|
غزل الوعي في قصائد دلال جويد
كافي علي
الحوار المتمدن-العدد: 7179 - 2022 / 3 / 3 - 00:55
المحور:
الادب والفن
ھل حقاً يحتاج ديوان غزل لأنثى، تتصفح أولھ بسبب الضجر فيجرك بسحره الملعون إلى النصف ثم المتعة الممنوعة حتى النھاية، ھل يحتاج ھكذا ديوان لناقد يقدمھ على طبق من الكلمات؟ كيف! والشعر مشاعر الأنثى منھلھا، والسحر جمال الأنثى سيدتھ، والمتعة غواية وقصيدة الغزل ربة الغواية. أنھ ديوان "دمعة وحيدة مطر كثير" للشاعرة العراقية دلال جويد، ھذا ما أحدثك عنھ يا قارئي العزيز. ھو ديوان بنكھة قصائد ھجرنا متعتھا بسبب الأزمات والحروب، وأعادتھا إلينا العزلة والانقطاع بسبب الوباء. عندما يفصلك ديوان شعر عن القلق والترقب، ويأخذك إلى عالم تتفاعل فيھ الأفكار و منطقھا، والمشاعر ورقتھا، والخيال وانفلاتھ، تأكد بأن بين يديك تجربة شعرية متميزة لشاعرة متميزة ھي دلال جويد. تقدم دلال ھويتھا في مطلع الديوان بثلاث جمل لندخل عوالمھا الشعرية من بوابة لا تحتاج الطرق لأنھا مثل مضايف الأھوار بلا أقفال تحجب الكرم. " أنا امرأة ريفية بسيطة لا أتناول ثمرة الحب بالشوكة والسكين ويسعدني أن يندلق عصيرھا على روحي" " تتدلى من زناري أشعار ريفية ونساء غيبھن العشق" " سكنت بيتاً بحجم قلب لھ باب موارب لا أقفال فيھ ولا يغلق مصراعيھ بوجھ غريب" إذا ھي بنت الريف العراقي، بنت البساطة التي تطمئن لھا القلوب وتھجع، وصاحبة روح إرثھا قصائد وسمر. لكن تذكر وأنت تدخل عوالم دلال الشعرية بأن صاحبتھا حرة متمردة مثل غواية، رقيقة حساسة مثل ميموزا، مفكرة متسائلة مثل فيلسوفة، وما القصيدة إلا أحاسيس وخيال وتساؤلات اغترابية؟ " لم تطربني كتب المواعظ ولا أبجل معرفة بلا تمرد لا أنتمي لھذا الخضوع" " أسفر عن روحي ولا ألوي عنق القصيدة كي تستحي"
أنا زھرة الميموزا انكمش من اللمسة غير الحنونة أنا الميموزا تسلح بالحب الجارف كي لا تدميني"
ھل يسيل دم الشارع اذا جرحتھ مفخخة؟ وھل تعرف الحرب أنك وحدك تمتلك سر الليل إلى قلبي؟
دلال شاعرة لا تحمل القصيدة، كتجربة وجدانية إنسانية، استجابتھا الأنوية، بل تترك للقصيدة فرصة التجلي الحر لتكون بوحاً أنثوياً لتجسيد تجربة عاطفية ھي حال كل امرأة عاشقة. معادلة صعبة وتحتاج إلى خيال يرى من خلالھ الشاعر ما لا يراه غيره، وخيال دلال يمتلك القدرة على توظيف البيئة والحدث العابر، الحكاية والأسطورة لتجسيد حالة عاطفية تتخللھا :نكھة التمرد والمزاجية الأنثوية. فمرة نراھا توظف فعل كتابة القصيدة في رؤية شعرية لحالة عاطفية فتقول: الملھمات نحن نغرس أصابعنا بحبر الجنون نكتب سيرة النبيذ والعاشقين ونغفو بقلب القصيدة سحرا وحمرا وخمرا وسنبلة
ومرة توظف الحكاية لرؤية شعرية فتقول: سمعنا كثيراً عن الحب عن مجانينھ حسناواتھ كأن كل مخبول يمثلنا أنا ليلى أنا لبنى وأنت قيس أحلامي
أما الحكاية القرآنية فلھا توظيف متكرر في قصائد دلال، الغاية منھ تجريد الحكاية من صفتھا المقدسة وتقديمھا كرؤية شعرية: لم أكن يوما غرابا ولا أحب قابيل كي أسديھ معروفا ھذه أجنحتي لا يليق بھا التراب لذا سأجمعھ وأھديھ للريح
