|
فولكر بيرتس: الأَبْلَه والأحمق
محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)
الحوار المتمدن-العدد: 7164 - 2022 / 2 / 16 - 08:24
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"To believe everything is to be an imbecile. To deny everything is to be a fool” -- Charles Nodier " "ان تصدق كل شيء تكون أبلها وان تنكر كل شيء تكون أحمقا" - تشارلز نوديير
اختير فولكر بيرتس في يناير 2021 كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيساً ل “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان"، المعروفة اختصاراً بـ “يونيتامس"-UNITAMS. وبيرتس ينتمي، كعضو، ل "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، وعمل قبلها في منصب كبير مستشاري المبعوث الخاص للأمين العام لسوريا؛ وخلال عمله في هذه المهمة عرف بتصريحاته اليمينية المتطرفة في مسالة كيف تحكم الدول الفقيرة، كما انه شارك ضمن بعثة سوريا في مساعدة نظام بشار الأسد تصفية المعارضة الوطنية الديمقراطية هناك.
ظل بيرتس ينكر ويصرح بأن بعثة يونيتامس ليست تدخلاً أجنبياً في السودان، ولا تشكل نوعاً من أنواع الاستعمار، وأنه ليس حاكماً عاماً للسودان كما تردد وسائط التواصل الاجتماعي.
لكن نفى بيرتس للطابع الاستعماري للبعثة مجرد محاولة بسيطة للخداع.
فحقيقة امر البعثة لا تتضح بتجريدها من الأجواء التي تخيم على عالم اليوم التي تشابه أجواء عام 1939 عندما بلغ حينها التناقض بين الدول الرأسمالية أشده اثر انهيار نظام التجارة العالمية وظهور الفاشية مما أدى للحرب الدموية العالمية الثانية بعد عقدين منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى التي نشبت لنفس السبب (التناقض الأساسي بين الدول الرأسمالية: فالدولة القومية "الرأسمالية" الواحدة في سعيها لضمان أقصى الأرباح لرؤوس الأموال المتدفقة منها للخارج لا تلبث أن تجد نفسها في تناقض عدائي بينها وبين النظام الاقتصادي العالمي.) في هذه الأجواء تريد القوى العظمى المتصارعة إعادة ترتيب أوضاع السودان بان يظل تحت سيطرتها: وبالتحديد فان أمريكا، وتوابعها من بعض الدول الخليجية الدائرة في فلكها، هي الراعي لهذه المهمة وأداتها هنا الأمم المتحدة. فالأمم المتحدة من خلال مجلس الامن، الذي يتمتع (بعكس الجمعية العامة للمنظمة) بسلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء، أصبح مطية للقوى الكبرى لإصدار القرارات وإيجاد المبررات للتدخل في شئون الدول الفقيرة واجبارها الانصياع لرؤاها بهدف السيطرة عليها وتحقيق مطامعها الاستعمارية.
وهكذا فان المهمة المركزية لبعثة يونيتامس هي خلق الإدارة السودانية العميلة لتيسير أهداف أمريكا التي تسعى ان يكون لها وجود في البحر الأحمر بإقامة مقرا للقيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (الآفريكوم) ومن ثم السيطرة التامة على السودان التي تمكنها من تعزيز سيطرتها على مصر وأجزاء من القرن الأفريقي وتسهيل تمددها غربا والسيطرة على دول الساحل الأفريقي، التي تشمل منطقة السافانا الغنية بموردها الضخمة، حتى شواطئ المحيط الأطلسي. وجدير أن حكومة السودان الانتقالية العميلة أعطت أمريكا في مطلع 2021 الموافقة المبدئية لإقامة الآفريكوم على ساحل البحر الأحمر.
يواصل بيرتس افتراءه ويصرح مؤخرا، بعد ان اشتدت معارضة القوى الوطنية الديمقراطية لبعثته، بأن بعثة يونيتامس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان جاءت بطلب من الحكومة السودانية
ويريد بيرتس أن نصدقه ونصدق انه فعلا يؤمن في هذا القول؛ ولكن بيرتس يقر على نفسه الحُمْق بقوله الذي يمتلئ بالاستهزاء بعقول الناس. فالحقيقة البائنة هي ان طلب الحكم الانتقالي من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء يونيتامس تم بمعزل عن مشاركة جموع الشعب السوداني وقواه السياسية المتعددة، بل الأخطر ان استدعاء الأمم المتحدة للسودان تم بأكبر عملية استخباراتية استخدم فيها رئيس وزراء الحكومة الانتقالية (2019_2021) ؛ ففي 2020 بمبادرة منفردة، وقع رئيس وزراء الحكومة في 27 يناير 2020 خطابا حرره السفير البريطاني بالخرطوم بالتعاون مع السفارة الألمانية طالبا فيه من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم الانتقال الديمقراطي والسلام بموجب الفصل السادس من ميثاق المنظمة الدولية. وخلاصة القول فان الذين صمموا البعثة الأممية هم نفسهم الذين أتوا ببيرتس في عملية هدفها المزيد من هتك سيادة السودان الوطنية (العملية الحادثة على مر العقود منذ عام 1956 عقب جلاء قوات الاحتلال البريطانية من البلاد) شملت تسهيل الحكم الانتقالي لشتى أشكال التدخلات الأجنبية نذكر منها القانون الذي أصدره الكونجرس الأمريكي المسمى "الانتقال الديمقراطي في السودان" والسماح للافريكوم لكى يكون السودان مقرا لها، الخ.
