|
كتاب صُنِع في الجحيم (3)
ناصر بن رجب
الحوار المتمدن-العدد: 7143 - 2022 / 1 / 23 - 23:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب صُنِع في الجحيم محنة سبينوزا ونشأة العَصر العَلماني
الفصل الثاني المشكلة اللاّهوتيّة-السياسيّة
في بداية ربيع عام 1661، كان هنري أولدنبورغ (Henry Oldenburg)، مراسل روايال سوسايتي (Royal Society) في إنجلترا، يقوم بواحدة من زياراته الدّوريّة إلى القّارة. عند مروره بآمستردام وليدن قام بزيارةٍ لأصدقاء قدامى، كما قام بربط علالقات جديدة بهدف توسيع دائرته من معارف ومشتَغِلين في المجال العلمي. وخلال مدّة إقامته في جمهوريّة المقاطعات المتّحدة [وهي سبع مقاطعات، أكبرها مقاطعة هولندة]، وصل إلى مسامعه حديث عن فيلسوف شابّ ذي موهبة كبيرة كان يعيش من صَقْل العدسات البلّوريّة وعن إقصائه من الجالية اليهوديّة. كما قيل له أنّ هذا الفيلسوف الشّاب كان يسكن في آمستردام إلاّ أنّه غادرها وهو يقيم الآن في قرية صغيرة قرب ليدن. أثار ذلك فضول أولدنبورغ، لأنّه من ناحية أخرى كان قد سمِع بعمل هذا الشّاب على العدسات وانعكاس الضّوء، فغيّر مسار رحلته وقام بزيارة سبينوزا الذي كان يقطن منذ فترة قصيرة يقطن قرية رنسبورغ. تجاذب الرّجلان أطراف الحديث حول عديد المسائل المتعلِّقة بالفلسفة والعلوم بما في ذلك التطوّرات الأخيرة في الكيمياء وعلم البصريّات (ناقشا، من بين موضوعات أخرى، تجارب روبرت بويل Robert Boyle)؛ ثمّ سيُسفِر هذا اللّقاء عمّا قريب عن مراسلة مثمِرة بين الرّجليِن، أولى رسائل سبينوزا التي بحوزتنا هي سلسلة طويلة من الحوارات مع أولدنبورغ في خريف عام 1661. في إحدى هاته الرّسائل، يخاطب هذا الأخير سبينوزا قائلا: "أرجو أن تجمعني بك صداقة خالصة، وأن نرعاها معاً بعناية فائقة من خلال دراسات مشتركة وكلّ شكل من أشكال التّآزُر والتّعاون". ولكن بالرّغم من هذا الشّغف المبدئي لم يتبادَل الرّجلان، في السّنوات اللاّحقة، إلاّ مراسلة عرضيّة واحدة. كما أنّ الحرب الإنجليزيّة-النّييرلنديّة، التي اندلعت في مارس/آذار 1665، لم تساعد على تمتين أواصر هذه الصّداقة. مهما كان من أمر، وبالرّغم من صعوبة التّواصل بين لندن وفوربورغ أين يعيش سبينوزا، أخذ أولدنبورغ زمام المبادرة مرّة أخرى، في أفريل/نيسان من نفس السّنة، واستطاع أن يبعَث رسالة إلى الضفّة المقابلة من بحر الشّمال على أمل أن يستأنِف المراسلة من جديد مع سبينوزا والتحرّي فيما إذا كان سبينوزا "على قيد الحياة وفي صحّة جيّدة وإذا كان قد نسي أم لا صديقه القديم أولدنبورغ". لقد كان أولدنبورغ متعطِّشا لمعرفة مدى تقدّم عمل سبينوزا في كتاب "الأخلاق"، وغير أنّه بالتّأكيد يكون قد تفاجأ عندما علم أنّ صديقه كان قد تخلّى عن مواصلة الكتاب وترَكه جانبا لكي يجنِّد نفسه لمشروع يختلف تماما عن مشروع "الأخلاق"(1). في رسالة من لندن مؤرّخة في سبتمبر/أيلول 1665، يأخذنا الشّعور بأنّ لدى ألدنبورغ نوعا من التوجُّس والحذر وذلك من خلال طريقة ممازحته لسبينوزا بسبب قراره التطرّق لمواضيع جديدة وربّما تكون أكثر خطورة؛ إذ يقول له "أرى أنّك الآن لم تعد تتفلسف بقدر ما أصبحت، إن صحّ التّعبير، تتكلّم(2) لأنّك بصدد