ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1666 - 2006 / 9 / 7 - 10:18
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
أظهر السيد حسن نصر شجاعة أخلاقية كبيرة وحرية ضمير مميزة، بقوله إنه لو قدر، ولو بنسبة واحد بالمائة، أن إسرائيل سترد كما ردت على عملية حزب الله في 12 تموز الفائت لما أقدم حزبه على العملية. دوافع الرجل وراء هذا الكلام معروفة: أراد القول لمواطنيه اللبنانيين إنه لا يجازف بلبنان ولو من أجل ضرب عدوه، ولا يرتضي خسارة 1200 لبناني، عدا قتلى حزب الله نفسه، مقابل أسر وقتل عدد من الجنود الإسرائيليين، أو حتى مقابل قتل 150 أو 200 إسرائيليا. لذلك أردف في الحديث نفسه إنه لن تكون هناك جولة ثانية. أراد تطمين مواطنيه ايضا، وربما الإسرائيليين والأميركيين. ما الذي يمنع؟
مع ذلك التصريح شجاع جدا. التعليقات عليه، تعليقات الأميركيين والإسرائيليين، إما جبانة أو مخادعة أو كلبية. تعليقات لبنانيين وعرب لا تستحق وصفا أفضل.
عربيا، كان ثمة صنفان من "العباقرة" وجدوا كلام نصر الله مختلا. أولئك الذي كانوا يعرفون تماما أن إسرائيل سترد كما ردت، وأولئك الذين يعتقدون أن عملية حزب الله مبررة وصحيحة وضرورية بصرف النظر عما يحتمل أن يكونه الرد الإسرائيلي. لكن لا شيء صحيحا يمكن أن يفعله حزب الله من وجهة نظر الأولين، ولا شيء إلا صحيحا يمكن أن يفعله في رأي الآخرين. هؤلاء يجدون صعوبة في "بلع" تصريح جعلهم يبدون اكثر ملكية من الملك نفسه. وأولئك يجدون فيه ما يثبت أنهم كانوا دوما على حق.
لكن من من أصحاب العقائد ليس دوما على حق؟
على أن كثيرين من أنصار حزب الله ومعجبي نصر الله نفسه لم يرقهم كلامه. بدا لهم كأنه يعتذر. كيف يقول إنه انتصر في الحرب، ثم يقول إنه لو كان يعرف أن ما جرى كان سيجري لما أقدم عليه؟ هل يعتذر أحد عما يعتبره نصرا؟ بمعنى ما نعم، كان يعتذر لمواطنيه. وما كان له أن يستطيع قول ذلك لولا أنه انتصر أو سجل إنجازا قتاليا مرموقا. لو لم يكن أداء حزب الله في المعركة (فعالية مقاومته البرية، وقدرته على الاستمرار في قصف إسرائيل بصواريخه) ما كانه، لما استطاع زعيمه أن يقول ما قال.
على أن التصريح الذي كان بالغ الشجاعة أخلاقيا لم يكن موفقا سياسيا. لقد اتبع رجل سياسي ذكي استقلال ضميره، فأطلق كلاما استغله أعداؤه وتلاعب به خصومه وتسبب في بلبلة وسط مؤيديه ومناصريه في البلاد العربية كلها. قد يمكن القول إن الرجل الذي أطلق هذا الكلام، فعل ذلك رغما عن نصر الله السياسي والمحارب.
شخصيا، أثار هذا التصريح احترامي للرجل الذي ربما تفوق أسباب التحفظ على سياسته وتحالفاته، لديّ، أسباب التعاطف مع شجاعته وانضباطه وتفانيه. إنه يظهر نصر الله إنسانا مستعدا للاعتراف بالخطأ، وليس سياسيا يفضل أن تبقى أخطاءه مكتومة، أو معاندا يصر على صوابها. التباس التصريح هو ما أحبه، وليس يقينه وصلابته. وفي هذا أحرز نصر الله نصرا أكبر مما تحقق له في حربه. ربما أكبر حتى مما يفضل هو.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