|
المثقف الكردي المشعوذ
ابراهيم محمود
الحوار المتمدن-العدد: 1663 - 2006 / 9 / 4 - 07:21
المحور:
المجتمع المدني
ارتأيت وضع المثقف الكردي بين فارزتين مقلوبتين، من باب التعليق عليه كمفهوم، كما هو شأن هوسرل، حين كان يشكك في مصداقية مفهوم ما، ولا يطلقه إلا بعد تناوله ورفع ( الحصار) عنه. طبعاً ليس من السهولة بمكان ممارسة تصرف كهذا، لأن ثمة مسؤولية تاريخية إزاء المفهوم، والمفهوم هذا يحدد مدى دقة قول ما تاريخياً أو لا، في منحاه الفلسفي وممن يكوّنه. إذ في اللحظة التي تُلفَظ فيها مفردة ( المثقف) حتى تتزاحم مجموعة من السياقات النصية، لتحديد موقع قيمي لها: تاريخي واجتماعي وثقافي واقتصادي بالتأكيد. تُرى من يكون، أو من بوسعه أن يكون مثقفاً بسهولة دون تأطير ( تقويس) مفردته، دون أن يكون هناك مجتمع يسمح له بالإقامة فيه، وثمة تجويز له، ثمة إقرار بمشروعية عمله فيه؟ من يحق لـه هنا أن يعرّف بنفسه مثقفاً وبامتياز، دون أن يضع على كاهله جملة من العوائق الابستمولوجية ، تلك التي تخص طبيعة عمله والمستوى الفكري والأدبي والعلمي الذي بلغه مجتمعه ذاته، وهو على بيّنة أنه يعيش قسطاً من العوائق تلك، طالما هو منتم ٍ إليه ؟ من هو هذا الذي يتقدم مأخوذاً بالكلمة النافذة، مدركاً قدرتها على تنفيذ مهمة يقدر حقيقتها المؤثرة، وتعددية أدوارها في المجتمع، في المشاورة والمناورة أو المداورة، وهو محدّد لموقعه ذاك الذي يبصره الآخرون من خلاله، بصفته متميزاً، وليس مضافاً إلى هذا الطرف أو ذاك، أو موسوماً بهذه العلامة اليوم وغداً بسواها، وبعد غد خلاف هاتين بالأمس وقبل الأمس؟ مَن لديه شجاعة الاعتراف بأنه صاحب كلمة ( سلطة تشير إليه)، يمكن تعقب مسيرتها، وضع تاريخ لها، تحرّي أبعادها في تنوع مجالاتها الثقافية والفكرية والاجتماعية وغيرها، حيث يحال تجلي أفعال كثيرة إليه، وهو يتعقب بدوره أفكاره، كما لو أنه منتج أفكار والمعني بها في كل مستجد، إذ لا متغيّر، كما لا جديد، أو متحوّل، إلا ويكون تغير أو تغيير، أو هما معاً فيه ..؟ يكون المثقف الفعلي بحاجة إلى مساحة مجتمعية، واستقرار لهذه المساحة ، وكذلك إقرار لها، بتعدد مقوماتها الثقافية والاجتماعية والأدبية والنقدية والتحول في التاريخ، وطرق التعبير عنها، وأفق للرؤية، ووعي متَّفق عليه، ولو نسبياً، بتوافر الحرية العامة، وقدرة ملموسة على التحرك بالمقابل، ليكون حمله للاسم( المثقف) في محله، ودون ذلك يستحيل التحدث عن المثقف باعتباره مثقفاً، أي له موقعه الرمزي في محيطه. إزاء المتحدَّث فيه وعنه، لا يكون المثقف المشعوذ إلا سفوراً أو إقحاماً للمفهوم : تأكيد وجود المثقف دون توافر الشروط أو المقومات التي تحقق لـه بقاء، بقدر ما يكون تقليدياً، ناطقاً بوكالة، أو جلي الدور تحت يافطة قوة ما: سلطوية، إنما ليست مدرَكة باستقلاليتها، ثم يختفي بعد حين، فيكون المثقف تجاوزاً، وإن وجد تجاوزاً، فهو محدود التأثير، ملاق ٍ صعوبات وتحديات، حتى من جهة الذين يكتبون مثله، أي يستأثرون بتلك السلطة المعرفية التي يكتسبها بوعيه، وما في هذا التحدي من بلبلة، وإساءة إلى مفهوم الثقافة عامة، والمثقف بالذات خاصة .
