|
حوار صريح مع الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز
عبد الامير الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 1667 - 2006 / 9 / 8 - 09:33
المحور:
مقابلات و حوارات
تراجع دور المثقف في مجتمعنا العراقي لصالح السياسي
المنفى يمكن ان يكون وطنا ثانيا ، ولا يمكن ان يكون وطنا ثابتا
عالمنا بحاجة لعولمة بديلة انسانية تساهم في خلق ثقافة كونية انسانية لا تكون في تعارض مع الثقافات القومية والوطنية المحلية
عام 1996 ، ساهمت شخصيا مع اخرين ، في مدينة توركو ، العاصمة التاريخية لفنلندا ، حيث اقيم ، في تنظيم امسية سينمائية للفنان العراقي "قاسم حول " ، وعرضنا له فلمه " البحث عن ليلى " ، بعد العرض اقترب مني يومها وبحيوية شاب اربعيني ، قبل لقاءه سبقته اخبار نشاطاته السياسية ، عرف بنفسه ، ومباشرة بدا بطرح سيل من الاسئلة ، وبعد اسبوع ظهر في مجلة "رسالة العراق " ، الصادرة في لندن ، تقرير ثقافي شامل عن ذلك النشاط بتوقيع : " يوسف ابو الفوز ". وتحت هذا التوقيع استمرت الاخبار والتقارير الصحفية بالتدفق من هلسنكي الى صحف المنفى العراقية وبعض الصحف العربية ، عن نشاطات الجالية العراقية ، وعن الحياة والاحداث السياسية والثقافية في البلد . وصار اسم " ابو الفوز " يتردد ايضا في وسائل الاعلام الفنلندية ، لقاءات تلفزيونية ، مقالات صحفية ، ندوات ثقافية وسياسية ، وثم وكأول كاتب اجنبي مقيم في فنلندا نشر له عام 2000 كتاب قصصي مترجم الى اللغة الفنلندية . يوسف ابو الفوز ، كاتب وسياسي دائم الحضور ، ومتابع جيد ، له رأي في كل ما يجري ، واسع العلاقات ، وجه معروف بين اوساط الجالية العراقية وبين الاوساط الثقافية الفنلندية ، وحريص على متابعة نشاطات الاخرين والتعريف بها . في جلسة حوار صريح امتدت على عدة جلسات ، اتخذ الحوار فيها مسارات عديدة ، والاسئلة معه رغما عنك تتشعب في مختلف المواضيع ، وفيها كلها تجد له رأيا تتفق او تختلف معه ، ولكنه بدبلوماسيته التي اكتسبها خلال تجربة طويلة في العمل السياسي يفرض عليك ان تستمع اليه ، ورغم ان صراحته ومباشرته ربما تثير البعض احيانا ، الا انه من السهل تلمس تواضعه وروح الصداقة في سلوكه وكلامه : ** ابا الفوز في البدء حدثني عن البدايات ، عن اسباب تعلقك ـ اسمح لي ان اقول ـ الخرافي بالكتابة ، هل هو البيت ، البيئة ، الحاجة ، ام انها مجتمعة تمثل لك المعبود الاوحد الذي لا سواه ؟ ـ البدايات ، ساهم بتطورها ونموها عدة عوامل ، اهمها اجواء العائلة . عشت وسط عائلة ارتبطت بنضالات قوى اليسار العراقي ، فالاجواء الفكرية التقدمية ، والعلاقات العائلية المتسامحة ، غير المتزمتة ، والكتب والمجلات ، والنقاشات "ثقيلة الوزن" كنت اجدها حولي كل يوم ، وهكذا لم يكن غريبا وسط هذه العائلة ، ان يكتشفني اخي الاكبر اقرأ " عبرات " المنفلوطي وانا في الرابع الابتدائي ، وان اكتب اول قصة قصيرة وانا في عمر الثالثة عشر ، وان ازاول