" في الذكرى العشرين لرحيل أمل دنقل"
أيامٌ كهذه ، لم أكن لأنتظرها ، يا أمل دنقل …
وإذ أحدّثك اليوم ، فلأنك صديقٌ ، ولأنك تقدّر وجعَ الصديقِ قدْرَه . لا شيء يفرّق بيننا ، لا طبقاتِ ثرى ، ولا سماواتٍ طِـباقـاً .
أردتُ أن أُسِـــرّك بأنني متعبٌ ، حدّ أنني وددتُ لو استطعتُ منك قرباً ، عسانا نقرأ ما يَحْـدث الآن قراءةَ
أخَـوينِ …
غير أنني لا أريد أن أزيدك من أمري رَهَـقاً . يكفيك ما أنت فيه ، يكفيك ما تحمله من أثقال هذا التراب .
فلننتقلْ إلى زمنك ، آنَ الحنانُ والحنين .
أتذكر كيف التقينا ببيروت للمرة الأولى ؟
كان شتاءً قارساً ، لكنه مهرجان الشقيف الشعري بكل دفئه (1980؟ ) ، وفي منزل محمد أبو ميزر وميّ صايغ ذات مساء ، التقينا . أتذكر كيف رحّبتَ بي ، أعني : أتذكر كلماتك ؟ إنها كلماتك الأليفة التي ما كنتُ ألِـفتُها.
قلتَ لي بصوتك الأجشّ قليلاً : يا ابن الكلب ! أأنت سعدي يوسف ؟ أكلّـما فكّـرتُ أنا بقصيدةٍ وجدتُكَ
كتبتَــها ونشــرتَها ؟
أستعيدُ الآن تلك اللحظة التي بدتْ لي مربِـكةً وقتَـها ، والتي سعدتُ بها ، في ما بعدُ ، متأملاً .
وذهبنا معاً إلى دمشق الشام ، وكان الثلج يكاد يغلق ممرات " ضهر البيدر" ، كنتَ ترتجف قليلاً من القرّ ، بالرغم
من " الفيلد " العسكري الثخين . ربما كان ذلك ثلجك الأول !
كان لائقاً بك كلُّ ذلك الترحاب الذي لقيتَــه أنّـى حللتَ .
ومع قصيدة " لا تصالِـحْ " … ظلّ الهتاف باسمك يتعالى .
***
لكن قصيدتك ( فنّك الشعريّ ) أعقدُ من " لا تصالحْ " وأعمقُ .
أنت كتبتَ القصيدة المصرية ، مبتدئاً بما توصّـل إليه صلاح عبد الصبور عبر جهده الصبور الدؤوب ، دافعاً بالقيم
الفنية ، وتطبيقاتِـها التي أرهقت صلاح عبد الصبور ، نحو مسارٍ ذي مرونةٍ فائقةٍ ، حتى ليوهم باليُـسْـرِ ، وما كان يُـســراً .
أشياءُ الحياة واليوم والشارع ( وأنت وفيٌّ له ) ، كانت تُـجتلى ، في النصِّ ، عناصرَ فنّـيةً موضوعةً تحت مجهرٍ فائقِ الدقّـة والقدرة والحساسية .
ومع الأيام ، وتواتر النصوص وتوتّــرِها ، بدأ منحاك الجماليّ يتّـخذ صعوبتَـه وصفاءه في آنٍ .
" أملُ " الشعر المصريّ ، إذاً !
لندن 5 / 5 / 2003