عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1666 - 2006 / 9 / 7 - 03:19
المحور:
القضية الفلسطينية
رغم أنني كتبت ودعوت مرار وتكرار إلى حل السلطة الفلسطينية أو على الاقل تغيير الفلسفة التي تقوم عليها بتحويلها بالكامل من سلطة تقوم على فلسفة التفاوض العبثي الذي أثبتت الأيام عقمه وفشله إلى مشروع وطني حقيقي تقوم فلسفته الأساس والرئيسية على أن المقاومة هي الخيار الاستراتيجي في تحقيق الاهداف والمنجزات الوطنية المتمثلة بحقوق الشعب الفلسطيني في سياقها الأدنى على الاقل , وهذاالامر لاشك أنه يتطلب إعادة هيكلة كلية لمؤسسات السطة بما يتناسب مع الفلسفة والمفهوم الذي يقوم على المقاومة .
على أية حال, فإن شيئا من هذا القبيل لم يحدث لا فيما يتعلق بحل السلطة وإنهائها ولا بإعادة فلسفتها وهيكلتها على النقيض الذي أوجدت على أساسه منذ أن برزت إلى الوجود كنتيجة لاتفاق "أوسلو" الأم لهذه السلطة .
الرئيس عباس الذي يهدد بإقالة الحكومة الفلسطينية خلال الشهر القادم إذا لم تجد الحكومة الفلسطينية حلا لمسألة الرواتب والاضراب كما نقل ذلك عنه رئيس كتلة فتح البرلمانية السيد عزام الاحمد هو نفسه " أي الرئيس عباس " وقيادة المنظمة من أوجدوا المأساة التي لحقت بالشعب الفلسطيني , هذه المأساة هي عملية السلام التي قبلوا بها وفقا للشروط الامريكية والاسرائيلية , فاتفاق "أوسلو" كان مهندسه من الطرف الفلسطيني السيد محمود عباس , والكل يعرف كيف جاء هذا الاتفاق , وأنه كان سرا في عتمة الظلمة في العاصمة النرويجية أوسلو , بينما أطراف فلسطينية عديدة كانت تعتقدأن المفاوضات تجرى في واشنطن , فالشعب الفلسطيني لم يكن يعلم ولم يستفت حول الاتفاق الذي توصل إليه محمود عباس وشمعون بيريس , علماأن هذا الاتفاق الذي تم به شطب القضية الفلسطينية بالتنازلات المهينة والمذلة كان يحتاج إلى علم الشعب الفلسطيني به والاستفتاء عليه هذا إن كان يجوز الاستفتاء على هكذا اتفاق ذلك لأنه من الناحية الاخلاقية والوطنية لم يسبق أن تم الاستفتاء على ثوابت وطنية أو على التنازلعن أجزاء كبيرة منه بعبارة أدق .
إتفاق "أوسلو" الذي كان مهندسه قيادة منظمة التحرير في تلك الفترة أخص بالذكر الرئيس عباس كان مدخلا حقيقيا لشرعنة الاحتلال على ما تبقى من أراضي 67 , ألم تكن مرجعيته 242 الذي لا يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني لا كشعب ولا حتى كأقلية , ولذلك فان أوسلو في سياق شروطه ومتطلباته الامريكية أدى إلى انتشار المستوطنات في الضفة وإحاطة القدس بالمزيد منها , حتى جنى الشعب الفلسطيني من هذا الاتفاق المجيد معازل وكانتونات لاتصلح حياة للحيوانات المتوحشة والمفترسة, والقدس باتت قاب قوسين أو أدنى من التهويد وقد تم عزلها عن محيطها وها نحن اليوم نسمع بمشروع مئات الوحدات السكنية الاستيطانية التي ستقام في القدس وفي المناطق القريبة التي تحيط بها , هذا بالإضافة إلى ضم الاغوار ومنع الفلسطينيين من الدخول إليها , ودع عنك الجدار والحواجز القاتلة والحصار المفروض على غزة التي باتت سجنا لم يوجد ربما في التاريج سجن يشبها , وأما القتل والتدمير والخراب الذي أصبح حتى بعض الاسرائيليين ينفرون منه وبالتحديد ذلك الذي تركبه آلة الاجرام الاسرائيلية في قطاع غزة , وأما المعابر التي يعلق عليها ألاف الفلسطينيين والتي اصبحت عملية فتحها وإغلاقها بأمر الاحتلال وعلى الاخص ما يتعلق بمعبر رفح , كل هذا وذاك كان بفضل "أوسلو" وبفضل جهود قيادتنا المفاوضة التي كما يبدو تعتبر التفاوض من أجل التنازل حرفة لا تستطيع التخلي عنها حتى لو كانت ضد مصالح الشعب الفلسطيني كما حدث في إصرارهم على جعل معبر رفح- المتنفس الوحيد لشعبنا - تحت رحمة الاحتلال بحجةأنه لابد من اتفاق حوله , أي عهر سياسي هذا؟!!, "مع الاعتذار على هذه العبارة"
