أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الماجري - -الجهل العقلاني- و-المعرفة اللاعقلانية-















المزيد.....


-الجهل العقلاني- و-المعرفة اللاعقلانية-


زياد الماجري

الحوار المتمدن-العدد: 7186 - 2022 / 3 / 10 - 11:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن إسقاط نظرية "الجهل العقلاني" على المجال السياسي يعطينا رؤية لحدود ما يمكن لخطاب المشاركين في الحياة السياسية أن يضيفه لفهم ووعي المواطن البعيد عن السياسة أي المقدار الواقعي من الوعي الذي ينبغي ان ينتظره السياسي من جمهوره.
والواقع أنه، وبسبب تعقيد الواقع السياسي والاقتصادي، يبدو الوضع للمواطن واقعا غير عقلاني وغير منطقي يدفعه من جهة إلى التوجه نحو الأجوبة المبسطة المختزلة التي لا تفسر الواقع بقدر ما ترضي قدراته التحليلية البسيطة، ومن جهة أخرى نحو تجزئة وتقسيم محيطه ومجتمعه ضمن مجموعات وهمية تساعده على تقبل هاته التفسيرات.
إن المواطن البعيد عن الاقتصاد مثلا، وعندما يحاول فهم أسباب أزمة الاقتصاد، لا يقدر على فهم معطيات من قبيل "نظرية الفقاعة الاقتصادية" او "نظرية متلازمة هولاندا" أو "نظرية فائض القيمة" لكنه سيجد طمأنينة نفسية وهو يفسر الأزمة بالفساد وبالمؤامرة دون ان يبذل مجهودا واقعيا في تعريف الفساد او تحليل عوامله وظواهره أو نتائجه أو خطوات مواجهته..
والأدهى أن المستفيدين المباشرين من هذا "الشواش" أو الفوضى المنظمة لا يجدون مانعا من صيانة الوضع ليبقى كما هو ولتبقى امتيازاتهم قائمة معتمدين في ذلك خطابا شعبويا مبسطا مختزلا مباشرا يبقيهم في الصدارة كرواد للتغيير.
ولعلنا اليوم نميل لنفس رؤية ابن رشد وهو يدعو لضرورة إبعاد العامة عن العقلانيات وعن ماهو فوق فهمهم...
ملحوظة: نظرية الجهل العقلاني أو قانون الجهد الأقل: نظرية وضعها أنتوني داونز وتقول بأن العقل البشري عامة يميل لعدم بذل العقل لجهد (في التفكير قبل
قرار ما) أكبر من مخاطر ذلك القرار اتخاذ
إن كون السياسة منظومة معقدة بذاتها ليس مما يدعو للاستغراب بل هو مما يمكن الاتفاق عليه. لكن احد أهم أوجه الاختلاف بين المنظومة السياسية وبين اغلب المنظومات المعقدة الأخرى هو ان كل أفراد المجتمع مشاركون في تكوين وسيرورة المنظومة كعناصر مؤثرة ومتأثرة.
قد يمكن أن يندثر الجنس البشري بأسره دون أن تتوقف المنظومات البيئية عن الوجود ودون أن تتوقف دورات عناصر منظومة المناخ ودون أن تتوقف المنظومات النجمية -بما فيها منظومتنا- عن الحركة، ولكن وجود المجتمع البشري رهين وجود أفراده، وما السياسة إلا التعبير الفعلي والتفاعلي عن المجتمع، فالمنظومة السياسية إذن هي مجموع أفكار وقدرات ورؤى المجموعة الإنسانية وهي بذلك لا تستقر إلا باستقرار الأفراد ولا تتغير إلا بتغير الأفراد.
و"الجهل العقلاني" للأفراد بالسياسة لا يتعارض في الواقع مع القدرات الذهنية للأفراد، فالجهل هنا ليس مرادفا للغباء بل هو نتيجة منطقية أولية لتعقيد المنظومة السياسية ولغياب الحوافز التي تدفع الأفراد إلى بذل الجهد العقلي للتعمق والفهم ولغياب مؤشرات الخطر الناتج عن عدم بذل هذا الجهد.
هذا الغياب يتعزز خاصة بفكرة أخرى دائمة الحضور وهي فكرة ضآلة دور الفرد وضآلة تأثيره أمام ضخامة وأهمية المجموعة، فإذا كان رأي الفرد غير ذي أهمية أمام رأي المجموعة، فإن المجهود العقلي الذي سيبذله هذا الفرد هو مجهود زائد وضائع وخاصة دون مقابل مباشر بل وقد يكون له تأثير على نظرة المجموعة للفرد وبالتالي نظرته هو ذاته لنفسه، فالجهل العقلاني هنا ناتج ليس عن الغباء بل عن ذكاء اجتماعي غريزي تكون من رغبة الفرد في الحفاظ على ذاته ضمن المجموعة ومن رغبته في الحفاظ على طاقته العقلية ضمن الحد الضروري للوجود كجزء من المجموعة.
