|
لندرس - حب وانصاف وتطهير الحرية -
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7181 - 2022 / 3 / 5 - 09:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" لقمة هنية تكفى مِية " ، هكذا نردد . وهذا ربما يكون صحيحا ، اذا كنا نقصد " لقمة العيش " . أما " لقمة الحرية " ، فهذه قصة أخرى تماما . لقمة الحرية ، كاملة ، أو نصفها ، أو ربعها ، لا تكفى انسانا واحدا ، أو انسانة واحدة ، يوما واحدا ، أو نصفه ، أو ربعه . " لقمة العيش " ، مشبعة ، تسد الجوع الى الطعام . " لقمة الحرية " غير مشبعة ، لا تسد الجوع الى الانطلاق . " لقمة العيش " ، نتناولها ، فلا تطلب المعدة المزيد . " لقمة الحرية " ، نتناولها ، فتطلب المزيد ، والمزيد . " لقمة العيش " ، ترضى بالقليل ، تؤمن بأن " القناعة كنز لا يفنى " ، وبأن " منْ رضى بقليله عاش ". " لقمة الحرية " ، نهمة ، طمًاعة ، لا تؤمن بشئ الا نفسها . " لقمة العيش " ، تكتب القصائد ، اذا أبصرت فى السماء ، جزءا بسيطا من القمر . " لقمة الحرية " ، لا تمسك بالقلم ، الا اذا اكتمل القمر . " لقمة العيش " ، يمكن أن تكون الفول النابت ، والعدس ، والجِبنة القريش . ويمكن أن تكون الكافيار ، وجِبنة الروكفور ، والديك الرومى المحشى فريك . لكن فى كلا الأمرين ، تم اختصار الوجود ، فى تلبية غريزة الأكل ، لاستمرار التنفس . " لقمة الحرية " ، لا يعنيها الأكل ، لا يهمها استمرار التنفس ، فهى الغاية من الوجود ، بل هى الوجود نفسه ، فى أشهى ، وأنبل ، وأجمل الأثواب . " لقمة العيش " ، للعيش . " لقمة الحرية " ، للحياة . وفرق كبير بين أن " نعيش " ، وأن " نحيا " . هو الفرق بين منْ يتفرج على لوحة للبحر ، فوقه البطاطين تشعره بالدفء والأمان ، ومنْ يلقى بنفسه عاريا فى أمواج البحر ، فى عِز البرد ، وقلب الخطر . هناك الأفراد والمجتمعات ، المتفرجة على لوحة البحر ، " لقمة العيش "، وهناك الأفراد والمجتمعات ، التى تنزل الى البحر . هناك الثورات التى انتفضت من أجل " لقمة العيش " ، وهناك الثورات التى انتفضت من أجل " لقمة الحرية " . اذا سُئلت ، ماذا أحب ، أو ماذا أتمناه لمصر ، وطنى ، سيكون بدون تردد ، أن تكون من مجتمعات " لقمة الحرية " ، أو النزول الى البحر ، وليس مجتمعات " لقمة العيش " ، أو الفُرجة على البحر . أعرف جيدا ، أنه أمر صعب للغاية ، بل أسميه أكبر التحديات . ولهذا السبب ، هو " أمنية " ، أو " فن المستحيل " ، فى مقابل " الواقع " ، أو" فن الممكن". لكن هكذا ، هى مسيرة البشرية ، أن نفكر ، أن نتفلسف ، أن نتمنى ، أن نحلم ، أن نتخيل ، ومع العمل الدؤؤب ، والاخلاص ، والاصرار ، والتعلم من الخبرات ، والاستفادة من دروس التاريخ ، تصبح الأفكار ، والتفلسف ، والأمنيات ، والأحلام ، والتخيلات ، " واقعا " ، و" حقيقة " . أعتقد أن العائق الرئيسى ، لنكون من مجتمعات " لقمة الحرية " ، هو أن كلمة " الحرية " ، أصلا ، كلمة بكل أسف ، من الكلمات غير المفهومة ، سيئة السُمعة . كلمة " الحرية " هى نفسها ، " مقهورة " ، تحتاج لمنْ يحررها وينصفها. ما أن ننطق فى مجتمعاتنا ، بكلمة " الحرية " ، حتى تنتفض ، وتتحفز ،
