|
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7137 - 2022 / 1 / 15 - 23:36
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اللغة يمكننا إيجازها بشكل مختصر على أنها حس الطبيعة في الفرد قبل أن تكون نشاط مسترد من الذات لوحدها، بمعنى أنها لو لم تظهر بعصر ما ستكون حاضرة في أي وقت أخر لأنها نداء الطبيعة للعقل البشري الذي تميز بقدرة الإبداع الفطري، فليس من طبيعة العقل البشري الفاعل من مانع من أن يظهر نشاكه الميكانيكي أمام إشكاليات بحاجة لحلول وهو قادر على أن يبتدعها بشكل ما، هنا تكون اللغة من أحدى المتحتمات الطبيعية التي لا بد من وجودها وفقا للطبيعة العامة ولطبيعة البشر الخصوصية، من يقول أن اللغة هي محاكات لجزء من الواقع وما فيه من مظاهر قد لا يقر بكامل الحقيقية، خاصة أن أنتاج اللغة قاد للكتابة والكتابة ليس محاكاة بقدر ما هي ضرورة من إدراكات العقل لها، العقل مع الحاجة مع القوة على التفكير هي التي قادت لأكتشاف اللغة إن لم يكن الإنسان أصلا وجد ناطقا حسب الميثولوجيا الدينية على أقل تقدير. فثنائية اللغة والكتابة تثبت أن العقل البشري في طبيعته لا يمكن أن يكون مجرد مقلد ومقتبس في نتاجه من تأثيرات الما حول الوجودي، لكنه بالتأكيد يتأمل ويتحسس وينفعل ويتفاعل مع كل الظواهر الطبيعية ليتخذ منها طريقا يعكس قدرته على الإدرام والفهم والأستجابة، هذا أيضا لا يعني أن العقل مبرمج فقط للإبداع طالما هناك أساسيات لا يمكن التخلص منها أو يتجاوزها، فهو بالأخر جزء من منظومة الطبيعة التي تقرر بقوة وجودها ملامح البقاء ومتطلبات التطور والتماهي مع الزمن، بوجود العقل نتوقع للإنسان أن يمضي في أدق تفاصيل الوجود حتى ما كان منها في دائرة المحال الآن. سقنا كل هذه المقدمة لنبين بعض الحقائق التي تتعلق باللغة أولا من حيث ماهيتها ومن حيث تاريخ وجودها وعلاقتها بالكتابة، لكن يبقى الجزء الأهم في بحث موضوع اللغة والكتابة وهو موضوع القراءة، أي قراءة ما يكتب بطريقة فهم العلاقة بين الحرف أو الشكل الرمزي للكلمة وكيف صارت القراءة مكملة لعملية الكتابة، فمثلا عندما أنشا أول متكلم أول كلمة كيف فهمها الأخر وكيف ترجمها؟ هل تلقى أمرا مفهوما أم حاول أن يجرب أكثر من محاولة، الناطق أيضا هل كان في مستوى القدرة على توصيل ما يري؟ هذه الأسئلة تنطبق تماما على الكتابة والقراءة، صحيح أن الكتابة حضرت وتشكلت أول مرة بعدها جاء الرد بقراءة ما كتب، أيضا هل قرأ الأنسان كتابة غيره مباشرة؟ أم أن الكاتب هو من أعطى للقارئ المعنى ثم أتفقا على أن لكل شكل كتابي رمزي صوت أو صورة ذهنية محددة، فالناطق باللغو هو من جسد لغته بكتابة ومن ثم قسر المكتوب لغة مرة أخرى لتنتقل الصورة من واقعها المادي إلى واقعها الذهني أيضا من خلال اللغة، هذا ما أردنا توصيله أن ماهية الإنسان ككائن معرفي تنطلق من أول محاولة للتعبير عما يريد من خلال اللغة. ولكن الأهم من ذلك كله ومن عنوان البحث علينا أن نتتبع ميلاد اللغة أولا من أول متكلم وصولا لمفهوم اللغة العراقية، لغة شعب العراق القديم بما فيها من فروع ولهجات وبناء، وقبل ذلك أيضا نفهم كيف تكونت هذه اللغة أولا في مجموعة محددة ثم أنتقلت في محيط