|
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 23
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7153 - 2022 / 2 / 5 - 01:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عند ملاحظة النقاط التالية وفهمها وأستيعابها نجد التفسير الحقيقي الذي بسببه تشوهت اللغة العراقية القديمة وصارت كأنها ألغاز لغوية عصية على الفهم إلا لمجموعة خاصة، وبعيدا عن أصل هذه اللغة وتأريخ أستعمالها كأداة تواصل معتبرة ومفهومة داخل المجتمع، نؤكد على حقيقية مهمة وهي أن أي لغة في العالم في مسيرة تطورها لا بد أن تمر بمراحل تصورية وتعبيرية حتى تبلغ الكمال النسبي أو التمامية التي لا تحتاج إلى زيادة كبيرة في الكم اللغوي والمعنوي، وبالتالي فإن كثيرا من الألفاظ والمقاطع الصوتية والحروف والمعاني تسقط في طريق التطور، أما لتجاوز اللغة ذاتها لهذه السواقط أو لقلة التعامل بها أو أنتفاء الحاجة للأستعمال، فالكلمة بجانبيها الدال والمدلول تتطور وفق سياقات محددة تقتضيها الحاجة والرغبة في التعبير، عندما نفقد الحاجة والرغبة يفقد الدال والمدلول حضورهما لكن تبقى الفكرة الأساسية حاضرة تتطور مع تطور المدلول أو تطور الدال أو كليهما معا، تقول الدكتورة البلوشي في بحثها عن الفرق بين اللغة والصوت فتذكر (إن تطوّر دلالة لفظ ما لا يعني موت الدّلالة القديمة، بل تتعايش الدّلالات في المحيط اللّغوي الواحد مع احتمال طغيان الدّلالة المتطوّرة على سابقتها، وينجم عن هذا ما يُسمى بالمولّد والمشترك اللّفظي، إذ أنّ تطوّر هذه الألفاظ لا يكون مصادفة وإنمّا مرتبطة بعوامل اجتماعيّةٍ وثقافيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ تحتّم عليها ذلك التّطوّر). فعند المقارنة مثلا بين الدلالات والمدلولات التي وضعتها اللغة العراقية القديمة بكل لهجاتها نجد تطابق وليس تشابه فقط بينها وبين اللغة العربية القديمة وفي جزء كبير من العربية المعاصرة، يبرر البعض هذا التطابق بأنه نتيجة لما يسميه "المشترك اللغوي" أو "اللغة الأم" بمعنى أن السومرية والأكادية والآرامية والعبرية والفينيقية والنبطية والعربية وحتى الحبشية الأمهرية واللغة السبأية إنما تفرعت من لغة أم واحدة، لكنه لا يذكر ماهية هذه اللغة وكيف ولدت وأين نشأت ولا عن مصيرها وهل ماتت اللغة أم أن لها بقايا في زمن أو مكان ما، يذكر أحد الكتاب الذين يكتبون باسم مخفي (الحكيم البابلي) أن هذا الموضوع قد يكون ثابتا لديه كنظرية لكن دون برهان أو دليل فيقول (وكانت كل تلك الأقوام تتكلم في بداية وجودها التأريخي الموغل في القِدَم لغة واحدة "أُم" قبل هجراتها التأريخية البعيدة وتفرقها عن بعضها في جهات الأرض، ولها حتماً قواعدها الخاصة بها التي يعرفها ويُميزها علماء اللغات عن أية مجموعة لغوية أخرى في العالم)، هذا الزعم وإن كان مقبول نظريا على أنه أفتراض قابل للتصديق والنقض لكنه يحتاج أيضا إلى مقدمات أو حجج ولو أولية تزرع جزء من المقبولية المنطقية، أما مجرد ذكرها بدون إسناد فهذا يعني أنها تريد جر عقل المتلقي إلى وجهة أخرى غير الحقيقة. المنطق العقلي الذي لا بد من التسليم به أن أول المتكلمين كفرد أو مجموعة تكلموا بلغة تسمى اللغة الكونية العامة، وهي اللغة التي يفطر عليها الإنسان كمعطى وجودي حتمي، ووفقا للنظرية الدينية أن آدم وبنية وجزء مهم من العصر البشري في الأرض كان يتكلم بها على أنها لغة التواصل الأولى، وعندما تشتت أبناء آدم في الأرض ألقت الهجرة بخصائصها على المجموعات المهاجرة وفقا للطبيعة ووفقا للتحولات البنيوية والأجتماعية والمعرفية التي كانوا عليها، لكن لغة آدم وعلى الأقل في المكان الذي ولدت فيها طبقا لخصائص الزمان والمكان والبيئة لم ولن تموت ولكنها أيضا تطورت بنفس سياق النشأة، أي أنها لم تولد لغة جديدة بل أستجدت فيها دلالات ومدلولات من نفس البيئة والمكان والمزاج الأجتماعي الخاص بها، وهذا يقودنا إلى موضوع تأريخي وأركولوجي في البحث عن هذا المكان وهذه البيئة والأقوام التي خلفت آدم كونها الأمتداد الطبيعي له وللغة الكونية الأولى، كما يجرنا ذلك إلى تتبع اللغة من مراحلها المتأكد منها وصولا إلى المطلوب البحث عنها. الفترة الزمنية والمكانية التي توثقها بعض الأدبيات الدينية بأعتبارها جزء من التاريخ العام للإنسان تشير إلى نزول آدم في المنطقة المحصورة بين العراق والجزيرة واليمن، هنا يمكن أن نجعل هذه المساحة الشاسعة من الجغرافية الدينية مكانا لأول لغة كونية عامة، تناسل آدم وتكاثر السلالات البشرية المتفرعة منه يستوجب المنطق العقلي أنها ذهبت في غالبيتها خارج مركز هذه المساحة الجغرافية، في حين أحتفظ المركز الوسطي بالأصل والمنبع اللغوي، بمعنى أن هذه المنطقة على الأقل بقيت تحمل صورة اللغة الأم وما تطور منها دون أن تتغير بشكل جذري لأسباب ذكرناها سابقا ونكررها الآن، وهي متعلقة بالبيئة الجغرافية ونمط الحياة الأجتماعية المتوافق