أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صائب خليل - قرار الرئيس















المزيد.....

قرار الرئيس


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1661 - 2006 / 9 / 2 - 09:34
المحور: كتابات ساخرة
    


سرت في المدينة شائعة عجيبة مفادها ان الرئيس اصدر قراراً بأن كل الذكور في البلاد يجب ان ينكحوا!
لم يستقبل احد الاشاعة بأية درجة من التصديق او الجدية, لكنها مع ذلك بقيت تنتقل من فم الى فم, وصارت مصدراً للتندر والضحك, فتمتع الناس وزاد حماسهم للقاء وانتشرت في المدينة عموما موجة مرح غريبة.

الشعور العام الغريب بالمرح والهستيريا, كانت له اسباب مختلفة وشديدة التنوع بين الناس. البعض كان مندهشاً حائراً, والبعض الآخر اعتبرها قتلاً للملل واليأس في حياته حيث كان يفكر يومياً بضعة مرات بالإنتحار, فنسيه الآن, وبعض اخر اعتبره انتقاماً من الناس التي تخلت عن قيمها للدكتاتور الذي دمر البلاد, وهاهو يسخر منها سواء صح الخبر ام لم يصح, واخيراً هناك من كان الإعجاب يسيطر عليه بهذا الرئيس الذي يمتلك كل تلك القدرة على اصدار القرارات الخارقة وتنفيذها, ويقارن عزم الرئيس وتفجر ارادته بالخور والضعف المسيطر عليه.

الخمارة القديمة المعروفة رغم صغرها في ساحة النصر, كانت اكثر ازدحاماً من المعتاد. الاضاءة الخافتة تجبر الشاربين على خفض اصواتهم, لكنك بين الحين والاخر تسمع ضحكة مجلجلة تكسر الدمدمة, لتعود بعدها تلك الضوضاء الخافتة تبسط سلطانها. لم يشك احد من الجالسين في ان بقية الطاولات تتحدث عن نفس الموضوع. في كل مرة, تنطلق مخيلة احد الجالسين فيبدأ الحديث بسيناريو عن كيفية استلام فلان للخبر وكيف يجبر على تنفيذه. وفلان هذا أما احد الجالسين أو احد الأصدقاء الغائبين.

أنصت الجميع الى الأخبار دون ان ينبس احد بكلمة, لكن الخبر لم يبث, ولم يذكر اي شيء عنه بأي شكل. قال احدهم: "مو كلتلكم اشاعة, يمعودين انتو شنو روحوا اشتروا بعقلكم حلاوة.." فأجابه آخر: " يعني تعتقد حتى لو اكو هيج شي, ممكن ايذيعوه بالتلفزيون كدام العالم؟ لا بابا هاي المخازي سريّة بس النه"
انتبه الجميع الى ان الموضوع صار يناقش بجدية وبدون اي ضحك, فتحول المرح الهستيري الأول الى كآبة ممزوجة بالقلق الشديد.

في مقر الحزب أكد المسؤول للأعضاء مقالقهم وضاعفها حين سألوه فقال لهم بتوتر يغلفه احتجاج ستحيل اخفاؤه, حتى على ذلك الرجل المشهور بقدرته المتناهية على الكذب والتمثيل.
" نعم, بلي... طالع قرار لازم كل واحد بالبلد...(واشار بيده بحركة بذيئة)... ينركع."
- "شنو ينركع ابو ولاء؟"
- " ينركع ....ينركع..شنو متعرف شنو يعني ينركع."
انفجرت ضحكة قصيرة جداً بين المجموعة ثم ساد الصمت. اضاف ابو ولاء دون ان يسأله احد:
" يكولون الامر جاي من فوك..كلش من فوك."
_ " يعني منين من فوك...يعني شكد فوك؟"
سأل احدهم, وكان السؤال غريباً كأنه يطرح بلغة اجنبية.
قهقه ابو ولاء بضحكة هستيرية طويلة وقد بدا غير قادر على ايقافها, فاستبشر الحاضرون خيراً...لكنه حين سيطر على نفسه اخيراً لم يقل ما يطمئنهم .. بل نظر الى احدهم كأنه منوم مغناطيسياً وقال:
" محسن....صارلي بالحزب عشرين سنة.. مثل هيج ضحك مضاحك."

