أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مصطفى العبد الله الكفري - برامج التصحيح وإعادة الهيكلة في الدول العربية















المزيد.....


برامج التصحيح وإعادة الهيكلة في الدول العربية


مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق


الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 3 - 11:37
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


Contents
أولاً - تصنيف الدول العربية في مجموعات: 1
المجموعة الأولى - الدول العربية المصدرة للنفط 1
المجموعة الثانية – الدول العربية متوسطة الدخل: 2
المجموعة الثالثة – الدول العربية منخفضة الدخل: 2
ثانياً - أهداف برامج التصحيح وإعادة الهيكلة في البلدان العربيــة: 3
ثالثاً - سياسات التصحيح وإعادة الهيكلة في الدول العربية: 4
1 - عناصر سياسات التكيف وإعادة الهيكلة في الدول العربية: 4
2 - معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصادات العربية: 6
رابعاً - وصفة صندوق النقد الدولي في برامج إعادة الهيكلة والبرنامج البديل: 6
خامساً - الخاتمة: 7














برامج التصحيح وإعادة الهيكلة في الدول العربية
أدركت الدول العربية أهمية الانفتاح والاندماج مع الاقتصاد العالمي، من خلال السياسات التجارية المتبعة في معظم الدول العربية، وسعى عدد متزايد منها للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة التي انبثقت عن اتفاقيات الغات بعد انتهاء جولة أوروغواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف في عام 1994. (1)
وتشهد الاقتصادات العربية جهودا مكثفة لتحرير التجارة الخارجية ونظم الصرف، وجعل الأنظمة المتعلقة بها أكثر شفافية. واستطاعت بعض الدول العربية من خلال برامج التصحيح التي تطبقها أن تخطو خطوات كبيرة على هذا الطريق، حيث تم إلغاء الكثير من القيود على التجارة الخارجية، كما تم إدخال التوازن في المعاملة بين القطاعين الخاص والعام، وتحرير سعر الصرف وصولاً، في بعض الدول، إلى تحقيق قابلية عملاتها للتحويل. (2)
ويحتل إصلاح القطاع العام مكانة هامة في برنامج إعادة الهيكلة والتصحيح والتحول إلى اقتصاد السوق في البلدان العربية. لأن الحاجة ماسة لتحسين مستوى الأداء والكفاءة الإنتاجية في مؤسسات القطاع العام وإعادة النظر في أولويات النفقات والاستثمارات الحكومية. ولابد من خلق مناخ مناسب للاستثمار العام والخاص المحلي والأجنبي. في سياق إعادة الهيكلة والتصحيح الاقتصادي والتحول إلى اقتصاد السوق، نستطيع أن نميز بين ثلاث مجموعات من الدول العربية: (3)


أولاً - تصنيف الدول العربية في مجموعات:
يتم تصنيف الدول العربية عادة في ثلاث مجموعات رئيسة: الأولى - مجموعة الدول العربية الغنية المصدرة للنفط، الثانية - مجموعة الدول العربية متوسطة الدخل، الثالثة - مجموعة الدول العربية منخفضة الدخل.
المجموعة الأولى - الدول العربية الغنية المصدرة للنفط:
وتضم الدول العربية المصدرة للنفط مثل الكويت وليبيا وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وعلى دول هذه المجموعة أن تواجه الآثار المترتبة على تقلبات أسعار النفط، لذلك فإن التصحيح فيها ضروري في اتجاهين:
الأول - المحافظة على سياسة تنويع القاعدة الإنتاجية التي بدأ تطبيقها في منتصف السبعينات بما يقلل من اعتمادها الكبير على النفط.
الثاني - القيام بالترتيبات اللازمة لمواجهة الانتقال من وضع كان فيه دخلها من عوائد النفط يبلغ مائتي مليار من الدولارات إلى وضع انخفضت فيه العوائد إلى أقل من ستين مليار دولار.
