|
الصراع حول الأرض في السودان (6)
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 7138 - 2022 / 1 / 17 - 00:02
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
سادسا: الأرض في فترة المهدية (1881- 1898م) ملكية الأرض : عندما اندلعت الثورة المهدية ظهر نظام جديد لملكية الأرض ، وإن كان لا يختلف كثيرا عن مفهوم ملكية الأرض الذي كان سائدا في صدر الدولة الإسلامية في عهد الرسول ( ص ) ودولة الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية والدولة العباسية وحتى الدولة العثمانية . ومضمون هذا المفهوم يقوم على أساس أن خليفة المسلمين أو الإمام هو الذي يتصرف في الأرض أو يحدد كيفية استغلالها ، ويصدر التشريعات التي تحافظ على حقوق المنتفعين وحقوق المسلمين عامة . وفي دولة المهدية كان الإمام المهدي يقوم مقام خليفة النبي ( ص ) أو خليفة المسلمين ، وبالتالي فإنه تصرف على النحو التالي : 1 تعرض المهدي إلى الأرض لأول مرة في منشور صدر إلى أهالي زغاوة بمناسبة تعيين المك التوم أميرا على المنطقة وإرسال وفد معه لارشادهم ، جاء في ذلك المنشور ما يلي ( وأعلموا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، وقد أهلك الله المفسدين وغير أحكامهم والآن صرتم في زماننا وحكمنا، فعزيمة من الإمام محمد احمد المهدي بن السيد عبد الله إلى كافة من هو مؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف على حدود الله في الشرع واحيائه وحدوده في الزرع ولا يتخاصمون فيه ولا يدعى أحدكم وراثة الأرض عن آبائه وأجداده ليأخذ عنها خراجا أو يقيم من ساكن بها لأجل ذلك ) ( أبو سليم : الأرض في المهدية ، 1970 ، 13 – 14 ) . وهذا جانب من جوانب ثورة المهدي في فترة الكفاح المسلح ( 1881 – 1885 م) والذي كان انحيازه فيها واضحا لصغار الملاك والمزارعين والرعاة الفقراء والذين كانوا عظم الظهر الأساسي للثورة في تلك الفترة . 2 وجاءت المناسبة الثانية لذكر الأرض حوالي رجب سنة 1301 ه / مايو سنة 1884 في رده على استفسار حول عدد من المسائل وهذا الرد موجه إلى أحد عماله بالجزيرة دون ذكر اسمه. ( أبو سليم : الأرض، ص: 16 ) . جاء ما يلي في الرد فيما يتعلق بالنقطة الخاصة بأمر السواقي والزكاة المفروضة ( واما ما ذكرتم من أمر السواقي إلى آخر ، فإن الساقية إن كانت لرجل واحد فتؤخذ منها الزكاة إذا بلغت ما فيه النصاب كالمشروع ، فإذا كانت الجماعة مشتركين فيها وهى بينهم لا يقتسمونها إلا يوم حصادها فتؤخذ الزكاة من جملتها ، وإلا بان الساقية لجماعة مشتركين فيها ، ولكن كل واحد منهم سابق لنفسه ببهائمه وخدامه ومتفرقة خدمة الجميع ، وكل منهم ينتج لنفسه فتؤخذ منه زكاة كل واحد منهم وحده إذا بلغ النصاب الشرعي وإلا فصاحب الطين له ما يرتضون به ) ( المصدر السابق : 16 ) . وهما يعترف المهدي بأن يأخذ المالك نصيبا من أرضه الذي يزرعه آخر، كما أشار د. أبو سليم ( ولكن ألا يعني هذا أولا وأخيرا أن المهدي يعترف ضمنيا بحق المالك في أن يأخذ نصيبا من إنتاج أرضه الذي يزرعه أخر وهو الأمر نفسه الذي اعترض عليه سابقا ؟؟ . إنه لكذلك ، على أننا ينبغي أن نلاحظ أن هذا أمر متصل بأراضي الجزيرة حيث عرف أهلها الملكية الفردية وارتبطوا بها في علاقات الإنتاج وقد جعل المهدى لذلك اعتبارا ووضع بعض الاستثناء ، وسنلاحظ ذلك عند الكلام عن أراضي بربر . ( أبو سليم : الأرض ، ص 17 ) . 3 وفي شعبان سنة 1301 ه عرض حبيب الله موسى نزاعا حول أرض فأصدر المهدي حوله فتوى يقرر فيها ألا يملك النصارى والترك أرضا في السودان ( أبو سليم : المصدر السابق ، 18 ) . واليك نص العرض : ( إن نصرانيا يقال له حنه اشترى ذلك الطين ( الأرض أو الساقية ) من جماعة رفاعة والدا خلاب ، والنصراني المذكور اوكلني عليه من نحو سته ( ست ) سنين . والآن أن جماعة رفاعة والدا خلاب قد ادعوا من بعد السنين المذكورة ووضع يد إبراهيم المشترى منهم الطين ، أخذه إبراهيم من غير وجه شرعي فهل نسمع لهم دعوى مع طول هذه المدة أم لا ويصير الطين لبيت المال .. أفيدونا نفعنا الله بكم وبأسراركم والسلام .. ) . وقد رد المهدى على ذلك بالتالي : (وحيث قد صار التنبيه من سابق بأن المعاملات التي حصلت مع الترك واتباعهم أن صار نقضها يحصل خلل كبير وعدم استقامة فلا ينقض بيع إبراهيم بدوي لأنه الموجب في قانونهم ولولا ذلك لاستحق المدعى الآن عند حاكمهم سابقا ولما كان كذلك فإذا كان النصراني اسلم فملكه له وإذا لم يسلم فهو لبيت المال كمال أموال الترك والنصارى الباقين على كفرهم ومن بالققره والسلام) . (24 شعبان سنة 1301ه / 20 يونيو سنة 1884 م . ) . ونلاحظ هنا ، بداية ملكية الدولة الفعلية للأرض ، فنجد أن المهدى يصادر أراضي الترك والنصارى وإضافتها لبيت المال، أي تحويل ملكية أراضي الأجانب إلى ملكية بيت المال كما يصدر فتوى بالا تملك الأراضي للترك والنصارى وكان ذلك لاعتبارين في اعتقادي : الأول: تجريد أعداء المهدية الأساسيين من الأجانب ( الترك ، النصارى ) من أملاكهم ونفوذهم الاقتصادي ، وبالتالي إضعافهم سياسيا ، وخاصة أن الثورة في عام 1884 لم تنتصر نهائيا وكان الترك هم الأعداء الرئيسيين للثورة . والثاني : تأكيد الطابع الوطني والقومي لملكية الأرض وتخليصها من الأثر الأجنبي من خلال سودنة الملكية .. يقول د . أبو سليم ( وفي الحكم الثنائي اتخذ إجراء مشابه إلى حد ما وهو أن الأجانب منعوا من تمليك الأرض في السودان ، ونحسب أن القصد كان الحيلولة دون الملكيات الكبيرة واستغلال الملاك للمزارعين على النحو الذي كان سائدا في مصر ، وقد جنب هذا الأجراء السودان مشاكل كثيرة عانت منها بعض أقطار إفريقيا ) ( نفسه : 19 ) . وربما كان المهدى بعيد النظر عندما اتخذ ذلك القرار . الجانب الآخر ، أن المهدى كان عمليا ، وكان لا يريد أن يغرق في تفاصيل الأحكام الماضية والنزاعات القديمة حول ملكية الأراضي ، والتي دائما تطل برأسها مع بداية كل عهد جديد حتى لو تم الفصل فيها في العهد السابق .. وبالتالي أبقى المهدى على المعاملات السابقة . وأفتى بالا ينقض البيع الذي تم في عهد الترك طالما انه حسب النظم المتفق على عهدهم . وفي اعتقادي أن المهدى من زاوية أخرى ، كان بعيد النظر ، وكان لا يريد أن يغرق في صراعات الملاك من اتباعه ونزاعاتهم السابقة حول الأراضي والضرر الذي يمكن أن ينجم من ذلك بانحيازه لأحد الأطراف .. والذي يعنى خسارة أطراف أخرى ، وخاصة في تلك المرحلة من الثورة والتي لم تنتصر انتصارا كاملا .. وحاصل القول ، أننا نجد أنفسنا هنا أمام حالة جديدة هي حالة مصادرة أراضي الترك والنصارى والأمر بأن تضاف أراضيهم إلى بيت المال ، والفتوى بالا تملك الأراضي للترك والنصارى . 4 في شعبان سنة 1301 ه يونيو سنة 1884 أصدر المهدي منشورا موجها إلى كافة ً أحبابه ً مضمنا فيه عدة أحكام ، ما يهمنا الفقرة الو رادة فيه عن الأرض وعلاقة القائمين عليها والمستفيدين من غلتها والتي جاء فيها ( وحيث أن الأمر كذلك وأنا حب لكم ما يدوم لكم نفعه فمن كان له طين فليزرع فيه ما استطاع زرعه وإذا عجز أو لا أحتاج له لا يأخذ فيه ( دقندي ) لأن المؤمنين كالجسد الواحد وما يساوى به أخاه المؤمن يكن له في ميزانه دائما بدرجات علا عند الله وليست المسابقة من المؤمنين إلا فيما يبقي ، وإن كل مؤمن ملكه من الطين له .. ولكن من باب إحراز نصيب الآخرة فما لا يحتاج إليه يعطيه لأخيه المؤمن المحتاج ، ما عجز عنه واراد به الآخرة خير له من نفع "دقندى" عن قريب ويتحسر عليه إذ لم يصرفه لأخرته ) ( المنشورات : 196 – 198 ) . ويوضح د . أبو سليم (التقندي) أو (التكندي) بأنه جعل يدفعه المزارع لشيخ القرية أو لصاحب الأرض مقابل انتفاعه بالزراعة أو طق الصمغ وجمعه ويكون ذلك بدفع جزء من المحصول ، وهذا أمر شائع في غرب السودان والكلمة متداولة على الألسن هناك ( أبو سليم : 1970 ، 21 ) . ما يهمنا في هذا المنشور ، وكما لاحظ د . أبو سليم هنا اعتراف المهدي بالملكية الخاصة وبحق المالك في استغلال ما يملكه من أرض ، رغم أنه يرغب أصحاب الأراضي لكي يعطوا دون مقابل ما لا يحتاجون إليه أو لا يقدرون على زراعته للمعدمين أو من في حاجة إليه أو لا يقدرون على زراعته للمعدمين أو من في حاجة إليه بدلا من أخذ دقندي ،ذلك بأن ما يعود لصاحب الأرض في الآخرة أجل وأبلغ مما يبلغه من ريع الأرض .. أي أن المهدى هنا يدخل في مرحلة التبشير والوعظ الأخلاقي والديني لأصحاب للوقوف إلى جانب المعدمين والفلاحين الفقراء بدلا من إرهاقهم ( بالتقندى ) . كما تناول المهدى موضوع الرهن في المنشور نفسه ويقول ( ومن أرهن أرضه في دين وشرط سلب علته يعطى دينه .. ومن الآن فصاعدا بحلول حكم المهدية في بلده لا عله له ، حيث أنه لا دين وما سبق في زمن حكم الترك لا غرامة فيه وانما عليه عين دينه ) . فالمهدى هنا يمنع الراهن بما تتيحه الأرض حيث يرد له دينه لأن في ذلك استغلالا لحاجة المدين وعوزه ويأمر بأن تحتسب منفعة الأرض من أصل الدين ، ثم يشترط ألا يكون هذا الاحتساب إلا من بداية حكمه وما سبق لا مطالبه فيه .. وقد أمضي القاعدة نفسها في فقرة تالية إزاء هذا الانتفاع من المماليك المرهونة : ( واما من أرهن مماليكه وتدين مالا وشرط سقوط المنفعة فما فات في زمن الترك فقد فات واما من زمن وصول حكم المهدية في بلده فلا تسقط المنفعة ويكون الدين لله ومنفعته عند الله ...) ( نفسه : 23 ) . 