أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ريـــان والــمــغــرب .. الــطـفــولــة تــخــطــف الــقــلــب














المزيد.....

ريـــان والــمــغــرب .. الــطـفــولــة تــخــطــف الــقــلــب


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7153 - 2022 / 2 / 5 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


عندما سقط ريان طفل المغرب الذي لم يتجاوز الخامسة في بئر يصل عمقها إلى أكثر من ثلاثين مترا، خطف بطفولته قلوب العالم، لأن الطفولة بحد ذاتها كانت وتظل أغلى لحظات الوجود التي لا تتكرر، فيها كنا نرى العالم ببراءة كما ينبغي أن نراه: بسيطا وعادلا ومفرحا، لا يعرف الفوارق الفكرية والمادية بين البشر، وفيه تختفي الحواجز بين الخيال والواقع وتمسي أمنياتنا حقيقة واقعة بمجرد اغماضة عين. الطفولة ترى العالم كما كان قبل ظهور الدولة والمال والفوارق والمناصب الاجتماعية، وهذه البراءة هي التي تجذبنا بشدة إلى الأطفال الصغار حين نصادفهم عند أقاربنا فنترك كل شيء وننصت إليهم وهم يلثغون بينما يجرفنا الحنين إلى ما فقدناه وأصبح مستحيلا. ربما لذلك قال الأديب الروسي دوستويفسكي: " معاشرة الطفولة شفاء للروح". ولو أن الذي سقط في البئر في اقليم شفشاون بالمغرب كان رجلا وليس طفلا ما أثار كل ذلك الاهتمام، ولحسبنا أن ماجرى كان مجرد " حادثة مؤسفة"، إما أن يسقط طفل في الخامسة وتطوقه الأتربة ويهدده الموت تحت الأرض، فإن في ذلك تهديدا لمعنى الطفولة، ولطفولتنا. سقط طفل، لهذا لم يسأل أحد عن ديانته، ولا حجم الثروة التي قد تحتكم عليها عائلته، أو الأراضي التي تمتلكها، أو المنصب الذي ربما يشغله والده، لم يخطر لأحد سوى أن لحظة الطفولة مرمية في عمق الأرض يطوقها التراب ثلاثة أيام متصلة ومازالت تعيش على أقل الهواء من دون طعام أو أوصوت انساني يحنو. خطفت الطفولة بحد ذاتها قلوب العالم فأخذ يتابع بلهفة وقلق وأمل محاولات انقاذ ريان بمعدات الحفر، وبالحبال، ثم خطة الحفر عموديا وأفقيا واستخدام الأنابيب والحرص على تفادي الانهيارات الترابية، لهفة تظهر أننا قد نغض النظر عن أي شيء إلا أن يردموا الطفولة، الرؤية البكر للعالم. وقد اعتبر الفنان العالمي بيكاسو أن عظمة الفن تكمن في الوصول الى عيني الطفولة الأولى حين قال : " كنت وأنا صغير أقلد كبار الرسامين وحين نضجت صار كل همي أن أرسم مثل الأطفال"، في الأدب عاشت ومازالت القصص التي جسد فيها الأدباء عذاب الطفولة، مثل قصة " فانكا" للعظيم أنطون تشيخوف ويصف فيها شقاء صبي صغير يعمل خادما في المدينة ويكتب خطابا لجده في القرية. ويظل الحنين للطفولة يجذب الشعراء فيقول إبراهيم ناجي:" آه من يأخذ عمري كله ويعيد الطفل والجهل القديما"، ويغترف صلاح عبد الصبور من نفس المعنى قائلا : " أعطيك ما أعطتني الدنيا من التجريب والمهارة، لقاء يوم واحد من البكارة". في السينما ظلت الأفلام التي صورت الطفولة من أجملها، مثل فيلم شارلي شابلن " الطفل" الذي ظهر عام 1921، وفيلم" ياسمين" 1950 الذي طارت به إلى النجاح طفولة فيروز مع أنور وجدي.
حادثة ريان ليست الأولى من نوعها، فقد سقط طفل عمره عام ونصف في بئر في العراق عمقها خمسون مترا، وتم انقاذه، وكانت هناك واقعة مماثلة في ايطاليا وفي حينه توجه الرئيس الايطالي إلى موقع الحادثة وظل واقفا 15 ساعة حتى تم انقاذ الطفل، كما شهدت الصين والهند وقائع مماثلة. أثار ريان المغرب كل ذلك التعاطف، لأن الناس كانوا يتابعون معه ليس انتشال ريان فحسب، بل انتشال طفولتهم هم أيضا من تحت الأتربة، الطفولة العزيزة التي لا يسأل أحد عن ديانتها، أو معتقداتها، أو ثروتها، الطفولة التي أصبح اسمها فجأة " ريان" ، والتي كانت ومازالت حدثا لا يتكرر في حياة كل منا، رأينا على ضوئه ذات يوم العالم والحياة بمنطق الانسانية البسيطة البريئة التي لم تعرف بعد الحروب والكذب والطغيان. أخيرا قد تجدر الإشارة إلى السؤال الذي طرحه الكثيرون : لماذا لم يشفق أحد على أطفال اليمن وسوريا الذين يموتون كل يوم بالعشرات؟ وجوابي أننا مع الضمير إذا تحرك ، أينما تحرك واستفاق. اليوم ريان وغدا أطفال شعوبنا الأخرى.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمل جديد في غرف قديمة
- شـبـح الـحـرب بــيــن روســيــا وأكــرانــيــا
- محمود السعدني .. الساخر الحزين
- طه حسين .. صور متجددة
- زهور الإسفلت قصة قصيرة
- نوبل بين محفوظ وأيتماتوف
- اللغة والحب هذه الأيام
- نساء من العطر والبارود
- الديانة بين البطاقة والعلاقة
- الخيال والحرية والفلسطينيون الستة
- المرأة والأغاني والحب
- ثـيـودوراكــيـــس.. الـفـنـان والـمـوقـف
- من الأمريكان لطالبان .. يا قلبي لا تحزن
- حنا مينا .. الكفاح والفرح الإنساني
- الأم .. إكـــرام
- هيروشيما .. بيدوقراطية أمريكأ
- تذكرة الكاتب .. وآخرين أيضا
- بيير بوردو .. آليات التلاعب بالعقول
- أشــرف زكــي .. دفـــاعـــا عـــن الـــفــن
- ثورة يوليو بهجة التاريخ


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ريـــان والــمــغــرب .. الــطـفــولــة تــخــطــف الــقــلــب