المجموعة الثانية – الدول العربية متوسطة الدخل:
وتضم الدول العربية متوسطة الدخل مثل الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وسورية وتونس. ودول هذه المجموعة ليست متجانسة تماماً. حيث نلاحظ فوارق كبيرة بين بلدانها من حيث حجم السكان أو عوائد النفط أو مستوى دخل الفرد. ويتراوح حجم السكان بين أقل من 4 ملايين نسمة وأكثر من 50 مليون نسمة. كذلك يتراوح متوسط دخل الفرد بين أقل من 800 دولار سنوياً في بعضها وأكثر من 1500 دولار سنوياً في البعض الآخر. إلا أن دول هذه المجموعة تشترك بعدد من الخصائص تبرر اعتبارها مجموعة واحدة. فهي تتمتع بقاعدة إنتاجية متنوعة نسبياً كما أنها تمتلك مؤسسات مالية واقتصادية متطورة إلى حد ما.
تواجه دول هذه المجموعة ظروفاً اقتصادية على درجة كبيرة من الصعوبة. وبخاصة الآثار السلبية الناجمة عن تراجع أسعار النفط وتراجع تحويلات العاملين في دول النفط. وكذلك الصعوبات الناشئة عن الظروف غير المواتية والتي تسود الاقتصاد العالمي، وبخاصة كساد أسواق المواد الأولية وتدهور شروط التبادل التجاري. الأمر الذي أدى إلى تزايد حجم المديونية الخارجية وتزايد عبء خدمتها. كما رافق ذلك عجز في الموازنات الحكومية. فلجأت الحكومات إلى تمويل العجز عن طريق الاقتراض من المصارف، وأدى ذلك إلى تزايد كمية النقد المتداول مما أدى إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم والمبالغة في أسعار الصرف، بالإضافة إلى ذلك تعاني دول هذه المجموعة من اختلالات هيكلية تتمثل في تشوهات الأسعار وانخفاض إنتاجية العمل ورأس المال وضعف الكفاءة في القطاع العام الذي يسطر على نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي.
المجموعة الثالثة – الدول العربية منخفضة الدخل:
وتضم الدول العربية منخفضة الدخل مثل موريتانيا والصومال والسودان واليمن وتعتبر مسألة إعادة الهيكلة والتصحيح في دول هذه المجموعة أكثر تعقيداً منها في المجموعتين السابقتين. فهي تعتمد اعتماداً كبيراً على سلعة واحدة أو عدد محدود جداً من السلع ومن ثم فهي أكثر تعرضاً للصدمات الخارجية. وهي تعاني من مديونيات خارجية ثقيلة وحجم من عبء خدمة الديون الخارجية لا يتناسب مع قدراتها الاقتصادية. يضاف إلى ذلك العجز المزمن في الموازنة الحكومية والميزان التجاري وميزان المدفوعات ومعدلات تضخم مرتفعة جداً. كما أن دول هذه المجموعة تعاني من ضعف البنية التحتية والمؤسسات المالية والاقتصادية وانخفاض متوسط دخل الفرد فيها.
ثانياً - أهداف برامج التصحيح وإعادة الهيكلة في البلدان العربيــة:
تهدف برامج التصحيح وإعادة الهيكلة على المدى القصير إلى إعادة التوازن لميزان المدفوعات وذلك من خلال الضغط على الطلب الداخلي، وتتخذ عادة بعض الحكومات إجراءات عاجلة خاصة تتمثل في تخفيض قيمة العملة المحلية، وخفض الإنفاق العام عن طريق تجميد الأجور والحد من الواردات والاستثمارات.
