|
التاريخ القديم في رواية -أوراق معبد الكتبا- هاشم بديوي غرايبة
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7144 - 2022 / 1 / 24 - 22:31
المحور:
الادب والفن
التاريخ القديم في رواية "أوراق معبد الكتبا" هاشم بديوي غرايبة أن يقدم العصر القديم بصور روائية، فهذا أمر يحتاج إلى قدرات أدبية ومعرفة بفنية الرواية، ومدخل خاص يستطيع به الروائي إقناع المتلقي بالطريقة التي دلف بها إلى التاريخ القديم، يضاف إلى ما سابق القدرة على الصياغة الأدبية للأحداث التاريخية التي ستتناولها الرواية. من هنا تعد الرواية التاريخية مغامرة أدبية، يمكن أن تحسب للكاتب أو عليه، لكن في رواية "أوراق معبد الكتبا" اجزم أن الكاتب أستطاع أن يقدم رواية تاريخية بكل معنى الكلمة، وأن يوصل القارئ إلى تاريخ الأنباط بطريقة أدبية، بعيدا عن المواد التاريخية الجافة، وهذا ما سنحاول التوقف عنده في ما يلي. مدخل الرواية يختار السارد زمن الاحتفال بمدينة البتراء كأحد عجائب الدنيا، وأثناء الاحتفال يشاهد مجموعة من الشيوخ: يطلقون الحصى، مسابح ونرد، ومنقلة، وسيجة، وغمغمات وقهقهات.. وكان أصغرهم ذا لحية رمادية يخشخش بالحصى، ويتحدث بلبقة.. وقع عليه ظلي، فنظر إلي وابتسم، وعرض علي قراءة طالعي، فبسطت له كفي.. سال: أنت الكتبا؟
صححت له: تقصد الكاتب؟ فرمى علي رزمة محفوظة بجلد مترب اللون.. تلقفتها على راحتي، وسألته: أنت من تكون؟ فثارت زوبعة غبار عالية حالت بيني وبين العراف... اختفى العراف والشيوخ والحصى، وغابت قافلتي بحمولتها الثمينة من أمام معبد ذو الشرى.. وبقى الجلد المترب حائرا بين يدي" ص8و9، بهذا الشكل أستطاع السرد أن يجد طريقة يدخل بها إلى الماضي القديم، ويحدثنا عما جرى فيه من أحداث، موحدا/جامعا بينه وبين من كتب تلك المخطوطات: "رحت أتهجاها بفرح غامر وأقرأ: "أوراق دار الكتبا" الآن هنا .. لا أدري من منا نحن الأثنين، يكتب هذه الرواية؟ ص11، نلاحظ أن السارد يهتم بتقنية المدخل التاريخي كاهتمامه بفنية الرواية، فهو يريد أن يكون مقنعا في طريقة دخوله إلى الماضي، فكانت الفانتازيا المدخل المناسب، حيث جمع بين حدث مهم ـ البتراء من عجائب الدنيا ـ ليدخل إلى التاريخ من خلال المخطوطة التي أخذها من الشيخ، فكانت الرواية. ونلاحظ أن السارد مهد لمضمون الرواية من خلال العنوان "أوراق معبد الكتبا" حيث أن المنطقة العربية لم يعد فيها معابد، فكان استخدامه ل"معبد" اشارة إلى عهد قديم، وأيضا نجده يستخدم كلمة "كتبا" بدل كاتب، وكأنه بها يؤكد على وحدة اللغة في الماضي والحاضر، لهذا صحح الشيخ بقوله: " تقصد الكاتب؟" كل هذا اسهم في إيصال الفكرة التاريخية للرواية، وعلى أنها متعلق بأحداث وشخصيات ووقائع قديمة. شخصيات الرواية اللافت في الرواية كثرة عدد الشخصيات فيها، فهناك مجموعة من الرجال: "سفيان، الكتبي، كلاوبا، العموني، يعقوب، ربايل"، ومجموعة من النساء: " بترا، ناوند، زلف، بايل، سولار، سعدات، ديالا" وهذا التوزان بين جنس الشخصيات أسهم في إيصال فكرة المجتمع المتكامل والمنسجم، فكل الشخصيات كان لها لدور وفاعلية في أحداث الرواية، بصرف النظر عن جنسها أو مكانتها الاجتماعية. العيد والفرح والرقص تتناول الرواية مجموعة حالات عاشها الانباط والمنطقة، منها الحرب، السياسية، الأعياد، الزواج، البناء، المياه، الدين، التعليم، الطب، الحرب، البطولة، المبدئي، المرأة والزوجة، الأمن، النصر، الأعياد، العلاقات الاجتماعية، التجارية، كل هذا نجده في الرواية، فهي رواية تاريخية بامتياز، وتصلح لتكون مادية معرفية أدبية لكل من يريد تناول ماضي المنطقة. وسنبدأ بطريقة التعبير عن الفرح في ذلك الزمن ونبدأ بالعيد: "فلبسوا أحسن ما عندهم، وأخرجوا نفيس ما يقتنون، وعرضوه أمام بيوتهم، واصطفوا خير ماشيتهم، وحشدوها في العراء لتطل عليها "العزى" وتقول: دم دائم، ..