أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - لعبة الشياطين والملائكة














المزيد.....

لعبة الشياطين والملائكة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7182 - 2022 / 3 / 6 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خشية من تحول حرباً باردة إلى جحيم نووي حارق قد لا ينجو منه حتى الكوكب ذاته، تفتحت أمخاخ بعض النجباء عن فكرة عبقرية قادرة على نزع الفتيل، أو هكذا تصوروا حينها. مجرد صمام تنفيس- كما في أنظمة الباور (القوة) الميكانيكية- يبرد السخونة ويريح الضغط المتجمع حتى لا ينفجر ويشعل المنظومة كلها. على هذا الأساس قامت نظرية "الاحتواء"، بهدف فتح بعض صمامات التنفيس مع الكتلة المعادية (روسيا والصين) لتخفيف حدة الضغوط المتبادلة وفتح قنوات اتصال تلطف من سوء الظن والفهم المتبادل حتى لا تنفجر التوترات في وجه العالم أجمع. فتحت بالفعل قنوات الاتصال والتعامل- في حدود ضيقة- فيما بين التكتلين العدوين، وأفلح "الاحتواء" في تخفيف حدة التوتر وإدارة الصراع والوقاية من انفجار عالمي.

بدأ التعاون محدوداً، وسلبياً- مقابل كل صاروخ تدمره، سأمر لك عشرة، ومقابل كل عشرة، مائة؛ سأدفع لك مقابل كل دولار تخسره، عشرة، وكل عشرة، مائة. هكذا نشأ ما سمى "سباق نزع التسلح"، الذي كان في جميع الأحوال أفضل للعالم من "سباق التسلح" الذي هدد بتفجير المتسلحين النوويين ومعهم العالم كله. بعض الماء على النيران المتقدة، لتهدأ الأمور وترجع إلى نطاق السيطرة من الطرفين.

سرعان ما انكشفت ورقة التوت وبانت العورات واضحة جلية للعيان. بان للعالم كم كان المعسكر الشيوعي مفلساً في كل شيء، ربما باستثناء قوة النيران الحارقة والمشاعر الوطنية المتأججة. انهارت الفكرة التي بني فوقها النظام كله، ليسقط الاتحاد السوفيتي وتستقل معظم دوله المكونة السابقة. بقيت الصين- العمود الآخر في النظام- لم تسقط ولم تتفكك، وهي أصلاً لم تكن اتحاد من دول سابقة لكي تتفكك. الصين دولة وطنية موحدة لم تضم لإقليمها بالقوة دولاً سابقة أخرى مثلما فعل الاتحاد السوفيتي. لذلك نجت من ويلات التفكك ولم تتكبد سوى عناء وخزي خلع عباءتها الشيوعية- لم تفرط بالكامل في شرفها الشيوعي واكتفت فقط بتعرية اقتصادها أمام الرأسمالية الغربية.
عند هذه اللحظة الفارقة في التاريخ، أضيف تحديث جوهري لنظرية "الاحتواء" نظراً لما حققته من نجاح لافت في اتقاء شر حرب عالمية ثالثة، لتتحول صمامات التنفيس في نظرية الاحتواء إلى ما يمكن تشبيهه بقنوات للتغذية والإنعاش في نظرية العولمة الجديدة. ورغم قيامها فوق نفس أسس الاحتواء، لكن التعامل والتعاون تحت مظلة العولمة إيجابي وبناء (مكسب/مكسب) عكس سلبية الاحتواء (خسارة/خسارة). أصبح المصطلح "احتواء" غير مناسب أو قادر على استيعاب الوضع الجديد والعلاقة المستجدة بين الطرفين، ليرتقي إلى "عولمة". لكن، رغم اعتمادها التعامل والتعاون الإيجابي وليس السلبي، تجدر الإشارة إلى أن العولمة المستحدثة أيضاً قامت على ذات الأسس وسعت إلى تحقيق ذات الأهداف التي نشأ وسعى من أجلها الاحتواء.

تطورت المعادلة من (اخسر/دمر أنت (1)، أخسر/أدمر أنا (10)) أو (خسارة/خسارة، تدمير/تدمير)، إلى (ساهم/تعاون أكثر، تكسب أكثر) أو (بقدر تعاونك الإيجابي والبناء، تكون مكاسبك). بقدر مساهماتك وتعاونك لصالح "المنظومة" الدولية، ستجني من المكاسب والمصالح لدولتك الوطنية. لكن، من جهة أخرى، ما هي تلك "المنظومة الدولية"، ما هي مبادئها وقواعدها ومن أنشأها ويحفظها، أو من هم أصحابها وسدنتها الأصليون، أو على الأقل حملة الأسهم الأغلبية فيها، ومن ثم أصحاب الصوت الترجيحي؟

بعد إفلاسه المخزي، ما كان أمام المعسكر الشيوعي من خيار آخر. دخل المنظومة وتعامل وكسب. وبقدر ما تعاون أكثر مع المنظومة، كسب أكثر، ليذوب التكتلان العدوان في السابق داخل بوتقة واحدة، أتون العولمة، وينكمش العالم إلى قرية صغيرة بالفعل. أصبحت التعاملات المالية والتجارية والصناعية، وسفر الأشخاص وحركة الأموال سريعة سرعة البرق، لا تعرف حدود، ولا تحمل جنسية، تمتثل لقواعد واحدة وتتحدث لغة واحدة- الربح، أينما كان فولي وجهتك!