" المثقف الكردي " المشعوذ. لماذا ؟ لو استُحضرت مقالات المثقف كافة، من جهة التصنيف، وتم التدقيق فيها، فيما إذا كانت ممكنة الدخول في خانة الكردية: وسطاً مجتمعياً وتاريخياً وفكرياً ونفسياً... الخ، لما حصل التوافق أو الترافق، ففي الحالات جميعها، يكون المفهوم، أي مفهوم، من النوع الحشري ،: إقحاماً، وفي حالات أخرى كثيرة تزييفاً مضاعفاً، ليؤكد في الحالة الأخيرة هذه، بؤس المقال والاستقبال. في حالة غرامشي، وهي الحالة الأشد وطأة واستخفافاً بالمفهوم، لأنها عيشت منذ عقود زمنية طويلة، أي المثقف العضوي. ثمة تساؤل استفهامي هنا: أي عضوية يمكن تشخيص بنيتها التاريخية، موقعها في السياق الاجتماعي، مسرحها الحزبي، محضر نشاطها العقائدي بالصيغة المرسومة والمحدّدة للعضوية هذه، أو حتى كيفية ظهورها في ( كولبة) الحراسة الحزبية؟ على مدى عقود زمنية طويلة، في الوقت الذي سعى المنخرط في الجسد الحزبي الكردي، وفي مجتمعه الطائف في التاريخ المحمول بقوة مرصودة، لم يتمكن من تحديد عيارها، ومناقشة مقوّمها الثقافي، لأنه ، ببساطة، كان يعيش اللاثقافي المستوجب فيه، حتى وهو في أكثر مقاماته الحزبية أهمية، طالما الترقي تلق ٍّ، وهذا التلقي مُجاز من ( فوق)، لأنه ليس لأنه لم يؤدي مهمته، دوره كمثقف، بقدر ما أنه ، وبزاوية كاملة أطاح بحقيقة كونه مثقفاً، من جهة تبعيته لمن هو أعلى منه هنا: الزعيم، الرفيق المتقدم عليه، الرفيق المراقب له، لأنه التزم بالوصايا العشر هنا: لا تقل ما لم يطلَب منك التحدث فيه- لا تقل ما لا يحدَّد بقرار حزبي- لا تغص في موضوع خشية ما لا يحمد عقباه- لا تخرج عما هو محدَّد لك- قل ما أنت مفوض به حفظاً دون أي تأويل جانبي- اعرف موقعك الذي أنت فيه مرصود- رد على كل سؤال محل شبهة دفاعاً مستميتاً عمَّن حدد لك دورك- لا تطل في القول كثيراً حتى تتجنب الوقوع في خطأ قد يكلفك كثيراً- احترم بلا حدود من هم أعلى منك- تصرف وكأنك حر، إنما في قرارة نفسك أنت مجرد عضو محكوم بسواه... هذه الكلمات التي سلسلتُها، لم تأت إلا في ضوء متابعة، من خلال رصد الذهنية الوصائية – الآبائية- التقريرية- البوليسية العشائرية العلامة- القبضاياتية، حيث كل تجاوز خيانة وتخوين، وحتى اللحظة، من جهة الذين يحاولون المناقشة فيما بينهم، لأن كل معني بطرف حزبي يشد زمام أموره في دائرة تعنيه، حتى لا تفلت زمام الأمور من يده المقيدة واقعاً، ويبقى الآخرون خارج دائرة التغطية التاريخية، وفي الحالة هذه تكون العضوية ترصيصاً ميكانيكياًلأفراد مسلوبي القدرة على التحرك الواعي، على تحسين مهامهم الذاتية، أو ممارسة النقد الذاتي لوضع يثقل عليهم، كما هو الحال جار ٍ، والمثقف العضوي ليس مجازاً بقول ما هو مستثنى، إنما هو أكثر خضوعاً لشد لجامه، خوفاً من سلاطة لسان( تفسد) الجسد الحزبي. المثقف العضوي الذي يتحدث باسم طبقة، مفهوم تمت شحادته، أو تجييره، لأن الطبقة بمفهومها التاريخي الاجتماعي، لم تتشكل عندنا، حتى نتفس الصعداء بوجود من يبشرنا بوجود ( المجتمع المدني) الذي لطالما حورب