أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - مقتطف من رحلة في الذاكرة















المزيد.....

مقتطف من رحلة في الذاكرة


الحبيب حميدي
استاذ

(Hmidi Hbib)


الحوار المتمدن-العدد: 7157 - 2022 / 2 / 9 - 18:56
المحور: الادب والفن
    


هنا يجلس أبو نوّاس في نصبه الفخم على هيأته العباسّية وقد آثر شراب الفانية على عتاب الإمام فما يزال له في الخمر نصيب. هنا على نهر دجلة يحتفي بالقدح سرّا وعلانية بمصونة دقتّ عن اللحّظات ورقتّ. بيده صهباء ترفعها ذات اليسار بإبريق فارسيةّ وهو ينشد في نشوة ولا نشوة الحلّاج:
لي نشوتان وللندمان واحدة
هناك زرعت له أشجار ونخيل وورود من خير الشّجر والنخّيل والورد يتعللّ جلبابه وأعطافه بخير ماء وهواء وعلى جنبات مقامه من أوراد شعره:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
يشرف على زمر العشّاق والندّامى وقد تجمّعوا بالودّ والصفاء ودارت بينهم الكؤوس وطابت النفّوس يطاف عليهم بعرق النخّيل وشراب التمّر وأطباق المسكوف سمكا مشويا يتناوبون حوله الشّرب والسّكر والنوّم. يقيمون على غير لقاء وقد ضمّتهم خمّارات الليّل بعد أن استعدت في زينتها لألاءة وأسندت أطرافها إلى ذراع النهّر، يحضنها في صمت صاحيا وسامرا وتحضنه صاحية وسامرة خليطين من ماء الغمامة والخمر. تزينّت وتبرّجت بعطورها وأصباغها بعد أن أعدّت طعامها وشرابها وأسدلت السّتائر في هيئة نورانيةّ، فلكلّ خمّارة لون ولكلّ لون خمّارة وذفير ولا خمّارة كوى زيانّ ولا دير من أديرة اليهود. فكم آنية فارسيةّ دارت وتدار والندّامى بين الغبوق والصّبوح على ضوء تلك القناديل في غربة وسكر ولا يكاد يمرّ حتىّ يسمع همس المنادي: يا حمّاد يا ابن إياس! يا صاحب فوز ويا عتاهية! فيخيلّ له صاحيا أن يسال أحدهم ما شراب الهفتجة؟ ومن عمرو؟ ومن فتية السّوء؟ فيصاح به من ذا؟ فيقول: طالب لا يشرب الخمرة ولو على مذهب الأوزاعي! فيقال له: لا يدخل علينا إلاّ أخ، هل قرأت عن الآلهة سيدوري؟ اذهب واستمتع بما لك من الدّنيا واسعد بما تملك واقرأ تر الدّنيا. كم على ذلك النهر من قصور ومجالس وجوار وقلوب رقيقة يفعل الغناء فيها والشّعر فعل السّحر فلا يستكثر أحدهم مائة ألف درهم مدفوعة على صوت بشعر العباّس ابن الأحنف لكنّ الفتى يشتهي صوتا لوحيد المغنيّة فما أبدع ما قال فيها ابن الرّومي حتىّ لم يبق لمغنيّة بعدها قول فكيف بالله حسنها. لقد احتار فيها وحيرّ. حتىّ إذا مرّ وهو على أحد الجسور العظيمة، عرضت له ليلة توسّط مخارق النهّر وهو سكران، وقد اندفع يغنيّ فإذا رجّع وأمدّ أسرجت الشّموع في صحون القصور والمدارس والدّور وفتحّت النوّافذ المطلةّ على جانبي النهّر خرج القيان والغلمان والشّيوخ والأمراء يترنمّون، فإذا رأى عرض النهر عجب للخبر والصوت.
ويخطرله ذكر الرّصافة وعيون المها، فتشوقه رؤية بيت المفضّل علهّ واجد عليّ ابن الجهم، فقد قيل عنه إنهّ كان ممّن يغشاها ويشتهي سماع صوت للغريض أو صوتا لابن سريج بشعر جرير؛ أو لمعبد من شعر عبد الرحمان بن أبي بكر؛
فيسأله: كيف لمن كان رقيقا مثله ومرباه بغداد أن يأتي على ذكر الكلب والتيّس والدّلو في حضرة القصر؟ وبعذرة الشّبيبة وفراغ البال على قلةّ المال، كان يحبّ أن يصبو فيفعل فعل شريح يكثر المرور في الطّرقات وفي شارع النهّر وبين أروقة كليةّ الترّبية وكليّة اللغّات وفي الناّدي والمشارب وملاعب الرّياضة، لعلهّ يرى صورة حسنة يسأل أين بذل وذات الخال ومتيمّ وعريب ودنانير ومن جاءت بشعر كثير.
أين تلك التّي أسدلت الظّلام على الضّياء؟ كدأبه في القيروان عند برود العشيّ، فحين يكون الناّس قد ارتدّت إليهم الحياة بعد أن استراحوا من حرّ الهاجرة وانشرحت صدورهم ونفوسهم إلى هواء لطيف وتاقت أبصارهم إلى التنّعمّ بالفضاء واشتاقت نفوسهم إلى السّوق، ساروا وتمشّوا وقد كانوا تحلوّا وتطيبّوا للحديث والسّمر في مجالسهم أوعلى المقاعد المزروعة بالأرصفة هنا وهناك يكون الفتى عندئذ قد انطلق مع المنطلقين منهم أشتاتا في عشق غريب لفسحة مسائيةّ وجدانيةّ ومعرض حياة وديع ، حيث يتقاطر العباد إلى وسط المدينة من بابيها، باب الجلادّين وباب تونس فهناك مآرب للنسّاء والرّجال وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال، بعض للصّلاة وبعض للصّلات يقوم كلّ ذي حاجة إلى حاجته يشترون ويبيعون ويصلوّن ويصلون ويتزوّدون بما شاء الله لهم ممّا اشتهت الأنفس وتلذّذت به الأعين ومن وراء البراقع والحجب عيون تفتك وسهام نوافذ ومتيمّ صابر خجول .