تحرير أفكارك عن الملائكة، والنبوّة، والمعجزات". يشرح سبينوزا في ردّه على أولدنبورغ الأسباب التي دفعته إلى تغيير مشاريعه: "إنّني أؤلِّف الآن رسالة في الطّريقة التي أفهم بها الكتابات المقدّسة؛ أمّا الأسباب التي أدّت بي إلى القيام بذلك فهي: 1) أحكامُ اللاّهوتيّين المُسبَقة، إذ أعتقد أنّ هذا هو الذي يشكّل العوائق الأساسيّة التي تمنع النّاس من الإنشغال بالفلسفة؛ ولهذا فإنّني أخذت على عاتقي عرض هذه الأحكام المسبَقة واجتثاثها من عقول العقلاء [prudentiorum]. 2) رأيُ عامّة النّاس في شخصي، الّذين ما انفكّوا يتّهمومني بالإلحاد، ممّا يُجبِرني على إخراس هذه التّهمة ما استطعت إلى ذلك سبيلا. 3) حريّةُ المرء في التّفلسف والإفصاح عن أفكاره: وهي حريّة أعتزِم الدّفاع عنها دفاعا كليّا لأنّها مقموعة من جميع النّواحي من طرف سلطة الدّعاة والوُعّاض المفرِطة وغلوِّهم المفضوح". كتاب "الأخلاق" هو ولا شكّ عمل واسع النّطاق وذو قيمة عالية، وإسهامه الأعمق والأكثر ديمومة هو ما قدّمه في حقل الميتافيزيقا. فمن خلال طرحه قضايا مُبَرهَنة بشكل صارِم وحواشي تفسيريّة يقترح سبينوزا إعادة صياغة جريئة وراديكاليّة لطبيعة الرّب والكون والكائن البشري. فالأخلاق هو مع ذلك وقبل كلّ شيء عمل في ميدان الفلسفة الأخلاقيّة. فالميتافيزيقا ونظريّة المعرفة والبسيكولوجيا، التي تتناولها الأجزاء الثّلاثة الأولى، تضع أسس مفاهيمه حول حريّة الإنسان، والفضيلة، والطّريق نحو السّعادة. كان هدفه تسليط الضّوء على ما يمكن أن يشكِّل حياة طيّبة وعلى الطّريق المؤدّية إلى درجة مّا من الانبساط والابتهاج في عالم محتوم لا يبالي بالسّعادة الإنسانيّة. في هذا السياق، وبمعزل عن الطّابع اللاّشخصي الواضح لأسلوبه فإنّ كتاب "الأخلاق" يوجّه نداءه في لهجة أنانيّة وشخصيّة ويهتمّ بكلّ ما يمكن أن يسمح لأيّ شخص، تقوده كباقي المخلوقات المصلحةُ الذّاتية والإرادة في استمراريّة وجودوه، أن يبلُغ في حياته حالة من الغِبْطة في الوقت الذي يكون في مواجهة عالَم من القوى الخارجيّة معظمها يقف ضدّ جهوده من أجل إنماء قوّته الذّاتيّة. في رائعته، يتناول سبينوزا مسائل تتعلّق بالأخلاق الإجتماعيّة والفلسفة السياسيّة. نظرًا لأن جميع الأفراد، وهم يرغبون في البقاء والازدهار، يسعون جاهدين للحفاظ على قوّتهم الخاصة بل وتعزيزها، فإن النزاعات ستنشأ بشكل طبيعي، لا سيما عندما يكون هذا الجهد محكوما بالإنفعالات وموجّها نحو اكتساب نِعَم خارجيّة تكون محلّ أطماع أفراد آخرين. فالنّاس، في خضمّ هذا التّنافس على نيل الأشياء التي لها قيمة لديهم، تنتابهم مشاعر الحسد، والغيرة، والحبّ، ومشاعر الكراهية، والأمل والخوف. أمّا الفرد الفاضل الذي يقوده العقل فهو، على العكس من ذلك، لا يرى فقط أنّ مثل هذه النِّعَم العابِرة لا تساهم في السّعادة بأي وجه من الوجوه بل أنّه يعترف أيضا بأنّ غبطته الذّاتية يُيَسِّرها ما يحيط به من أفراد فاضلين آخرين يعيشون بمقتضى العقل، أي أفراد آخرين يُميِّزون ما هي النّعم الحقيقيّة فيسعون وراءها وبالتّالي ينعمون بالرّخاء. هذا الفرد الفاضل سيتصرّف إذاً مع الآخرين على نَحوٍ يكون فيه متجاوبا معهم ويعينهم على الاقتراب من مثل