من قبل أهل ( الطبقة) عندنا، مهما كانت التبريرات، وحتى غرامشي نفسه لم يكن مقبولاً لأمد طويل، لأنه أوربي مناوىء، ولازال من خلال المفهوم الذي يعود إليه في طليانيته الجنوبية، والدور المسند للمعتبرمثقفاً لم يتجاوز نطاق من يجب عليه أن يحفظ دوراً فقط، حيث شكلت سكرتارية الحزب، ولا زالت بأكثر من معنى: الثكنة العسكرية التي تمارس أحكاماً عرفية على أعضائها، وأكثرهم وعياً أقلهم قدرة في التصرف بمستوى وعيه، حيث يكلَّف بمهام أكثر، ليصارإلى ربطه بحزم ، وباستمرار، بالثكنة التي تشرف على الجميع . غرامشي الذي كان محارًباً لزمن طويل، أو مستبعداً أو غير مرغوب فيه، لأنه كان يفكربطريقة ماركسية مشيعنة، إنما في قطار اوربي، وفي العربة الطليانية في ميسمها الجنوبي، على الصعيد الجغرافي – الاقتصادي وتأثير ذلك على حركة القطار الثقافية والسياسية والمناخ المعتقدي فيه، لم يتم التعرف إليه إلا باستحياء، حتى في النطاق العربي، أما كردياً، فداخل العباءة العربية كثيراً، ونُظر إليه بارتياب، وهو يتحدث عن المثقف العضوي، إنما دون نسيان نزعة الاستقلالية عنده بنسبة معينة، وهذا محظور على الكردي، كما يقول تاريخه، وكما تؤكد كتابته كما يجب. أما إن استُحضرالمثقف من نمط بيير بورديو، أودوبريه أو فوكو، فالصورة تتعرض للتشوية أكثر، أولاً من جهة عدم مفروئيتهما إلا في نطاق ضيق، ومن خلال كتابات عنهما وليس لهما، وفي حيّز محدود( ذَمّي)، وثانياً ، لأن المساحة التي تحركوا داخلها تكاد تشكل المدينة الفاضلة لمجمل المعتبرين مثقفين كرداً، حيث نسبة الاستقلالية والروابط التي تري مواقعهم الفكرية، وعتبة الرؤية الذاتية التي تميزهم تكون أرحب، بغض النظر عن مدى الاختلاف معهم، كونهم رموزاً فكرية جلية في مجتمعاتهم وخارجها، كما في مفهوم ( المثقف الكوني)، الذي يتطلب صلات وهذه تتطلب آفاقاً متعددة في أي موضوع يتم تناوله عن الانسان : قيمة ودوراً، أو كما في حال مفهوم ( المثقف الهاوي) لادوارد سعيد، ومدى قدرة المثقف في تأكيد مرجعيته الاستقلالية وإخلاصه للحقيقة تلك التي يعتمدها ويتقدم بها دون سلطة وصائية مباشرة تعصب عينيه. نعم، ثمة من يحق له أن يقول، عن أن الكرد لازالوا بحاجة ماسة إلى مثقف يعيش في وسطهم، يعيش همومهم من الداخل، يدرك المخاطر التي تتحداه في ذاته وهويته وخاصيته الانتمائية، وانطلاقاً من الخصوصية الجغرافية+ الثقافية+ السياسية... الخ، وهذا صحيح، ولكن ذلك يجب ألا يكون بمثابة الحجة لتبرير دوام الضجة، ومن نوع ( كلمة حق يراد باطل)، لأن الدروب أو المسالك كثيرة، نلك التي يتحرك داخلها المعرّف بنفسه مثقفاً، حتى وهو خارج التسمية الحزبية المباشرة، ودون أن يستطيع إخفاء رابطه المعتقدي، أو تحركه الدوغمائي على أكثر من خط معلوم( جو- أرضي)، لتسيير علاقات تبدو في واجهتها كردايتية، لكنها في الصميم، وعلى الصعيد العملي الفعلي، تحمل الحركة في مجملها دمغة الذاتوية والحرص على أهوائها المضاربية ، والاحتفاء بهذه المضاربية سلوكياً. هنا، وليس من باب التحدي، إنما للمساءلة، ومن باب تقييد الاسم والمساءلة حول طابعه الوظيفي، ودوره الفعلي، سواء على الأرض، كما يمكن رسم خطواته وبغيتها، أوتحليقه في عوالم أخرى ككائن أرضي، إنما في حقيقة أمره، لابساً قبعة إخفاء براغماتيكية: هل لي باسم، خارج هذا التصعيد النقدي عليه؟ أريد اسماً واحداً، ليتم فك أسر العنوان بالصيغة المقدَّمة . لا أبحث هنا عن ذرائع، ولست مأخوذاً بالعناوين النطاطة، أو تسميات تعني المثقف: المثقف العابر للحدود، المثقف المجتمعي، المثقف الكوني، المثقف الهاوي، المثقف الاعتباري... الخ، فهي في جملتها توسع أفق الرؤية للمثقف، ولا تعزله عن مجتمعه، بالعكس، إنها تضعه في المتن المجتمعي، وفي الوقت ذاته تترك لـه هامشاً كبيراً في التحرك، والخروج من دائرة العلاقات المجتمعية، لحظة استشعار الضغط عليه بآمريات معينة كانسان مهدَّد في أفكاره ذات النطاق الواسع، والقدرة الجلية في التحليق بها عالياًن دون الابتعاد عن أرضه، تشد على المثقف فيه، بقدر ما أعبّر عن حرص، وخوف جلي، أو مسمى، على صنوف التنكيل بالمثقف في محيطنا، أم بالنسبة للكردي فوزره مضاعف: حين ينسّب ذاته إلى المحيط الثقافي الواسع، وبهذا الانتماء يعرّف بقدرته على التكلم، والنفاذ بشخصيته كمحلول كيميائي في النسيج المجتمعي، وحين يجهر بحقيقته، من يكون، ابن من يكون، من هم أهله المضاربيون، أو خلانه الزعاماتيون، يكون مع ضد من، أويمادرس أحياناً دوراً ازدواجياً، تعزيز موقعه المجتمعي، تأكيداً لمربطه التحزبي – الفئوي- التكتلي ... الخ. إن وجود نماذج ثقافية كردية في الوسط الذي نعيش قريباً أو بعيداً، هو وارد طبعاً، وهذا ليس تناقضاً مع ما ذَكر آنفاً، حيث النماذج هذه لا تخلص لانتمائها، أي باعتبارها وجوه مثقفين مناضلين على طريقتهم، وليس وفق مهام يوكلون بها، أو يعتقدون أنهم بمهامهم التي يسندونها إليهم يرضون هذا الطرف أو ذاك مباشرة، أو أكثر من طرف، أي يكون الدور الاسترضائي والاستزلامي، عبر الكتابة هو العلامة الفارقة الكبرى فيما هم ساعون فيه ، الشعوذة تأخذ بخناقهم، وهنا أكرر من جديد: ليت أحدهم يحدد لي اسماً، يخلو من لوثة( شعوذة)، حيث لا أرفع له الراية البيضاء فقط، إنما سأعتبرطلبي هذا في نبرة تحديه المعرفية فقط( إذا كان التأكيد معتبراً ببراهينه) ، كشفاً واكتشافاً لجهلي الفظيع بما يجري حولي، وتجاهلاً لحقيقته واقعاً.
مشهديات المثقف الكردي المشعوذ: عندما أتحدث عن المثقف الكردي المشعوذ، وأدرج في خانته صنوف الكتاب الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين، أو هكذا يصنفهم من يعتبرونهم مثقفين بوعي منهم أو بدون وعي، كما هي الحالة المتداولة( الدُّرجة)، أو كما هو مروَّج في دائرة واسعة تكاد تغطي المجتمع، وانى حط كردي رحاله وتقدمه قلمه معرّفاً به، حتى لو كان كاتب غزليات، وهذا سبب داعم لتأكيد مدى التآمر على مفهوم المثقف والاتجاربمضمونه، حيث الحقيقة المضلّلة تغلب الحقيقة المموَّهة، فمسعاي في ذلك، هو محاولة المكاشفة النقدية للكردي الذي ينادى مثقفاً، ووهم التسمية ومراوغتها.
