|
المنطق الرياضي لمعرفة الخير والشر
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 28 - 16:21
المحور:
الادب والفن
هواجس السيد نون ٢٤ - الإمتحان العسير
وأغمض السيد نون عينيه محاولا أن يتخيل هذا العالم الغريب الذي يصفه كاتب هذا المنشور الدعائي، وحاول أن ينظم أفكاره ويسترجع الأحداث التي مرت به منذ استيقاظه هذا الصباح. استيقظ متأخرا وأعد قهوته بسرعة، الأطفال كانوا قد ذهبوا إلى المدرسة وزوجته عادة ما تذهب إلى عملها قبله بساعة أو ساعتين، تناول قهوته وكوبا من العصير وأخذ مفاتيح سيارته وأخرجها من الكاراج، وبعد ذلك ثقب أسود. والآن ها هو في هذا المكان الغريب، كأنه في أحد المطارات الدولية الضخمة أو إحدى صالات الإنتظار، في ملابس المستشفى حافي القدمين، ينتظر المسؤول المباشر عن مصيره الأبدي، وتمنى لو يستطيع أن يتصل بزوجته أو بأطفاله. قلق غريب أنتابه حينما فتح هذه المطبوعة التي بين يديه، حيث قفزت كلمات سمعها منذ صغره دون أن يفهم معناها الحقيقي، مثل الموت وعذاب القبر ويوم القيامة والحشر وتطاير الصحف والنفخ في السور والمرور على الصراط وقنطرة المظالم والشفاعة .. إلخ. لا يعرف الوقت الذي قضاه في معرفة ما الذي حصل له بعد إخراج سيارته من الكاراج، ولاحظ أن المرأة التي كانت تجلس قبالته لم تعد وحيدة، هناك شخصيات أخرى جالسة بدورها على كراس خشبية أمام عدة أبواب مقفاة، تنتظر بدورها لحظ الدخول. ولم تتح له الفرصة لمواصلة القراءة وتكملة معلوماته عن الجنة والجحيم، وهب واقفا عندما سمع رنين الجرس ورأى النور الأخضر في أعلى الباب، واتجه نحو المدخل المظلم ليجد نفسه في مكان معتم تماما في البداية، وعندما بدأت عيناه تتعودان تدريجيا على العتمة، رأى انه يتواجد في مكان يشبه البلكونة مفتوحة من احد جانبيها على سماء رمادية تتناثر فيها بعض النجوم الباهتة، بينما خط احمر في الأفق يعلن عن ظهور ما يشبه الشمس، وتذكر أن هذا المنظر يشبه ما يسمونه بالفجر على الأرض .. وأحس بالهواء البارد على وجهه ورائحة الندى الصباحي. تفضل إجلس، قال له صوت غليظ لم يدرك مصدرة لأول وهلة. السيد نون، لقد وصلت الآن إلى المراحل النهائية للرحلة بالسلامة، وصلت إلى النقطة الحاسمة، لحظة الحق وتجلي الحقيقة، والأمر بطبيعة الحال يخصك أنت وحدك، فهل تعرف ماذا تريد؟ إن ملفك يسمح لك بأن تعبر عن كل ما ترغب فيه.. وكمن يستيقظ من النوم، اكتشف السيد نون بأنه واقف وراء كائن ضخم يجلس على كرسي كبير من الجلد موليا له ظهره، يتصاعد منه دخان ذو رائحة عذبة كأنها رائحة غليون أو سيجار. وتسائل السيد نون بينه وبين نفسه إن كان هذا الكائن هو الله بلحمه وشحمه؟ وأنتابته نوبة من الخوف الميتافيزيقي، كما لو كان في حضرة شبح أو أحد الأرواح الخبيئة بجانبه، وأحس بقشعريرة تحتل كل أعضائه، وأوتوماتيكيا بدأ يتمتم في سره أعوذ بالله أعوذ بالله بسم الله بسم الله. وحاول أن يتذكر أحد أسماء الله ليتوجه له بالدعاء أو على الأقل لمحاولة تجميع أفكاره مثل قراءة بعض التعاويذ أو السور المخصصة لهذا الغرض، غير أنه في الحقيقة لم يكن من المطلعين على هذه الأمور السحرية، لقد سمع عن شيء يسمى آية الكرسي ولكنه لا يعرف ولو كلمة واحدة منها .. وتمتم بصوت خافت بعدة أصوات غير مفهومة .. وقاطعه الصوت : لا وقت لنا لهذه المجاملات المزيفة، أنت الآن ميت، فاترك هذه الخزعبلات للأحياء. أنت ميت لأن قنبلة سقطت على رأسك هذا الصباح، ولأن الطبيب الذي كان يمكنه أن يرقّعك قد ذهب لشراء خروف العيد لأطفاله بدل الذهاب إلى حجرة العمليات، فما دخل الله أو الشيطان في موتك؟ وتشبت السيد نون بالصمت، فقد كان عاجزا عن النطق بأي صوت .. والآن ماذا تريد؟ واصل الصوت الرهيب تحقيقه، ليس لك إختيارات عديدة، هل تريد دخول الجنة أم تريد دفء الجحيم وصهد جهنم؟ أم أنك لا تعرف ما تريد؟ وعم صمت خانق ما عدا صوت أوراق الملف التي كان يتصفحها الرجل المسؤول عن إجراءات الإقامة. الآن السيد نون تعودت عيناه على العتمة، رغم أنه ما يزال يرى الأشياء بطريقة غائمة نظرا لفقدانه لنظاراته، وتمكن من رؤية هذا المخلوق والذي كان في حقيقة الأمر مجرد رجل ضخم الجثة، وعندما أستدار نحوه بكرسيه الدوار، رأى كرشه الضخم تسنده ركبتاه، وكذلك وجههه بلون الغبار ولحيته المتناثره على أوداجه المنتفخة. ولا يدري السيد نون لماذا شعر بالراحة عندما أكتشف بشاعة هذا الكائن. لقد انتهينا من قصة العقاب والثواب وكل هذا الكلام الفارغ، قال له الكائن القبيح، هنا نحن أيضا في مملكة الديموقراطية .. تستطيع أن تختار مكان إقامتك. وحاول السيد نون أن يستعيد رباطة جأشه وقال متلعثما وغير مصدق أذنيه : الجنة، الجنة، بالتأكيد الجنة، لقد حلمت بذلك طوال حياتي الدنيوية، الجنة بالتأكيد، ولكن .. ولكن ..وقاطعه الصوت بنبرة حادة : ولكن ماذا؟ الجنة أو النار؟ ليس هناك خيار ثالث في الكاتالوج. المشكلة إنني لا أعرف سكان الجنة ولا سكان النار، أجاب السيد نون متلعثما وبصوت متردد، وتعرفون سيدي المثل القائل الجار قبل الدار.. هناك العديد من الناس الذين لا أريد أن أقضي حياتي الأبدية معهم، وقد أفضل الجحيم إذا كان هؤلاء الناس سيكونون معي وجيران لي في الجنة، والعكس .. زين .. زين قال له الرئيس الأعلى وهو ينهض من عرشه الجلدي متثاقلا : ليس لدينا الوقت لتنظيم زيارة سياحية لا للجنة ولا للجحيم، بالإضافة إلى أن ملفك لا يسمح لك بالحصول على جناح خاص، ستكون مع عامة الشعب، وستتأقلم بسرعة، وإذا لم تعجبك الإقامة، هناك منظومة خاصة لتقديم الشكاوي وكذلك إمكانية تقديم طلب للإنتقال من الجنة إلى النار وبالعكس - تحت شروط معينة بطبيعة الحال … ما عليك الآن سوى أن تأخذ هذا الممر، قال ذلك وهو يقفل الملف الذي أمامه ويقذفه على كومة الملفات المتراكمة على الأرض تحت قدميه، سيقودك إلى خارج القصر، حيث ستجد بوابتين متشابهتين تماما ومتجاورتين، إحداهما بوابة الجنة والأخرى بوابة الجحيم، وإذا أردت أن تدخل الجنة فما عليك إلا أن تعرف أيهما البوابة التي تقود إلى الجنة وتدخل حتى دون أن تطرق على الباب، هل هذا واضح ؟؟ زين، لهذا السبب ستجد أمام كل بوابة حارسا أو بالأحرى موظف إستعلامات ليجيب على أسئلتك، أوكي؟ ولكن إنتبه جيدا ليس لك الحق إلا في سؤال واحد لا أكثر، سؤال واحد فقط، ولذلك عليك أن تختار الموظف الذي ستطرح عليه السؤال، علما .. علما بأن الحارسين بدورهما متشابهين تماما، ماعدا أن أحدهما صادق على الدوام وهو يقول الحق دائما ولا يستطيع أن يكذب، أما الآخر فهو نقيضه بالضبط كاذب ومخادع ولا يستطيع إلا أن يكذب طوال الوقت.. يللا إذهب الآن وفكر في السؤال الوحيد الذي ستطرحه على أحد الحارسين، وليكون الحظ معك.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفاصيل يوم الحشر
-
قراءة القرآن
-
- أنا - لم تكتب هذا النص
-
الحجر الجيولوجي والحجر الأركيولوجي
-
عناقيد الهموم
-
الإنسان الإلكتروني
-
رطوبة الصمت
-
ثنائية العقل والجسد
-
الإنسان ومعجزة العقل
-
حكايةعن الجوع والحرية
-
عن الكابوس الليبي والندم
-
الحلم بليليث
-
عذاب القبر
-
سيجارة السابعة والنصف صباحا
-
الآخر ومنفى الأنا
-
الكابالا والفلسفة الحديثة
-
التصوف والعدم
-
اللغة كسلاح ملوث
-
الثورة .. والثورة
-
عار الكلمات العارية
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|