وتتشنج جميع أشكال ودرجات الادانة الآخلاقية . " الحرية " ، فى مجتمعاتنا ، ترادف قلة الأدب ، والفسق ، والفجور ، وعدم المسئولية . كلها متعلقة فقط ، بالانغماس فى غرائز النصف الأسفل من الجسد ، باستهتار ، دون أية ضوابط . اذا قالت امرأة ، أو قال رجل ، فى مجتمعاتنا ، أنه يريد أن يكون " حرا " ، فورا نتصور انسانا ، كافرا بكل الأديان ، خاصة الدين الذى ورثناه ، وبالتالى لا يخاف ربنا ، وبالتالى كل المبيقات مباحة فى نظره ، شغله الشاغل السُكر ، والعربدة ، والجنس الفاسق المنحل المتعدد ، وهدم كل القيم التى ترتقى بالبشر . بالطبع ، ولأننا مجتمعات ذكورية ، فان الادانات الأخلاقية ، للمرأة ، تكون أكثر قسوة . وكم من الفضائح الجنسية المدانة اجتماعيا ، وثقافيا ، ودينيا ، فى مجتمعاتنا ، خرج منها الرجل ، نظيفا ، ليس عليه أى وصمة ، بل نعتبره بطلا ، ونجما . مثلا حينما يتناول الاعلام خبرا عن ضبط بيت دعارة يقول : " تم ضبط رجل مع عاهرتين ". الرجل رجل ، لا يوصف بالعهر ، ومنْ معه من الفتيات أو النساء فى بيت الدعارة ، هن فقط العاهرات . الاعلام لا يقول أبدا : " تم ضبط عاهر مع عاهرات فى بيت دعارة " ، لماذا ؟؟. أليس الفعل مشتركا ، وبالتالى لابد أن تكون الصفة مشتركة ؟؟. لماذا لا يتم ذلك أبدا ؟؟. هل يجيبنى أحد ؟؟. والقانون المصرى ، يميز فى العقوبة بين الرجل والمرأة ، لصالح الرجل ، فى قضية الزنا . وفى قضية العُهر ، لا يناله أى عقاب ، بل ويُتخذ شاهدا على ارتكاب جريمة ممارسة الدعارة للمرأة ، التى شاركته الفعل العاهر نفسه ، المعاقب عليه قانونا ، وعرفا ، وثقافة . أليس هذا ضد العدالة ، والمنطق ؟؟. أليس هذا كيلا بمكياليين ؟؟. . وهذا التمييز ضد العدالة ، والمنطق ، وضد استقامة الأخلاق التى نتشنج للحفاظ عليها . فى جريمة مثل الرشوة ( لا تتعلق بالنصف الأسفل للجسد ) ، الراشى ، والمرتشى ، كلاهما يوصم بالفعل نفسه . وارد جدا ، وطبيعى ، أن البعض يسيئون فهم الحرية ، عن جهل أو عن عمد . ولكن هذا ليس مبررا لادانة الحرية ، أو منعها . نحن مثلا لا ندين ، ولا نمنع الزواج ، لأن هناك زيجات فاشلة ، تعيسة . ولسنا نمنع قيادة السيارات ، لأن هناك حوادث طرق كل يوم ، ولا ندين التعليم أو نمنعه ، لأن هناك منْ يرسب . ومن تجارب الواقع ، ومن تأمل صفحات التاريخ قديما ، وحديثا ، يتضح أن أكثر الناس اتهاما للحرية ، وادانة للأحرار نساء ، ورجال ، هم أكثر الناس فسادا أخلاقيا . واختصارا لتحقيق الأمنية ، أو الحلم ، مجتمع " لقمة الحرية " ، أقترح مقررا تعليميا ، ثابتا ، ومستمرا ، يبدأ منذ الطفولة ، ويمتد حتى آخر المراحل ، اسمه " حب وانصاف الحرية ". ويظل متجددا مع تغير الزمن ، وتغير الناس . بل يسهم فى احداث هذا التغيير الذى يقدم نفعا وسعادة للجنس البشرى . يشمل هذا المقرر ، مفهوم الحرية ، طبيعة الحرية ، علاقة الحرية بالمسئولية الفردية والمجتمعية ، آراء ومؤلفات الكتاب والأدباء ،والفلاسفة على مدى العصور فى الحرية ، تجارب البشر نساء ورجالا مع تجارب الحرية ، وتجارب القهر ، تجارب المجتمعات المختلفة مع الحرية ، عوائق الحرية ، على مستوى الفرد والمجتمع ، وعلاقة الحرية بما نسميه " الأخلاق " ، ازدواجية المقاييس الأخلاقية ، والكيل بمكياليين بين الناس ، وبين الجنسين ، وبين الدول ، وفضح القوانين القائمة على التمييز الذكورى أو الدينى أو العرقى ، تطهير الحرية من الشوائب التى تلحق بها عمدا ، انصاف الحرية من التشوهات والاشاعات التى ترتكب ضدها يوميا منذ بدء الخليقة ، الجرائم التى استنزفت البشرية ، وقتلت ضحاياها بدم بارد نتيجة قلة الحرية أو غياب الحرية اصلا ، وليس لأن الناس أحرارا ، مناقشة ما يسمونه " الثوابت "، و" المقدسات " . مثلا ، الفيلسوف الألمانى ، فريدريك نيتشه 15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900 ، قال " أنه لا توجد أخلاق ، ولكن توجد تفسيرات أخلاقية للظواهر ". وقال أيضا : " ان الأخلاقيات هى الوسيلة الفعالة لقيادة البشرية من أنفها " . ان كل فضيلة يمكن تصورها ، هى من نتاج " أخلاق الحرية " . فالحرية تصحح نفسها بالتجربة ، والمعرفة ، والشجاعة ، والأمانة ، والنزاهة ، والاتساق مع الذات ، والوضوح ، والحساسية لحقوق الآخرين ، وعدم الرغبة فى فرض الوصايا عليهم تحت أى مسمى . وكل رذيلة يمكن تصورها ، هى ارث مباشر من " أخلاق القهر " . فالقهر يعيد انتاج آلياته وتقاليده وتبريراته وأكاذيبه ، التى هى عكس أخلاق الحرية . الحرية فى منتهى الكرم ، والتواضع ، لا تطلب شيئا ، الا أن نحبها ، حتى تمنحنا كل كنوزها ، وأسرارها . أغلب الناس ، لا يحبون الحرية ، اما أنه شئ فى الجينات الطبيعية ، أو أنهم استدمجوا القهر ، وتأقلموا معه ، ووجدوا فيه الأمان ، والراحة ، الى درجة أنهم أصبحوا يكرهون الأحرار من النساء والرجال ، الذين حتما سينقلون " عدوى الحرية " ، الى الآخرين . الكاتب والفيلسوف وعالم النفس والاجتماع الألمانى ، اريك فروم 23 مارس 1900 – 18 مارس 1980 ، الذى التهمت مؤلفاته فى سن صغير ، له كتاب شهير ممتع ، اسمه " الخوف من الحرية " ، يفضح تاريخ البشر فى مقاومة الحرية ، من الناحية الثقافية والاجتماعية والسياسية والنفسية والوجدانية . ---------------------------------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- أدهم - الطفل الأعزل الذى انتصر على عالم دموى مسلح
-
ابراهيم عيسى والثالوث الُمجرم لخلق سعودية وهابية سلفية بديلة
...
-
لا تمر ... لا تتكلمى ..... ست قصائد
-
حوار مع فيروس كوفيد 19 ... قصيدة
-
بين رجلين ... قصة قصيرة
-
مضادات ..... ثلاث قصائد
-
الله يقدم بلاغا للنائب العام ... قصيدتان
-
يكفينى فخرا .... ست قصائد
-
منْ تقبل الطاعة تستحق الضرب
-
اغزل لى كفنى .. قصيدتان
-
كن ابنى ... قصيدتان
-
هزة الأرض موعدنا ... قصة قصيرة
-
لا تكن حبيبى .... ست قصائد
-
كأس من يديك .... ثلاث قصائد
-
سيأتى يوم ... أربع قصائد
-
30 يناير 1948 يوم اغتيال - أبى - فى نسخته الهندية
-
منْ أنت ؟ ..... ثلاث قصائد
-
معطف الصوف لا يدفئنى ...... ست قصائد
-
كلام جرايد .... خمس قصائد
-
سنة جديدة خالية من كلمة - الطاعة -
المزيد.....
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|