وإذا كان "الجهل العقلاني" نتاجا للذكاء الاجتماعي، أ فليست "المعرفة العقلانية" مرادفة للغباء الاجتماعي؟ أليس "بذل مجهود إضافي او غير ضروري" للتفكير يشكل خطرا على مكانة الفرد في المجموعة ويشكل تهديدا لموقف المجموعة منه ولنظرته لنفسه؟
في الواقع، فإن الديموقراطية تضعنا في مواجهة مباشرة مع الجهل الإرادي، فهي تتطلب أن يختار أكبر قدر ممكن من الأفراد بين اختيارات يفترض أن تكون جميعها عقلانية ومختلفة في أن واحد لدرجة تجعل الفرد يبذل جهدا في التفكير وفي الاختيار. بل إن الديموقراطية تقاس بمعيار عدد الأفكار المطروحة والمتناقضة وبعدد الأفراد المشاركين في الاختيار بين رؤى تمثل طروحات وتفسيرات وحلولا لمنظومات معقدة بذاتها كالاقتصاد والأمن والتعليم. وبمعنى آخر، فمدى نجاح الديموقراطية يكاد يقاس بمدى قدرة الأفراد على الخروج من دائرة الجهل العقلاني والذكاء الاجتماعي والنفعية إلى رحاب المعرفة اللاعقلانية والغباء الاجتماعي والمثالية، فإما هذا أو يصبح كل الأفراد قادرين على دراسة واستيعاب تخصصات وفروع المجالات المدعووين للنظر فيها من القانون الى العلوم مرورا بالاقتصاد والدين والفلسفة والاجتماع وغيرها.
ولأن مشاركة الأفراد هي الشرط الأول للديموقراطية او على الأقل للإيحاء بوجود ديموقراطية، فقد تم تجنيد واستخدام كل وسائل وهياكل السياسة لتحقيق هذا الشرط، وهو استخدام أتى بأكله بالنظر الى عدد الأفراد المشاركين في الانتخابات، وهو عدد يتزايد بتناسب طردي حسب قدرة كل دولة على توجيه أفرادها بطريقة غير مباشرة، وحسب قدرة أجهزة الآلة السياسية على استغلال محيطها من إعلام ومؤسسات أكاديمية وهياكل إدارية وغيرها، وهي طبعا تتضاءل مع تضائل قدرات الدول على التحكم والسيطرة في مجالها البشري بطريقة غير مباشرة إلى الحد الذي يجعلها إما إلى وسائل مباشرة من إجبار وإكراه وتزوير وإما تتخلى عن قناع الديموقراطية فتعلن نفسها ديكتاتورية.
وأمام ضغط وإكراه المنظومة السياسية من جهة وإغراءاتها من جهة أخرى، يتحول الأفراد إلى أرقام تعزز شرعية قادة السياسة المختلفين ليتضافر الخطاب الشعبوي التبسيطي والجهل العقلاني وعبثية المقارنة والاختيار في إنتاج مشهد سياسي لإنتاج مجتمع متفق على ضرورة أن يكون موحدا متجانسا حتى يذوب فيه الفرد وهو تارك لزمام نفسه بطمأنينة، ولكنه -ويا للمفارقة- مجتمع متصارع حول شكل المجتمع الذي ينبغي أن يكون فينسحب الفرد غالبا باحثا عن سلامته من التفرد والتمايز تاركا المسؤولية لقادة السياسة معوضا عن عجزه عن الفهم باعتبار الآخرين -أي كل منهم مخالفون لفكرته عن المجموعة المنشودة- خونة أو أغبياء أو مخدوعين وهو يتجاهل عمدا أن الآخر ينظر له بذات النظرة لتتحول السياسة شيئا فشيئا إلى مصنع للجهل وللشعبوية بيد طبقة تدرك تماما كيف تدار دواليبها.
إن السياسة إذن تحتاج وبشدة إلى أدوات إسناد تخفف من وطأة الجهل المتعمد للأفراد ومن قدرة الخطاب التبسيطي للظواهر المعقدة ومن عبثية إعطاء الاختيار في المطلق لمن لا يملك المعرفة الضرورية.



#زياد_الماجري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الماجري - -الجهل العقلاني- و-المعرفة اللاعقلانية-