|
الاكتفاء بنصف النصر يعادل الهزيمة
ياسين سعيد نعمان
الحوار المتمدن-العدد: 7138 - 2022 / 1 / 17 - 09:59
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
التحول من الدفاع إلى الهجوم في هذه الجبهة الشرقية الساخنة من جبهات المواجهة مع المليشيات الحوثية يعيد بناء المشهد العسكري والسياسي والدبلوماسي على نحو معاكس لما بشرت به طوال الفترة الماضية أذرع إيران في المنطقة عن قرب ابتلاع اليمن ، مع ما يعنيه ذلك من التفرد بصياغة مستقبله من قبل جماعة كل مؤهلاتها هو أنها ذراع لنظام إقليمي يسعى إلى التمدد والتوسع في هذه المنطقة بأيديولوجية طائفية تستخدم العنف ، والإرهاب ، وتجنيد الخارجين عن الشرعية الوطنية والقانون .
هذا التحول الهام في المعركة يجب أن تتوسع رقعته بانتاج مزيد من الشروط السياسية والعسكرية والشعبية والمجتمعية ، فلا شيء يعادل الهزيمة أكثر من نصف النصر ، ولن يتم ذلك إلا بمغادرة حالة التلقين السلبي للعقل السياسي والتي يضخها موروث الصراعات السياسية بين مختلف القوى التي تتصدى لهذا المشروع الطائفي التوسعي ، والتفاعل عوضاً عن ذلك مع متغيرات الحياة كما هي في الواقع لا كما تحتفظ بها قراطيس النخب وبرامجها التي باتت في حاجة إلى مراجعات شاملة في ضوء ما أفرزه هذا الواقع من تبدلات .
وفي تقديري أن أول ما يجب عمله هو أن لا يترك هذا التحول ، والذي تحقق بتضحيات غالية ، لاجتهادات لا ترقى إلى مستوى الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها الخطوة اللاحقة ، والتي يتوقف عليها مصير المعركة كلها .
تتزاحم على قارعة هذا التحول في مسار المعركة آراء وأفكار بشأن الخطوة القادمة ، تصادم بعضها ، وتقدم الدليل على أن حدود المعرفة بالخيار الاستراتيجي لا زال محفوفاً بمخاطر الانقلاب على واقعية ما رتبته الحياة من تطورات .
في مرة سابقة عام ٢٠١٨ أشهر في وجه الشرعية وتحالف دعم الشرعية ما سمي “المأساة الانسانية المحتملة” فيما لو دخلت قواتها ميناء الحديدة .. وكان ذلك انقلاباً على ما شهده مسار المعركة في تلك المنطقة من تطورات ميدانية كان من شأنها أن تضع حداً للحرب لو أن المسار بلغ غايته المقررة .
لا أحد من أولئك الذين أثاروا ذلك الضجيج حول الوضع الانساني استفسر أو سأل عما إذا كان وقف الزحف على الحديدة قد منع المأساة أم أنه ساعد على تعميمها وتعميقها بصورة أشد قسوة بسبب ما وفره ذلك من ظروف لمواصلة الحرب من قبل المليشيات الحوثية التي وظفت اتفاق استوكهولم في تجميد هذه الجبهة المشتعلة لتتفرغ للجبهات الأخرى .
رأينا كيف حصد الحوثي النتائج التي ترتبت على هذه الخديعة طوال ثلاث سنوات من البلطجة ، وسفك الدماء ، والتربح ، وابتزاز وقمع الناس في مناطق سيطرتهم ، وبيع الوهم بتفوقهم العسكري ، وحشد الأطفال الى محارق الحرب ، ثم استخدام موانئ الحديدة كنقاط انطلاق وملاذات لأعمال القرصنة البحرية وزرع الالغام وتهديد الملاحة الدولية في أهم شريان بحري ، وتهديد البيئة البحرية بكارثة كبرى باحتجاز خزان صافر النفطي في وضع فني يهدد بالانفجار ، وفوق هذا وذاك وضع اليمن ومستقبله رهينة بيد النظام الايراني كساحة لمشروعه الطائفي العدواني التوسعي.
اليوم ، وبعد كل هذه التجارب المريرة ، لا بد من أن يعاد الاعتبار للجانب الانساني بالنظر إليه من الزاوية التي لا تجعل الحديث عنه مجرد غطاء لمزيد من قهر الانسان مثلما حدث في المرات الماضية حينما رفع شعار حماية الانسان ليجعل منه المستفيدون من الحرب سبباً في مواصلة قتله وتجويعه وتشريده .
