محمد هالي
الحوار المتمدن-العدد: 7174 - 2022 / 2 / 26 - 02:13
المحور:
الادب والفن
لم تكن ابتسام تفكر في السفر لوحدها، لكن تطور الاحداث و تغيرها وفق تطور الأزمنة فرضت عليها أن تعتمد على نفسها، عليها أن تتآخى مع حقيبة السفر، تجرها أو تحملها لا يهم، فقط عليها أن تجدد معالم الذات لتتلاءم مع الذات الجديدة،
ابتسام بعدما ظلت طيلة مسارها الدراسي تعتمد على عائلتها في كل شيء، أصبحت الآن تهاجر خارج مدينتها، بعدما أخذت شهادة الباكالوريا استقلت كطالبة في غربتها الجديدة، في حجرة داخل شقة مع زميلات جدد لا تربطها معهن سوى ضرورة التعاون من أجل مواصلة التحصيل الجامعي لتحقق أحلاما كثيرة كانت تتراءى لها منذ أن أدركت في سن ما، أنها ستصبح شيئا ما، ضمن تلك الأمنيات التي تتقاطر عليها، كلما ولجت حجرات الدراسة، ها هي الآن تجر حقيبة ثقيلة تدحرجها بعجلات متباطئة، عليها أن تستعين بقدرات عضلاتها، و التواء قدميها، و تمايل جسدها يمنة و يسرة، لتجتاز سكتا الحديد اللامتناهية، لتصل الى المحطة، المكان فارغ، و والدها ظل خارج أسوار المكان، بعد أن منعه الحارس من الدخول، هي تدرك أن الحياة تجارب و قوة في اختيار الأمنيات، و عليها أن تسير ضمن هذا التعب الجديد، أن تؤدي كل الواجبات من حوالة يرسلها لها والدها بمقدام لا يتصور، بعدما تملصت الدولة من كل مسؤولياتها في مساعدتها في مصاريف الدراسة الباهض، متيقنة أن المنحة التي كانت لم تعد ممكنة بعد تغير الأحوال من الممكن الى المستحيل: ثمن تذكرة قطار أصبحت تحتسب ضمن تذاكر أخرى لا تحصى و لا تعد، الآن تفكر في الوصول الى المحطة، و تمتطي العربة و تفتح هاتفها المحمول و في ذماغها حسابات كثيرة: صاحب التاكسي سيأخذ كذا، و البقال سيأخذ كذا، و صاحب الشقة سيأخذ كذا، و والدي سيقدم كذا.. الى أن تصل الى الوجهة المعلومة. ابتسام لا تفكر الآن في شيء سوى أن تبتسم لها الحياة، و هي تدرك جيدا أمام تلك الابتسامات طلاسم مثيرة، أمام هول البطالة المتنامي باستمرار، لكن عليها أن تبتسم ، أن تغرد مع السرب، و تسير مصاحبة لحقيبة تجمع كل مقتنياتها، هي مرحلة لابد منها، عليها أن تتعود على قطع هذه السكة الحديدية المتلاشية الاطراف مرارا و تكرارا، عليها أن تتمايل مع كل أثقالها ، مادامت أنها تعيش الآن مرحلة لا مناص منها.
#محمد_هالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