5 في خطاب من محمد الخير عبد الله خوجلى عامل عموم المهدى ببربر بتاريخ 24 / يوليو / 1884 م ( راجع نص الخطاب في المصدر السابق ورد المهدى عليه ، ص 25 - 27 ) ، طرح فيه عدة أسئلة تتلخص في الآتي : + إمكانية تجاوز حظر إيجار الأرض بالنسبة للضعفاء. + وضع الأراضي المغتصبة والنظر في دعاواها. + أهمية إصدار منشور خاص عن أطيان بربر. وهنا أيضا نجد أنفسنا أمام منطقة ذات جذور راسخة في ملكية الأرض وبها وعى عالي وصراع شديد حول الأرض مثل منطقة الشمالية وبربر، وخاصة فيما يتعلق بالوزن الاجتماعي للملكيات في إقليمه ، وإن محمد الخير قد عرض على المهدى أن يجعل فيه استثناء وأن يصدر عنه منشورا خاصا .. وقد رد عليه المهدى في خطاب بتاريخ 16 ذي القعدة سنة 1301 ه / الموافق 17 / 9 / 1884 م أكد فيه على النقاط التالية : 1 – السماح بامكانية التجاوز عن حظر الأراضي بالنسبة للضعفاء الذين لا يقدرون على الفلاحة. والمحتاجين في الوقت نفسه إلى ما يعود إليهم من إيجار أراضيهم بشرط أن تؤخذ العشور على أساسه .. 2 – كل من له طين وأخذه ظالم واستولى عليه متحيل وليكن لصاحبه بموجب الإقرار والشهادة الأمنية .. 3 – أوضح المهدى لمحمد الخير أن المنشور الذي أخرجناه على أهل أطيان الصعيد فهو بالنظر لكون الأطيان متسعة والعباد محتاجون إلى ما ينفعهم عند الله ولذلك أمرناهم بما يحوزون به ملك الأبد وهاهي المنشورة المكتوبة لأهل الصعيد واصله إليكم ، فما وافق المسلمين من حاله وأملاكه العمل فأجرهم عليهم وما لم يوافق لذلك من ضيق حاله وعدم تأهله لذلك بما تراه فأجره فيه ما ذكرناه سابقا .. ولكل حال وبلد وزمان ما يليق به والسلام ( راجع نص الخطاب في المهدية والأرض، ص 25 ) . ثم ينظر المهدي في أمر صاحب الملك الذي يطلب رد أرضه هل هو مقيم أم غائب.. إذا كان مقيما فالحكم في أمره مقيد بأمد السبع سنين كما سلف.. أما إذا كان غائبا فمن حقه إذا كان غائبا أن ينظر في دعواه. وأن يرد له أرضه بشرط إلا يكون قد عاد وبقي فيه أثناء هذه الفترة ولم يطالب بأرضه.. وقد أضاف احمد على قاضي الإسلام إلى هذه القاعدة وقرر إلا يسقط حق المالك الذي حضر ثم دون أن يثير الدعوى وكملت المدة قبل أن يعود ثانيا إذا كانت إقامته قصيرة ، أما إذا كانت إقامته توطنا ومكث مدة قبل أن يسافر فقد سقط حقه في الدعوى ( نفسه ، ص 28 ) . 