|
السرد واللهجة المحكية في رواية -حنتش بنتش- محمود عيسى موسى
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7191 - 2022 / 3 / 15 - 21:16
المحور:
الادب والفن
السرد واللهجة المحكية في رواية "حنتش بنتش" محمود عيسى موسى بداية أنوه إلى أن هذه الرواية الثانية التي أجدها تركز على اللهجة المحكية، فبعد رواية "النخلة والجيران" لغائب طعمة فورمان، جاءت هذه الرواية لتؤكد أن العمل الروائي الجيد لا يخضع للغة الأدب، الفصحى، بقدر قدرة الروائي على إقناع المتلقي بما يقدمه في عمله، فالرواية لا تستخدم اللهجة المحكية (كتزويق)، بل بصورة مرتبطة بأحداث الرواية وبشخصياتها، فغالبية الرواة هم من الناس العاديين/البسطاء، لهذا جاءت اللهجة المحكية جزء من شخصيتهم وثقافتهم، ولم تأتي لتقتحم النص الروائي، من هنا، من يقرأ رواية "حنتش بنتش" سيجدها من أفضل ثلاثة أعمال روائية فلسطينية، "زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، "البحث عن وليد مسعود" لجبرا إبراهيم جبرا، فالمتعة التي يجدها القارئ في الرواية تجعله (يمزمز) عليه براحته، حتى أنه لا يريدها أن تنتهي، لما فيها من انسجام بين طريقة السرد واللغة المستخدمة وطبيعة الشخصيات، فالرواية تعد تحفة روائية يجب الالتفات إليها والتوقف عندها. السرد سنحاول أخذ نماذج من الرواية لتبيان طريقة السرد التي انتهجها الراوي فيها: "يقف الزلمة من تلا الحبل، ينزل الهاذ في الهذاك يغطس السطل في الماء ويرتفع في الهواء. سطول، يا مسطول، ينزلن فارغات ويطلعن ملانات، يعبن مي من تحت ويدريرن المي ع الران والران ع القناة اتنزل ع البركة. تمتلئ البركة، تفيض، ويسقي الجزماوية ملوخيتهم. تفرعن عروق اللوخية تحمر وتخضر أوراقها فتلمع فضتها في صفحة الفضاء السماوية" ص51، في هذا المقطع نجد ثلاثة أشكل للسرد، الأول جاء من خلال المقطع الأول، والذي بدا فيه المتكلم يتحدث لنا نحن المتلقين، لكن هناك شخص مجهول لنا أخذ الكلام "ينزل الهاذ في الهذاك" في غير محلة، مما استدعي السارد لتبيان ذلك له، مستخدما صيغة سرد جديدة، توضح المقصود بفكرة الحديث فخاطبه: "سطول، يا مسطول، ينزلن فارغات ويطلعن ملانات" حتى ينتبه إلى أن الحديث متعلق بسقي المزروعات في إجزم، فهنا الحديث متعلق بالمكان، الذي يحمل الجدية، ولا مجال لأخذ الحديث في غير موضعه. ثم نجد صيغة سرد جديدة تستخدم اللغة الفصحى: "تمتلئ البركة، تفيض، ويسقي الجزماوية ملوخيتهم" وكأن السارد من خلال الأشكال الثلاث التي استخدمها يوضح للمتلقين ـ على اختلاف ثقافتهم وفهمهم ومعرفتهم ـ ما يريده من هذه المشهد، فبدا وكأنه يعلم المتلقي (أسس) اللهجة المحكية حتى يتقدم أكثر من الرواية. وتأكيدا على أن السارد يتحدث بهذه اللغة المحكية بحميمية وحتى بقدسية نتوقف عند المقطع الأخير: "تفرعن عروق اللوخية تحمر وتخضر أوراقها فتلمع فضتها في صفحة الفضاء السماوية" فوجود الألوان: "تحمر، تخضر، فضيتها" ووجود ألفاظ أخرى متعلقة بالألوان/بالمشاهدة: "تفرعن (إشارة إلى الأخضر اليانع)، السماوية/الزرقاء" ووجود ألفاظ متناسقة ومركبة من نفس الحروف: "فتلمع، فضتها، صفحة، الفضاء" نلاحظ وجود حرفي الفاء والضاد فيها، وهذا ما يجعل المتلقي يشعر أن السارد متوحد/منصهر مع المشهد الذي يقدمه، فكانت الألفاظ مكملة للحميمية التي يتحدث بها، وهذا ما يجعل المتلقي يقترب إلى من اللهجة المحكية للتعرف عليها أكثر، والانسجام مع لغة السرد الروائي. "...جيرة عُمر.. بأجزم وبالمخيم مدرسة البلد على عرق جبل شنا دار عزيز من شنا وشمال في البيدر، ع حد البيادر المغر القديمة بجبل شنا منحوته في الصخر. المغارة من جوا مربعة تربيع، بابها منحوت نحت من هون جُرن ع طولها ومن هون جُرن ع طولها وفيها خوابي وتوابيت" ص54و55، نلاحظ أن السارد يقدم اللهجة المحكية بصورة واضحة، تُصل الفكرة للمتلقي، فعندما استخدم "المغر" اتبعها ب "منحوته في الصخر" والجميل في هذا الشكل من السرد أنه مطابق تماما لطريقة الحديث التي يستخدمها عامة الناس، فتكرار الألفاظ وتتابعها: "في البيادر، ع حد البادر المغر، ...