هذا الوضع المثالي. لكن لا بدّ من وجود هيئة حكوميّة مدنيّة، يقول سبينوزا، إذ أنّ الأفراد لا يتصرّفون، في الواقع، على مقتضى العقل. وحتّى نتجنّب "طور الطّبيعيّة"(3)-بمعنى آخر المحيط المعادي الذي يفعل فيه كلّ فرد ما يشاء حسب هواه ودون ضوابط، وما يعتقِد (عامّة على خطأ) أنّه يخدم مصلحته الشّخصيّة-وبالنّهاية خلق حزام واسع من الأمان من خلال ما نمتلك من أشياء وكذلك تحقيق شروط حياة أفضل، وبلوغ تجربة أكثر عقلانيّة وأقرب من الكمال الإنساني، فإنّ الأفراد يُحوِّلون الكثير من حقوقهم إلى سلطة سياسيّة مهمّتها وضع القوانين والسّهر على احترامها. غير أنّ كتاب "الأخلاق" ليس في الحقيقة مقالة في الفلسفة السياسيّة. فهذه المواضيع لم يقع تناولها في الواقع إلاّ باقتضاب وبصورة سطحيّة في الباب الرّابع من الكتاب. هنا نرى سبينوزا أكثر انشغالا بمسألة "خلاص" الفرد و"غبطته"، وبما في وسع شخص مّا أن يفعلَه من خلال الأدوات التي في حوزته لكي يبلغ بحريّته الخاصّة الحدّ الأقصى (مفهومة على أنّها استقلاليّة ذاتيّة عقلانيّة، على أنّها وجود معاش في كنف المعرفة االجليّة لكلّ ما يمثّل النّعمة الحقيقيّة) ويحقِّق سعادته. إنّ فكرة سبينوزا بالفعل تتلخّص كالتّالي: لو كان كلّ البشر كائنات عقلانيّة، فاضلة وحرّة، لما كان هناك أيّ حاجة للدّولة. على العكس من كتاب "الأخلاق"، فإنّ "الرّسالة في اللاّهوت والسّياسة"، التي كان سبينوزا قد شرح لألدنبورغ في خريف عام 1665 الدّوافع التي حفزته لتأليفها، فإنّها تشكِّل عملا من طراز آخر. لقد كُتِب هذا النصّ باللّغة اللاّتينيّة شأنه شأن كتاب "الأخلاق" وكافّة مراسلاته تقريبا. إلاّ أنّنا نرى سبينوزا قد تخلّى عن العرض الصّارم بالأسلوب الهندسي الذي توخّاه في كتابه الميتافيزيقي-لأخلاقي ليستعمل كتابة أكثر يُسْراً وسهولة، وفي لهجة أكثر ليونة وأقلّ حدَّة. وبالرّغم من أنّ "الرّسالة" تظلَّ عسيرة الفهم نوعا مّا، فإنّنا إذا ما قارنّاها بالهيكَلة الإقليديّة المكثّفة من تعريفات، وبديهيّات، وقضايا، ولوازم، وحواشي، وشروحات التي يتّصف بها كتاب "الأخلاق"، فإنّها تتوفّر فعليّا على عرض أكثر خطابة وأكثر سهولة. فالرّسالة، عوض أن تعتمد على براهين استنتاجيّة مقتَضبة أو على اللّجوء إلى مُساهمةٍ عرضيّة للحواشي، فإنّها تستخدِم مناهج متنوِّعة لتدعيم استدلالاتها؛ وهكذا نراها تستعين بالشّروحات البيْبليّة، والهرمينوطيقا الأدبيّة، وأيضا الدّراسات التّاريخيّة والفلسفيّة، والمعاينات التّجريبّة، وكذلك التأمّلات الفلسفيّة واللاّهوتيّة، والتّحاليل الفقهيّة والفكر السّياسي سواء كان نظريّا أو تطبيقيّا. يقدِّم سبينوزا في "الرّسالة" تأويله الخاصّ لدروس التّاريخ الإسرائيلي القديم، ويُمعِن النّظر في اللّبّ الأخلاقي لتعاليم يسوع، ويتساءل عن الغايات التّي تتضمّنها وصايا الرّب، وذلك مع إيحائه ضمنيّا، بشيء من الحذر أيضا، أنّ تداعيات كلّ هذه التحليلات تشمل كذلك الواقع النييرلندي في زمنه. باختصار، يمكن القول أنّ طموحات "الرّسالة" ليست أقلّ من طموحات كتاب "الأخلاق". بل قد يكون سبينوزا أكثر جرأة في استنتاجاته التي تبدو في ظاهرها معروضة بصراحة أكبر. كانت غايته، كما يوضّح ذلك