داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7194 - 2022 / 3 / 18 - 08:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناولنا في مقالنا المنشور في الحوار المتمدن بالعدد( 7191) الصادر في 15/3/2022 موضوع العلاقات العراقية الإيرانية , مع إشارة خاصة للعدوان الإيراني السافر المتمثل بضرب مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق مؤخرا , بوابل من الصواريخ التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني من داخل الأراضي الإيرانية , بذريعة إستهدافه أوكار تجسس إسرائيلية , وسط صمت مطبق من الحكومة العراقية إذ أنها لم تعلن عن الجهة التي أطلقت الصواريخ , إلاّ بعد أن أعلن الحرس الثوري الإيراني نفسه عن مسؤوليته عن إطلاقها . وعندها أنبرت أصوات القوى السياسية الموالية للنظام الإيراني , بتبرير إطلاقها كحق مشروع للنظام الإيراني لتأمين أمن نظامه المعرض للتهديد من إسرائيل , غير مبالين بأمن العراق وشعبه .
أما الحكومة العراقية فقد إكتفت بتشكيل لجنة لتقصي حقيقة ما جرى ويجري هناك وكأنها في غفلة عما يجري هناك , ويعرف القاصي والداني مآل نتائج هذه اللجان من تسويف وإضاعة وقت, ويبقى الغضب الشعبي يغلي في نفوس العراقيين المغلوب على أمرهم لما آل إليه حال العراق من ذل وهوان , بعد أن كان بلدا عزيزا شامخا يحسب له ألف حساب . وبصرف النظر عن صحة الدعاوى الإيرانية من عدمها , فأنه لا يحق لها ضرب أية أهداف داخل الأراضي العراقية دون إستحصال موافقة الحكومة العراقية المعنية وحدها بأمن العراق وحفظ سيادته . لذا فأن ما قام به النظام الإيراني يعد خرقا واضحا للقانون والأعراف الدولية وعلاقات حسن الجوار وتهديدا خطيرا لأمن العراق والمنطقة , ينبغي محاسبة الحكومة الإيرانية على ذلك وتحميلها مسؤولية كافة الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالعراق إن آجلا أو عاجلا. ويعتقد بعض المراقبين للشأن العراقي أن توقيت النظام الإيراني لهذه الضربات الصاروخية بهذا التوقيت , جاء بهدف إرباك المشهد السياسي الراهن , المتأزم أصلا بسبب عدم قدرة مجلس النواب العراقي المتخب للتو , على تسمية رئيسا للجمهورية تمهيدا لتسمية رئيس الوزراء لاحقا, حيث لا تروق بعض مؤشراته الأولية للنظام الإيراني , برغم مداخلاتهم المباشرة بالتوسط لدى بعض اطراف العملية السياسية ومحاولة تليين مواقفها. ونحن نرجح هنا فرضية إستهداف النظام الإيراني بهذه العملية , ما إعتقدته مراكز أنشطة إسرائيلية معادية لها في أربيل, أكثر من فرضية إرباك المشهد السياسي.