دم.. فيدوم الخير. ..تصالح المتخاصمون.. وتعانق العشاق.. وتظاهر المسنون بمظهر الشباب، ووقف على نعلين من خشب من كان قصير القامة.. نشط خان ناوند، فتبرجت النساء، وصبغن شعورهن بالحناء، وتكحلن بالأثمد، وتبخرن بعيدان الغاف، ذات العبق الموقظ للحواس.. دائم .. دائم.. ليدوم الحب.. ويهل العيد" ص205، نلاحظ أننا أمام صورة مكتملة عن طقوس الأعياد في الماضي، ونجد أنها بعضا منها ما زلنا نقوم به، واللافت أن حرية للمرأة في الماضي، وكيف أنها كانت تهتم بجمالها وتزين نفسها، وهذا يؤكد على أن المجتمع القديم تعامل مع المرأة كما تعامل مع الرجل، وهذا ما سنجده عندما نتناول بقية جوانب الحياة الاجتماعية في الرواية. أما عن الرقص فقد شمل الشباب والشابات: "قال شيمكار بتهذيب: أظن أني سأشارك أليسار هذه الرقصة، شعرت بالدم يصعد حارا إلى وجنتي، ولم أدر ما أقول... خشخشت أطواق أباس ومسابحها وهي تنهض وتناولت يد زلف هاتفة، قومي يا حكيمة الأنباط.. لن نفوت هذه الرقصة، أخشى أن تكون هذه آخر مرة يتاح فيها للعجائز أن يرقصن" ص251، نلاحظ أن السارد يهتم بالجانب النفسي للشخصيات، من هنا ركز على مشاعر أليسار وأباس، فهو لا يريد تقديم مادة تاريخية مجردة، بقدر تقديم رواية أدبية تنبض شخصياتها بالحياة والحيوية، وإذا أخذنا الفرق بين حالة الشابة أليسار وحالة العجوز أباس نتأكد أن السارد يعطي شخصيات الرواية اهتماما خاصا، محافظا على نسق الشخصيات الرواية، وفي الوقت ذاته تقديم (صورة/فكرة) عن الأعياد والاحتفالات في الماضي. ويعطينا صورة للفرح، حيث يتشارك الرجل والنساء فيه: "داهمني ذلك الشباب الفراتي الوسيم، الذي كان محظ أنظار الصبايا، وهو يرقص بالسيف والترس في ساحة ذو الشرى ليلة العيد" ص286، إذا عدنا إلى طقوس الاحتفال بعودة البعل/تموز أو غيابهما نجد أن تلك الاحتفالات كان يتشارك فيها كل ابناء المجتمع، بصرف النظر عن الجنس، وهذا ما أكدة السارد في الرواية، فالأعياد والاحتفال بها كان بمثابة فرح عام لكل ابناء المنطقة، الفقير والغني، المرأة والرجل، القريب والبعيد، المواطن والزائر. التعليم والطب واهما كل من يعتقد أننا كنا متخلفين في العصور الماضية، فنحن أصحاب حاضرة وثقافة، وكان لنا انشطة تؤكد على رؤيتها الحضارية والثقافية، فكان التعليم والمدارس والاهتمام باللغة وتطويرها إحدى تلك المؤشرات، يخبرنا ربايل عن التعليم بقوله: "خرجت أنا وسفيان من الجندية، لنصرين تلميذين في دار الكتبا، كان سفيان أنبهنا، وأقدرنا على التعبير عن أفكاره .. في هذه الأثناء توج والدي ملكا على الأنباط باسم الحارث الرابع، فأرسلنا معا للتعليم في مكتبة الاسكندرية مأثرة البطالمة العظيمة، أغرم سفيان بأفكار فيلسوف أسمه "فيلون" يقول بأن "الله واحد، وهو بالكلمة يجود ويحكم" فراح يتعلم الفلسفة، والأعداد، وفن الكتابة، والألسن، مهارة صنع رقع الكتاتبة" ص152، نلاحظ أن السارد رغم أنه يقدم مادة معرفية عن التعليم، إلا أنه يبقى محافظا على الاهتمام بالشخصيات الروائية، من هنا نجده ركز على "سفيان" السفير" النبطي إلى المدن والممالك الأخرى، فكان يقوم بواجبه على أفضل ما يكون. المرأة كانت تقوم بدور الطبيبة أضافة إلى الأعمال الأخرى، فكانت "زلف" المرأة الطبيبة: " "الحق " أنه بعد سنتين من العمل الدؤوب مع المرضى اكتشفت كم كنت جاهلة بالطب، لأني كنت بعيدة عن مرضاي، "الحق" أنه في هاتين