مع عدة عناوين طقسية أو زراعية أو نوع التربة والقشرة الأرضية التي يسكن فيها الفرد، أضافة إلى طبيعة الماء وتركيبته الكيمياوية مما يحمل من عنصر اليود مثلا وقوة الشمس وسرعة الريح والتفاوت في درجة الحرارة بين النهار والليل أو بين فصل اصيف والشتاء، وعوامل كثيرة تساهم في تشكيل المزاج السيكولوجي للفرد وللجماعة والذي ينعكس بدوره على طبيعة اللغة وطريقة الأتصال وشكل الحرف الصوتي ورنته وجرسه الموسيقي. مجموعة اللغة العربية الجنوبية القديمة واحدة من لغات منقرضة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا يتم التحدث بها في الجزء الجنوبي الأقصى من شبه الجزيرة العربية . كانت مكتوبة بالخط العربي الجنوبي القديم، فقد كان يعتقد في الأصل أن جميع الأعضاء الأربعة في هذه المجموعة كانوا لهجات من إحدى اللغات العربية الجنوبية القديمة ولكن في منتصف القرن العشرين أثبت اللغوي AFL Beeston أخيرًا أنهم في الواقع يشكلون لغات مستقلة، صنفت اللغات القديمة العربية الجنوبية في الأصل (جزئيا على أساس الجغرافيا)، وجنوب سامية جنبا إلى جنب مع اللغة العربية، العربية الجنوبية الحديثة والإثيوبية سامية ولكن في الآونة الأخيرة تم استخدام تصنيف جديد يضع المنطقة العربية الجنوبية القديمة جنبًا إلى جنب مع العربية والأوغاريتية والآرامية والكنعانية والعبرية في مجموعة سامية مركزية وترك العربية الجنوبية والإثيوبية الحديثة في مجموعة منفصلة. يعتمد هذا التصنيف الجديد على اللغة العربية والجنوب العربي القديم والشمال الغربي السامي (الأوغاريتية والآرامية والكنعانية) التي تشارك ابتكارًا في النظام اللفظي وهو غير كامل يتخذ الشكل * yVqtVl-u المجموعات الأخرى لديها * yVqattVl ؛ وأظهرت أن سبأ على الأقل كان شكل yVqtVl في الكمال، وعلى الرغم من أنه أصبح من المقبول الآن اعتبار اللغات الرئيسية الأربع مستقلة فمن الواضح أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا لغويًا وتستمد من سلف مشترك لأنها تشترك في بعض الابتكارات المورفولوجية، واحدة من أهم الأيسوجلوسيس التي يتم الاحتفاظ بها في جميع اللغات الأربع هي المقالة التعريفية اللاحقة - (ح) ن . ومع ذلك، هناك اختلافات كبيرة بين اللغات، وكانت اللغات الأربعة الرئيسية: سبأ ، المينائية أو مذبيك ، القطبانية، والحضرمية كان لديها نظام الكتابة الخاص بها، وفي النهاية تشترك في أصل مشترك مع الأبجديات السامية الأخرى، الأبجدية السينائية البدائية كما تم اكتشاف نقوش بخط متصل آخر صغير الحجم مكتوبة على عصي خشبية. الكتابة التي دونت بها اللغة العربية القديمة هي كتابة متأخرة كثيرا عن ظهور العربية بلهجاتها لأسباب كثيرة منها الطبيعة البيئية التي عاشها متكلموا اللغة العربية لفقدان الطين الذي يصلح للكتابة أو وجود البرديات كما في حال مصر القديمة، فكانت أغلب الكتابة هي النقش على الصخور والحجارة وهذا أمر عسر وغير سهل التداول، لذا فالمخلفات الأركولوجية التي يمكن الوثوق بها قليلة والنقوش القديمة تعرضت للسرقة والتخريب نتيجة الغزوات والحروب القبلية، لكن تبقى اللغة العربية القديمة المنتشرة في الجغرافية التأريخية الدينية التي ترتبط بآدم قديمة، وتشكل لغة أم لكل اللغات المتفرعة منها شمالا وجنوبا، وبالتالي ولعدم وجود أثار تاريخية ولا أركولوجية معتبرة تؤكد وجود جذور سابقة لها فتصبح هي "اللغة الأم" هي العربية القديمة وهي اللغة الأم المحتملة في زمن قريب أو موازي لزمن آدم التأريخي.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 22
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 21
-
الغباء السياسي في عراق عصر بريمر...
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 20
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 19
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 18
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 17
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 16
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 15
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 14
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 13
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 12
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 10
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 11
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح9
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح8
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح7
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح6
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح5
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح4
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|