6 ونكمل هذه الصورة باستعراض الفترة ( 1885 – 1898 ) ، وهى فترة الخليفة عبد الله ألتعايشي . أ – أشرنا سابقا أن الدولة المهدية استولت على كل الأراضي التي كان يمتلكها الترك والنصارى أو أراضي الحكومة وتشكلت بذلك النواة لملكية الدولة للأرض بحكم الغنيمة أو الفئ ، وأغلب تلك الأراضي كانت في الخرطوم والكاملين ودنقلا والحلفايا والفتيحاب والقاش ودار الشايقية، وقد أعطيت تلك الأراضي في بعض الحالات للجهادية وعامة الأنصار دون مقابل ليستفيدوا من محصولها في المعاش وفي علف الخيول ولم يكن بيت المال يحصل منها على نصيب ( أبو سليم : الساقية، ص 235 ) . ب – وفي بداية حكم الخليفة عبد الله اتسعت هذه العملية وحدثت حركة هجرة جماعية لترحيل البقارة من ديارهم البعيدة في جنوب دار فور على أم درمان لتأمين مركز الخليفة وحماية سلطانه من مؤامرات الأشراف وغدر سكان النيل ( قدال، السياسة الاقتصادية لللدولة المهدية ، المرجع السابق ، ص 58 ) . ليس هذا فحسب بل أن تلك القبائل لم تكن كلها تفد إلى أمدرمان ، فبعد مجاعة سنة 1306 ه أخذ الخليفة يعمل على توطين ( أولاد العرب ) في منطقة الجزيرة والنيل الأبيض في موسم الخريف، وكان يتخير لهم الأماكن القريبة من العاصمة ، أما التعايشة فكانوا يمنحون مزارع خاصة بهم ( المرجع السابق ، ص 59 ). وكان من الطبيعي أن يثير التهجير احتكاكا مع السكان المحليين بالذات عند حدوث تعدى على ملكيتهم الخاصة للأرض ، ويظهر ذلك من رسالة الخليفة لعماله بالجزيرة والتي حاول فيها أن يؤكد سياسته الرامية إلى أن يتم ذلك التهجير دون صراع مع سكان المنطقة ، جاء في الرسالة : - ( وقد بلغنا أنكم أجريتم قسمة أطيان الأهالي المزروعة التي زرعوها بأيديهم للأهل التعايشة ظلما بدون وجه حق وهذا ما لايرضي الله ولا رسوله ولا يرضينا وما علمنا السبب إلى ذلك ، فيلزم بوصول أمرنا هذا إليكم أن تسلموا كافة ديار أهالي البلد التي زرعوها إليهم وترفعوا الأهل التعايشة عن خصوص ديارهم التي زرعوها بأيديهم فقط ولا يأخذوا من ديار الأهالي المزروعة شبرا واحدا وكيف يحصل منكم ذلك الظلم مع أن الأراضي واسعة وليس فيها ضيق وهى كافية لأكثر من الأهل الذين توجهوا ) ( نص الخطاب في قدال المرجع السابق ، ص ، 60 ) . ويبدو من رسالة الخليفة تلك أن أهالي الجزيرة الذين انتزعت أراضيهم اشتكوا، وحاول الخليفة ظاهريا حل المشكلة بإرجاع الأراضي إلى أصحابها، فالمشكلة ليست في أن الأراضي واسعة ولكن المشكلة في أين الأراضي الخصبة ؟ . ويبدوا أن الصراع هنا كان حول الأراضي الخصبة ذات المنتوج العالي والقريبة من ضفاف النيل والري الدائم ، وهذه الأراضي كانت مملوكة لأهالي الجزيرة منذ أيام الفونج ، ثم أن السبب الأساسي لذلك الاحتكاك هو تلك السياسة الواسعة للتهجير ، والتي كان لابد وأن تحدث تلك السياسة احتكاكا مع السكان المحليين،وكما أشار د. قدال ( ولكن لنا أن نفترض أن توطينا جديدا على ذلك المستوى الكبير لابد أن يحدث احتكاكا بين المجموعات الوافدة والمجموعات المحلية ، وفي تلك الحالة ، فإن الصراع سيحسم لصالح المجموعات التي في يدها السلطة ) ( قدال ، المرجع السابق ، ص 60 ) . وقد اتخذ الخليفة مثل ذلك الإجراء ضد قبيلة كبيرة هي قبيلة الشكرية حيث أمر بتوزيعهم على ثلاث مناطق : أم درمان ، عطبرة ، كسلا . هكذا حدث تحول في ملكية الأراضي الزراعية لصالح الفئات الطبقية الجديدة التي كان يعبر عنها حكم الخليفة دون سند قانوني معلوم. وبالتالي استحوذ زعماء البقارة على أحسن وأجود الأراضي الزراعية . 