في الحيّز الحزبي: ماالذي أفرزه الحزب كردياً( الحزب بصورة عامة، دون استثناء، من خلال جموع ألقابه وتسمياته ومستنسخاته والذين يشكلون حمَلة راياته)، على الصعيد الثقافي؟ أي باكورة أعمال لـه، تشهد على أنه يولي الثقافة اعتباراً، من خلال من يستحقون تمايزاً، باعتبارهم مالكي وممتلكي مؤهلات للتمايز ثقافياً، أولا بد من وجود ذوي نظرة فاحصة ناقدة لما يجري، وهم داخل المضرب الحزبي؟ أين هي كشوفات الحزب الداعمة لتلك النزعة الاستقلالية، وهذه تشهد على أن وعياً بأهمية النقد، معترَف به، مصان، وأن النقد الذاتي حقيقة لازمة حيثما تحرك الحزب؟ من الذي يتولى المهام الحزبية، ويجد لديه القدرة على التحدث باسم المثقف، باعتباره عضواً في الحزب، وفي الآن عينه يتمتع بإرادة متبصرة لأي خطأ ناجم، أو حاصل لهذا السبب أو ذاك؟ إن المعتبر مثقف الحزب، لا يمكنه إجازة نفسه في الفضاء الذي يرتئيه، طالما أنه مرتبط كما الدجاجة البياضة بحذاء رث، أو حجرة، أو عصا مدببة، تقيد حركتها، وتدل على جهتها، حيث لا يمكنه الابتعاد والتخفي عن الأعين المراقبة، كما تعوَّد جسده على ذلك. إن ذاكرته تضيق عليه الخناق بدورها، لأنها لا تتعامل إلا مع المحفوظ، وما عدا ذلك يكون مردوداً ومعدوداً في حكم الملفوظ. وهذا يعني أن ( نيكوتين) الولاء الحزبي : التحزبي المكثف، يعدم عليه الرؤية الفعلية لما حوله، مثلما يمنعه من التحدث استرسالاً، والمكاشفة الذاتية بعيداً عن الكهنوتية أو نزعة التلمودية في الولاء والانتماء، كما هو حادث ومستحدث في وسطنا، زبجلاء، حتى في أبعد نقطة يقيم فيها كردي، ويتحدث، كما لو أنه المسكون إلى صفته المختارة ذاتياً. الحزب فوق الخطأ- أمين، أو سكرتير الحزب فوق النقد- تاريخ الحزب لا يضام- العصمة تسم الحزبي، كما يقول الحزب بتاريخه، وكما يؤكد القائم بأعماله( ثمة رجل استثنائي، كما هو الخارج عن قانون الجاذبية الأرضية: الشخصية الكاريزما، رغم بؤس العدد والعدة، هو الذي يطبِق على الحزب، أو يطبّقه، أو ( يطربق) على دماغ كل من تسوّل لـه نفسه بالتفكير خارج نطاق( العلبة) الهاتفية المعلقة)، الحزب جسد واحد، ولكن لا بد من التتمة، بصورة مغايرة، كما يقول تاريخه: إذا اشتكى منه عضو، تداعى لـه سائر الجسد بالرجم والطرد والتخوين..( هل لي بمثال خلاف هذا" التحامل"؟)، وإلا من هو المثقف الاعتباري الذي يمكنه تفسير هذا( الهباب) التحزبي والتذرير التحزبي والتشنيع التحزبياتي الكردي حتى اللحظة؟ يقول احدهم: هناك أسباب وظروف قاهرة، وهي تحديات مختلفة، لا يجب نسيانها. هذا ما يقوله الزعيم الحزبي، سكرتيره، أحد أعضاء الهيئة الحزبية، الناطق باسم الحزب، المعتبر مثقفه. وهذا يشكل تبريراً لا مبرر لـه أبداً لحالة التشرذم الملحوظة في الجسد الحزبي الذي لا يطيق عضو بقيةالأعضاء في الصميم، كما تشهد دراماتيكية انحدار تاريخه، وكأن ثمة موافقة على الانقسام والتقسيم، وكأن كل نقطة يتوقف عندها الحزب، يشكل بداية جديدة مباركة، وهكذا دواليك. يقول آخر: كل من ينال من سمعة الحزب، هو عدو للكرد وله، وهو مشكوك في أمره. هذا ما يقوله من يتنطع لمهمة الدفاع عن الحزب، باعتباره لسان حال إعلامه، وبتقدير علوي بالمقابل. هذا يشكل بالمقابل تبريراً لا مبرر له، من جهة امتلاك الحقيقة المطلقة، والحالة ليست كذلك. يقول ثالث: من لا يعيش الحزبية نشاطاً وإيماناً، لا يدرك حقيقة الكردايتية. هذا ما يقوله مجمل أعضاء الحزب، وهم مأخوذون بما هو شعاري داخل الحزب، باعتبار الداخل مرآة الخارج. هنا تكون الطامة الكبرى، من جهة فتح المجال أمام حالات تشرذم لا تناهي لها كردياً.
