|
حب ما
طالب كاظم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 7153 - 2022 / 2 / 5 - 23:53
المحور:
الادب والفن
تردد في اللحظة الاخيرة التي حاول فيها انتزاع نفسه من دوامة القلق التي حاصرت تفكيره ، اعتاد اخفاقه وخوفه حين حاول ان يسترد تماسكه و يخبرها بما يشغل تفكيره ولكنه كما يحدث في كل مرة يلتقيها تراجع وهو يحنط كلماته بالصمت تظاهر بانه يتطلع في وجهها يموه تردده واخفاقه لا يمكنك انقاذي بالرغبة وحدها، عليك ان ترشدني الى نهاية ما كيفما كانت ، انتشلني مما انا فيه. انزلقت عيناه تجوب تقاطيعها الجامدة ، كان وجهها خاليا من التعبير ، باردا وشمعيا ، تطلعت بلامبالاة عبر الواجهة الزجاجية التي تلقت صفعات المطر العنيف الذي انهمر فجأة فيما يدها تزحف ببطء تحت كفه ، كان ملمس باطن يده ناعما ودافئا وهو تحرر اصابعها ببطء ، هو لايدرك ان الحب وحده لا ينقذهما فهو ليس كما في قصص السحر ما ان يدعكه احدهم حتى يخرج جني الحب يحقق امانيها من سطوة الرغبات التي تسلطت على تفكيرها ، تدرك انها مصفدة بحياة واحدة وعليها ان تتقن رحلتها في طريق باتجاه واحد وهي على أي حال ستكون رحلة باهتة الملامح مملة وقاسية طالما الحظ السيء يطاردها كظل سميك لا تستطيع التملص من قبضته . لا يمكنك انقاذنا قالت وهي تهرب من نظرات عينيه التي اتسعت حتى انعكس وجهها في حدقتيه السوداوين .
الفتى الجميل و الابن الاثير، وجد نفسه مرة اخرى ، سجينا بسبب وشاية امرأة متصابية استحوذت عليها رغبة مجنونة بمضاجعته ، كاد ان يستسلم وهي تحاصره بشبقها لو لا هالات شبح الرجل المسن الذي انتصب بقامته عند الطرف السرير الفخم المزين بالغلالات الحريرية الشفافة وازاهير اللوتس الذهبية وهو يظهر باطن كفه في وجهه ، بلحيته الرمادية التي استرسلت على صدره الضامر بعينين غائمتين وهو يتوعده بغضب الرب ان دنس روحه بالاستسلام لها ، فانزوى الفتى مذعورا مبتعدا عنها، برغم ان الرغبة اشعلت في عروقه حرائقها المستعرة ، لينتهي به المطاف يقيم في سجن معتم ، ها هي قصة الهوة مرة اخرى حين القت به الغيره في برية موحشة ليلاقي مصيرا مفجعا لو لا الحظ الجيد ، انه مبارك من اخمص قدميه حتى قمة راسه ، امسك يده التي امتدت بسبب الخجل الذي اعتراه حين حاول رفع اذيال ثوبه الطويل ، فتركه ينسدل لتبتل اطرافه بالمياه العفنة بقوامها الكثيف اللزج ، مياه السجن التي غطت اقدامهم العارية المتقرحة بينما السجناء لم يتبين تقاطيع وجوههم ، يتغوطون ويتبولون في عتمة القبو ، فيما الديدان تزحف فوق سيقانهم الهزيلة بانتظار الموت عندما يخرجونهم للمرة الاخيرة ، يتلقون سطوع ضوء الشمس وهو يقتفون خطوات سجانهم الذي اقتادهم الى مصطبة الموت التي غرقت بدم متجلط لقطع رؤوسهم التي وسمت بصليب حديدي متوهج . بأرديته الفضفاضة وبلحيته البيضاء وشعره الطويل الذي استرسل على كتفيه وبخطواته المتمهلة الناعمة ، يبدو كأحد اسباط اللاويين الاوائل ، وهو يتفقد اتباعه والمريدين الذين انتظروه بصبر كبير عند حافة الطريق المعبد بالحجر ، الذي اخترق قلب مدينة السامرة ، تطلعنا بحزن ممض الى البيوتات البغدادية القديمة المهجورة في حارة التوراة التي شهدت لقرون عديدة مرت ، صعود نجم عوائل يهودية عريقة ، يمكن تتبع سلالتها حتى الجذر الاول حين جاء بهم الملك المندائي نبوخذ نصر الثاني الى حاضرة المدن وقلب الابعاد الاربعة بابل سيدة الخليقة