أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون جاويد - شعراء في رحاب المعرفة والجمال















المزيد.....

شعراء في رحاب المعرفة والجمال


خلدون جاويد

الحوار المتمدن-العدد: 1661 - 2006 / 9 / 2 - 09:18
المحور: الادب والفن
    



الشعرالفلسفي حاله حال ايكاروس في محاولته على الطيران ! او انه عنقاء العالم المخيّبَة في ملامسة تخوم الغيب ! بل هو تدفق ونزوع رومانسي - واقعي الى الكشف عن الماهية ، وللشعراء اجنحة فراشات لامتناهية الألوان تسبح في الرحاب الداني والقاصي وتتعدد رؤآها وتنكسر جميعا عند السور الأعظم للأسرار ! لكن الأمر على غاية من الحراك التأملي الفجائعي عند الشاعر جميل صدقي الزهاوي في (سياحة العقل ) ، ولدى الشاعر علي الشرقي فالمعرفة الحقيقية مؤجلة لما بعد الموت ، ولدى بدوي الجبل فالإبقاء على المخفي خافيا هو الحل الناجع ! ، ولدى شعراء آخرين أخيلة لا ضير من الاطلاع على روائعها ، ولكن لابد ابتداءا من تمهيد واستهلال لتعريفات
ضرورية :
تكثر الآراء حول العقل والقلب والنفس والروح وكلمات مثل الادراك والوعي ، وهذه الكثرة بمحاولات التعريف دوافعها التثبت والتدقيق لسبر غور الكلمات واتصالها بحقيقة جذر الكلمة . وقد عرف العقل بالمنع ، والحجر ، والنهى ، كما وردت كلمة عقل في القرآن الكريم في : " أفلا تعقلون .." وأيضا : " وما يعقلها الاّ العالمون ". " لقوم يعقلون ".
ويراد بكلمة عقل معنى العلم بحقائق الامور . ويقال بأن القلب هو الجزء الذي يفقه في الانسان بل هو الجامع للروح والعقل والنفس جميعا. ومن خلال الطاقات العقلية والقابلية على التأمل والتمحيص وامكانية المقارنة والتحليل والاستنتاج يقيض للعقل الانساني الرفيع المستوى قابلية ً وتعقيدا أن يرقى على ذاته بتفحص ذاته وإبداء الرأي بالمحيط ، وبالطبيعة والمجتمع والكون ، ويتقدم الى محاولة ادراك الحقيقة والبحث عنها وهذا روح الفلسفة وشغلها الشاغل .
وعطفا على ماعالجه الزهاوي ، فان الذات الانسانية ميالة الى المعرفة وهي ضد الجهل والتجهيل ، وانها مهما حاولت لتصل بتأملاتها العقلية أو الصوفية ومدركاتها المادية فان تجشمها الأعباء ليزيد من الاشكاليات اشكالا ومن العجز عجزا وان لابصيص في آخر النفق لمن حاول ماديا ان يعلم فالعلم الأرضي لايتصل بالحقيقة وان المخاض لايفضي الى شئ وان معقل الاسترخاء من هذا الوجع الفلسفي المؤرق كما يقول الزهاوي ذاته هو الدين :

قد شاء عقلي بعد تفكير ٍ وطول تأمل ِ
بالله حل المشكلات فكان أكبر مشكل ِ
ماضرنا لو ظل هذا الكون غير معلل ِ

ماضر لوبقي الكون كونا هكذا من دون ان نطلق عليه أسئلتنا المتفجرة بمغزى الخلق والوجود وما هي علته ومن هو مسببه ؟ . وهذا الاستسلام المبرر يفضي الى مايعلله الزهاوي هو ذاته . انه وبعد طول معاناة ينتهي الى اسقاط العقل من العملية الفلسفية جميعها .

أما الضمير فقائل لي بالحجى لاتحفل ِ
الدين معقل اهله والدين أمنع معقل ِ
تالله لاادري متى ليل العماية ينجلي .