وتتحدد الأهداف على المدى الطويل لتطوير العرض الداخلي للسلع والخدمات، وتحسين مستوى أداء جهاز الإنتاج، والحد من هدر الموارد المتاحة، ودعم القدرة التنافسية للإنتاج، ولتحقيق هذه الأهداف لابد من أن يشمل الإصلاح: النظام المالي والنقدي، التجارة الخارجية سياسة الأسعار والأجور، النظام الضريبي، سياسات الاستثمار وغير ذلك. ولابد من مراجعة طرق تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
تتمحور الأهداف الرئيسية لعمليات التصحيح وإعادة الهيكلة حول النقاط التالية:
• إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والخاص وانسحاب الدولة تدريجياً من بعض النشاطات الاقتصادية وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص.
• التخفيف من الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة نتيجة دعمها للمنشآت الاقتصادية الخاسرة، وتكريس مواردها لدعم قطاعات التعليم والبحث العلمي والصحة والاهتمام بالبنية الأساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية.
• تطوير السوق المالية وتنشيطها وإدخال الحركية على رأس مال الشركات بقصد تطويرها وتنمية قدرتها الإنتاجية.
• خلق مناخ الاستثمار المناسب، تشجيع الاستثمار المحلي لاجتذاب رؤوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية.
(ومن بين الأهداف الهامة للتصحيح الهيكلي تحسين كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية المحدودة، وبخاصة النقد الأجنبي ومصادر الطاقة ورأس المال. وترتبط مسألة الكفاءة بالتسعير الملائم لعناصر الإنتاج ولكنها أشمل من ذلك. (فعلى سبيل المثال إن الكفاءة في استخدام الاستثمارات العامة والجهود الحكومية لتشجيع تنمية الموارد البشرية والتغيرات التكنولوجية يمكن أن تشكل عناصر هامة في تحسين استجابة الاقتصاد لعملية النمو، وذلك بصرف النظر عن وجود تشوهات حادة في الأسعار). (6)
وهكذا فإن سياسات التصحيح الهيكلي تتعلق بالعوامل التي تؤثر في القرارات الخاصة بالإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك. مع العلم أن بعض الاقتصاديين يرى أن سياسات التثبيت وسياسات التصحيح الهيكلي تتداخل وتكمل كل منها الأخرى.
ثالثاً - سياسات التصحيح وإعادة الهيكلة في الدول العربية:
لقد ارتفع عدد الدول العربية التي أصبح لديها القناعة بأهمية سياسات التصحيح وإعادة الهيكلة وضرورة الاستمرار فيها. (وفي هذا الصدد انضمت الجزائر إلى الدول العربية التي تطبق برامج تصحيح شاملة، حيث تبنت برنامج تصحيح بمساعدة المؤسسات الدولية والعربية، وعمدت في إطار ذلك ولأول مرة، إلى إعادة جدولة ديونها الخارجية.) (4)
كما يقوم السودان بتطبيق برنامج تصحيح اقتصادي يهدف لإزالة الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد السوداني. واستمرت دول أخرى في جهود إعادة الهيكلة والتصحيح في كل من مصر المغرب تونس والأردن، وأعلنت عن قابلية تحويل عملاتها لأغراض معاملات الحساب الجاري في ميزان المدفوعات. كما استمرت دول مجلس التعاون في الخليج العربي في تطبيق السياسات التي انتهجتها منذ عدة سنوات للتكيف مع عوائد تصدير النفط المنخفضة وإمكانية تنويع مصادر دخلها.
1 - عناصر سياسات التكيف وإعادة الهيكلة في الدول العربية:
يمكننا تحديد أهم عناصر سياسات التكيف وإعادة الهيكلة في الدول العربية وفقاً لما يلي:
• إحداث تعديلات في هيكل ملكية وسائل الإنتاج حيث طرحت بعض المؤسسات العامة والشركات الحكومية في بعض الدول العربية للبيع، وبيع بعضها بالفعل في مصر والأردن وتونس والجزائر. كما صدرت قوانين بإحداث الشركات القابضة والشركات التابعة لها وقوانين أخرى تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر لبعض المؤسسات.