ورغم أن دلال جويد استاذة في الشعر الجاھلي وخبيرة بكل ما يمتاز بھ ھذا النوع من الشعر من بلاغة ومعاني وضوابط شعرية معروفة، فھي تكتب قصيدتھا بأسلوب السھل الممتنع، مبتعدة بإرادة شعرية، لا قصور لغوي، عن الإطناب والفذلكة اللغوية، كي تترك لخيالھا الرومانسي قدرة الھيمنة على المزاج العام للقصيدة. ليس ھذا فحسب ولكنھا تحاول أن تخلق توازناً بين الشحنة العاطفية في القصيدة وبين ما تطرحھ من فكرة فلسفية، بحيث لا تندلق العاطفة وتھيمن على نشوة الغزل، ولا تتجرد الفكرة من عاطفتھا لتكون صادمة متمنطقة لا مدھشة متجملة. كن صيادا يا حبيبي وأحضر للصغار ثمارا معك تعال نركل الكھف نعود إلى الشارع ندلف إلى البيت نشرب قھوتنا نستقبل الأطفال ونركل الحرية
الحبيب في قصائد دلال ھو ال ُمختار ال ُمخير، إذا أقبل تعانق، وإذا أدبرت تفارق، لأنھا الحبيبة الراغبة، ولكن ھي الأنثى المدججة بالكرامة. قصيدتھا مقدامة لا تؤطر خصائصھا الأنثوية بخجل أو تردد، ولا تخفي رغباتھا العاطفية بلف ودوران اللغة الشعرية. تبتعد دلال عن المثيرات اللغوية أو الصورية في قصيدة الغزل وتحذر من غمرھا بالرغبات الجسدية لتحافظ .على السمة الإنسانية فيھا فتقدم كتعبير لحالة وجدانية مشروعة، لا غرائزية ثائرة كما في قصائد الايروتيك لم تعد أنت ترسم الضياء بابتسامك لم أعد أنا سوى عمياء فالعمى كل العمى أن لا أراك
في النھاية علينا أن نعترف بأن قصيدة الغزل الأنثوية عسيرة الولادة في المجتمعات الشرقية لأن شاعرتھا مقيدة بوعي ذكوري يرى المنتج الأدبي اعترافات شخصية، ويطلق الأحكام عليھا من خلالھ، لذلك من الصعب تقديم إنتاج أنثوي بأسلوب يدعو إلى التمرد، ليس على التقاليد والعادات فقط بل والمقدس. ولكن عندما يجتمع الوعي بالموھبة يفرض الإبداع نفسھ على التابوھات ليكون منجزاً متميزاً لصاحبتھ. لست ابنتك أيتھا الحياة لذا سأكسر اغراضك وأسرق حليك واسكب عطورك سأكون لصة جشعة لا أترك في خوابيك خمرا إلا احتسيتھ
#كافي_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعمة الحواس ومعجزة الإحساس
-
عنوسة المرأة وعنوسة الدولة العراقية
-
إلى سايكوباث
-
عيون المدينة
-
على هاوية الانتظار
-
الألم العقيم والحلم المأمول
-
عروس شعيط
-
داعش ومشروع الشرق الأوسط الجديد
-
وأد الأصوات الوطنية الشيعية في العراق
-
رئيسي في العمل ملطلط
-
عصيان لساني
-
أفتونا يرحمكم الله
-
خارطة الوطن أم خارطة الكنز
-
الانتفاضات العربية بين سطوة العنف ورغبة التغيير
-
كروب الإنسان الكوني
-
إلى العالم العراقي عبد الجبار عبد الله
-
ماذا لو همست بأن السيستاني...؟
-
الجثة المطلية بالشمع
-
يا بنات أورشليم
-
تخثر الزمن
المزيد.....
-
“بداية الفتح” مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 38 مترجمة بالع
...
-
“صدمة جديدة للمشاهدين” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 176 مترجمة
...
-
“كشف حقيقة ليلى وإصابة نور” مسلسل ليلى الحلقة 15 Leyla مترجم
...
-
-الذراري الحمر- يتوج بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية
...
-
بليك ليفلي تتهم زميلها في فيلم -It Ends With Us- بالتحرش وال
...
-
“الأحداث تشتعل” مسلسل حب بلا حدود الحلقة 47 مترجمة بالعربية
...
-
في ذكرى رحيله الستين.. -إيسيسكو- تحتفي بالمفكر المصري عباس ا
...
-
فنان أمريكي يتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ إبادة جماع
...
-
-الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا
...
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|