والزهاوي لم يتفكر بهذه الفضاءآت مرة او اخرى. وان ديوانه حافل باعتماد العقل . بل انه أكثر الشعراء ريادة نفسية . انه سائح أصيل . ها هو يعبر في قصيدة بعنوان " سياحة العقل " عن أصالة وشغف البحث لديه وأحكامه القائمة على التجربة في أن الاعياء نهاية مطاف السائح الذي لاينال من كل ماأمل تفكيره . وكما قال الجواهري : " وعادت يدي من طول ما أمّلت صفرا " ، عاد الزهاوي بإعيائه ليقول :

لا تقبل الأجرام عدا
كلا ولا الابعاد حدا
العقل يرجع خائبا
عنها وان لم يأل ُ جهدا
يرقى اليها مواريا
بالفكر في الظلماء زندا
مسترشدا بعلومه
فيها اذا ماضل يهدى
وقد استعد ّ وكل سا
ع ٍ يستعين به استعدا
فيسيح في ليل ٍ به
زهر النجوم يقدن وقدا
ويجوز أجوازا لها
متعسفا فيكاد يردى
مهما ترقى صاعدا
ألفى وراء البعد بعدا
يسمو ويذهب موغلا
فيصده الاعياء صدا .

وللزهاوي محاولات ورغبات في ابداء رأي مغاير. وأحيانا يخرج بما هو مختلف للسائد من الافكار فيأخذنا الى عوالم مادية لم يألفها في قصيدة ابن سينا أو أحمد شوقي حول النفس ونزولها من العوالم الروحانية ( نزلتْ اليك من المكان الأرفع ِ ... زرقاء ذات تعزز ٍ وتمنع ِ - ابن سينا ) ، بل ان له رأيا مجانفا . ومادمنا قد أوردنا العينية التي عارض فيها شوقي قصيدة ابن سينا حول النفس ، فلابد وعلى سبيل المعارضة ان نشير سريعا الى بيتين شعريين للشاعر جميل صدقي الزهاوي :

الروح لم تهبط عليّ
من المحل الأرفع ِ
بل انها ليست سوى
جرثومة ٍ نشأت معي .

وهذا يتناقض بطبيعة الحال مع المنطق الديني فالانسان – وفق الدين - لايمر البتة بمرحلة التكون الجرثومي وهناك نظريات عديدة قيلت وادحضت علميا أو جرى الرد عليها . وعلى الرغم من تلك النظريات التي منها نظرية النشوء الذاتي وهي احدى نظريات اصل الحياة والقائلة على حد تعبير أرسطو بأن البعوض والبراغيث تنشأ ذاتيا من المواد المتعفنة الخ ... فان الآية الكريمة تقول : " لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ". وأيضا الآية الكريمة " ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون". وقد قيل : اذا كانت الروح جرثومة قد خلقت مع الزهاوي فان ذلك ربما قد تأتى من تأثر الشاعر بالنظريات المختلفة . فاذا ذهبنا الى نظرية الجراثيم الكونية فان خلاصة هذه النظرية كما يكتب الاستاذ يحيى محمد في كتابه (الدارونية) : " ان جراثيم الحياة الاصلية انتقلت من كوكب معين الى الارض بعامل المصادفة ، وقد نقضت هذه النظرية بصورة قاطعة في عدة اسباب منها : الأول : بسبب البرودة القاسية والجفاف التام والاشعاع الكبير للفضاء الكوني بين الكواكب ، لايتيح فرصة انتقال الكائن الحي الى الأرض . والثاني : ان هذه النظرية لاتفسر أصل الحياة وانما تغير مفهوم الأصل من الأرض الى كوكب آخر من الكون . ".
أما الشاعر علي الشرقي فقد ترك المعرفة لمابعد الموت . فهو كما يبدو من المقطع الشعري المقتبس من قصيدة له يصور ذاته صارخا باتجاه ساحل يطلب منه النجدة لمدد فلسفي يرومه ولايناله . لكن وكما يقول الشاعر : هيهات .
من الاستحالة هنا أيضا أن يدرك العقل الساحل . فالعقل وهو ربان سفينة قد ولد على ظهرها ويجزم ان لايرى الساحل رغم صراخه وبالتالي يعوّل ذات الربان المتجسد في شخصية الشاعر أن يرى ملمحا أو أن يدرك حقيقة . لكنه يأمل أن يرى ذلك عندما يموت. من ديوان (عواطف وعواصف).

