|
أربعة بوسترات لعيد الحب
فرات المحسن
الحوار المتمدن-العدد: 7159 - 2022 / 2 / 11 - 16:29
المحور:
الادب والفن
لسعة برد جعلته يرفع ياقة سترته ليغطي بها رقبته. ثمة مرور كثيف للبشر، وحمرة الغروب ترتمي فوق سطوح البنايات. فضل الوقوف في الزاوية اليسرى من شارع السعدون عند بقايا مكتبة المثنى التي ما عادت تعني لصاحبها قاسم الرجب غير وجع في القلب. وقف مسمراً جوار الحائط الذي لوثته بقايا ملصقات الانتخابات الماضية، حمل بيده اليسرى باقة ورود جوري حمراء، وراح يطالع المارة بشغف وطيبة وثمة ابتسامة ترتسم عند غمازتين تطرزان خديه. مساء البارحة في سريره الذي يصر عند أدنى حركة ، فكر بالغد الذي هو يوم الحب، نعم يوم الحب. وحيد في تيهه ويقينه، شعر بثقل ذلك التفكير وهو يحاور نفسه عما يفعله يوم غد. لا حبيبة تنتظر تودده وقبلاته، سوى عجوز تدثرت في فراشها قرب باب الغرفة، تحملت سنواته الأربعين بأوجاعها وأفراحها ومتاهاتها، ووهبته حبها دون منة، ومن زاوية في غطاء سريرها ترقبه الآن، بابتسامتها الدافئة التي اعتاد أن تمنحه إياها لتطمئنه وتطمئن نفسها بوجوده. فكر، الحب لجميع الناس ربما يعوض القلب عن فقدان فرح، كيف يستطيع أن يُفْرح البشر في عيد المحبة هذا، أن يبث في أجسادهم وأرواحهم فرحاً غامراً وبهجة دون ثمن، ويجعلهم يعافون الأحقاد ولو لساعات. أن يذكرهم بيوم الحب، يسعدهم ويجعلهم يشاطرونه حفل البهجة هذا. مد يده ولوح بوردة، تلقفها عجوز رثّ الثياب وابتسم وهو يشمّها بنفس ذابل. قفز صبي عابث وبلمح البصر خطف وردة أخرى من يده الممدودة، ضحك ملء شدقيه وهو يراقب الصبي يختفي وسط الزحام وكان يلوح له بالوردة. مد يده ولوح بوردة، أشاحت الفتاة وجهها عنه وأسرعت في خطاها بعد أن أسمعته شتيمة. مد يده ولوح بوردة لفتاة قادمة أخرى، أخذتها وقربتها من أنفها وسألته. ما سعرها؟. ــ ليست بثمن، إنه يوم الحب وأنت تستحقينها. رمت الوردة بوجهه بكل ما أوتيت من قوة.. وراحت مسرعة تثرثر بموجة شتائم.
*****
مد يده ولوح بوردة، تلقفها عجوز رثّ الثياب وابتسم وهو يشمّها بنفس ذابل. قفز صبي عابث وبلمح البصر خطف وردة أخرى من يده الممدودة، ضحك ملء شدقيه وهو يراقب الصبي يختفي وسط الزحام وهو يلوح له بالوردة. اقترب منه شرطي وأعقبه ثلاثة آخرون، طوقوه. أحدهم أمسك ساعده بغلظة ولؤم والآخر سحب باقة الورد ورماها بعيدًا. ــ هل اعتدت التحرش بالفتيات أيّها السافل، لم نشاهدك في هذا المكان سابقا، في مركز الشرطة سوف نريك كيف يكون مصير من يعاكس بنات الناس. ***** مد يده ولوح بوردة، تلقفها منه عجوز رثّ الثياب وابتسم وهو يشمّها بنفس ذابل. قفز صبي عابث وبلمح البصر خطف الوردة من يده الممدودة، ضحك ملء شدقيه وهو يراقب الصبي يختفي وسط الزحام وهو يلوح له بالوردة. مد يده ولوح بوردة، أشاحت الفتاة وجهها عنه وأسرعت في خطاها بعد أن أسمعته شتيمة.
اقترب منه شيخ معمم، كان يمط ويزم شفتيه الغليظتين وكأنه يلوك طعاما، موجهاً له سيل كلماته بصوت مرتفع، ألا تستحي يا ولدي من وقفتك هذه، تحتفل بيوم الفسق والفجور، هذه العادة القبيحة التي ابتدعها اليهود والنصارى ليفسدوا النفوس ويدعون لممارسة الزنا والمحرمات، عتبي عليك أيّها الشاب، كيف تقلد أهل الكفر بأعيادهم، هل نسيت أعيادنا وأفراحنا لتذهب وتقتبس دينك من خارج ديار الإسلام، قبحك الله على فعلتك هذه. لم يكمل الشيخ جملته. وكان ساهما وهو يحدق بوجه الشيخ، حين شعر باقتراب مجموعة من شباب أنقضوا عليه بعجالة وخطفوا وروده ورموها وسط الشارع. طرحوه أرضا وانهالوا عليه ضربا. كانت السيارات المسرعة تدهس الورود لتحيلها لفتات غائم الملامح، ومن بين أيدي الشباب المرتفعة والهابطة شاهد ابتسامة صفراء كانت تغطي وجه الشيخ المعمم.
***** مد يده ولوح بوردة، تلقفها عجوز رثّ الثياب وابتسم وهو يشمّها بنفس ذابل. قفز صبي عابث وبلمح البصر خطف وردة أخرى من يده الممدودة، ضحك ملء شدقيه وهو يراقب الصبي يختفي وسط الزحام ويلوح له بالوردة. مد يده ولوح بوردة جديدة، أشاحت الفتاة وجهها عنه وأسرعت في خطاها وأسمعته شتيمة. توقفت سيارة بيك آب بيضاء جوار الرصيف، خرج منها شابٌ رث الثياب بعينين قلقتين وكأنهما تبحثان في المكان عن شيء مفقود. سار جواره ثم تخطاه، عاد وطلب منه وردة فناوله إياها وابتسامة فرح غامر ارتسمت فوق محياه.
ـ أرجو أن لا تبعد نظرك عن سيارتي، لن أتأخر، بضع ثوان لا غير.
بضع ثوان، اهتز المكان وارتجت الأرض من هول الانفجار.
حين انقشع الغبار كان جسده الواهن مسوداً دون ملامح. بقايا كومة لحم متفحم تنتفض وجعا، وكف تطبق أصابعها حول حزمة من عيدان. الدم القاني اختلط بوريقات الورد ليغطي الجدار الذي اختفت عنه ملامح ملصقات الانتخابات الماضية.
#فرات_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طلاء الأظافر
-
حوار
-
شيء من سيرة حسوني الغريب
-
الناجي الوحيد
-
انتخابات الهيونطة
-
مازلت أتوطن كابوسي
-
دعوة لكابوس
-
جرذ حفر الباطن
-
قيل لي
-
إخفاء المعلومة حول الطرف الثالث خدعة سياسية
-
أبناء الله والدولة
-
انتخابات كاتم الصوت
-
مهزلة يسمونها انتخابات ج2
-
مهزلة يسمونها انتخابات
-
تلك الأيام من الرعب
-
أشباح من عزلة كورونا
-
دونية ووضاعة بعض الطقوس الدينية
-
صوتك حلو ..ج الثاني
-
صوتك حلو ..ج الأول
-
مصطفى الكاظمي وأجندة الدولة العميقة
المزيد.....
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
-
الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|