مربعة تربيع" اسلوب يراد منه جذب المستمع إلى الحديث، فالتناسق والترابط أحد الأساليب المهمة في إثارة المتلقي ـ إن كان مستمع أو قارئ ـ لما يسرد. جميل أن نجد مشاهد رومنسية في الرواية، فهي تخفف على المتلقي وتجعله ينتشي بما يقدم له، لكن الأجمل هو طريقة تقديم المشهد، وجعل المتلقي يشعر بصدق/بحقيقة ما يُقدم، في هذا المشهد نجد جمال اللقاء بين "الساهي و "دانه" تماهيه مع السرد: "تصورت لك دانه عروس وهي تطلع من شقي الصدف بثوبها اللؤلؤي الصداف، تمشي حافية القدمين وأصابع من مرمر فوق اللجين الفضي، ثم تسرع.. تركض نحوك فيخرج كشكش ثوبها هدأة البحر فيموج ويشرئب البحر. تسرع أنت بالمقابل بثيابك غير المصدفة، سروالك الذي ينقص بعض لؤلؤات سقطن من لهفة، تتفرعط اللؤلؤات وبغصن إلى القاع، تمد ذراعيك نحوها، توسعهما في الهواء، تمد ذراعيها، يعلو الموج والثوب، ثوبها، لا يكف عن شق صفحة البحر... يهدر البحر الذي بحيفا، تقترب الاذرع، تضيقهما، تلفهما بتوق عارم لأهم لحظة حبية في الدنيا" ص166، اللافت في المشهد تماهي الألفاظ مع فكرة المشهد، فمن خلال: "اللؤلؤي/اللؤلؤات، كشكش، مرمر" التي تتكرر حروفها، ومن خلال تكرر: "البحر، الصدف/المصدفة/الصداف، ذراعيها/ذراعيك/الاذرع، الثوب/ثوبها" يمكننا القول أن السارد يتماهي مع سرده، ويعيش اللقاء بكل تجلياته، فتكرار الألفاظ والحروف يشير إلى حميمية اللقاء، وحميمية السارد بالحدث/المشهد، فنجده (أسير) للحدث من خلال (عدم قدرته) على إيجاد قاموس لغوي (يحرره) من هذا التكرار، إن كان بمتعلق بالألفاظ أو حروفها. كما أن الألفاظ التي تحمل معنى الثنائية: "شقي الصدف، ذراعيك، تضيقهما، تلفهما" تخدم أيضا فكرة تماهي السارد مع الحدث، ونجد الفضاء الأرضي والسماوي حاضرا من خلال: "البحر، الهواء" وهذا بسبب لقاء الأحبة، ونجد ذروة اللقاء جاءت بعد ذكرت "حيفا" فبدا السارد وكأنه يلقي حبين، حبه ل"دانه" وحبة ل"حيفا"، فجاء الجمع بين الحب الإنساني والحب المكاني بهذه الصورة الجامعة. ولم يقتصر السرد باللهجة المحكية على الفلاحين، بل تناول أيضا اللهجة الشامية المدنية: "أديش بشرب وبشوف ناس بتشرب، أنا وأعوز بالله من كلمة أنا، ما بحب أئعد مع حدن، بحب أشرب كاسي وأسمع لي شوية من عبد الوهاب" ص294، وهذا ما يوسع رقعة المتلقين للرواية ويزد عددهم، فالرواية لم تكتب بلهجة واحدة بل بلهجات شامية، كما أن اللغة الفصحى ساهمت في (توضيح) بعض الكلمات/الألفاظ التي يمكن أن تكون صعبة على المتلقين من خارج بلاد الشام.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزن والفرح في -قبر الماء- يونس عطاري
-
المرأة في ديوان -نساء يرتبن فوضى النهار- نمر سعدي
-
تنوع القص في مجموعة -الجرس- ناردين أبو نبعة
-
قراءة في كتاب تأملات في الصوفية الجمالية للكاتب جواد العقاد
-
ديوان تمسك بجناح فراشة حمدان طاهر
-
الأفعال في قصيدة -صورة بالية- عمر أبو الهيجا
-
الصورة الممتدة في ديوان - قيامة الأسوار- عبد الله عيسى
-
الكتابة والطبيعة والمرأة في ديوان -حين أولد في المرة القادمة
...
-
تقديم الأم عند -حمدان طاهر-
-
ديوان -أنثى البنفسج- ندى محمد أبو شاويش
-
ديوان -زفرات في الحب والحرب- 3- للشاعر هيثم جابر
-
المرأة في رواية -فوانيس المخيم- سليم النفار
-
المكان في رواية -فوانيس المخيم- سليم النفار
-
البراءة والمجتمع في رواية -جمعة لقفاري- مؤنس الرزاز
-
الشكل والمضمون في رواية متاهة الأعراب في ناطحات السراب مؤنس
...
-
الحلول في المكان/حوارة عند وجيه مسعود
-
أمي مريم الفلسطينية رائد محمد السعدي
-
ديوان هدنة لمراقصة الملكة سلطان القيسي
-
الحلول والوحدة في رواية - الصامت- شفيق التلولي
-
العزيمة تربي الأمل أماني خالد حشيم
المزيد.....
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
-
”أحـــداث شيقـــة وممتعـــة” متـــابعـــة مسلسل المؤسس عثمان
...
-
الشمبانزي يطور مثل البشر ثقافة تراكمية تنتقل عبر الأجيال
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|