في الحيّز الثقافي المعتبر مستقلاً: ثمة من يراوغ، لحظة الحديث عن أي موضوع كردي، من موقع الحرص، تاركاً انتماءه وراءه، كما لوأنه الكردي في مجموعه، ولكن السياق يفضح مسيرة الكلمة، طبيعة نشأتها، إذ إن نظارة الحزب الملونة تحيل الخارج إلى إطاره المتلون من الداخل، ليكون التاكيد بنبرة تحزبية، خروجاً عن النص الحزبي، ولكنه في أكثر حالاته شفافية، خروج إلى الداخل، حيث حرصه يقيده إلى مهمازه الحزبي، إلى خانة العضوية التحزبية التي يلهج بلسانها. هذه شعوذة طريفة ومقلقة. ثمة من يستخدم، وكما هو الآن، لغة الخطاب الجمعي، وما في هذا الإسناد من إبعاد مموَّه للنرجسية، وتقريظ للمأتي على ذكره، من جهة تفخيم الموضوع الذي يتحدث فيه، وتعاميه على حقيقته كونه مأخوذاً بظل راية تحزبية، وكما يؤكد النص المختل في توازنه، وبطرق مختلفة: منذ البداية، عبر مفردات ، من مثل ( نحن، لازلنا، لعلنا، كنا، نخوض غمار الموضوع، دأبنا، ما يهمنا...)، إنه، من خلال اسمه المعروف، يتماهى مع اسم آخر، مترفعاً على اسمه الفعلي، لتمرير فكرة، أوقيمة مؤكَّد عليها، تجميلاً لزي تحزبي، لا يشفعه له جلده المدمل والمتقيَّأ كثيراً، حيث سرعان ما يكشفه هذا الإجراء اللغوي، باعتباره دون مستوى الخطاب الذي يتظلل به . بعد التقدم بجمل أو عدة سطور، حيث يضيّق بنفسه على نفسه، دائرة الخناق، وهو يعرّف بذاته، بصفتها منخرطة في تنظيم، ولكنها مخروطة في قدرتها الدماغية ذات الخاصية النقدية المتمايزة، إذ الخلل لا يبرز في سير اللغة داخل النص، إنما ما يُذكر في النص، ما يُضرَب من أمثلة. في النهاية، حيث التعميم ينقلب تخصيصاً، والإكبارالكردي، يستحيل استصغاراً تحزبياً، ومنطق المصلحة العامة يتحول إلى مزلق المصلحة الخاصة ذات ( الومضة) التحزبية المنفّرة. وما يجدر ذكره، لتعميق المثار سابقاً، هو العنوان ذاته، فهو يشكل مختبراً حياً، ضاجاً بما لا يتطلب تأويلاً من جهة المبتغى، حيث الحركة الكردية، أو القومية الكردية، أوأي موضوعة تتبدى في هذا المنحى، تشغل العنوان دلالة واتجاه قيمة، يعرّي ادعاء الكاتب، ونبرته الثقافية، ويتضح هذا أكثر بعد الدخول في المتن النصي، حيث الاسم ينكشف بخاصيته التحزبية، حتى لو ادعى الاستقلالية، لأن ليس الحديث عن الذات هو الكاشف هنا، إنما سياق القول وما يفلت منه، باعتباره المخلص لطرف دون آخر، ولو دون وعي منه، بسبب وطأة الولاء التحزبي. هذه شعوذة أخرى. ثمة من يقدم نفسه، بصفته أبعد ما يكون عن الحزبية والتحزبية وأضرابها، ولكنه من خلال علاقاته، وحتى في طريقة الكتابة، يُظهر مدى هشاشة انتمائه إلى مجتمعه بصورة عامة، ووسطه الكردي في الصميم المجتمعي بصورة خاصة. إن قدرة الكاتب على تناول المثالب والعيوب أو حالات الخلل والضعف في المجتمع، لا تكون من خلال زوايا محدودة وضيقة، تلك التي تضمن له سلامة واعتباراً أمنياً. إن كلاب الحراسة، جلية بمقدارها، ولكنها لا تغادر أوجرتها، مثلما تكون مرتبطة بعظام يكسوها القليل من اللحم، دون نسيان الهزة الارتدادية لأذنابها، حيث حركتها مرسومة هدفياً، كلاب الحراسة