والخمر والجنس بلا منازع ، ترعرع الاحفاد على ما ورثوه من اسلافهم الاوائل، العديد منهم امتهن الصيرفة غير مبالين بتذمر المزارعين الذين انهكتهم الفوائد الكبيرة التي الحقت بتسديد الديون حين نال الجفاف من حقولهم قبل ان يحين موسم الحصاد فلحقت بهم خسارات كبيرة اضطرتهم الى بيع اولادهم وبناتهم في سوق بيع العبيد مقابل شيقلات معدودة لتسديد ما بذمتهم من ديون لعائلة شالومين الاورشليمي ، البيوتات المهجورة التي تنتظر اي سبب تافه لتتقوض على نفسها ككومة قمامة من الاعمدة الخشبية المنخورة ، كنت حذرا ان اعطس بسبب العفن الذي استنشقته ونحن نمر عبر حطام شناشيلها المزخرفة بخشب الصاج الذي نخرته الارضة وشبابيكها الضيقة المشرعة على الحطام باستثناء الصليب الذي يعلو كنيسة السبتيين في حارة السنك حيث دلفنا الى الازقة الضيقة بين الدكاكين الضيقة والمتبضعين وهم يبحثون عن قطع غيار عرباتهم بين احراش الصناديق واجمة الانابيب البلاستيكية والكوابح وزيوت المحركات حيث قادتنا خطواتنا الى المنفذ الجانبي الذي يطل على الطريق الصاعد الى الكرخ عبر قنطرة السنك التي تجسر جانبي المدينة الضالة التي تتذكر يوم غزاها الجراد الميكانيكي والزواحف الفولاذية التي قضمت روحها وتركتها منذ ذلك اليوم المشؤوم تعاني من وطأة عقابيل الصدمة الهائلة التي تلقتها بذهول افقدتها القدرة على التحكم بمشاعرها المضطربة واحاسيسها حيث جثت على ركبتيها وهي تعّول بينما النشيج يجف في صدرها الذي اختنق بالصراخ، حين تمكن ديفيد الصبي اليقظ من صرع القاهر جالوت الضخم عندما قذفه بحجر فلق صدغه فساح دماغه يلطخ وجهه الجامد ، نتذكر الحرب والبوق الذي اطلق دويا عظيما محذرا من ابابيل النسطوريين الذي عادوا بحجارة ستصيب بالصمم والذهول كل من يقع بصره عليها ، اخيرا بعد لحظات صمت ، توقفت العربة الضيقة ليدلف اليها بجسمه الضخم وهو يبتسم بوجهي فيما انا الوح له بيدي مودعا عندما افترقنا عند الجسر حيث واصلت خطواتي عبر شارع الجمهورية الى بقايا سينما غرناطة التي لم تزل تحتفظ ببقايا بوستر فيلم الشمس الحمراء يمكنك ترميم بقايا الاحرف اللاتينية لتقرأ تشارلز برونسون، تحت ظلال الواجهة العالية التي تبدو كمقدمة سفينه نوح يمكنك قراءة الكلمات العربية : غرناطة كايقونة لزمن غابر ، هناك تحت الظلال العميقة للخطيئة يحتشد المريدون والاتباع والمجوس والبوذيون واللصوص والمحتالون واللوطيون والقوادون ، كنت اجدف بلعنات كبيرة متضرعا لو ان الرب يقوم بما يتعين عليه ان يقوم به ، ان ينفذ القليل منها علّه يفعل ذلك من اجل الفقراء وينقذهم من البرابرة تسللنا بهدوء عبر البوابة الكبيرة التي اعدت للجنود ولرعاة الماعز والمزارعين وهم يطلقون صيحاتهم المعهودة التي تحث الخراف والجداء الصغيرة على الجري صوب الحقول الوفيرة التي امتدت امام متنزه الزوراء فيما شارع دمشق الانيق مثقل بزمجرة محركات السيارات التي تحاول اللحاق بالقطيع بينما الطريق يختنق حتى تحولت السيارات الى زواحف وسط الكبريت والدخان ، عبرنا بوابة الجنود دون ان نلفت انتباههم بشعرنا الابيض ككهلين في عقدهما السادس وهما يتطلعان الى العالم بتجربة كبيرة من الالم والاحباط والذكريات. لوحنا الى الباص الاحمر العظيم بطابقيه الذاهب الى البياع الا ان السائق لم يكلف نفسه عناء التطلع عندما كهلين يلوحان بيديهما وهما في طريقها للحاق بموكب الحجيج للاحتفال