بنفسه في العنوان التّوضيحي لعمله، هو إبراز "أنّ حريّة التّفلسُف لا تُمثل خطرًا على التقوى أو على السَّلام في[الجمهوريّة] الدولة، بل إنَّ القضاء عليها يؤدِّي [في الوقت ذاته] إلى [تقويض] السَّلام [في الجمهوريّة] والتَّقوى ذاتها" (حنفي، ص 19). بمعنى آخر، تبدو الرّسالة على أنّها موقف اتّخذه سبينوزا لصالح حرّية التّعبير والتّفكير في دولة عصريّة ومناديا بفصل الفلسفة عن الدّين كشرط لتحقيق هذه الحريّة. فهدف الفلسفة هو السّعي نحو الحقّ والمعرفة، في حين أن غاية الدّين هي التّقوى [العمل الصّالح] و"الطّاعَة". وبناء عليه، لا يجب للعقل أن يكون في خدمة اللاّهوت، ولا لللاّهوت أن يكون في خدمة العقل، فالدّين يتجاوز حدوده عندما يسعى إلى احتواء البحوث الفكريّة وحريّة التّعبير عن الأفكار ويضيّق الخناق عليها. كان على سبينوزا، حتّى يُحقِّق هدفه الجدالي والسّياسي بامتياز، أن يُطيح بمختلف الصّروح الدوغمائيّة للمؤسّسات الدينيّة، ويَنسِف المبادئ الجوهريّة التي يلجأ إليها رجال الدّين في ألاعيبهم (خاصّة في جمهوريّة المقاطعات المتّحدة السّبع في الأراضي المنخفضة) بغية الاستيلاء على السّلطة في الحياة العامّة وحتّى الخاصّة للمواطنين، أو على الأقلّ الكشف عن المعنى الحقيقي لهذه المبادء وفضحها أمام العالَم. في رسالته، يُقوِّض سبينوزا النّبوءات والمعجزات، ويستنكر المعتقدات الخرافيّة التي تشكّل أساس الدّيانات التوحيديّة، ويجزِم بأنّ الشّعائر والطّقوس لا علاقة لها بـ"التّقوى الحقيقيّة"، وفي الأخير يؤكِّد، وهي بدون شكّ أكثر أطروحاته جرأة، أنّ البيْبل، وهو على الأرجح الأداة الأكثر قوّة تلوِّح بها المؤسّسات الدّينيّة لتُحكِم قبضتها على أتباعها ومريديها، ليس إلاّ عملا بشريّا أدبيّا وقع تأليفه على مرّ القرون من طرف عديد الكتّاب الذين هم في الغالب الأعمّ يختلِفون حتّى فيما بينهم. بطبيعة الحال، مشروع مثل هذا كان من شأنه أن يولِّد مخاوف حقيقيّة في صفوف العديد من معاصري سبينوزا؛ غير أنّ ما يزيد الطّين بلّة هو أنّ الرّسالة، بالرّغم من أنّها كُتبت باللّغة اللاّتينيّة، كانت نسبيّا، من حيث صياغتها وأسلوبها، عملا سهل التّناول وبالتّالي يشكِّل خطورة أكبر على صاحبه. فحتّى الاقتباسات العديدة والشّروحات باللّغة العبريّة التي نجدها حاضرة في بعض الفصول والتي كان من شأنها أن تجعل حجَج سبينوزا أكثر غموضا لدى بعض القرّاء في تلك الفترة، وحتّى لِمَن هم أكثر ثقافة وأكثر تشبُّعا باللّغة اللاّتينية، فإنّه لم يكن من الصّعب على أحد أن يستشفّ المغزى العامّ للرّسالة. كان كتاب "الأخلاق" موجَّها إلى جمهور مضيّق، أساسا الفلاسفة وبالخصوص منهم أولئك الذين تكوّنوا في التّقليد الديكارتي (بمن فيهم أصدقاؤه في آمستردام الذين درسوا كتابه "مبادئ فلسفة ديكارت")، ولكن أيضا الأرسطيّين الجدد والسكولاستيّين الجدد الذين كانوا يحتلّون الجزء الأعظم من كراسي الكلّيات الجامعيّة للمقاطعات المتّحدة وبلدان أخرى. فقد كان هؤلاء يمتلكون المعارف المطلوبة لفهم لغة نظام سبينوزا (جوهر، صفات، أحوال، إلخ...) والمؤهّلات الضّروريّة لمتابعة وتقييم براهين سبينوزا على أطروحاته(4). كانت أطروحات "الأخلاق"، في الواقع، تقيم