أما حجة الازمة المالية التي تتغنى بها قيادة فتح التي تعمل على تدمير حركة فتح العملاقة , فإننا نقول إن الذي أسس وأوجد هذه الازمة منذ البداية هو أنتم عبر اتفاقاتكم المالية والاقتصادية التي أحكمت فيها حالة الخناق والحصار على الشعب الفلسطيني , فهل يعقل في التاريخ كله أن تكون لقمة خبز الشعوب المحتلة والثائرة في يد مستعمريهم والذين يتآمرون على حقوقهم وحرياتهم وحريات بلدانهم؟! , هذا الامر المقلوب والذي يعتبر جنونا ما بعده جنون جائت لنا به قيادة حركة فتح ومنظمة التحرير التي تكيل الاتهامات الباطلة ضد حكومة الشعب الفلسطيني ,إنه الاحتلال المالي والاقتصادي الذي فرضوه علينا من خلال اتفاق باريس الاقتصادي سنة 1993 الذي جعل أموال الشعب الفلسطيني المستحقة بيد إسرائيل , فإسرائيل والحالة هذه تستطيع أن تمنع أو تسمح بمرور هذه الاموال حيثما تشاء وحيثما وجدت أن قيادة الشعب الفلسطيني مع شروطها المتعلقة بالقضاء على القضية الفلسطينية عبر الانبطاحات العديدة والتنازلا ت الكثير أم لا , هكذا أصبحت المعادلة التي كرسها عرابو "أوسلو" المغاوير الذين يعتبرون السلام هجوما ما بعده هجوم!! , ولقد تبين أنه هجوم من نوع آخر "إلى الخلف در ثم الى الوراء سر" والذي سيجلب العار والشنار وحيث مزابل التاريخ إن آجلا أو عاجلا على اولئك الذين لا يعملون إلا كأجراء ولقاء مصالح ذاتية وأنانية تافهة , وأما الشق الآخر من وضع رقبة الشعب الفلسطيني ولقمة عيشه رهنا بشروط الغير المذلة, فتلك الاموال التي تأتينا من الدول الاوروبية والامريكية المانحة , التي تستخدم هذه الاموال كأداة ابتزاز في وجه الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية , فلقمة العيش باتت بهذا لها مقابل سياسي وطني كبير لانستطيع أن نحدد له ثمنا , ألا بارك الله بمن جلب هذ العار والشنار والذي حتما سيرتد على أصحابه , لأن التاريخ لا يقبل الظلم ولأنه إذ لايقبل الفراغ .
أما حركة حماس التي دخلت اللعبة الديمقراطية فلم يكن دخولها من أجل مصالح ذاتية وفردية ضيقة , بل إنها دخلتها كي تثبت للعالم أجمع , للقريب والبعيد أن الشعب الفلسطيني ما تنازل يوما عن حقوقه وثوابته , وأن لغة العقل والوسطية والاعتدال التي يتغنى بها مفاوضونا ليست بالمطلق انتحار الشعوب وقتلها أنفسها بالقضاء على وجودها وهويتها الوطنية والقومية والإسلامية , وليكن معلوما لهؤلاء أن حماس لاتريد سلطة مرجعيتها وشروطها أمريكية وإسرائيلية خالصة مئة بالمئة , بل نقولها بالبنط العريض بأن حماس دخلت لإنهاء مهزلة ما يسمى بالسلطة التي أثبتت الأيام بشأنها أنها عائق حقيقي وجدير بأن يزال من طريق المشروع الوطني التحرري الذي سنده الأول والأخير المقاومة , وبأن حماس جادة فعلا بانهاء كل تلك الاتفاقيات السيئة جدا بحق الشعب الفلسطيني ولاسيما تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي منها , والتي تعتبر مجحفة بحق الشعب الفلسطيني ومدخلا لابتزازه والمس بكرامته الوطنية.