نعود الآن لما يدور منذ زمن ليس بالقليل عن حقيقة علاقة حكومة إقليم كردستان( التي يفترض أنها جزء من منظومة الحكم في العراق ), بالحكومة والمنظمات الإسرائيلية المختلفة منذ منتصف عقد الستينيات وحتى يومنا هذا . ولا نكشف سرا هنا إذا قلنا أن الحكومات الإسرائيلية المختلفة منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1947 وحتى يومنا هذا , سعت وتسعى لدعم جميع الحركات الإنفصالية في البلدان العربية بهدف إضعافها وشرذمتها وتفتيتها إلى دويلات وكانتونات ضعيفة ومتنازعة فيما بينها , والأدلة على ذلك كثيرة نشير هنا إلى دعمها ومساندتها لمتمردي جنوب السودان الساعين إلى الإنفصال عن شماله , وكان لهم ما أرادوا بتأسيس دولة جنوب السودان , ودعمهم للتمرد الكردي المسلح ضد الحكومات العراقية المتعاقبة في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم , والذي أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي يومذاك مناحيم بيغن رسميا في شهر أيلول من العام 1985 , حيث كشف أن إسرائيل "دعمت الأكراد خلال انتفاضتهم ضد العراقيين" في الفترة (1965-1975)، بعلم الولايات المتحدة الأمريكية, بإرسالها مدربين وأسلحة إلى المتمردين الأكراد . وهذا أمر طبيعي للطرفين الإسرائيلي والمتمردين الأكراد من منطلق محاربتهم عدوا مشتركا لهما , وما يؤكد هذا الدعم الإسرائيلي أكثر لمن يساوره شك بذلك , سرعة إنهيار هذا التمرد بأقل من لمح البصر . بمجرد عقد إتفاقية الجزائر بين الحكومتين العراقية والإيرانية عام 1975 أثناء فترة حكم الشاه , التي كان من نتائجها الفورية إغلاق الممرات عبر الحدود الإيرانية العراقية التي كان من خلالها يتم هذا الدعم الذي كانت تقدمه الحكومة الإيرانية لعبور الأسلحة والمدربين اٌلإسرائيلين إلى المتمردين الأكراد.
وفي العام 1975 صرح رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني أن "إقامة علاقات بين الأكراد وإسرائيل ليست جريمة لأن العديد من الدول العربية لها علاقات مع الدولة اليهودية", وكأن الإقليم دولة خاصة به لا علاقة لها بالحكومة العراقية . وفي العام 2009 بين إستطلاع رأي أجري في إقليم كردستان العراق، أن نسبة ( 71% ) من المستطلع رأيهم يؤيدون إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأن نسبة ( 67% ) يرون هذه العلاقات خطوة مهمة نحو كردستان مستقلة. ولا عجب أن تكون إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي أيدت إستفتاء الإنفصال الكردي الذي أجرته حكومة إقليم كردستان . وتشير بعض التقارير إلى أن إسرائيل تستورد ثلاثة أرباع نفطها من حكومة إقليم كردستان , وتستثمر الشركات الإسرائيلية ملايين الدولارات في مشاريع الطاقة والتنمية والإتصالات في إقليم كردستان , خلافا للسياسة المعلنة للحكومة العراقية في هذا المجال.
يلاحظ مما تقدم أن هناك ثمة زواج مصلحة واضح بين إسرائيل وحكومة إقليم كردستان لا علاقة له بمصلحة الشعب الكردي الذي هو جزء أساسي من الشعب العراقي , حيث عاش الأكراد والعرب وسائر القوميات الأخرى متحابين في كنف وطن واحد في السراء والضراء , أصابهم ما أصاب الآخرين من شر وخير على حد سواء. ترى إسرائيل في هذا الزواج خدمة لمشروعها الإستطياني التوسعي في دول الجوار العربي بإضعاف العرب الذين يمثلون غالبية سكانه , وترى فيه حكومة إقليم كردستان ورقة ضغط قوية بيدها ضد الحكومة العراقية من جهة لإبتزازها وتقديم المزيد من التنازلات لمصلحتها من جهة , وتقوية مركزها لدى مصادر القرار في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يلعب اللوبي الصهيوني دورا مهما بصياغتها من جهة أخرى .