رن التلفون فأنصت الجميع لما سيقوله أبو ولاء الذي قال وهو يكركر: - الو؟......... هاي انت هم وصلتك؟ ها ها ها ..قوية مو؟ ... لا لا ...لا..ما ادري.. بس اكللك..منو راح يصير فوك ومنو الجوّه؟ حسب الرتبة الحزبية؟" ثم افتر ثغره عن ابتسامة عريضة واضاف: "زين ليش مو بدلي؟ هاهاهاها... يالله روح روح.. لتورطنا.. فيمالله."
أغلق ابو ولاء التلفون بقوة كادت تحطمه ..ثم ساد صمت قاتل.

خرج جمع من مقر الحزب الى مقهى قريبة وطلبوا شاياً دون يكسر احدهم الصمت, حتى قال الرجل البدين اخيراً: "والله شوفوا دا اكللكم...حزب مو حزب... كلشي إلا الشرف" فأجابه اخر: " والله انعل ابو هيج حزب اللي يطلع هيج خريط..إذا طلعت الشغلة صدك اني من باجر لا اعرفكم ولا تعرفوني, ولا حتى تدرون وين راح اولي"
وقال ثالث: "بس لو افتهم منو بالضبط الى مطلع هيج فيكة, لا العن .." وهنا اوقفه حدسه الحزبي عن قول كلمة محددة يحاسب عليها فيما بعد.
تبادلت المجموعة الآراء فيما يجب عمله إذا ما صح الخبر, وكانوا يسعون الى أن يشترك الجميع في الكلام لكي لا ينفرد البعض بعقاب صارم فيما بعد. كان الإحتجاج والغضب والكلام القاسي يسود الجو, وبين الحين والآخر يضيف احدهم ما يضن انه يمكن ان يفيده في حالة محاسبته على ما قاله أن جرت محاكمته حزبياً في المستقبل.

بعد قليل اثار احدهم موجة ارتياح كان الجميع بأشد الحاجة اليها لكسر استمرار القلق المرهق حين قال:" يجوز الحزبيين غير مشمولين بالقرار..او على الأقل المسؤولين الحزبيين...لأن ما معقولة. شلون تبقى للحزب هيبة اذا هيج شي يصير وتدري بيه كل الناس؟ لا أضن ان القيادة يمكن ان يخفى عنها مثل هيج ملاحظة" طأطأ السامعين رؤوسهم موافقين.

وهنا انقطع بث المسلسلة العربية ليظهر مذيع تلفزيوني, وكأنه تدرب طيلة حياته من اجل تلك اللحظة, ليلعن بوجه صارم وبرصانة البيانات الحربية, قرار الرئيس محطماً كل امال الرفاق.

فجأة ظهر ابو ولاء مقبل وكرشه يدفع دشداشته البيضاء أمامه, فخفت الأصوات حتى وصل فأوسعوا له مكاناً وطلب احدهم شاياً وصمت الجميع وابصارهم معلقة على القادم الجديد لعله يفيدهم بخبر ما, لكن وجهه لم يكن مطمئناً على الإطلاق. إنهارت مقاومة احدهم فحطم الصمت:
- " ها ابو ولاء؟ " رد ابو ولاء بحركة يائسة من يده جمدت الدم في العروق.
- "يعني خوما المسؤولين الحزبيين مشمولين ايضاً؟ مو معقولة ابو ولاء!"
عدل ابو ولاء جلسته ولبس وجهه قناع لاعب البوكر المعروف به, وقال بحزم مخيباً امال السائل وموبخاً ومهدداً من تسول له نفسه بشيء: "رفاق...مثلما تعرفون زين...."
"الحزبيين هم قدوة الشعب وهم اول من يجب ان يطبقوا القانون والقرارات على انفسهم وبدون اي تردد"
ثم أضاف مخففاً :" لكن العدالة ستكون مضمونة من قبل لجنة ذات صلاحية خاصة من الرئاسة, وستضمن طبعاً السرية التامة ايضاً"
صمت قليلاً ثم اضاف بجدية سريالية جمدت الدم في عروق الرفاق: " أما بالنسبة لأختيار منو فوق ومنو جوّه...بالعملية يعني... فسيتم الإختيار بالقرعة, وكذلك طبعاً...يعني..منو يسوي ويا منو, واعتيادي راح تكون هناك بعض الضوابط"
ترك ابو ولاء بعض الثواني فاصلاً يهظم فيه رفاقه كلامه الصعب, استفاد منها كعادته في رصد كل عضلة تتقلص في وجه اي رفيق لتفضح مشاعره وموقفه من القرار المبلغ تواً قبل ان يتمكن ذلك الرفيق من السيطرة على شكله.
"تبلغت ان اي تلاعب في موضوع الأسبقية أو نتائج القرعة, ستكون عقوبته الإعدام فوراً."