إنني كثيرا ما اضحك حينما أسمع من بعض الناس أن هؤلاء الفاسدين وطنيا وأخلاقيا وسياسيا إنما يعملون لمصالح فئوية وحزبية ضيقة , ولكنني بدوري أقول ليتهم يعملون من أاجل ذلك , ليتهم يعملون من أجل مصالح أحزابهم وفصائلهم , ذلك لأن العمل من أجل الحزب والفصيل من هذا الباب يعني أنك تعمل بالنهاية لصالح الشعب الفلسطيني , فالفصيل أو الحزب والحالة هذه يبحث دوما عن المزيد من القواعد الجماهيرية المطلوبة , لكن الحقيقة أن هؤلاء لايعملون فقط إلا من أجل منافع ومصالح لاتتعدى ذواتهم الشخصية .
فيا ترى بعد كل هذا السرد. من الذي يستحق أن يقال فورا من قيادة زمام أمور الشعب الفلسطيني؟ , الذي يعمل من أجل حقوقه ومكتسباته أم أولئك الذين تنازلوا عن الارض والديار مسبقا دونما ثمن؟!! , ولا زالوا يتبجحون بأنهم القيادة التاريخية للشعب الفلسطيني وبأنهم مرجعية وطنية , إنها الوقاحة بعينها يا سادة !!!.
وفي كل الاحوال لايستطيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يقيل الحكومة التي تقودها حماس لا بالاستناد إلى المرجعية القانونية, حيث القانون الاساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 لايعطيه هذا الحق , فالقانون الاساسي في جوهره يشابه الدستور الفرنسي بشأن صلاحيات الرئيس والحكومة حينما يكون كل طرف من حزب آخر , ففي الحالة الموحدة أي عندما يكون الرئيس والاغلبية البرلمانية من نفس الحزب تتوسع صلاحيات الرئيس , وحينما يكون العكس بأغلبية برلمانية من حزب مقابل لحزب الرئيس فإن صلاحيات الحكومة تكون موسعة وبالتالي فليس سهلا حلها , وهذا ما يشبه إلى حد ما الحالة السياسية الراهنة لدينا , هذا من جهة ومن جهة اخرى فان القانون الاساسي المعدل جعل صلاحيات الرئيس محددة بموجب نصوص هذ القانون , وبالمقابل جعل صلاحيات الحكومة مفتوحة , والكل يعرف ان هذا الوضع الاخير كان يطالب به من يطالبون اليوم بجعل الرئيس المرجعية في كل شيء , والسبب واضح يعرفه الجميع , ثم إن الأهم من كل هذا أن الحكومة لاتوجد مبررات أخلاقية أو سياسية لحلها , فالمعاناة والحصار الذي يلف الشعب الفلسطيني مرده وسببه الاحتلال ومن ولاه وسانده من قريب أو بعيد بسبب أنه " الشعب الفلسطيني" اختار ديمقراطيا الجهة التي تتمسك بحقوقه وثوابته , وبالتالي فالحكومة لم تفشل لاسياسيا ولا ماليا ولا إداريا كذلك, بل إن العكس هو الصحيح على المدى الاستراتيجي المطلوب على طريق فك القيود والسلاسل التي تكبل إرادة الشعب الفلسطيني .
بقي أن أقول شيئا أخيرا , وهو مهم جدا في وضعنا كشعب يقع تحت ربقة الاحتلال , ويريد قيادة حقيقية لقيادة مركبه التحرري , وحيث قال الشعب الفلسطيني بشأنه كلمته سابقا , هل يعقل من الناحية الاخلاقية والوطنية في هذا السياق أن تقيل الشرعية الوهمية الشرعية الفلسطينية الحقيقية ؟!!, ففي انتخابات الرئاسة الفلسطينية نسبة الذين صوتوا كانت 35 % من الفلسطينيين في الاراضي المحتلة , ولقد حصل الرئيس عباس ما نسبته تقريبا 66 % من اصوات الذين اقترعوا وهم فقط 35 % , اما في الانتخابات التشريعية التي جرت 25 - 1 - من العام الجاري فكانت نسبة الاقتراع تتجاوز 80 % , حيث حصلت قائمة الاصلاح والتغيير التابعة لحماس على مانسبته 60 % أو أكثر قليلا من أصوات الذين اقترعوا , فأين الذين يتحدثون عن الشرعية من هذه الحقائق والارقام؟؟!! .
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