أنا في البحر والمغيث على الساحل
هيهات يعبر البحر صوتي
جسدي قارب وقلبي شراع
وحياتي حبل وعقلي َ نوتي
أركبوني يومَ الولادة بحرا ً
سأرى ساحلا له يوم موتي

الاّ ان الشاعر بدوي الجبل قد استعاض بحب الخالق سعادة ، واشاح بوجهه عن مبدأ النظر والتبصر بالأسئلة والماهيات والتحليل والاستنتاج . لقد أزاح بالحب ألم التفكير . وهو ينآى بنفسه من شدة الحب ليمتحن الخفاء من الذات الالهية . ولايريد ذلك . وهو يذكرنا ضمنا بوجهة نظر الشيخ محيي الدين بن العربي حيث قال في كتاب التراجم وفي ( باب ترجمة الثبات ) :
" اشارة – العلم بالله مزلة القدم الاّ من ثبته اثبته الله ولاثبات الا لأصحاب الحدود الموفين بالعهود الموقنين بالوعد والوعيد .
اشارة – من طلبه بالفكر وقوة العقل لم يحصل من المعرفة بالحق على طائل كيف يطلب من يقبل المثل والنظير من لامثيل له ولانظير أفلح العقلاء ان اقتصروا على الوجود ووقفوا مع السلب ومن تجاوز منهم الى الاثبات هلك فانك لاتثبت له الاّ ما انت عليه هذه مزلة الاقدام فتحفظ واعني معرفة الذات لاغير .". أما شاعرنا فهو الأكثر سكونا في الحب :
قصيدة ( الحب والله ) :

أسمى العبادات لي رب يعذبني
بلا رجاء ٍ وأرضاه ُ وأهواه ُ
وأين من ذلة الشكوى ونشوتها
عند المحبين عز الملك والجاه
تقسم الناس دنياهم وفتنتها
وقد تفرد من يهوى بدنياه
مافارق الريّ قلبا انت جذوته
ولا النعيم محبا انت بلواه
غمرت قلبي بأسرار معطرة
والحب أملكه للروح أخفاه
وما امتحنت خفاياه لأجلوها
ولا تمنيت ان تجلى خفاياه ُ