الدّليل على أنّه إذا اعتمدنا على المقولات الجوهريّة للميتافيزيقا القديمة، التي يتقاسمها الأرسطيّون والدّيكارتيّون، وذهبنا بها إلى أعلى درجات استنتاجاتها ومنطقها، حينئذ قد يقودنا ذلك لا محالة إلى القبول بمواقف سبينوزا. على سبيل المثال، إذا طبّقنا الفكرة الكلاسيكيّة التي مفادها أنّ الجوهر هو "ما يوجد في ذاته وليس في أيّ شيء آخر"، وطبّقناها بطريقة صارمة ومتّسِقة فهذا يستلزِم بالنّهاية أنّه لا يوجد إلاّ جوهر واحد، بمعنى "الرّب أو الطّبيعة" (Deus sive Natura). بالمقابل، نجد أنّ قرّاء الرّسالة، ومن بينهم بالتّأكيد فلاسفة، كانوا ينتمون لجمهور أوسع بكثير. إذ نجد فيهم أوّلا وقبل كلّ شيء اللاّهوتيّين، وليس فقط أولئك الذين كانوا يدرّسون في الكلّيات الجامعيّة، ولكن أيضا رجال الدّين المشرفين على الكنيسة الإصلاحيّة النييرلنديّة (وكان طموحهم أن يصبحوا القادة الإجتماعيّين والسياسيّين للمقاطعات المتّحدة). إنّ "الأحكام المسبَقة" لهاته السّلطات الدوغمائيّة كانت مسؤولة عن ممارسة الرّقابة على أفكار المواطنين، كما كانت تمارس الرّقابة على سلوكهم اليومي من خلال سياساتها الأخلاقيّة المتحجِّرة. يوجد تحتهم مباشرة في سلّم الهرم الكَنسي القساوسة (predikanten)، أي جيش المشاة الأشدّ محافظة في الكنيسة الإصلاحية (البروستانتينيّة)، والذين كانت عظاتهم الأسبوعيّة ترتكز على معتقدات الشّعب الخرافيّة وتتلاعب من خلالها بمشاعره. فقد كان هؤلاء القساوسة (الوعّاض) قادرين على تأجيج أحاسيس أفراد طائفتهم إذا اقتضحت الحاجة إلى ذلك، مثلا للحيلولة دون أن تطبِّق قريةُ معيَّنة سياسة التّسامح بين المواطنين. في لحظة مّا يقول سبينوزا "[إنّني] لن أقوم بأيّ مجهود كبير لأوصي بهذه الرّسالة" لجمهورٍ من رجال الكنيسة، وذلك "لأنّني فقدت كلّ أمل في نيل رضاهم"، عِلماً "كم هي مغروسة في أذهانهم الأحكام المسبقة التي زُرِعت فيها وذلك تحت غطاء الورع والتّقوى". بالتّأكيد لم يكن سبينوزا من السّذاجة بمكان حتّى يعتقِد أنّ كِبار الأساقِفة وقساوسة الكنيسة الإصلاحيّة، المحافظين جدّا، سوف يستقبلون كتابه استقبالا حارّا؛ بل كان يعلم حقّ العلم أنّ عليه الاستعداد لمواجهة هجمات شرسة. وبالرّغم من انّ سبينوزا لم يكتب رسالة موجّهة خصّيصا لرجال اللاّهوت البروتستانت، فمن المؤكّد أنّه ألّفها وهم حاضرون في ذهنه، على الأقل بشكل أو بآخر. عموما، كان سبينوزا يعتبرهم جمهورا مثقَّفا ومؤثِّرا بإمكانه أن يفهم حجَجه (حتّى لا نقول يشاركه فيها). وربّما كان قد راوده أمل ضئيل، ولكنّه يعلم جيّدا أنّه أمل بلا جدوى، أنّ رسالته يمكنها أن تُحدِث بعض التّأثير، وأنّ اللاّهوتيّين، مثل الفلاسفة، قد يجدون فيها "فائدة لأنفسهم". هناك عنصر مهمّ أكثر في هذا السّياق كان متمثّلا في حكّام (regenten) المقاطعات المتّحدة، وهم عبارة عن نخبة ليبراليّة نسبيّا كانت تحكم معظم المدن الكبيرة والصّغيرة في مختلف الجهات. ففي خمسينات وستّينات القرن السّابع عشر كان هؤلاء الأثرياء المنحدرين من عائلات المقاولين والتجّار في مدينة آمستردام ومدن أخرى يمتلكون السّلطة السياسيّة وكانوا، من خلال مجلس هولندة ومجلس الطّبقات [العامّ]، يمارسون ما يمكن