• إصدار قوانين تنظم عمل السوق المالية وتداول رأس المال بهدف زيادة فعالية آلية السوق وتعزيز اتجاه تحديث هيكل الملكية. مع إمكانية تداول أسهم وسندات المشروعات الخاصة والمشروعات العامة.
• إحداث تعديلات جوهرية في أسلوب إدارة المشروعات العامة وبخاصة ما يتعلق منها بتحديد أسعار المنتجات (تحريرها)، وكذلك تحرير أسعار الصرف وتوحيدها، اعتماد مبدأ التمويل الذاتي، إنشاء صناديق وبنوك الاستثمار الوطنية وتفعيل نشاطها، إعادة تنظيم مجالس الإدارة ومنح الإدارة مرونة وبخاصة في موضوع تحويل الملكية والدمج والتصفية.
• (تحجيم وظيفة الموازنة العامة كأداة للتوازن الاجتماعي، من خلال برنامج انكماشي للإنفاق الاجتماعي وتقليص الدعم، لإطلاق العوامل الاقتصادية وحدها في بلوغ التوازن من ناحية ولمكافحة التضخم من ناحية أخرى).
• رفع القيود الجمركية عن الواردات والسماح باستيراد السلع المحظورة كلياً أو جزئياً. وذلك بإتاحة عمل الآليات بشكل مطلق وإلغاء الحماية تدريجياً. بالرغم من معارضة بعض المنتجين وبخاصة في القطاع الخاص لمثل هذه الإجراءات لأنها تؤثر على صناعاتهم الوليدة علماً بأن الحماية تدفع المنافسة خارجاً. لذا لابد من إشاعة المنافسة بشكل عام.
أوردنا بعض عناصر سياسات التكيف وإعادة الهيكلة في الوطن العربي على سبيل المثال لا الحصر، وهي تسعى لضمان سلاسة واتساق عمل آلية السوق في الدول العربية، وقد أخذت هذه التعديلات شكل الحزمة دفعة واحدة مع الاهتمام بالجوانب النقدية والمالية في السوق بصفة أساسية. ولكن هل هذه العناصر والإجراءات وحدها كفيلة بتفعيل آلية السوق في البلدان العربية؟.
يوضح لنا التطور التاريخي لسياسات التكيف والتصحيح الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق، في معظم الدول العربية أنها قد مرت بمرحلتين رئيسيتين:
المرحلة الأولى - تهيئة أرضية التحول لآليات السوق:
يتم خلالها تهيئة أرضية التحول لآليات السوق بتحييد القيود الإدارية في السياسات المالية والنقدية. وقد اهتمت سياسات التصحيح الهيكلي في هذه المرحلة بإلغاء الدعم تعويم أسعار صرف العملات الوطنية تجاه العملات الأجنبية، تخفيف الضغوط على أسعار الفائدة، مع الإبقاء على الهيكل الجامد للأجور. وتمتد هذه المرحلة من منتصف السبعينات في بعض الدول العربية وحتى بداية التسعينات.
المرحلة الثانية - تم في هذه المرحلة السعي وبمعدلات عالية (أقرب إلى نظام الصدمة)، إلى إحداث تغييرات جوهرية في هيكل ملكية وسائل الإنتاج وأسلوب إدارة الاقتصاد الوطني، (التخصيص) والعمل على توفير شروط آلية السوق، وفق الإطار النيوكلاسيكي. وتمتد هذه المرحلة منذ بدء التسعينات وهي مستمرة إلى يومنا هذا. ويرى بعض الاقتصاديين أنها لازالت في بدايتها رغم تسارعها.