بعيد الاكيتو ليلقيا النظرة الاخيرة على الاله مردوخ فالمناسبة المقبلة لن تقام الا بعد عشرين عام تكون فيها اجداثنا قد صارت ترابا وغبار باستثناء الشعر والفقرات القطنية السميكة شديدة الصلابة التي فقدت قدرتها على المرونة قلت له وانا اشير بيدي الى السيارات التي تسير ببطء شديد ـ دعنا نسلك الرصيف على قدمينا فالمكان ليس بالبعيد! نظر الي معترضا، الا ان الثعبان الميكانيكي الطويل الذي امتد من موطئ وقوفنا حتى ميدان بازار بغداد، دفعه الى الاستسلام ، في الطريق الى وجهتنا مررنا بدار عدالة اموال القاصرين ، هناك لمحت فتاة في الخامسة عشرة كانت تتلفت حول نفسها بدت تبكي اكثر مما كانت تفتعله حين ابتسمت للجدار، بينما نظرات التوحد والعجز تغور في عينيها وهي تغرق في عزلتها وانا اتطلع الى المبنى الفخم الانيق المزجج الذي ستقام فيه بعد الانتهاء من تدعيم سقف الهيكل الزجاجي باعمدة الارز وجذوع السرو احتفالات تكريس كهنة اكليروس معبد عشتار الجدد بذقونهم الحليقة المعطرة بمزيج الليمون وبتلات ورد الياسمين دلفنا عبر الازقة الضيقة حيث السحرة والمنجمين وهم يتفحصون البرص والعرجان والمصابين بالبهاق وعدم انتظام ضربات القلب والضعف الجنسي ، دلفنا الى الهيكل العظيم ،نتطلع بفضول راهبين يبحثان عن لفافة او بردية تعيد لهم بصيص الامل في العودة الى جادة اليقين بعد التجديف الذي طال تفكيرهم تطلعا الى الرفوف المثقلة باللفافات والبرديات والالواح والحوليات البابلية التي تضمنت الترانيم المقدسة التي تتلو عند قدس الاقداس حيث ينتصب مردوخ المصفد بالذهب الخالص والعقيق واللازورد في الحرم الذي لا يدخله الا المطهرون والمتبتلات في عذريتهن غير المدنسة بالرغبات وهنالك مهجع طويل رقدت فيه حوليات الامبراطور الاشوري الاخير سين شار اشكين الذي قتل بحربة زعيم القبائل الميدية ، تلك الحوليات والبرديات التي امتدت في جوف القبو الطويل المدعم بالعوارض الحديدية الضخمة التي ترفع سقف الهيكل العظيم حيث الواح الصفيح المضلع المحشو برغوة الاسفنج والواح الخشب الابيض والانارة الهادئة والصمت الذي يلف المتبضعين وكأن الطير حطت على رؤوسهم ،لم لا، فهم يتطلعون الى المعرفة العظيمة التي وضعت بين ايديهم . رغم اننا ندرك ان نقابة الصيارفة التي تدير شؤون بابل التجارية يديرها عبرانيون محترفون حتى انهم ارهقوا المزراعين البابليين بالفوائد الفاحشة التي ترتبت على الديون التي اقترضوها من الصيرفيين اليهود الذين جلسوا امام دكاكينهم الصغيرة المعتمة التي احاطت بشارع التجار الضيق الذي يجاور مصرف الرافدين بخزائنه الخاوية وذلك بسبب القحط والجفاف واحتباس المطر لاعوام عديدة والحروب المديدة التي اتت على مدخرات واولاد الحرفيين والقرويين البسطاء ، نسب الى بعض كهنة هيكل مردوخ قولهم ان الالهة غاضبة بسبب فجور ودنس الدهماء الذين تركوا تعبداتهم وتقديم الاضاحي والقرابين والتقدمات الى متعهدي البانثيون البابلي الذين انتشروا كالقمل في القرى والضواحي التي امست مفقسا لتفريخ الجرذان والثعابين والقتلة والشاذين اولئك المتعهدون الذين يأملون جني ثروة تقيهم العبودية وذلك بافتداء انفسهم طالما الاخمينيون يشحذون سيوفهم وحرابهم لحرق مدينة الذنوب وتخليص الارض من دنسها وعفنها الذي يشبه الزنخ الذي تطلقه جثة كلب محشو بالديدان .
#طالب_كاظم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|