محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7167 - 2022 / 2 / 19 - 08:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خضم التراجع الأمني والانسداد السياسي بين الأطراف المهيمنة على المشهد السياسي العراقي , وعدم قدرة بغداد في إدارة الملف الاقتصادي خرجت أصوات من الجنوب العراقي بين عام 2005 و2006 تدعوا الى تشكيل إقليم في الجنوب تحت اسم " اقليم سومر" من تسع محافظات جنوبية , وكان أنصار هذا المشروع هم قوى سياسية من اهل الجنوب، ولكن انتهت الدعوة له بانتهاء المؤتمر لذي انعقد من اجله في ذي قار. المقترح الثاني خرج بين عام 2012 و2014 و هو تشكيل " دولة سومر" التي دعمها سياسيون وحقوقيون واعلاميون من داخل العراق ومن خارجه. كلاهما انطلق من منطلق مظلومية المكون الشيعي الجنوبي. النظم السابق اقصت الشيعة من حقوقهم , وخاصة في زمن نظام حزب البعث والذي اتهمهم بأنهم ليسوا عرب , وانما قوميات جاءت من الهند في زمن القائد العربي محمد القاسم.
اهل الجنوب ظلموا أيضا بعد التغيير , حيث لم ينصف النظام الجديد مظلوميتهم من العثور على قبور موتاهم او الاقتصاص من قاتليهم او تعويض خسائرهم , بعد ان حاول النظام حتى تجفيف اهوارهم وهي مصدر رزقهم وطريقة عيشهم. وإذا كان النظام قبل التغيير قد همش الجنوب واقصاهم من المشاركة في إدارة الدولة العراقية ومشاركتهم في ثروتهم التي تزخر بها ارضهم , فان التغيير قد جلب لهم القتل باخس الطرق, السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة واتهامهم بالكفر وموالاة "الفرس المجوس “. وهي تهمة جردتهم من هويتهم العربية والغت نضالاتهم من اجل عراق حر يتمتع بالسيادة الكاملة. اذن لقد وجد المتظلمين من النظم السابقة قبل التغيير وخيبة أملهم من إنجازات القوى الحاكمة الجديدة الفرصة المناسبة للتبشير بإقليم او دولة تحفظ كرامة وحقوق اهل الجنوب المهدورة.
كانت الدعوة الأولى هي تشكيل " إقليم سومر" , وهو إقليم كبير يتكون من ثلاث أقاليم وهي محافظة البصرة وذي قار وميسان في إقليم واحد وعاصمته البصرة, ضم واسط والمثنى والقادسية في إقليم عاصمته واسط , والأخر يضم كلا من بابل وكربلاء المقدسة والنجف الاشرف , وعاصمته النجف الاشرف. أحب أبناء الجنوب الفكرة كونها ليست مشروع طائفي او قومي تؤدي الى الحروب وتقسيم ,انما أساسه الجغرافية. انهم أحبوه لأنه يحافظ على صفاتهم المشتركة كالدين , المذهب , والثقافة. كما وانهم احبو اسم "سومر" لأنه يمثل حضارة إنسانية متقدمة حكمت ارضهم قبل خمسة الاف سنة , وبذلك "لإعطائه (للإقليم) زخما حضاريا متميز". هذه المجموعة أصدرت علم للفيدرالية الجنوبية والذي يتكون من لونيين الأزرق والاخضر. اللون الأزرق يشكل حوالي ثلاث ارباع الراية وهو يمثل لون بوابة بابل والاهوار، ونهري دجلة، والفرات، والاهوار. وعلى أرضية هذا اللون اسد بابلي يقف في وسطه , وفوقه سعفة نخل من 12 خوصة تمثل عدد أئمة اهل البيت وفي نهاية السعفة خوصتين تشبه لسان الثعبان لتمثل سيف الامام علي بن ابي طالب, ذو الفقار. اما اللون الأخضر والذي يشكل تقريبا ربع مساحة الراية فانه يمثل الراية الإسلامية.
المجموعة الثانية لا تريد الإقليم وانما تريد الطلاق جملة وتفصيلا من العراق وتشكيل دولة جديدة من رحم العراق تحت اسم " دولة سومر" , وبذلك حملوا شعار " لا فيدرالية ولا إقليم ...نعن نعم للتقسيم". انهم يطلقون أيضا من مظلومية المكون الشيعي في العراق, وخاصة أبناء الجنوب. ان اتهام أبناء الجنوب بعراقيتهم على يد حزب البعث ترك بهم جرح عميق , لا يندمل الا بالانفصال عن العراق. الدعوة دعمتها مجموعة من الكتاب والسياسيون من داخل وخارج العراق وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي وسخروا أنصارها من الفنانين والرسامين لتصميم علم وشعار الى الدولة الجديدة. وتم فعلا تصميم راية للدولة الجديدة بالون الأزرق الغامق وفي وسطه اسد بابلي بحجم الراية وتحت الأسد عبارة سومر.
ومن اجل الحصول على الدعم الدولي لهذه الدولة , قام القائمون عليه بحملة جمع تواقيع مليون مواطن جنوبي من اجل تقديمها الى منظمة الأمم المتحدة. اصاحب هذه الدعوة يصرون على ان الدولة الجديدة سوف لن تكون طائفية او قومية , وانما دولة عصرية "ذات جذور تاريخية حضارية". في هذا المعنى يقول المحامي سلام الكناني وهو أحد المنادين بإقامتها " ان دولة سومر ستكون انبعاثا جديدا لوحدة من أقدم الحضارات على الأرض ولن تكون دولة دينية او طائفية. وضعنا الحالي هو الخنوع وخضوع لشعوب قتلتنا وخدعتنا وسرقتنا وخانتنا وبانفصالنا وإعلان الدولة الجديدة سيتمتع كل مواطن سومري بنفس الحقوق مع الاخرين". ويؤكد الكناني , ان " فكرة الاستقلال وإعلان الدولة السومرية تلقي انتشارا وترحيبا واسعا خاصة بين الأوساط الشبابية."