2 - معالجة الاختلالات الهيكلة في الاقتصادات العربية:
أما من ناحية معالجة الاختلالات الهيكلة فإن أغلب البلدان العربية تطبق سياسات سعرية تتسم بالجمود ولا تعكس التكلفة الحقيقية للسلع والخدمات مما يؤدي إلى حدوث تشوهات في الأسعار وانحراف الأسعار الحقيقية عن الأسعار الفعلية. ففي حالات كثيرة نجد أن مستوى الأسعار الداخلية يختلف كثيراً عن مستواها في السوق العالمية. ويمكن أن نضرب مثالاً بأسعار القمح في سورية حيث تقوم الدولة بشراء القمح من الفلاحين بأسعار أعلى من الأسعار العالمية، في حين يتم بيعه للأفران لصناعة الخبز بأسعار أقل من التكلفة بكثير بسبب دعم سعر الخبز فيها. ومثال آخر أسعار الطاقة في مصر ظلت إلى نهاية الثمانينات تمثل 20% من أسعارها العالمية. هذا وتوجد أنواع أخرى من التشوهات في الأسعار. ففي بعض الحالات نجد أن للسلعة الواحدة أسعاراً متعددة بحسب المجموعات المختلفة من المستهلكين. ولاشك أن هذه التشوهات تنطوي على قدر كبير من الهدر والضياع الاقتصادي. ويلاحظ أن تشوهات الأسعار بأنواعها ليست مقصورة على مصر وسورية بل نجدها في بلاد عربية أخرى مثل تونس والجزائر وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الاقتصاديين يرى أن تخفيض سعر الصرف عديم الفاعلية في سياسات التصحيح وإعادة الهيكلة وعالي التكلفة أيضاً. وانتقد هذا الفريق الدور الذي تقوم به أسعار الفائدة في أغلب البرامج التصحيحية وإعادة الهيكلة ورأيهم أن الاقتصادات في الدول النامية لا تستجيب للتغيرات التي تحدث في أسعار الفائدة. كما أن هناك بعض الاعتبارات الحضارية والدينية تقيد من استخدام أسعار الفائدة في عملية التصحيح وإعادة الهيكلة.
رابعاً - وصفة صندوق النقد الدولي في برامج إعادة الهيكلة والبرنامج البديل:
لقد أصبح التدويل الاقتصادي (عولمة الاقتصاد) واقعاً ملموساً، وإن مؤسسات التمويل الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هي التي أطلقت الدعوة لما سمته بالسياسات التصحيحية والتحول إلى اقتصاد السوق، وتعظيم دور القطاع الخاص وتحجيم القطاع العام ودور الدولة في النشاط الاقتصادي. مع (التركيز على الجانب المالي ـ النقدي باعتباره جوهر المشكلة، وهو في الواقع، كما نرى أحد مظاهر الأزمة المركبة للتنمية في البلدان النامية). (7)
ومن هنا يتبين بأن هذا التوجه المندفع نحو الخصخصة من الخارج لا يعبر بالضرورة عن حاجة موضوعية، أي أنه لم يكن كنتيجة لتقييم جاد لأداء القطاع العام وبيان قصوره، مما يستدعي نقل ملكيته للقطاع الخاص، بافتراض أنه الأقدر على تحقيق التنمية. فالموضوع بحاجة إلى دراسة معمقة لمعرفة مدى الحاجة للخصخصة في الواقع القطري، (8) في مختلف البلدان العربية.