السنتين تعلمت كثيرا، وعلمت الكثيرين، إذ صار في الدار خدم ومساعدين وطلاب طب من الجنسين، لكن الفتيات كن يتعلمن أسرع من الشباب" ص196، أيضا نجد اهتمام بالمادة التاريخية، وفي الوقت ذاته الاستمرار على التركيز على طبيعة الشخصيات الروائية، وكيف تفكر وكيف تعمل، وهذا ما يجعل التوزان حاضرا بين المادة التاريخية/المعرفية، وبين النص الروائي. وتأكيد على أن السارد استمر محافظا على طبيعة وتكون الشخصيات الروائي، نجد أن الشاب الفراتي الذي شاهدنا يرقص بالسيف يسأل عن زلف: "..سلم بمرح، وسأل: أين الطبيبة زلف؟" ص286، لهذا يمكننا القول أن السارد استطاع أن يقدم مادة تاريخية ورواية أدبة بكتاب واحد، وهو رواية "أوراق معبد الكتابا". الحرب والنصر الدول قديما خاضرا حروبا عديدة، أكثر مما خاضته في العصور اللاحقة، يحدثنا "شيمكار" عن تحوله من صياد إلى جندي بقوله: " كان جيش الرومان بحاجة إلى عسكر، سافرت إلى صيدون وركبنا البحر الكبير إلى انطاكية/ هكذا انتقلت من صيد العصافير في الدغل الذي خلف بيت زوج أمي لأصطاد البشر بالنبلة والسهم، أو أطعنهم بالرمح والحربة، كانوا يقدمون لنا المأوى والطعام، ولنا نصيب مما نكسب في لمعارك" ص121، هذا الحديث العام عن الجندية يقابله حديث آخر عن الانتاء الحرب والانتصار فيها، وكيف يكون حال الجنود بعد المعركة: " ...وما لبث أن ظهر جندي من عند السيق معلق الذراع، مدمى الجبين.. يحمل راية الأنباط الوردية مرسوم عليها وجه ذو الشرى، ويعبر درب سروة باتجاه السوق، ويصيح بملء صوته: ـ انتصرنا.. انتصرنا تبعه الناس زرافات ووحدانا" ص227، وكأن السارد من خلال هذه المشهد يعبر عن نفوره من الحرب، فرغم أن نهايتها انتصار على الأعداء، إلا أن صورة الجندي ويده المعلقة وجبينه المدمى يشير إلى أن هناك دماء سفكت ورجال قتلوا، وسيترتب عليه وجود أرامل وأيتام، فالحرب قاسية مؤلمة حتى لو كانت نتيجتها النصر. وهذا ما نجده في حديثه عن خروج الملك الحارث لملاقاة الرمان في موقعة أخر: "شحذ الحرث فأس الحرب، ليواجه الغزاة، وخرج على رأس الجيش الذي يقود فيالقه شيمكار إلى شيفع النقب، وترك فأس البناء وفأس الزراعة بيد ولي عهده فصايل" ص309، فالحرب تعني التوقف عن البناء، عن الزراعة، عن التعليم، عن ممارسة لحياة العادية، لهذا قدمها السارد بصورة سلبية.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا والمحقق والزنزانة سعيد أبو غزة
-
المرأة والمكان في قصيدة -أسميتها وطني- صلاح أبو لاوي
-
القصة القصيرة جدا في -ظلال الوهم- حسين شاكر
-
مجموعة محاولات للنجاة غسان نداف
-
العهد التركي في رواية الوجع والجرأة إياد شماسنة
-
وجيه مسعود وتقديم الفرح في ما اجمل ان ترسم قلبك مدينة مدينه-
-
الديني والسياسي في رواية -الحانوتي- يوحنا مصلح
-
مواجهة الواقع في قصيدة -سأظل أسأل- سامي البيتجالي
-
سامر كحيل -أبد
-
اليهودي في رواية ناغوغي الصغير حسن حميد
-
استمرارية حضور المكان في رواية - القبو- فاطمة عبدالله سلامة
-
شعر الأطفال في قصيدة -دمية- سمير التميمي
-
القسوة عند ميسر عليوة وحسن محم حسن
-
الرؤية المتقدمة في كتاب -دراسات من الأسر- للكاتب الأسير أمجد
...
-
مسرحية الحياة والموت للأديب جمال بنورة
-
الاسلوب والشكل في ديوان رقاع إلى صلاح الدين نظير أحمد شمالي
-
الوفاء في -تحيا حين تفنى- للكاتب الأسير ثائر حنيني
-
الأنثى والكتابة والتمرد في قصيدة -أم اللغات- رنا صالح
-
مناقشة كتاب -من قتل مدرس التاريخ
-
الشخصيات والحدث في رواية - وما زال الحلم- للأديب جمال بنورة
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|