إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14 - 20:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مورست على المغرب كل أشكال الاستئصال من أجل إجهاض تجربته التاريخية، كسلطة مركزية قوية ذات مرجعية حضارية مركبة تجمع بين البعد الأمازيغي و البعد العربي الإسلامي.
فقد أدركت القوى المهيمنة على المتوسط القوة الكامنة في الذات المغريية و التي بإمكانها قلب التوازنات السائدة في أي لحظة. و لذلك، خاضوا ضده معارك ضارية لتجربده من خصوصيته و إلحاقه بالامتداد الاستعماري.
و لعل العجيب في الأمر، هو كون جل المعارك التي خيضت ضد المغرب كانت خلال العهد السعدي، حيث تحول المغرب إلى دولة مركزية يقودها جهاز المخزن. و هذه إشارة واضحة إلى ما كان يمثله هذا التحول من انسجام داخلي سرعان ما تحول إلى قوة خارجية ضاربة.
و يمكن التوقف عند معركتين حاسمتين، استطاع خلالهما المغرب صد التيار الاستعماري و إلحاق شر هزيمة به لم تقم له بعدها قائمة.
* فخلال معركة "وادي اللبن" 1558 تمكن المغرب من صد الاستعمار العثماني الذي كان يتخذ من الإسلام ذريعة لإلحاق العالم العربي بمركزه الإمبراطوري، و مثل بعدها المغرب الدولة الاستثناء التي لم تكن تابعة للإمبراطورية العثمانية.
* و خلال معركة "وادي المخازن" 1578 تمكن المغرب من صد الاستعمار الإيبيري الذي كان يسعى إلى الانتقام من التاريخ الأندلسي للمغرب حينما كان القوة الضاربة التي تحمي سيادة الأندلس، و استطاع المغرب بعدها من رسم تاريخ جديد مع الضفة الشمالية للمتوسط قائم على سياسة توازن الرعب.
لقد تمكنت الذات المغربية من تشكيل قوتها الضاربة، من خلال الدمج بين تجربتها التاريخية الخاصة في مقارعة الرومان و الاستقلال عنهم، و بين التجربة الحضارية العريية الإسلامية التي تلاحمت مع الخصوصية المغربية و أصبحت عنصرا أصيلا ضمنها. جهاز المخزن، الذي تأسس خلال عهد الدولة السعدية كسلطة مركزية، جسد هذا التلاحم و الاندماج بين نسق «أكليد» الذي يعني «الملك» بصفته قائدا سياسيا و عسكريا، و بين نسق «الخليفة» الذي يجمع بين صفة الإمامة الدينية و بين صفة القيادة السياسية.
عبر هذا الاندماج و التلاحم بين النسقين، تمكن المغرب من إبداع جهاز سياسي مركزي، على رأسه قائد يجمع بين الإمامة الدينية و بين القيادة السياسية و العسكرية. و هكذا، كانت البوادر الأولى لتأسيس الدولة المغربية المركزية بحدودها التاريخية الثابتة، بعد أن تم القطع مع الطابع الإمبراطوري الذي كان سائدا من قبل مع المرابطين و الموحدين بشكل خاص.
لا يمكن الوعي بطبيعة جهاز المخزن دون العودة إلى مرحلة التأسيس، خلال العهد السعدي، هذا الجهاز الذي مثل الخصوصية السياسية المغربية، و كان بمثابة الفزاعة التي تفزع كل القوى الاستعمارية المتربصة بالمغرب، و لذلك بذلوا جهودا مضنية لتفكيكه، سواء من خلال الحركة الاستعمارية التي استهدفت تفكيك مؤسسات المخزن، أو من خلال التواطئ مع الحركة الانقلابية التي قادها ضباط فرنسا.
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