أصحاب هذه الدعوة يذهبون بالقول ان الجنوب العراقي بحجم مساحته وسكانه وثرواته الطبيعية ونسبة المثقفين فيه يعادل أكثر من دولة. كما وانهم حددوا حدود الدولة الجديدة لتكون من شمال بحيرة الثرثار الى الفاو جنوبا ومن الرطبة غربا الى خانقين شرقا, وهو مطلب يتفق عليه اغلب من يدعو الى اقلمة العراق.
كلا الدعوتين جاءتا كرد فعل لما عاناه أبناء الجنوب العراقي من طائفية وظلم وتهميش وفقر. الدعوة الى تأسيس " إقليم سومر" ماتت مع ظهور الدعوة الى " دولة سومر". عراقيو الداخل والخارج لم يتحمسوا للإقليم على اعتبار انه مشروع امتداد الى مشروع السيد عبد العزيز الحكيم التقسيمي , وهو ادعاء كان غير صحيح لان مشروع الحكيم وإقليم سومر كانا يدعوان الى الفيدرالية الجغرافية وليست الفدرالية المذهبية او القومية. فقد كتب الأستاذ عدنان طعمه الشطري , ان " إقليم (سومر الفدرالي) في دولته المدنية الجديدة لو اجتمعت إرادة انبعاث الإسلام الحضاري و " العلمانية المعتدلة المؤمنة " وتحققت بالاستفتاء العام للشعب السومري في الجنوب العراقي ستكون أرقى طفرة مدنية في إحياء وإعادة إنتاج الثقافة السومرية بروح حضارية قائمة على عنصري " التكنولوجيا المادية " و " القيم المدنية."
ولكن السيد الشطري يضع اللوم على موت المشروع على جهة سياسية كانت متهمة نفسها لترويج مثل هذا الإقليم , حيث يقول "ولكن يبدو هذا المطمح في إنشاء ( إقليم سومر الفدرالي ) والارتقاء بالشعب السومري رؤية سومرية حالمة لشعب يرزح تحت خط الفقر والفاقة وتحت سقوف الصفيح المتهرئة في ظل صراعات " القناعات المؤدلجة " بأوساط المجتمع السياسي العراقي وصراعاته الاثنية الضاربة في عمق التاريخ المذهبي لهذا البلد للاستحواذ على " المقاعد الذهبية " للبرلمان العراقي في الصراع الانتخابي الحالي التي لم يتحدد منها الموقف شعبيا حتى لو كان هذا الموقف يخضع في كثير من الأحايين إلى إغراءات " البطانيات " و " ودجاج الكفيل اللذيذ " و " كارتات الموبايل " التي شكلت طرفيا كارثيا في التأثير على تصويت الناخب الفقير."
على كل حال , مشروع تشكيل " إقليم سومر " ولد ومات سريعا ليحل محله مشروعا أكثر خطورة وهو تشكيل " دولة سومر".
لقد تبنى مشروع " دولة سومر" قوى داخلية اغلبها من العلمانية والتي تناصب العداء لقوى الإسلام السياسي , ومن قوى خارجية , البعض يقول مدعومة من دول اوروبية , بل حتى يتهموا السيد مسعود بارزاني بدعمها , ولكن في الأخير لم تجد هذه الدعوة الدعم الكافي لبقائها على قيد الحياة.
انتقادات حادة وجهة الى هذه الدعوة , ومنها ان هدف الدعوة سوف تبعد أبناء الجنوب من تاريخهم العربي الأصيل , أي تخلي شيعة الجنوب من هويتهم العربية والشيعية لحساب الهوية السومرية التي لم يتأكد بعد حتى وجود بقايا من هذه الحضارة عدى الاطلال. كما سيجد القارئ من مقال الدكتور علي المؤمن انه لا توجد براهين من استمرار أبناء الحضارة السورية في المنطقة والتي شاهدت موجات من الهجرات البشرية الى هذه المنطقة وكان اخرها دخول عرب الجزيرة لها , وبذلك وبمرور الزمن انتهت سلالة السومريين لحساب عرب الجزيرة العربية.
الدعوة أيضا رفضت من اغلب شيعة العراق لكون انها قد تؤدي الى تقسيم العراق باسم احياء حضارة سادة ثم بادت. ان الدعوة قد تؤدي بالأخرين الدعوة بتشكيل جمهورية اشور في الشمال , أكد وسومر في الجنوب, وبابل في الوسط.
الدعوة رفضت بشدة عندما ادعى أنصار مشروع "الدولة" ان التشيع عبارة عن خليط بين ديانة "المحتلين العرب" والديانات العراقية القديمة , وان محمد نفسه كان سومري الأصل وانه من ظهر عدنان وينحدر من ظهر نبي الله اسمعيل بن إبراهيم الخليل , السومري المستعرب , وبذلك ادخل أنصار دعوة تشكيل " دولة سومر" أنفسهم في مشكلة مع كل العرب , وهو تحويل الجزيرة العربية , الخليج , وأجزاء مهمة من سورية والأردن وفلسطين الى هذه "الدولة". والخلاصة ان الدعوى الى تأسيس " دولة سومر" كانت ما هي الا دعوة لتقسيم العراق عن طريق فصل شيعة العراق والذين يمثلون حوالي ثلث العراق مساحة وأكثر من 50% من نفوسه.
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