أن نسمّيها سياسة وطنيّة. وكان هؤلاء لا يُخفون عداءهم لتدخُّل رجال الدّين في الشّؤون العامّة، فقد كانوا يميلون إجمالا إلى إظهار تسامحهم بخصوص المسائل الدّينيّة والفكريّة والثّقافيّة، ولذلك كانوا ينتمون إلى هؤلاء "النّاس العقلاء" الذين كان سبينوزا يرى فيهم، في رسالته إلى ألدنبورغ، مَن يمثّلون القرّاء الرّئيسيّين لكتابه. لقد استطاع أعضاء طبقة "الحكّام" (regenten) أن يُعبِّروا عن نوع مّا من التّعاطف إزاء الرّسالة اللاّهوتيّة-السياسيّة المتضمَّنة في الكتاب وذلك بالرّغم من وجود شريحة محافِظة، بشكل أو بآخر، مستعدّة للدّفاع عن الوضع الرّاهن الذي يستمدّون منه مصالحهم الخاصّة. إذا كان سبينوزا، كما سنرى لاحقا، ينتظر من مؤلَّفه أن تكون له تداعيات عمليّة على الطّريقة التي كانت تُدار بها المقاطعات المتّحدة، وبالخصوص على الرّوابط بين السّلطة السياسيّة والسّلطة الدينيّة وكذلك على الدّفاع عن التّسامح في المجالات الفكريّة والعقَديّة، فإنّه سيجد الدّعم في هذا المعسكَر السياسيّ. إنّ دروس الرّسالة في اللاّهوت والسياسيّة هي موجَّهة، في نهاية الأمر، وحسب تعبير سبينوزا نفسه، إلى "القارئ الفيلسوف" [philosophe lecteur]، بمعنى آخر، إلى الفلاسفة بالمعنى الحصري للكلمة الذين نجد من بينهم بطبيعة الحال أعضاء الكليّات الجامعيّة ومفكِّرين مستقلّين، وذلك بالرّغم من أنّ سبينوزا كان قد لمّح أنّ هؤلاء كانوا يعرفون بالتّفصيل أهمّ ما في هذا الموضوع وما عنده من القول فيه: "في الواقع، أعرف أنّني من حيث الأساس أتّفق مع الفلاسفة". مع ذلك، فإنّ لفظة "فلاسفة" كانت تشمل بعض القرّاء المثقّفين باستطاعتهم قراءة كتابه دون هذه الأحكام المسبَقة التي كانت تقود عقول العامّة وتدفعهم إلى إصدار أحكامهم الرّعناء. من بين أولئك القرّاء المثقّفين هناك مَن "كان بإمكانهم أن يتفلسفوا بحريّة لو لم تمنعهم قناعتهم بأنّ العقل يجب عليه أن يكون خادِما لللاّهوت"؛ في حين أنّ الفرد صاحب الذّهن المنفتح نسبيّا، ما إن يطمئِنّ إلى أنّ الفلسفة لا تُضِرّ بالتّقوى ولا تهدِّد الخلاص، سيصبِح مستعدّا للتّفرّغ للفلسفة بجديّة: يجب عليه فقط أن يفهَم أنّ محبّتة للرّب واحترامه للبيْل هما شيئان منسجمان تمام الإنسجام مع البحث الحرّ عن الحقّ بل حتّى أنّهما مستقلاّن عنه. هذا الصّنف الأخير من القرّاء يمكن أن نسحبه على أصدقاء سبينوزا وعلى زملائهم في الدّراسات الفلسفيّة والدّينيّة الموجودين في آمستردام وفي مدن أخرى. كان البعض منهم من المفكِّرين الأحرار، والمفكِّرين اللاّئكيّين الذين لم يكن الدّين، تحت أيّ شكل من الأشكال، يلعب إلاّ دورا ضئيلا في حياتهم. إلاّ أنّ غالبيّة هؤلاء الأصدقاء كانت متكوّنة من أفراد يتّصفون بوَرَع عميق حتّى وإن كانت مفاهيمهم الدّينيّة تبدو نوعا مّا غير تقليديّة على الأقلّ في عيون السّلطة العليا للكنيسة الإصلاحيّة النييرلنديّة. وكان يُطلَق عليهم "المسيحيّين دون كنيسة"؛ وكانوا ينتمون إلى طوائف مارقة متعدّدة ازدهرت في هولندة القرن السّابع عشر. إذ نجد من بينها طوائف وحركات مثل "كوليجيانتين" [Collegianten]، وتجديدية العماد أو "الأنابابتست" (Anabaptisme)، والكويكرز (quakers)، والمينوناتية (Mennonite)؛ وكان أعضاؤها إصلاحيّين دينيّين حقيقيّين وربّما يمثّلون الجمهور الأكثر تقبُّلا لعمل سبينوزا. فقد كانوا يعارضون السّلطة الاستبداديّة للكنيسة الرّسميّة وتعصُّبها الدوغمائي، وهم يقترحون في المقابل مقاربة أكثر مساواة للمسائل الرّوحانيّة واعتبارها شأنا داخيّا لكلّ فرد من أفراد المجتمع. وقد كانوا كلّهم على يقين بأنّ المسيحيّة الأصيلة لم تكن تعصّبا طائفيّا بقدر ما كانت تتمثّل في المَحبّةً الإنجيليّة تجاه الآخرين وتجاه الرّب، وفي الطّاعة لأقوال المسيح الأصليّة وذلك دون وساطة أيّ تفسير لاهوتي مهما كانت طبيعته. كان الكوليجيان بالخصوص، وكان من بينهم كثير من أصدقاء سبينوزا المقرّبين، يؤكّون أنّ كلّ فرد له الحقّ في الاعتقاد في ما يشاء، ما عدا بعض الحقائق البسيطة والعامّة الواردة في تعاليم يسوع، وليس له الحقّ، بنفس القدر، في اضطهاد الآخرين بسبب معتقداتهم؛ وأنّ المرء لا يمكنه أن يبلغ الخلاص بفضل طقوس وتعويذات، ولا بانتمائه إلى أيّ شكل من أشكال التنظُّم العقَدي، ولكن الخلاص يكمن في إيمان داخليّ وصادق. لم يكن للكوليجيان قساوسِسة ولا كهنة وكانوا يدحضون كلّ عقيدة تؤمِن بالقضاء والقدر لأنّها تتعارض، في رأيهم، مع الحريّة المسيحيّة [حريّة الإختيار]. وكانوا أيضا يبحثون، من خلال عدائهم الدّفين لرجال الدّين، عن تحرير المسيحيّة من الهيمنة التي كانت تمارسها الكنائس على اللّيتورجيا وعلى سلوك المؤمنين. تعتبر معظم هذه الطّوائف المارقة أنّ التصرّف الطّبيعي هو أكثر أهميّة من أيّ مجموعة من الفرائض والمعتقدات. كان لديهم الكثير ممّا يخسرونه لو استطاع الكلفينيّين الأرثودكس تقويّة نفوذهم وفرض مبادئهم أكثر فاكثر على المجتمع النييرلندي؛ فقد شرع هؤلاء بالفعل منذ عام 1618 في عمليّة تطهير حقيقي للكنيسة الإصلاحيّة النييرلنديّة باستنكارهم لتوصيّات مَجْمع دورترخت. وهكذا تكون الرّسالة اللاهوتيّة السياسيّة موجَّهة لقرّاء من مختلف المشارب والانتماءات، إذ نجد من ضمنهم وفي نفس الوقت القادة السياسيّين، الذين تقصدهم الرّسالة مباشرة، والمنشقّين الدّينيّين ومثقّفين تقدّميّين، و"فلاسفة"، بالفعل أو بالقوّة، وكلّ هؤلاء من المفتَرض أنّهم سيجنون فوائد جمّة إذا نجحت الدّعوة التي تنادي بها رسالة سبينوزا. ولكن هناك فريق اجتماعي لا تتوجّه له الرّسالة على الاطلاق ونعني بهم هنا العامّة. هذا على الأقل ما يؤكِّده سبينوزا بنفسه: "[...] كما أعلم أنه يستحيل تَخليص النفوس العامَّة مِن الخُرافة ومن الخَوف، فالعِناد شيمتُهم، إذ لا يَحكُمُهم العقل بل يُسيِّرُهم الانفعال في إصدار المدْح أو اللَّوم؛ لذلك، فإني لا أدعو العامَّة أو من يَسيرون على هوى انفعالاتهم إلى قراءة هذا الكتاب. وإنه لأفْضَل لي أن يتجاهلوه تمامًا، من أن يُؤوِّلوه تأويلًا خاطئًا كعادتهم دائمًا؛ ذلك لأنهم لن يَستفيدوا منه، بل سيجدون فيه وسيلةً لإيقاع الشَّرِّ وللإساءة إلى بعض الفلاسفة الأحرار" (حنفي، ص 126). يبدو إذا أنّ سبينوزا لم تكن له ثقة كبيرة في القارئ العادي، أي أولئك المنتمين لصغار الباعَة، والعمّال اليدويّين، والحرفيّين وأصحاب الفنادق، الذين كانوا يشكّلون جزءًا هامّا من سكّان المدن كمدينة