النشاط الصحفي بأحتراف وانا طالب في السنة الاولى من الدراسة الجامعية. ايضا لا يمكن تجاوز القول باني كنت محظوظا بمجموعة من المدرسين ، المربين الحقيقين ، الرائعين ، الذين وبشكل مبكر وبروح مسؤولية عالية وجهوني بشكل مناسب وصحيح وساعدوا على نمو قدراتي. هكذا وجدتني وانا طالب في الدراسة الاعدادية اغرق بشكل حقيقي في كتب التراث العربي والادب الحديث ، ابن عبد ربه والجاحظ وجبران وطه حسين وغيرهم كثيرين ، بحيث ان مدرس اللغة العربية في الرابع الاعدادي ، حين طلب من كل طالب ان يكتب معلومات اضافية من صفحة واحدة عن شاعر من المنهج الدراسي وجدتني متطوعا اكتب اول بحث ادبي في حياتي وجاء باكثر من عشرين صفحة عن الشاعر المتنبي وذلك بأعتماد عدة مصادر، واذكر ان الصديق الفنان التشكيلي المعروف هاني مظهر ، وكان زميلي ايامها في المدرسة خط لي بشكل فني عناوين البحث. طبعا هناك عوامل اخرى يطول الحديث عنها ، منها الارتباط المبكر بالنشاط المنظم الطلابي والسياسي ، يمكن القول اني وبشكل مبكر بدأت اجد نفسي في الكتابة ، وحين بدأت ادرك ان الكتابة يمكن ان تؤدي رسالة اجتماعية وانسانية ، وهي وسيلة نضالية من اجل حياة افضل للناس الفقراء والبسطاء بدأت اكرس كل جهدي للكتابة ، فصارت هاجس دائم ، او كما تشير انت بشكل صحيح ، معبودي الذي فيه اجد ذاتي ، وصرت اكتب كل يوم ، لتكون واحدة من اداوتي الفاعلة لايصال افكاري من اجل عالم افضل . ** وما هي ادواتك الاخرى ؟ ـ النشاط السياسي . ـ اتابع نشاطك السياسي واراه يحتل مساحة ليست قليلة من وقتك ، الا ترى ان هذا يكون على حساب الكتابة ؟ ـ سؤال موجع جدا لي ككاتب ، لانك ببساطة اصبت الحقيقة . اجبت مرة على سؤال مشابه ، وقلت ان الوضع السياسي في العراق، وتراجع دور المثقف في مجتمعنا العراقي لصالح السياسي لاسباب عديدة ، ومن اجل ان اقدم شيئا مباشرا ملموسا لابناء شعبي ، جعل السياسي في داخلي يزاحم الكاتب بل وكثيرا ما يتقدم عليه . احرص على الموازنة بين المثقف والسياسي في داخلي وان لا يكون هناك تعارض في نشاطهما ، وان يخدم احدهما الاخربشكل ما . هل نجحت ؟ المس ـ واتالم ـ كون العمل السياسي وتفاصيله كثيرا ما يكون على حساب وقت الكتابة ، والا ما سبب انه تحت يدي ومن عدة سنوات ترقد مشاريع عدة كتب ادبية لا تزال تنتظر الانجاز ولا احتاج سوى التفرغ عدة اشهر لانجاز كل منها . ** من خلال متابعتي لك انت نشط سياسيا وثقافيا ، وغزير الانتاج الثقافي : مجاميع قصصية ، كتب مذكرات ، كتب ادبية مشتركة ، افلام وثائقية (سيناريو واخراج ) ، مئات وربما الاف المقالات في الصحافة العراقية والعربية والفنلندية ، تؤرشف بها ضمير الشعب وحياة العراقيين في الداخل والمنفى ، وتحت يدك عدة مشاريع ادبية جاهزة وقيد الانجاز ، كيف حققت كل هذا ، وهل تلاقي بعض الصعوبات من الاخرين بسبب ذلك ؟ هل تثير نشاطاتك حفيضة الاخرين ، ام حبهم ؟ ـ انت تعاود طرح الاسئلة المركبة ولكنها ليست " مربكة "( يضحك ). بشكل مبكر وانا في العراق ، تعلمت تنظيم الوقت والاستفادة منه . تعلمت ان لا اضيع وقتي بأشياء غير ضرورية ، ابذل جهدي ، واجتهد ، لتشخيص ما هو ثانوي وما هو رئيسي في عملي . حياتي في اوربا صقلت هذا الامر اكثر. يمكن القول ان زوجتي ربما هي من النساء السعيدات في العالم لانها تعرف اين تجدني في اي لحظة ، لانها تعرف مسبقا برنامجي ولايام طويلة . جدول عملي دقيق ، وفيه اكون صارم مع نفسي ، اترك فيه مساحة مناسبة لعائلتي ولاصدقائي ، لكن المساحة الاهم تكون لعملي ونشاطاتي . في عملي ، وحياتي الاجتماعية ، تعلمت ان احترم واعير اهتماما للملاحظات البناءة ، واتعلم من كل انسان اشعر ان دوافعه مسؤولة ، ولديه ملاحظات بناءة يقدمها لي وللاخرين ، ولكنني ايضا بنفس الوقت تعلمت جيدا تجاهل وتجاوز واهمال كل تصرف وملاحظة تنطلق من دوافع ذاتية مصدرها الغيرة او الحسد او اسباب اخرى لست معنيا بها . اتفق معك بأن نشاط الانسان الفاعل احيانا يثير حفيظة "البعض " ـ ضع البعض بين قوسين ارجوك ـ ، وهذه يا صاحبي مشكلة هذا "البعض " المسكين ، وليس مشكلتي . ما يهمني والتفت اليه ، واحترمه دائما ، هو هذا الحب الذي يحطيني به القراء الحقيقين ، والناس الواعين ، المتابعين لطبيعة عملي ونشاطي الثقافي والسياسي . استلم العديد من الاتصالات والرسائل ، واخوض احاديثا مباشرة مهمة مع قراء ومتابعين نبهين ، اذكياء ، واتعلم منهم الكثير، هؤلاء يدفعون "يوسف ابو الفوز" لتقديم المزيد من الاعمال والنشاطات . ** كيف ولد اسم : يوسف ابو الفوز ؟ اسمي الصريح : يوسف علي هداد ، وانا فخور جدا باسم والدي ، عامل السكك ، الكادح الفقير ، الذي لم يترك لابناءه بعد وفاته سوى ادوات عمله وتأريخه المشرف ، والذي تمتع بصفات نادرة من الايثار من اجل تربية ابناءه ، والذي زرع فينا روح الاستقلال والابتعاد عن الاتكاء على اسم قبيلة او مدينة والخ . وبالمناسبة فأن " هداد " اسم قديم وله معنى جميل ، فهو اله الريح في الاساطير الشرقية ، واحسد اشقائي لانهم يستخدمونه في نشاطاتهم الثقافية والسياسية ، ولكني حرمت من استخدامه رغما عني . في الايام المبكرة من نشاطي في " اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي " ، وهي منظمة شبابية عراقية ، عملت تاريخيا في ظروف ملاحقة بوليسية ، كان التقليد ان يكون لكل عضو كنية خاصة به لدوافع امنية ، فاخترت اسم " ابو فواز " لاسباب يطول شرحها ، وحين بدأت الاوضاع السياسية تسوء نهاية سبعينات القرن الماضي ، واضطررت عام 1978 للاختفاء في عدد من مدن العراق ، منها بغداد ، ووسط اجواء الملاحقة الشرسة من قبل اجهزة امن النظام الديكتاتوري المقبور ، كان علي ان اختار اسما مستعارا للتعامل اليومي يكون قريبا من الكنية التي عرفت بها للتضليل ، فاخترت اسم " فوزي ". بعد هروبي من العراق وحين بلغت الكويت صيف عام 1979 وتوفرت لي فرصة كتابة عمود اسبوعي في مجلة "الطليعة " الكويتية ، وكان تحت عنوان "دردشة" ، واثار حينها حفيظة سفارة نظام العفالقة ، وحفاظا على الاهل والاقارب داخل العراق من عواقب ردود فعل الاجهزة الامنية ، وقعت كتاباتي اولا باسم "فوزي ابو الفوز " ، ثم تدريجيا ابقيت " ابو الفوز " وحدها ، وواصلت الكتابة بهذا الاسم المفرد المستعار طويلا ، اذ صدرت لي اول مجموعة قصصية عام 1985 ، في كوردستان العراق ، ونشرت لي مجموعة من القصص القصيرة في مجلة "الثقافة الجديدة " تحت هذا الاسم . وهكذا صار اسم " ابو الفوز " كنية ادبية واسم في التعامل اليومي ، حتى عام 1990 وكنت في دمشق ، اساهم مع الشاعر كامل الركابي في اعداد ملف عن احداث "الانفال" لمجلة الثقافة الجديدة ، وطلب مني استاذي وصديقي الدكتور غانم حمدون ، وكان وقتها رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة ، ان اتخلص من اسم " ابو الفوز " المفرد واجد اسما مركبا لاوقع به مساهمتي في الملف، ولم اشأ استخدام اسم اخر مغاير ربما يلغي نشاطاتي السابقة ويجعل من الاسمين وكأنهما شخصين مختلفين . سمع الحديث الشاعر الصديق مخلص خليل ، وفي نفس اليوم ونحن نتناول طعامنا في مطعم دمشقي سالني العزيز مخلص خليل بحب : " ابو الفوز ما هو اسمك الاول الصريح ؟ " فقلت : "يوسف " ، فصاح : المسألة محلولة : "يوسف أبو الفوز" . وهكذا ولد اسم صار جزءا من حياتي وشخصيتي . * وما هو جديد يوسف ابو الفوز على الصعيد الادبي ؟ شهور صيف العام 2005 ، تفرغت تماما وانجزت المراحل الاخيرة لكتابة رواية ، استغرق فيها البحث والعمل فترة اربع سنوات. حاولت فيها معالجة موضوع التلاقح الحضاري من خلال مقاربات ميثولوجية ، وايضا من خلال رصد حياة العراقيين عربا واكرادا في فنلندا ، وتأثيرات المنفى الاوربي على الحياة الاجتماعية . صديقي ، والذي ترجم كتابي القصصي " طائر الدهشة " الى اللغة الفنلندية ، الباحث الدكتور ماركو يونتنين ، والذي واكب عملي في الكتاب الجديد ، وعايش تطور احداث الرواية ، وتحمس لها وقرر ترجمتها الى اللغة الفنلندية . ومن حوالي عام ، ونحن في مفاوضات مع دور النشر الفنلندية ، واخيرا تم الاتفاق مع دار نشر فنلندية على العمل لاصدارها باللغة الفنلندية في خريف العام القادم . ولا يفوتني القول ان الاخ المبدع قيس قره داغي لا يزال ينتظر مني ارسال النسخة النهائية لنفس الرواية للمباشرة بترجمتها الى اللغة الكوردية بعد ان تحمس لموضوعها . لحد الان لم اخض في امور طباعتها باللغة العربية ، ثمة رغبة عندي لان تصدر في وقت واحد بأكثر من لغة . • عرض لك مؤخرا التلفزيون الفنلندي فلما وثائقيا ، نال اعجابي شخصيا ، واستقبل من كثيرين بشكل جيد ، حدثني عنه ؟ عند زيارتي الاخيرة للعراق ، شتاء 2004 ، اصطحبت معي كاميرا فيديو. فكرت بالاستفادة من المادة المصورة ، وتوظيفها في تقديم انطباعاتي عن زيارة تمت بعد غياب 27 عاما . الفلم موجه اساسا للمشاهد الفنلندي . اسميت الفلم (عند بقايا الذاكرة ) . كنت مسبقا اعرف اني ذاهب الى خراب . الوطن من احتلال نظام ديكتاتوري الى احتلال اجنبي ... الشعب من ارهاب حكم البعث الفاشي إلى ارهاب و احتلال وتكفيريين وعصابات السرقة . كل شئ تغير ، المدن ، الناس والاشياء . كنت ذاهبا لترميم ذاكرتي فوجدت الشواهد غائبة . اصدقاء الطفولة والصبا بين قتلى في حروب لا ناقة ولا جمل لهم بها وبين شهداء على يد نظام دموي شوفيني . حاولت في الفلم ، وهو نصف ساعة ، ومن خلال وجهة نظري ووجهة نظر زوجتي ابنة كوردستان ، ان نقدم انطباعات لما جرى ولمسناه في العراق ، في كوردستان ، وتحديدا في حلبجة ، وفي بغداد ، وفي السماوة . حاولت في الفلم تلمس ذلك بالصورة والكلمة من زوايا انسانية بعيد عن الخطاب السياسي المباشر. ما وصلني من انطباعات عن الفلم تشير الى ان الفلم اوصل الى المشاهد ، والفنلندي خصوصا ، رسالة انسانية عن مآس الشعب العراقي ، و اثار العديد من الاسئلة و هو الامر المهم. ** ماذا علمك المنفى ؟ ماذا اضاف لك ؟ وماذا حذف منك ؟ هل لا تزال تعتبر المنفى محطة انتظار ، ام اصبحت هذه المحطة بيتك ؟ ـ المنفى اعطى كل المثقفين العراقين فضاءا واسعا من الحرية ، فيه حلق كل واحد على طريقته . وانا منهم . فضاء الحرية ، جعلني اكتب كما اريد ، دون قيود ، ووفقا لمعايير الفن والاجتهاد الفكري التي اكتسبتها خلال تجربتي الثقافية والاجتماعية . المنفى جعلني اتوازن بأكتشاف ذاتي الانسانية اكثر . ان الاحتكاك بالاخر ، ثقافة وحياة وقوانين ، تجعلك تكتشف نفسك . المنفى مرآة واسعة جعلتني كأنسان ارى بعضا من حواشي الرخوة ، فكريا واجتماعيا ، فاجتهدت لتشذيبها من حياتي وعملي ككاتب وانسان . المنفى يمكن ان يكون وطنا ثانيا ، لكن لا يمكن ان يكون وطنا ثابتا . جذور الانسان الاولى مهمة واساسية ، تحدد هويته الثابتة ، وبالامكان ان تنمو لك جذورا جديدة ، لكنها لا تستطيع محو جذورك الاولى . السماوات الجديدة لا يمكن ان تحجب السماء الاولى . المبدع يعيش في حالة قلق وانتظار دائم ، وفضاء الحرية للمبدع يمكن ان يكون هو الوطن الخاص به ، في العراق او في فنلندا او في الصين . عام 1994 عشت تجربة قاسية في سجون استونيا استمرت عشرة شهور ، لكني وانا داخل الزنزانة ، وحين كنت اكتب بدون رقيب واجد نصوصي تنشر في صحافة المنفى العراقي وافكاري تصل للاخرين ، اشعران حرية الكتابة تكسر جدران الزنزانة وتعطيني شعورا اخر بما فيه نوع من التالف مع الزنزانة . فانت سجين رغما عنك وان كنت تظن نفسك طليقا في " وطنك " ، حيث في الشارع وفي المنزل تكون عصا وسكين الجلاد والرقيب ـ باشكاله المختلفة ـ فوق رقبتك . ** شخصيا من المتابعين باعجاب لنشاطك ، وفي معرض انشغالك بكل اشياءك الجميلة ، التي تعيشها بعمق كطفل يتعلق باشياءه او يتوحد معها ، وفي معرض المطلوب بالحاح من كل الاخرين ، ، هل لا تزال هناك مساحة للتامل ، ان كان هناك ، كيف تمارسه ؟ ـ التأمل يا صاحبي هو الفضاء الداخلي الخاص لاي مبدع لخلق وصقل افكاره ، وعملية التأمل اجدها عملية مستمرة ، وبدونها تتوقف عملية الابداع . هناك حالة تامل معينة ، نسبية ، عند مصادفة كل شئ ، كأن يكون زهرة ، وجه امرأة ، طفل ، او ضحكة ، الخ . الانسان بشكل عام بحاجة لاعادة صياغة مفردات حياته بأستمرار ، وهذا يتطلب منه ان يرى دواخله بوضوح ، ولا يتم ذلك الا من خلال حالة تأمل توفر له حالة تفكّر ومراجعة . شخصيا ، هنا في محل اقامتي في فنلندا ، ابني علاقة طيبة مع الطبيعة خصوصا الغابات الفنلندية الشاسعة بتفاصيلها الثرية ، وايضا مع البحر والموسيقى ، فمع حالة من الاسترخاء الواعي احاول باستمرار اعادة صياغة مفردات معينة من جديد . وكامثلة تجدني بين الحين والاخر اتجول في الغابات القريبة من محل سكني ، خصوصا ايام الشتاء حيث يمنحني سطوع الثلج ونقاءه بهاءا روحيا خاصا . وسنويا ، كل خريف ، اشارك مع اصدقاء فنلنديين في معسكرات صيد الغزلان ، ليس من اجل طقوس الصيد وحده ، بل لاجل التوحد مع تفاصيل الطبيعة. وكذلك بين الحين والاخر اشارك في رحلات بحرية تتيح لي الانفراد طويلا مع البحر الهائل ، وتعوّدت زوجتي والاصدقاء هروبي الدائم منهم لانفرد مع البحر على سطح السفينة في جلسات تأمل طويلة . ** موضوعة المنفى تشغلني شخصيا ، انا شغوف بالحديث عنها دائما ، لانها ببساطة حياة بين بينية ، تمنح الكثير من الحرية ، وتسلب الكثير من الفردانية ، وكونك ماركسيا ، هل تؤمن بالهوية الثقافية للمجموعات البشرية في ارضنا اليوم ، اعني ارض تطبيق العولمة ؟ وحتى اكون اكثر وضوحا هل هناك ميزات ثقافية لعالمنا الي نعيشه اليوم ؟ ـ العولمة يا صاحبي كما هو معروف ظهرت في الأساس كظاهرةٍ اقتصادية ، وذلك من خلال تقديم ما يسمى بـ"اقتصاد السوق الحر"، الذي يقوم بخصخصة مؤسسات القطاع العام وتشريع قوانين تجعل اللاعب الاساس هو الشركات متعددة الجنسية ، التي ومن اجل الربح وحرية حركة رؤوس اموالها صارت لا تعترف بالهوية الوطنية والقومية ، وصارت تسخر كل شئ من اجل اهدافها النفعية والربحية ، ومن ذلك عالم الثقافة وما يدور في فلكها . الثورة المعلوماتية ، وكما تعرف ، اعطت العولمة دفعة جبارة الى الامام ، وليصبح العالم من وجهة نظري مجرد زقاق في قرية ، وليترك ذلك بصماته القوية على اي نشاط اقتصادي او سياسي او ثقافي . الثقافة العالمية او الكونية ، العابرة للقارات ، التي يحاول ان يؤسس لها الكثيرين نجد لها اكثر من وجه . شخصيا اؤمن بان الحضارات تتحاور ولا تتصارع كما يذهب بعض المنظرين من المبشرين بالعولمة الراسمالية. وهكذا فعالمنا بحاجة لعولمة بديلة انسانية تساهم في خلق ثقافة كونية انسانية لا تكون في تعارض مع الثقافات القومية والوطنية المحلية ، بل تتفاعل معها وتنهل منها . نعم ، هناك الان نوع سائد من الثقافة الكونية الاستهلاكية يزحف مع ثقافة الاستهلاك الراسمالية ، وهذه لها قدرات هائلة على الاختراق وتهميش بقية الثقافات من خلال نزعة الغطرسة وعدم التفاعل مع الثقافات المحلية ، وهناك من جانب اخر ملامح