كم على ذلك النهر من قصور ومجالس وجوار وقلوب رقيقة يفعل الغناء فيها والشّعر فعل السّحر فلا يستكثر أحدهم مائة ألف درهم مدفوعة على صوت بشعر العباّس ابن الأحنف لكنّ الفتى يشتهي صوتا لوحيد المغنيّة فما أبدع ما قال فيها ابن الرّومي حتىّ لم يبق لمغنيّة بعدها قول فكيف بالله حسنها. لقد احتار فيها وحيرّ. حتىّ إذا مرّ وهو على أحد الجسور العظيمة، عرضت له ليلة توسّط مخارق النهّر وهو سكران، وقد اندفع يغنيّ فإذا رجّع وأمدّ أسرجت الشّموع في صحون القصور والمدارس والدّور وفتحّت النوّافذ المطلةّ على جانبي النهّر خرج القيان والغلمان و الشّيوخ والأمراء يترنمّون، فإذا رأى عرض النهر عجب للخبر والصوت .ويخطرله ذكر الرّصافة وعيون المها، فتشوقه رؤية بيت المفضّل علهّ واجد عليّ ابن الجهم، فقد قيل عنه إنهّ كان ممّن يغشاها ويشتهي سماع صوت للغريض أو صوتا لابن سريج بشعر جرير؛ أو لمعبد من شعر عبد الرحمان بن أبي بكر؛
فيسأله: كيف لمن كان رقيقا مثله ومرباه بغداد، أن يأتي على ذكر الكلب والتيّس والدّلو في حضرة القصر؟ وبعذرة الشّبيبة وفراغ البال على قلةّ المال، كان يحبّ أن يصبو فيفعل فعل شريح يكثر المرور في الطّرقات وفي شارع النهّر وبين أروقة كليةّ الترّبية وكليّة اللغّات وفي الناّدي والمشارب وملاعب الرّياضة، لعلهّ يرى صورة حسنة يسأل أين بذل وذات الخال ومتيمّ وعريب ودنانير ومن جاءت بشعر كثير.
أين تلك التّي أسدلت الظّلام على الضّياء؟
كدأبه في القيروان عند برود العشيّ، فحين يكون الناّس قد ارتدّت إليهم الحياة بعد أن استراحوا من حرّ الهاجرة وانشرحت صدورهم ونفوسهم إلى هواء لطيف وتاقت أبصارهم إلى التنّعمّ بالفضاء واشتاقت نفوسهم إلى السّوق، ساروا وتمشّوا وقد كانوا تحلوّا وتطيبّوا للحديث والسّمر في مجالسهم أوعلى المقاعد المزروعة بالأرصفة هنا وهناك يكون الفتى عندئذ قد انطلق مع المنطلقين منهم أشتاتا في عشق غريب لفسحة مسائيةّ وجدانيةّ ومعرض حياة وديع ، حيث يتقاطر العباد إلى وسط المدينة من بابيها، باب الجلادّين وباب تونس فهناك مآرب للنسّاء والرّجال وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال، بعض للصّلاة وبعض للصّلات يقوم كلّ ذي حاجة إلى حاجته يشترون ويبيعون ويصلوّن ويصلون ويتزوّدون بما شاء الله لهم ممّا اشتهت الأنفس وتلذّذت به الأعين ومن وراء البراقع والحجب عيون تفتك وسهام نوافذ ومتيمّ صابر خجول .



#الحبيب_حميدي (هاشتاغ)       Hmidi_Hbib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتطف من كتابي فلسفة الخلاص في اليوم الاخير
- جلجامش الجديد
- البابلي القديم
- رسالة في الادب النظيف
- من شرفتي


المزيد.....




- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحبيب حميدي - مقتطف من رحلة في الذاكرة