لن يكون ذلك ممكناً إلا حينما يكون الهدف هو إنهاء السبب الذي قاد إلى هذه الكارثة الانسانية التي يعيشها اليمن .. أي أن التحول في مسار المعركة في هذه الجبهة وعلى هذا النحو هو الكفيل بانهاء الحرب وتحقيق السلام ومنع المزيد من الكارثة الانسانية .
بدون هزيمة هذا المشروع المتسبب في هذه الكارثة الانسانية لن يكون الحديث عن حماية الأوضاع الانسانية غير صراخ في فراغ ، لا ينتج على الأرض غير مزيد من تدهور هذه الأوضاع ومواصلة معاناة الملايين من اليمنيين .
كل هذا يتطلب النظر إلى هذا التحول الهام في سير المعركة من خلال رؤيا تجسد التفاهمات السياسية لدى القوى التي تتصدى للمشروع الحوثي الإيراني ، وتتجاوز كل ما من شأنه أن يفسد المنطق الذي جعل التصدي لهذا المشروع الفاسد والخبيث مهمة مشتركة لهذه القوى مجتمعة .
نتوقف هنا لنسأل كيف يمكننا أن نجعل من هذا التحول منتجاً مستمراً لديناميات المعركة السياسية والعسكرية والشعبية القادمة حتى يتحقق السلام والأمن والاستقرار ؟
نحتاج هنا لنكرر من جديد أن القوى والنخب السياسية معنية قبل غيرها بتفريغ شحنات الهيمنة والبيروقراطية الثقيلة التي تعج بها برامجها وتدير بها المشهد السياسي ، واستبدالها بالقبول بالارادة الشعبية في تقرير خياراتها السياسة .
حينما قلنا في مرحلة معينة ان الصراع سيكون صراع البرامج السياسية ربما غالبنا الحنين إلى الاسترخاء من هم المواجهة مع الموانع القوية للتحول الديمقراطي ، فالبرنامج الذي لم يكن تحمله مليشيا مسلحة أو قوة عسكرية انتهى أمره كحالة مدنية عابرة وغدا أصحابه مجرد إضافات في بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع ، وهذا ما يعكسه المشهد اليوم بملامحه المشوهة التي تجعل حديثنا عن خيارات الناس يبدو وكأنه تكرار ممل لمسألة هناك من يرى أن الواقع لا يهضمها ، كما لو أن قدر هذا البلد هو أن يبقى رهين واقع يصنعه منتفعون من بقائه عنيداً في مواجهة الحاجات المتجددة للانسان والانسانية .
أما البرامج التي حملتها المليشيات المسلحة انتهى أصحابها الى نهب الدولة والحرب مع النظام الذي انتجها وهيأ لها الظروف لتقوى على حساب القوى المدنية وتدمير المجتمع برمته .
إذا لم تغير هذه الحرب من سلوك الجميع ، وتفضي إلى الإقرار بحقيقة أن الناس هم وحدهم الأحق بتقرير خياراتهم السياسية ، فإن الحرب لن تنتهي إلا لتلد حرباً أخرى ، والبلد فيه من القضايا الهامة ما يجعل هذه المسألة في مصاف الحقيقة .
#ياسين_سعيد_نعمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عسيلان تفتح باباً لمغادرة الإحباط
-
تمثيل المجتمع.. لا التمثيل به
-
الدولة بناء فوقي مستقل عن التنظيمات السياسية
-
هل يعاد بناء المشهد بمعارك يختارها الحوثيون؟
-
أسئلة ما بعد سيئون
-
إئتلاف الضرورة :الحامل السياسي.. وتدهور الخطاب
-
ثلاث حقائق رئيسية نحو سلام دائم ومستقر
-
اليمن في منظومة أمن الخليج
-
التاريخ وحياتنا الملتبسة
-
الغرق في الخرافة بعد عقود من الثورات
-
الخفة في استخلاص الحل من داخل مشهد رديء
-
تطبيع المأساة ..
-
بين الفعل الثوري والفعل الثأري
-
لقاء مع الرفيق د. ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتر
...
-
الديمقراطية.. بين الخصوصية اليمنية والمشترك العربي
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|