الاختلالات التي يلاحظها صندوق النقد الدولي في اقتصاديات الدول العربية هي حصيلة تراكمات لسياسات اقتصادية واجتماعية خاطئة أصلاً. ويكمن خطأ تلك السياسات في أنها قيدت المبادرات الخاصة وضيقت المجالات المفتوحة أمام القطاع الخاص، وحالت بين الاستثمار الأجنبي والاقتصاد الوطني، وأطلقت العنان للقطاع العام فدخل مجالات لا تتفق مع طبيعته، وعزلت الاقتصاد الوطني عن الاقتصاد الرأسمالي العالمي من خلال التدخل في تحديد مستويات الأسعار والأجور، وإقامة أسوار حماية الصناعة المحلية من المنافسة الأجنبية، ونشرت مظلة الحماية الاجتماعية فوق قطاع عريض من الشعب بالدعم والتأمينات الاجتماعية والمشاركة بالأرباح مما أفقده الحافزية للعمل والإنتاج. (9)
جاء العلاج الذي يقترحه الصندوق من خلال برامج التصحيح وإعادة الهيكلة التي قدمها وتستهدف تحرير الاقتصاد، أي جعله يسير على مذهب الاقتصاد الرأسمالي الحر (اقتصاد السوق) مع إدماجه دمجاً عضوياً في النظام الرأسمالي العالمي. وأضحت المهمة المطلوبة هي تعديل مستوى الطلب الكلي في الاقتصاد الوطني وخفضه بما يتناسب مع مستوى العرض الكلي. والهدف الأكثر مباشرة لبرامج التصحيح التي يقترحها الصندوق هو تحسين وضع ميزان المدفوعات. والعلاج هو الوصفة (الروشتة) التي وضعها الصندوق والتي تتضمن تحرير الاقتصاد، تخفيض سعر الصرف، تخفيض الإنفاق العام، بيع القطاع العام للقطاع الخاص، إلغاء الدعم.
خامساً - الخاتمة:
إن مفهوم التكيف والتصحيح وإعادة الهيكلة والتحول إلى اقتصاد السوق، يضع مسألة التحول من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة أحد محاور (الإصلاح الاقتصادي) وإطلاق آلية السوق. وأكثر من ذلك ترى أن بعض الاقتصاديين ينادي بتقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتحجيمه في الدور التقليدي للدولة فقط، ولكن الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة وبخاصة القابلة للنضوب والحيلولة دون تبديدها، وحماية البيئة من التلوث والتدمير، والمواءمة بين المصالح الاقتصادية والمصالح الاجتماعية، والموائمة بين المصالح الوطنية والمصالح الأجنبية يتطلب عدم تحجيم دور الدولة لذلك فإن دور الدولة سوف يتحول ولا ينتفي. بل ربما يزيد هذا الدور عن ما كان عليه سابقاً.
إن تحقيق الاستقرار في السياسات المختلفة، والتنسيق بين السياسات النقدية والمالية والسياسات التجارية والاستثمارية. تكاد تكون من معطيات السوق ذاته. وهذا لا يستطيع أحد أن يقوم به سوى الدولة. مما يعطيها مبرراً لتنامي دورها في النشاط الاقتصادي حتى في ظل اقتصاد السوق.
التعددية الاقتصادية هي المناخ المناسب والوعاء المؤسسي الأمثل للتنمية الشاملة في الوطن العربي، ليسهم كل قطاع بدوره في عملية التنمية في إطار تقسيم للعمل يحدد دور كل قطاع بوضوح، ويوفر المناخ الضروري للتنافس الإيجابي فيما بين مؤسساتها، ويحقق التكامل والانسجام فيما بين مصالح كل منها مع الصالح العام، إنني لا أرفض فكرة الخصخصة، وإنما أرفض فكرة تحجيم القطاع العام ودور الدولة الإنمائي في الدول العربية وبخاصة في هذه المرحلة من تطورها، ومع زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي كشريك للقطاع العام وليس على حساب تحجيمه أو تصفيته، لأن التنمية الشاملة وأهدافها الطموحة تحتاج إلى تضافر جهود جميع قطاعات الملكية (العام، الخاص، المشترك والتعاوني). (10)