تتحرك بأعينها غريزياً، وتتكلم نباحاً، إنها لا تحكم على العدو، بقدر ما تُعلم أصحابها المكلفين لها، أن ثمة من يقترب من حماها، وهو غريب، فلا بد من التنبه له، أنَّى كان هذا، ومهما يكون قيمةً. وكثيرمن الكتاب هنا وهناك، يعيشون هذه الحالة. إن النباح ليس وظيفة الكاتب، إلا إذا أراد وجاراً، ينبح من خلاله حتى على كلب يقترب منه، فيكون ليس النابح على المختلف عنه، إنما على المشابه له، خشية مقاسمته وجاره أو الاستيلاء عليه بميزة نباحية ما، أما المثقف، في دوره المسنود إليه ذاتياً، فأبعد ما يكون عن النباح، إلا إذا أراد أن يكون ثكناتياً أو وجارياً، موعوداً، في حركة يكلَّف من أجلها بـ( لحمة هبرة)، ولا أظن أن المثقف الذي يعرّف بنفسه مثقفاً يتماهى مع الكلبية ليكون المتحدث نباحاً، أو شيئاً من هذا القبيل: القتيل. نعم، لا أحد يحب النباح، لأن هذا يغاير طبيعته البشرية، ولكن الذي يسيّل اللعاب، أي ما يترتب على التصرف الجالب لمنفعة أو لمكسب، يحيل النباح صداحاً، وما يُسمَع من نباح متردد ومألوف بأكثر من معنى، لا تخطىء الأذن في تمييزه عن النباح الطبيعي، إنه نباح مزعج، موسوم بجهته، بالكائن ذي القوام الطرفيني، والقيامة، واللحظة المستلهمة لموهبة النباهية، حيث التهافت النباحي المتنامي يقلل من توافر العظم مرفقاً باللحم، وهو يدل في متنوع تردداته على المستهلَك في الكتابة، وهو يغض الطرف عما يؤول سلوكه، مستجيباً للدسم بين يدي ولي نعمة ما. أن يكون أحدهم ككاتب، وموسوماً بالمثقف، في جهة: كعبته المعتقدية تكون، لا يمكنه إبراز شهادة حسن سلوكه، وهو متناهَب بين بكائيات تسفح الدمع، أوافتخاريات تطفح كيل التصفيق، لأنه في الحالة هذه، يخون حقيقة الكتابة التي تحرر المستمع من النزعة الويلية، من عدم رؤية الواقع : احضاراً أو انبهاراً، والارتقاء بجسده إلى أمثولة الحياة في تفتحها التاريخي الملهم. إن الممكن قوله، ومن جهة التركيز على الحالة المؤلمة، هو: مدى الفطنة المخادعة في الكلام عما هو ثقافي من قبل هذا أو ذاك، حيث يصار إلى إبراز تلك البلادة التي تؤكدها لغته، عندما يستشهد بأسماء دون أخرى، وعندما يشدد على اسم أكثر من سواه، وعندما يدع اسماً في آخر السلسلة الأسمائية، وعندما يستحضر اسماً ترقيعاً لمثال، هو ذاته مرقَّع لغاية عملية، استجابة لنداء تحزبي، أولعقدة ميسَّرة ( معترة) في نفسه، من هذا الاسم أو ذاك، أو ابتغاء رضى طرفي أو شللي أو طائفي أو تحزبي، ضداً على سواه، أو تكييداً لهذا أو ذاك، لا يخفى وازعه النفسي. في المنحى ذاته، عندما يتكتم من يعتبرون أنفسهم مثقفين بامتياز على حقيقة ما: اجتماعية، أو سياسية أو ثقافية أو أدبية ... الخ، وهم يظهرون هكذا فعلاً، إنما إلى حين، ليس لأنهم لا يدركون مدى الغبن والدجل في الموضوع المسيَّر هكذا، بقدر ما يكونون مقيدين إلى ولاءات حزبية، جانبية، افتئاتية، جنائية ممدوحة، حتى هم أنفسهم، يرضيهم هذا التحيّز، هم في قرارة أنفسهم، يعرفون ما يقومون به، إلا أنهم يتجاهلون خطورة النتائج التي تترتب على سلوكياتهم، لانشدادهم من جديد إلى قيمة