويضعضعها، بممارسات مختلفة، وما تم ذكره، كان أداة من أدواتها المستثمرة والمستكبرة. أذكر هنا، وكما يعلم ذووالألقاب أن مجمل الأوربيين : كتاباً ذوي شأن، وفلاسفة ذوي مكانة معتبرة، وأطباء لهم فتوحهم العملية، بالكاد يذكرون تسمياتهم أو ألقاباً تشير إليهم. كتابتهم تعرّف بهم، مثلما أعمالهم تقود الراغب في معرفتهم إليهم. وحده الطفل العيي يستوجب منادته باسمه، وبصفة مناسبة، لكي يلتفت إلى مناديه أحياناً، أما في حال الطفالي( أي مدعي الطفلية)، فلا يدرك ذاته، قبل سواه، إلا بالطريقة التي عطفنا عليها أو توقفنا عندها. وهنا يمكن تصور الكم الجم من الطفاليين من كتابنا في صنوف (حلباتهم). من جديد، أكرر شكري لمن اقترح لصديقه الآخر في أن يسميني فيلسوفاً. خليق بالمرء أن يكون كاتباً، كاتباً تسميه كلمته فقط، ويمضي في فضاء كتابته هذه. وحدها كتابته تكفل بترتيب بيته الكتابي قيمياً في التاريخ : تسمية لاحقاً.
#ابراهيم_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هو أبعد من العلم العراقي
-
المثقف الكردي المشعوذ
-
ثرثرة مفلس
-
الصراع الكردي - الكردي: رؤية أدبية، عبر ترجمة فصل من رواية :
...
-
مستقرات السرد في الرواية - رومانس المكان-: هيثم حسين في رواي
...
-
قلبي على لبنان
-
- Mijabad رواية أوديسا الشاعر الكردي- المقام الشعري في رواية
...
-
نقد العقل القدري الكردي
-
مكائد الأمكنة: حسين حبش وشعرية المكان
-
أعلام الكرد الخفاقة
-
موسم الهجرة الطويل إلى جنوب كردستان
-
الكردي مؤرّخاً
-
الدوغماتيكي رغم أنفه
-
-النقلة باعتبارها تمرداً في الأدب: سليم بركات في روايته الجد
...
-
أهي نهاية المرأة ؟
-
منغّصات الترجمة
-
الكردي الرشيد: رشيد كرد
-
مغزل الكردي
-
هل يصلح الرمز الديني موضوعاً للسخرية؟
-
الدولة العشائرية الموقَّرة
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|