وتبدأ عملية معالجة الاختلالات الكلية في الاقتصادات العربية بتصحيح الاختلالات الحاصلة في أسعار الصرف وأسعار الفائدة، وإزالة العجز في الموازنة الحكومية، ففي أغلب البلدان العربية نجد أن أسعار الصرف تنطوي على نسبة كبيرة من المغالاة، كما أنها لا تتغير تبعاً للتغيرات الحاصلة في الاقتصاد الوطني. وتعتبر المغالاة في أسعار الصرف المسؤول إلى حد كبير عن ضياع القدرة التنافسية في الأسواق العالمية. وهي في نفس الوقت تشجع على الاستيراد وتعرقل القدرة على التصدير. كما أن أسعار الفائدة في الدول العربية تتحدد عند مستويات منخفضة ولا تعكس الندرة النسبية لرأس المال ولا معدلات التضخم. ومن ثم فإن أسعار الفائدة الاسمية تنطوي في الواقع على أسعار فائدة حقيقية سلبية، الأمر الذي يؤدي إلى الإسراف في الاستثمارات ذات الكثافة الرأسمالية العالية كما يضعف الحافز على الادخار. لا شك أن اجتماع أسعار الفائدة الحقيقية السالبة مع المغالاة في أسعار الصرف هما المسؤول الحقيقي عن هروب رؤوس الأموال للخارج مما يزيد من الاختلال في ميزان المدفوعات ويحرم البلدان المعنية من هذه الموارد النادرة. كما أن العجز في الموازنات الحكومية في البلدان العربية مسؤول عن الضغوط التضخمية المزمنة مما يشوه آلية الأسعار ويضعف القدرة التنافسية ويفرض عبأً ثقيلاً على أصحاب الدخول المنخفضة.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق
دمشق ص ب 12341 سورية
البريد الإلكتروني: [email protected]



#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور العلاقات الاقتصادية السورية الروسية
- الظاهرة القرآنية كتاب من تأليف مالك بن نبي
- م ع ك التقرير الاقتصادي الأسبوعي رقم 371/ 2022 M E A K -Week ...
- عرض لكتاب: إمبراطورية العار (سادة الحرب الاقتصادية – الإقطاع ...
- ‏مذكرة تفاهم ضمن إطار -مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير
- الحرب الكونية الظالمة عل سورية وخسائر الاقتصاد السوري
- تأثير الانتخابات الأمريكية على الاقتصاد والأسواق المالية
- المصارف التقليدية والإسلامية في الجمهورية العربية السورية
- م ع ك التقرير الاقتصادي الأسبوعي رقم 370/ 2022
- التحديات التي تواجه المصارف العربية في ظل عولمة الخدمات المص ...
- أزمة الأسواق المالية واتساع دائرة التعامل مع الأصول المالية
- السياسات الاستثمارية السليمة تؤدي إلى جذب المزيد من الاستثما ...
- أزمة النظام الاقتصادي العالمي أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة ...
- هل تتكامل الدول العربية اقتصادياً؟
- المؤتمر الحادي عشر لرجال الأعمال والمستثمرين العرب
- النتائج الاقتصادية للسنة الأولى من إنضمام بولنده للاتحاد الأ ...
- مصطلح اقتصاد السوق
- الاقتصاد الصيني قوة هائلة
- التعاون البحثي بين الدول العربية والدول الأوروبية
- النماذج العالمية للتنمية


المزيد.....




- ما الأوراق المطلوبة للحصول على الإقامة الذهبية في الإمارات 1 ...
- قديروف يفاجئ رجل أعمال روسيا بطلب يخص جمهورية الشيشان!
- ألمانيا: أفاق واعدة للتعاون الاقتصادي مع الجزائر
- وسائل إعلام سورية: مقتل رجل أعمال بارز مُدرج على لائحة العقو ...
- الصين: اجتماع حاسم لدراسة إصلاحات اقتصادية إثرتسجيل نسبة نمو ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تقترب من إبرام صفقة مع الصين لتطوير محط ...
- سهم شركة ترامب يقفز 34% بعد محاولة اغتياله
- تعويضات مادية لسكان محافظة سعودية واعتذار عن انقطاع الكهرباء ...
- اقتصادي يحدد اسباب ارتفاع بدلات الايجار في بغداد: البنك المر ...
- احتياطي تونس من النقد الأجنبي يغطي 111 يوم توريد


المزيد.....

- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مصطفى العبد الله الكفري - برامج التصحيح وإعادة الهيكلة في الدول العربية