لكن يجب التنويه إلى أن "الاحتواء" كان في الأصل نظرية وضعت في أثناء حرب "باردة"، ومن ثم هدفت بالأساس لإيقاع الهزيمة بالعدو، ولو بطريقة مبتكرة وغير تقليدية، من دون سفك للدماء. وقد نجحت. وبالنظر إلى نشأة "العولمة" من أنقاض وأسس "الاحتواء"، كان بديهياً أن ترث من الأخير أيضاً طبيعته الأصلية- العولمة هي أيضاً عبارة عن معمار فكري ومؤسساتي هدفه الأساسي احتواء الخصم المنافس والتفوق عليه، إن لم يكن التخلص منه، في نهاية المطاف. بعد نجاح الاحتواء في هزيمة وتفكيك الاتحاد السوفيتي من دون طلقة رصاص واحدة، وتحويل دفة الاقتصاد الصيني إلى آليات السوق الحر، أتت العولمة لاستكمال العملية حتى خاتمتها الطبيعية- تحويلهم "هم" بالكامل ليصبحوا مثلنا "نحن" بالكامل، أو تحقيق النصر الكامل لـ"نحن" ضد "هم"، ومن ثم يختفي "هم" ونظرياتهم ونظراتهم للآخرين وأسلوب حياتهم البغيض من المشهد ولا يتبقى سوى "نحن".

الاقتصاد الحر، أساس الرأسمالية، سيؤدي حتماً بمرور الوقت إلى تراكم الثروات الشخصية بيد الأفراد، الذين بتكاثرهم وزيادة أعدادهم ستقوى بهم وبفضلهم الشعوب، التي بدورها حين تزدهر وتقوى وتعرف بهجة الحياة ولذتها، ستتطلع حتماً لما هو أبعد وستسعى في طلب حريتها واستقلاليتها وكرامتها. ساعتها ستتولى تلك الشعوب المقموعة والبائسة والمغلوبة على أمرها في السابق بيدها إطلاق رصاصة الرحمة في رأس أنظمة تسلطية واستبدادية كانت ولا تزال هي أس البلاء، أو هكذا على الأقل تصور المنظرون في التكتل الظافر بحرب باردة من دون قطرة دماء واحدة.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يهوه-إله بني إسرائيل
- ثورة ذوات المحركات
- تفجير الثقافة العربية الإسلامية من الداخل
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-2
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا-1
- بداية الإصلاح الديني في إنجلترا
- ولاد الحرام
- التحول من الفلسفة إلى الدين: مقتل هيباتيا
- كائنات جبارة من صنع البشر
- الكائن المفكر الأوحد
- مع إبليس- الوجود الإدراكي التطوري
- لقاء مع إبليس- المساواة في الوجود
- لقاء مع إبليس
- كيف أصبحت الكلاب من أعز أصدقائنا: رحلة ممتدة منذ القدم حتى ا ...
- الاحتكار وابن عمه الشرير
- جنرال الكتريك والإيمان بسحر الإدارة
- سفاح الحمير
- أحياة بلا خطة هي؟
- عذاب الوعي
- دين وثلاث دول


المزيد.....




- بايدن يعترف باستخدام كلمة -خاطئة- بشأن ترامب
- الجيش الاسرائيلي: رشقات صاروخية من لبنان اجتازت الحدود نحو ...
- ليبيا.. اكتشاف مقبرة جماعية جديدة في سرت (صور)
- صحيفة هنغارية: التقارير المتداولة حول محاولة اغتيال أوربان م ...
- نتنياهو متحدثا عن محاولة اغتيال ترامب: أخشى أن يحدث مثله في ...
- بايدن وترامب.. من القصف المتبادل للوحدة
- الجيش الروسي يدمر المدفعية البريطانية ذاتية الدفع -إيه أس 90 ...
- -اختراق شارع فيصل-.. بداية حراك شعبي في مصر أم حالة غضب فردي ...
- بعد إطلاق النار على ترامب.. بايدن يوضح ما قصده في -بؤرة الهد ...
- ترامب يختار السيناتور جي دي فانس لمنصب نائب الرئيس


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - لعبة الشياطين والملائكة