ثقافة كونية انسانية تقف الى جانب قيم الانسان العليا ، في سعيه من اجل العدالة الاجتماعية والحرية والسلام والتقدم ، وتتحاور بأحترام مع الثقافات الاخرى ، فالثقافة الكونية الانسانية يفترض ان تكون مجموع الثقافات القومية منسجمة ومتكاملة في انماط معرفية مختلفة . الثقافة الكونية الانسانية اللااستهلاكية يفترض بها ان تحترم وتراعي الهوية الثقافية للمجموعات البشرية . بطاقة الكاتب يوسف أبو الفوز • الاسم الكامل : يوسف علي هدّاد • مواليد مدينة السماوة 20/3/1956 • ظهرت كتاباته الصحفية والقصصية في العديد من الدوريات والنشريات العراقية والعربية والفنلندية . • لأسباب سياسية اضطر لمغادرة العراق صيف 1979 • التحق بقوات الأنصار في كوردستان العراق ربيع 1982 لمقاومة النظام الديكتاتوري، حتى حملة الإبادة المسماة بـ" الأنفال " في صيف 1988، حيث بدأت رحلته مع التشرد والمنفى . • في رحلة البحث عن سقف آمن اعتقل في استونيا وقضى عام 1994 في السجون الاستونية • مقيم في فنلندا منذ مطلع 1995 • عضو نقابة الصحفيين في كوردستان العراق • عضو نادي القلم الفنلندي • عضو منظمة Killa الثقافية الفنلندية للكاتب 1. عراقيون ـ مجموعة قصصية (عن تجربة الأنصار في كوردستان العراق) إصدار رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين ـ الأنصار/1985 في كوردستان العراق . 2. في انتظار يوم أخر ـ سيناريو تسجيلي ( عن معاناة اللاجئين العراقيين في روسيا ) السويد عام 1993 . 3. انشودة الوطن والمنفى ـ قصص ( مشترك مع مجموعة من الكتاب العراقيين) عام 1997 توزيع دار الكنوز الادبية ـ بيروت 4. طائر الدهشة ـ قصص ( عن المنفى واللجوء العراقي) دمشق ـ دار المدى 1999. 5. الطائر السحري ـ ( مجموعة طائر الدهشة باللغة الفنلندية ترجمة الدكتور ماركو يونتونين ) هلسنكي عن دار LIKE عام 2000 . 6. تضاريس الأيام في دفاتر نصير ـ مذكرات ونصوص (عن تجربة الأنصار في كوردستان العراق) دمشق ـ دار المدى 2002 7. شقائق النعمان . خواطر وشهادات (مشترك مع كتاب عراقيين عن شهداء الحزب الشيوعي العراقي في الذكرى السبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي) منشورات طريق الشعب ـ بغداد 2003 8. لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال . ( شهادة نصير عن احداث الانفال من زاوية ما تعرض له الاطفال الاكراد ) السليمانية ـ وزارة الثقافة الكوردية 2004 9. رحلة السندباد ـ فلم تلفزيوني وثائقي . سيناريو واخراج، 30 دقيقة.(عن المنفى واللجوء العراقي) انتاج التلفزيون الفنلندي عام 2000 10. عند بقايا الذاكرة . فلم تلفزيوني وثائقي . سيناريو واخراج . 30 دقيقة (انطباعات الكاتب عند زيارته العراق بعد سقوط نظام صدام حسين) انتاج التلفزيون الفنلندي 2006 . 11. للكاتب عدة كتب ادبية مخطوطة تنتظر فرصة الطبع ، وعدة مشاريع أدبية قيد الانجاز.
#عبد_الامير_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|