ولم يتعظ هؤلاء الحكام من تجربتهم وتجربة الدول الأخرى التي جميعها أكدت وتؤكد فشل الإعتماد والإتكاء على قوى خارجية . والأمثلة هنا على ذلك كثيرة , منها على سبيل المثال لا الحصر في التاريخ القريب , تخلي الولايات المتحدة عن حليفها الستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي شاه إيران عندما قامت الثورة الإسلامية عام 1979, وتخليها عن الرئيس المصري حسني مبارك الذي قدم لها خدمات كبيرة في حروبها ضد العراق , حيث تركته فريسة لما عرف بإنتفاضة الربيع العربي التي أطاحت به.وعلى صعيد تجارب الحركات الكردية المسلحة نفسها , إنهيار هذه الحركات بمجرد إتفاق الحكومتين العراقية والإيرانية عام 1975 , وفشل إستفتاء تقرير المصير الذي أجرته حكومة الإقليم وعدم قدرته على تحقيق أية نتيجة إذ لم تنفعها المراهنة على تأييد الولايات المتحدة الأمريكية , التي تخلت عنها طبقا لحساباتها ومصالحها في العراق والمنطقة .
لا نعتقد أن هناك ثمة حاجة لمزيد من التفصيلات لتحري واقع التغلغل الإسرائيلي في إقليم كردستان , أن ما أردنا قوله أن هذا التغلل واضح للعيان منذ سنين وآخذ بالتوسع والنفوذ ليس في الإقليم فحسب بل وفي مناطق أخرى كثيرة في العراق , كان آخر مظاهره الدعوة العلنية للتطبيع مع إسرائيل عبر مؤتمر تم تنظيمه والإعداد له جيدا في أربيل قبل مدة وجيزة ,تحت مرأى ومسمع سلطات الإقليم وبمشاركة علنية واسعة من شخصيات وفعاليات سياسية من مختلف الطيف السياسي العراقي , وقيام بعض المتظاهرين بمناسبة أو بأخرى برفع العلم الإسرائيلي في وسط مدينة أربيل عاصمة الإقليم دون حياء أو مراعاة لمشاعر المواطنين العراقيين في مدن العراق المختلفة , فضلا عن تصعيد روح الكراهية ومعاداة الثقافة العربية على الرغم من أن اللغة العربية لغة عالمية ولغة الدين الإسلامي الذي يدين به غالبية الكرد, لدرجة قيام بعضهم بتمزيق العلم العراقي أو حرقه في أكثر من مناسبة , كان آخرها مناسبة مبارة رياضية في أربيل.
فهل يا ترى أن هناك ثمة حاجة لقيام الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي لتشكيل لجان عبثية والقيام بزيارات ميدانية لتحري آثار موقع القصف الصاروخي الإيراني بحثا عن ماذا , فالفاعل أعلن عن نفسه بنفسه وأعلن عن سلاحه وعن أهدافه التي يعرفها خصومه وأعدائه . ونحن هنا لا نبحث عن أشباح أو كائنات قادمة من كواكب أخرى أو عن فيروسات أوبئة .
أن المطلوب هنا تحديد موقف واضح وصريح من قبل الحكومة العراقية في موضوع التغلغل الإسرائيلي في العراق سواء في كردستان أو سواها في مناطق العراق الآخرى , قبوله كما هو حاصل الآن أو رفضه جملة وتفصيلا بالأفعال لا بالأقوال, ومحاسبة الجهات التي تتعامل مع إسرائيل في السر والعلن إن كانت تلك هي سياسة الحكومة العراقية حقا. لا نعتقد بقدرة الحكومة العراقية تنفيذ ذلك في الوقت الحاضر , ما لم تستعيد الدولة قوتها وهيبتها وقدرتها على فرض سيطرتها على جميع مناطق العراق بتشكيلاتها المختلفة , وهو أمر لا يبدو أنه يلوح في الأفق في ظل الإنقسامات المجتمعية وتقاطع المصالح السياسية التي يشهدها العراق حاليا الذي ما زال غير قادر على تشكيل حكومته, على الرغم من مرور مدة طويلة على نتائج إنتخابات مجلس النواب التي قيل أنها إنتخابات مبكرة , الأمر الذي يفترض أن تفضي إلى تشكيل حكومة قوية ودون أي تأخير. كان الله في عون العراق وشعبه وحماه من كل مكروه .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