مساحة أكبر لتتشكل على ماهية مشتركة، فالمصادر التأريخية والأركولوجية وإن كان بينهما أتفاق وأختلاف حول هذا الموضوع، لكنها عاجزة أن تعطينا جواب كامل أو تقريبي يوضح لنا أولا السيرورة التاريخية للغة، وثانيا صيرورتها كلغة مشتركة بين مجموعات متهددة في كل شيء في إحساساتها وإدراكاتها وطرق التعبير، مع ملاحظة أن اللغة لا يشترط لها وفيها أن تعتمد على صلة أخرى غير المعرفة، لكن وجود المجموعة التي تشترك في روابط خاصة وتعبش ضمن ثقافة وعقل جمعي يمكن أن تنتشر فيها اللغة أسرع من أن تكون بين مجموعات متعددة حتى ترتبط تلك المجموعات بروابط أضافية أهمها إشكالية البقاء والتواصل وتبادل المنفعة. اللغة فوق كونها أداة معرفية بأمتياز وأداة تواصل فاعلة هي أيضا من أدوات التأسيس الأجتماعي بين الأفراد بأعتبارة القادرة على الجمع والتجميع، ومن هنا فالمجتمعات المتماثلة لغويا بالرغم من أن الواقع يفرض إرادته، لكن حقائق الأرض تقول المشترك اللغوي أكثر قدرة على الربط بين الفرد والفرد والمجموعة، لذا عندما شاعت اللغة السومرية العراقية القديمة ساعدت بدورها في تكوبن مجتمع كبير، وعتدما ضعفت هذه اللغة في أن تكون رابط أكبر ضعف الوجود السومري ككل لتحل محله لعجة عراقية أخرة فرضت شروط مجتمعها أو ثقافة مجتمعها، لذا لا نستغرب تأريخيا أن الدول الأستعمارية أيا كانت مسميات الأستعمار تحرص على فرض اللغة بين السكان، ليس حرصا مثلا على المعرفة بقدر ما في اللغة من قدرة على الربط الجمعي بين الضد والضد.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح1
-
فجر الحرف الأول
-
حفلة شواء في ميلاد الريس
-
قبل أن تغلق الحلول أبوابها ح1
-
زغاريد في جنازة وطن
-
المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح2
-
المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح1
-
رسالة إلى أمي
-
عشق النون وما تكلم المتكلمون
-
نون وما سطره العاشقون
-
صباح الخير على أمة السلام... صباح المحبة للناس أجمعين
-
التكسب بالدين تجارة في الله
-
الدين والدين الأخر
-
رسالة إلى ملاك الأحلام والأماني الكبار
-
أحببتك دوما
-
أنا وأنت وليلة العيد السعيد
-
نصائح بلا سبب
-
رصاصة واحدة لا تكفي
-
نصوص حائرة بين المعنى والروح
-
تنقية وتحرير الفكر والخطاب الإسلامي من تأثيرات التاريخ العقا
...
المزيد.....
-
تعهدات مكتوبة بخط اليد.. شاهد ما وجده جنود أوكرانيون مع كوري
...
-
إيمي سمير غانم وحسن الرداد بمسلسل -عقبال عندكوا- في رمضان
-
سوريا.. أمير قطر يصل دمشق وباستقباله أحمد الشرع
-
روسيا ترفض تغيير اسم خليج المكسيك
-
عائلات الرهائن الإسرائيليين يدعون حكومتهم إلى تمديد وقف إطلا
...
-
أثر إعلان قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، يصل مخيم الهول ف
...
-
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تحطم طائرة في العاصمة واشنطن؟
-
العشرات من السياح يشهدون إطلاق 400 سلحفاة بحرية صغيرة في ساو
...
-
مقتل اللاجئ العراقي سلوان موميكا حارق القرآن في السويد
-
من بين الركام بمخيم جباليا.. -القسام- تفرج عن الأسيرة الإسرا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|