ان يونيتامس مفوضة من قبل الأمم المتحدة للعمل على تكريس تبعية السودان للدول الغربية العظمى ومهمة بيرتس هو تأسيس الهيكل الإداري الحكومي لهذا الغرض. وبيرتس يقوم بتنفيذ هذه المهمة بكل ما يتمتع به من نزوق يفتقد لأبسط قواعد الدبلوماسية مثل تحديده للفئات والكيانات السياسية التي تعمل لإنجاح الفترة الانتقالية وتلك التي تمثل عائقا لها؛ وهذا ليس تهورا فقط من قبل بيرتس، بل الجهل التام بالواقع السوداني وتضاريسه السياسية. ثم عمل بيرتس لا يتناول موضوع مضمون الحكم الذي يصلح للسودان بل ينحصر فقط في البحث حول شكل الحكم الذي يصلح للحفاظ على السودان كدولة تابعة.
ان الشعب السوداني هو وحده القادر على صناعة مستقبله وليس الاوغاد (riffraff) الذين ينصب همهم على التكالب على وظائف المنظمات الدولية واللهث وراء ال (per diem). والشعب السوداني لا يكن احتراما لفولكر بيرتس وان مصيره في افئدة الشعب سيكون تماما مثل مصير فرانسيس ريجنالد ونجت (الذي حكم السودان (1899-1916) في فترة الحكم الاستعماري البريطاني للسودان. فونجت رغم هندسته لمكونات الدولة وتأسيس بنياتها الأساسية بالشكل الذي يخدم دولة الاستعمار لا يستدعي الشعب ذكراه الا ويكيل له الاحتقار. وبالمناسبة ونجت أكثر حضورا ذهنيا (more intellectual) من صاحبنا موضوع الحديث.
#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)
Mahmoud_Yassin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السودان: مبادرة الهيبك (HIPC) وسياسة استدامة الدَيْن
-
لجنة تفكيك نظام الإنقاذ السودانى: المساءلة القانونية والنقد
...
-
الاتحاد الأفريقي وتعزيز شرعية الكيان الصهيوني
-
السودان: الجيش وحرب الفشقة والبيان الفضيحة
-
مصر الرسمية ليست صديقة للسودان
-
إنها الرأسمالية يا عزيزي
-
مقاطعة إسرائيل : السودان أولاً
-
السودان: أجمل وأبشع ما قيل في مجرى انتفاضة ديسمبر
-
السودان: مسألة الحرب والاقتصاد لدى أرجوزات المجلس السيادي
-
هل يكون السودان مقرا للقيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (
...
-
الحكم الانتقالي يواصل تسهيل إحكام سيطرة مصر على السودان
-
الازمة الاقتصادية الرأسمالية جراء الكوفيد 19
-
ممارسة التضليل حول علاقة فيتنام بالبنك الدولي (1-2)
-
الانتخابات الامريكية: دستور 1789 على المحك
-
السياسة والجيش في المملكة العربية السعودية
-
السودان-الدولة الكتشنرية: مسارها ومشروع وصاية بعثة يونبيمس(N
...
-
الفهم المبتذل لقضية تطبيع السودان مع إسرائيل
-
صفقة القرن وتجديد الحلم الإسرائيلي القديم
-
السودان: فتح نيران جائرة على لجان المقاومة
-
السودان: حمدوك عالق على الجانب الخطأ من التاريخ
المزيد.....
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
-
رائد فهمي: أي تغيير مطلوب
-
تيسير خالد : يدعو الدول العربية والاسلامية الانضمام إلى - مج
...
-
التخطيط لمظاهرات في ألمانيا لمناهضة التعاون مع اليمين المتطر
...
-
Al-Sudani and Keir Starmer’s meeting – and male hypocrisy!
-
هيئة الدفاع في ملف الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمي تعلق ح
...
-
مقترح ترامب للتطهير العرقي
-
برلماني روسي يستنكر تصريحات سيناتورة تشيكية حول حصار لينينغر
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|