كان ابو ولاء يستعمل تكنيكا معروفاً وفعالاً. فعندما يريد ان يضمن ان احد من مرؤوسيه لن يجرؤ على مخالفة اوامره او القرارات التي يبلغها لهم, خاصة عندما يعلم مسبقاً موقفهم السلبي منها, فأنه لا يلجأ ابداً الى تهديد من يخالفها, بل يبلغهم بتهديد مبطن, وكأنه قرار لايعنيهم, بل اؤلئك السيئين الآخرين في مكان ما. اضافة الى ذلك, فأن التهديد لا يتجه الى مخالفة القرار نفسه, بل الى بعض التفاصيل الأقل اهمية, وسيستنتج الرفيق بنفسه اي ويل ينتظره ان تجرأ على مخالفة القرار الأصلي نفسه. لقد استعمل رؤساؤه هذا التكنيك كثيراً معه ومايزالون, وأستعمله هو ويستعمله مع مرؤوسيه وسيبقى, وفي كل مرة يفعل ذلك ينظر الى عضلات وجوه مستمعيه وسره يفيض فرحاً بالنتائج وقلبه يفيض اعجاباً بالعبقري المجهول الذي اخترع هذا الإختراع العظيم.

رفع ابو ولاء وجهه بعد ان تأكد من انه رسم عليه الجدية اللازمة وقال: "الأوامر جاءت ان نبدأ هسة, من الآن, واخبركم ان لجنة مراقبة ولجنة طبية للفحص من الرئاسة, تتجه الآن الى مقرنا وراح يوصلون بعد ربع ساعة, والمفروض نكون متحضرين للجماعة ونرحب بيهم". فجأة قال ابو ولاء وهو ينهض بحركة نشطة:"موهيج ابو نسرين؟"
هب ابو نسرين من مقعده فنهض الباقين بسرعة وكل يخشى انه ان تأخر في الوقوف وفضح اعتراضه.

بعد ان اكمل ابو نسرين جملته القصيرة المقطعة بالمواقفة والتاييد, التفت ابو ولاء الى رفيق اخر فقال هذا بصوت واضح وبمرح يكاد يكون طبيعياً:"عيني ابو ولاء هي شنو المشكلة...هي مرة ورايحة...ثم هو الشرف خومو بالطيز؟"
"ياللة" قال ابو ولاء بإختصار وانطلق يتقدم رفاقه بخطى واسعة نشطة ليفوت اية فرصة للتردد, ولكي يتجنب منح احد منهم الفرصة لتوجيه اي سؤال او طلب إعفاء. لكن اكبر الرفاق سناً ركض حتى لحق به وبعد لحظة تردد جمع "تهوره" كمن يستعد للقفز في الماء البارد وسأله راجياً: "عيوني ابو ولاء, زين ما كو استثناء طبي...مو آني عندي بواسير"!



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفط والفدرالية
- الحكام العرب أسلحة دمار شامل اسرائيلية
- النفط العراقي وتساؤلات حول الخصخصة والإستثمار وعقود الشركات ...
- هل تحمي الديمقراطية نفط العراقيين؟
- متى بدأ التأريخ؟
- نحو موقف يساري ناضج من الإسلام السياسي
- ثلاثة ارباع الشعب الهولندي شوفينيين عرب: ابتسامات للمثقف الس ...
- ديمقراطية العجائب:وزير الدفاع يتعهد بالقضاء على احد احزاب حك ...
- في انتظار افلام الكارتون
- كيف تنتصر الحكومة في الرمادي
- الصدمة: انتبه فأنت تساهم في الإرهاب!
- الزرازير والحساب
- دروس في الأخلاق, ولكن لمن؟ مجزرة حديثة ومجازر اخرى
- القراءة كترفيه عنيف, والمقالة كحلبة ملاكمة
- أيان حرسي ماكان:قصة فضيحة ديمقراطية عريقة
- القاء اللوم على البيادق: الى اين نوجه انظارنا في العراق؟
- لذة الحلول المسمومة
- حكومة تولد في قفص الإتهام
- إعادة الإعتبار للإنحطاط: رد على (الدكتاتور الرائع) لعلي الصر ...
- أفضل مفاوضي الحكم في العراق: متابعات في الوضع العراقي الراهن


المزيد.....




- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صائب خليل - قرار الرئيس