أقبل الليل .. المدينة تغطُّ في سباتٍ عميق ابتسمت النجوم للعشَّاق الّذين يلتقون خلسةً. آهٍ .. الكثيرون يبحثون عن الحبِّ والفرح الّذي ضاع بين ثنايا العمر!
بعض الرجال يتوافدون إلى المقاهي وينـزوون وراء الكواليس .. وهناك يتسرَّب الدخان إلى مسامات جلودهم، يشربونه بشراهه .. أحدهم ينظر إلى ساعته وآخر يطفئ سيجارته بغضب .. لا يملُّون من الجلوس على الكراسي ساعات طوال. هذا يخرج مزهوَّاً وذاك رأسه يدور.
قرع الباب بغضب، كانت الزوجة والأولاد يحلمون أحلاماً متلاطمة .. جفلَت الزوجة ونهضَت من فراشها نصف نائمة ثمَّ هرعَت تفتح الباب. نقاشٌ حادّ دار بينهما .. كان الوقت يشير إلى منتصف الّليل.
جفل الأولاد بخوف ثمَّ غمرهم العويل والصراخ. طفلٌ رضيع بكى بكاءً يمزِّق الأبدان وسعالاً متقطِّعاً كان يرافق البكاء. الابن الأكبر في العاشرة من عمره توسَّل لوالده قائلاً:
أرجوك يا بابا لا تضرب أمِّي، التمس الرّجاء ببكاءٍ عميق .. الابن الأصغر يريد أن يتكلَّم مع والده ولكنَّه لا يستطيع، عيناه كئيبتان ومغرورقتان بدموع القهر والألم. انعقدَ لسانه وارتجفَت شفتاه وعبثاً لم يستطع أن يفتح فاه بكلمة.
الجوُّ كان مكثَّفاً بالألم .. تجمَّد الدم في قلوبهم. تعشَّى الزوج بشراهةٍ بشعة، وكان الطعام يتطاير من فمه بتقزُّزٍ.. وعندما انتهى من تناول العشاء، توجَّه مباشرةً نحو فراشه، وتوجَّهت هي نحو أولادها .. ألقَت نظرة عليهم وغطَّتهم واحداً .. واحداً وعادت تمعنُ النظر بزوجها الّذي أخذ مساحةً كبيرة من السرير. أرخت جسدها على مقربةٍ منه تماماً وبدأت تلامس كتفه وكلَّما كانت تلامسه، كان يزداد تواصلاً مع (أهل الكهف)! .. تنفَّسَت بألم وزفرَت زفيراً مكتوماً ثمَّ بدأَت كعادتها تتواصلُ مع دموعها على إيقاعات شخيره المتقطِّع، وكانت تشعر أنَّ إيقاعات شخيره أشبه ما تكون بسيفٍ مسموم يتوغَّل في أعماقها ويعكِّر هدوء الّليل الجميل!
صبري يوسف
المالكيّة/ديريك: 2/2/1987
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]