ولائية معينة، أو هم أنفسهم غير قادرين على تجاوز العقدة تلك، حيث كل ما هو غير مقبول به، أو مرفوض بصفة تحزبية، أو ذاتية خاصة، أو تكتلية، يظل مشفراً. ويقيني هنا أن المعتبر نفسه مثقفاً ينافس ويطارد الحزبي أو التحزبي في مجمل ما يُسنَد إليه من سطو على الحقيقة، وتزييف للوقائع، ونكران لجميل هذا أو ذاك، لأنه يتحرك على أكثر من جبهة، وفي المحصلة لا تكون له جبهة تميزه، فيكون مستاجَراً أو مؤجّراً باسم سواه. وتلك شعوذة أشد إيلاماً ودناءة قيمة أخلاقية. هنا أحدد أكثر: إن كثيراً من كتابنا باعتبارهم مثقفين، كما يقدمون أنفسهم في المحافل التحزبية، وكمستقلين، وخلصاء للحقيقة، وللحق أينما كان أهله، وتحت يافطات تحزبية يبرزون، لا يخفون دروعهم: حرابهم، في الاستئثار بما يضمن لهم الجلوس في صدارة المجلس لهذا الطرف أو ذاك، كمحطة لرصد الموجود، والإقلاع، والانقضاض على الهدف، بصورة تشي بحاسة القنص لديه، وعلى طريقة( مكر ، مفر)، وهذا الخبث لا يدانيه إلا خبث من يعتبره علماً يقتدى به. إن النزعة الحوائية جلية هنا ، أي لعبة الحوا، مع الكوبرا عبر موسيقاه، إذ ليس الغرض إمتاع الكوبرا، وإنما للحصول على مجموعة الدريهمات في جيوب المساكين، أو تأكيد المَعلمة النافذة فيه. إن المناسبات ومنعطفات الأيام الحاسمة، والمستجدات اللافتة تشكل عتبات مكشوفة لرؤية هؤلاء في إبراز نزعة الفرهودية فيهم، وهم يغيّبون أسماء ، ويؤكدون سواها، في نوع من كردنة الجيتو، وفي الوقت ذاته، تكريد الفيتو ضد هذا أو ذاك، كما هو جار ٍ الآن هنا وهناك. المثقف الكردي المشعوذ، في تعدد سبله، وتنوع مناهله، يكون مساره ومداره مختومين بالعلامة ذاتها، وهي أنه المغترب عن ذاته التي يطنب في وصفها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بقوة فارضة من الخارج، أوبرغبة سافرة أُصّلت في الداخل، وفي مجتمع مضاربي، حتى وهو متعدد في لغاته، لكن البنية الذهنية التي لا زالت تمنعه من الخروج إلى حيث خصيصة المثقف الفعلي، تبقيه في الخانة الوبائية المعنونة، أي : المثقف الكردي المشغوذ، مستمرة إلى أجل غير مسمى.
#ابراهيم_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثرثرة مفلس
-
الصراع الكردي - الكردي: رؤية أدبية، عبر ترجمة فصل من رواية :
...
-
مستقرات السرد في الرواية - رومانس المكان-: هيثم حسين في رواي
...
-
قلبي على لبنان
-
- Mijabad رواية أوديسا الشاعر الكردي- المقام الشعري في رواية
...
-
نقد العقل القدري الكردي
-
مكائد الأمكنة: حسين حبش وشعرية المكان
-
أعلام الكرد الخفاقة
-
موسم الهجرة الطويل إلى جنوب كردستان
-
الكردي مؤرّخاً
-
الدوغماتيكي رغم أنفه
-
-النقلة باعتبارها تمرداً في الأدب: سليم بركات في روايته الجد
...
-
أهي نهاية المرأة ؟
-
منغّصات الترجمة
-
الكردي الرشيد: رشيد كرد
-
مغزل الكردي
-
هل يصلح الرمز الديني موضوعاً للسخرية؟
-
الدولة العشائرية الموقَّرة
-
دولة قوية دون شعبها
-
السورية تيتانيك 3- مرسى تيتانيك مرسومة
المزيد.....
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|