7 و أخيرا يمكن أن نلخص فكر وتشريعات الإمام المهدي حول مسألة الأرض في النقاط التالية : أ – في أول منشور بعد بداية الثورة كان انحياز المهدي واضحا للفقراء والمعدمين من المزارعين الذين شكلوا العمود الفقري والسند الأساسي للثورة ، وبالتالي عبر التشريع عن مصالحهم ب – في المنشور الثاني واجهت المهدي مسألة جديدة وهي الملكية الفردية بعد ازدياد وزن كبار الملاك في قيادة الثورة المهدية. ج – في مرحلة ثالثة تظهر لنا مسألة أراضي الأجانب مثل النصارى والترك ويفتي المهدي بمصادرتها وضمها إلى ممتلكات بيت المال وتظهر هنا ملكية الدولة المباشرة لأراضي الأجانب والتي يكون عائدها لبيت المال. د – وفي مرحلة لاحقة من يونيو سنة 1884 م وحتى أخر منشور لمحمد الخير تلحظ انتصار وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة نهائيا في فكر الإمام المهدي وخاصة بعد ازدياد ثقل كبار ملاك الأراضي والأغنياء في التركيب القيادي للثورة المهدية ، ورغم استمرار صراع المهدي على الأقل في الجانب الأخلاقي بأن يكف المالكون وأصحاب الأراضي عن استغلال المزارعين (بالتكندي) لأن ما عند الله خير وأبقي. ويتأكد هذا الفهم في المناطق التى فيها ملكيات فردية راسخة وطرق ملتوية في الحفاظ على الملكية الفردية كمنطقة بربر ( أو منطقة الشمالية ) ويقر المهدي فيها بتأجير الأرض والموازنة بين مصالح الملاك والذين تم اغتصاب الأراضي منهم ، فلا يتم النظر إلا بعد سبع سنين .. ويطرح المهدي قاعدته المنهجية الهامة وهى أن (لكل حال وبلد وزمان ما يليق به) . ه - وأخيرا جاءت فترة الخليفة عبد اله التعايشي ( 1885- 1898م) التى جري فيها تحول في ملكية الأراضي الزراعية لصالح الفئات الطبقية الجديدة التي كان يعبر عنها حكم الخليفة دون سند قانوني معلوم. وبالتالي استحوذ زعماء البقارة على أحسن وأجود الأراضي الزراعية .
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصراع حول الأرض في السودان (5)
-
الصراع حول الأرض في السودان (4)
-
الثورة مستمرة سلمية حتى النصر
-
الصراع حول الأرض في السودان (3)
-
الصراع حول الأرض في السودان(2)
-
الصراع حول الأرض في السودان
-
اسقاط الانقلاب مفتاح الحل للأزمة
-
تهاوى الانقلاب والدعاوى الكاذبة للحوار
-
الثورة مستمرة بعد استقالة حمدوك
-
فلتكن ياعام عام الانتصار
-
الذكرى 67 لاستقلال السودان
-
مليونية 30 ديسمبر: التحدي وتجاوز القمع
-
رغم القمع الثوار يصلون القصر مجددا
-
التطور التاريخي للدولة
-
مليونية 25 ديسمبر وضرورة التصدي للانتهاكات
-
ارادة الشعب لا غالب لها من اقتحام القصر للنصر
-
مليونية 19 ديسمبر الثروة ثروة شعب
-
في ذكراها الثالثة الثورة تزداد وهجا
-
عرض الكتب: الهوّية والصراع الاجتماعي في السودان
-
مليونية 6 ديسمبر ترفض التدخل الدولي
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|