آمستردام. فهؤلاء المواطنين كانوا، على حدّ قول سبينوزا، عرضة للإنفعالات بصورة مفرطة. فحتّى أولئك الذين كان بإمكانهم قراءة وفهم الرّسالة التي كان سبينوزا قد أودعها في كتابه فإنّهم لن يكونوا قادرين على الحكم عليها حكما عادلا ومنصِفا. إنّ درجة اتّساع الجمهور الذي كان يقصده سبينوزا من خلال رسالته يُظهِر بوضوح مدى طموح مشروعه، ولكنّ ذلك من شأنه أيضا أن يجعل هذا المشروع أكثر تعقيدا، بل حتّى أكثر خطورة. لم يكن جمهوره يتكوّن فقط من سياسيّين لبراليّين وفلاسفة تقدُّميّين بل كان يشتمل كذلك على ملحدين، ومؤمنين وَرِعين، وديموقراطيّين وملَكِيّين. باختصار، كان جمهوره بالخصوص مسيحيّا. لقد كان على سبينوزا أن يتوخّى الحذر في الطريقة التي يعرض من خلالها دوافعه في هذا الكتاب الذي كان يطمح إلى إعادة صياغةٍ راديكاليّة في الشّأن اللاّهوتي-السّياسي وإحداث تغيير عميق داخله. (يتبع) ------------------- هوامش (1) رسالة ألدنبورغ كانت ردّا على رسالة سابقة لسبينوزا مؤرّخة في 4 سبتمبر والتي لم تصلنا. بالتأكيد يكون سبينوزا قد عرض فيها أفكاره بخصوص كتابه الجديد. (2) اخترنا هذه اللّفظة لترجمة كلمة theologizing، لأنّ علم الكلام كما عرّفه سعد الدين التفتازاني هو " العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية" (تهذيب الكلام، ص 8) [المترجم]. (3) هذا المفهوم هو مقابل "طور التمدّن" عند سبينوزا حيث يقع الإقرار، برضاء الجميع، أيُّ الأشاءِ حسنة وأيّها قبيح، وحيث يصبح لزاما على كلّ شخص أن يُطيع الدّولة. [المترجم] (4) هذا السّياق الفلسفي كان ضروريّا ولكن بالتّأكيد غير كافٍ لفهم الأطروحات والبراهين الواردة في "الأخلاق"؛ فكثير ممّن عاصروا الكتاب، بالرّغم من ثقافتهم الواسعة، مثل لايبنيتز، لم يفهموا سبينوزا فهما جيّدا.
#ناصر_بن_رجب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب صُنِع في الجحيم (2)
-
كتاب صُنِع في الجحيم (1)
-
رَبُّ القَبائل، إسلام محمّد
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (14)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (13)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (12)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (11)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (10)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (9)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (8)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (7)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (6)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (5)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (4)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (3)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (2)
-
قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (1)
-
سورة الفيل والتّفسير المستحيل!
-
مَكّابِيُّون وليسَ مكّة: الخلفيّة التوراتيّة لسورة الفيل(2)
-
مَكّابِيُّون وليسَ مكّة: الخلفيّة التوراتيّة لسورة الفيل(1)
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|