لقد توصل بدوي الجبل الى حالة ايمانية عاشقة واكتفى بها حقنا لما يستنزفه الانسان من افكار وهواجس وانهيارات نفسيه وفلسفية بلاجدوى ولاطائل . ومال الى السكون،وترك الحركة لسواه، للذين عادوا بخفي حنين من معارك الفكر الظاهرة للعيان او الملتهبة في اعماق النفس . وللشاعر بدوي الجبل الحق بما يذهب ومايمثله من تيار فلسفي بشري واسع ، لكن يبقى ان الغضارة والوفرة الفكرية وتثنية الامر من جهات مختلفة ، بما لايتصادم مع ايمانيته شئ ادعى الى الامتداد والبحث والمقايسة . كما ان لكل امرئ الحق بمخالفة الرغبة العامة بمعرفة مايخفي .
ان الشاعر بدوي الجبل يعشق الخفاء ويريده على خفائه ، بينما يميل تاريخ الفلسفة الى سبر أغوار الحقيقة . يقول ابن رشد في كتاب فصل المقال : " فقد تبين من هذا ان النظر في كتب القدماء واجب بالشرع ، اذ كان مغزاهم في كتبهم ومقصدهم الذي حدثنا الشرع عليه ، وان من نهى عن النظر فيها من كان اهلا للنظر فيها – وهو الذي جمع أمرين ، أحدهما ذكاء الفطرة والثاني العدالة الشرعية والفضيلة الخلقية - ، فقد صد الناس عن الباب الذي دعا الشرع منه الناس الى معرفة الله ، باب النظر المؤتى الى معرفته حق المعرفة ، وذلك غاية الجهل والبعد عن الله تعالى " .
ان المتأمل في التاريخ الفلسفي يرى المتنوع من الافكار والتصورات . والمعاجم الفلسفية تعج بما هو متحفز بمختلف الاتجاهات التخصصية . هناك ظهير فلسفي بلا ادنى شك لكل وجهة نظر او سلوك ما . وايضا يوجد هناك مايخالف بعضه بعضا . فالحركة تخالف السكون في كونها مطلقة ًوالسكون نسبيا . وان ماهو متحرك وظاهر ومسبور الغور هو احرى بالتداول والاتصال من محاولات تكريس المخفي في خفائه . وكما ورد في الآية الكريمة : " وما يستوي الأعمى والبصير . ولا الظلمات ولا النور ".
وكما أشارت كلمات الاستاذ محمد تقي مصباح اليزدي الى ان الروح تعطش وتجوع وتتألم ، وكذلك الشاعر محمد مهدي الجواهري في قصيدة
( يانديمي ) الى ان النفس تشقى . فهنا أيضا تتألم الروح لو ظلت خانعة في بحر من الظلمات وقيعان من الجهل . في الروح ميل الى صداقة النور هكذا قال الشاعر ادونيس في ديوانه فهرس لأعمال الريح ( قصيد جسد ):

" أقرب الأصدقاء الى الروح
النور
أقرب الأصدقاء الى الجسد
الظل " .

ولعله قد أضاف منطلقا في مغزى عميق من الجدة والاستمرار في كون الحياة دائمة البدء فهي ولود بالاجساد . وفي كل مرة لها بدء رغم الموت ، وازدهار رغم الذبول . انها في ابتداء دائم .

(قصيدة جسد ) :

" العقل تراكم والجسد ابتداء " .

ان في العقل الانساني إرثا وتراثا من تراكم العلوم والتجاريب . واذا اعتقل جسد آخر وأبعده عن العلم في زمن ما ، وحرمه حتى الموت من حقه الشرعي ، فان الحياة الولود بما لامتناهي اجساد ستوصل المولود بالمتراكم والجديد بالذاكرة العقلية المرموقة . هكذا بأربع كلمات من الشعر يضيف ادونيس من الأخيلة والاستنتاجات مايعطي لكل عصر جدته وسماته المتحفزة نحو الحرية والعلنية وحتى التمرد .
لقد اتحف ادونيس الحقيقة بالتعبير لها وعنها فان " الجسد ابتداء " ليعني حقيقة جديدة في تعاطي مايولد مع آخر ما موجود . وافرازات الواقع الجديد لابد وان تعبق بنسائم وتصورات لاتتشابه في فترة تاريخية تشابها تاما بسابقتها بل تتقدم تقدما نسبيا وحلزونيا باتجاه ارقى . الحياة تترقى ، وقد أعطى الامام علي بن أبي طالب (ع) في كتاب ( روائع نهج البلاغة ) ويعطي لمفهوم الجدة والتطور قيمة عبقرية وحكيمة اذ قال : " لاتقسروا اولادكم على اخلاقكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم " . وهنا تأكيد على أن الزمان القادم بما يفرز من جديد انما هو اختلاف منهاجي وبرنامجي واصطلاحي وبه من الاشكاليات مالايتناسب مع هذه الحقيقة او تلك من زماننا . صحيح ان الثوابت التربوية هي دعامات اساسية في الشخصية المطلوبة والمرغوبة الاّ ان الطبيعة العامة للعلم في الحياة اقتضاء موجب للتكليف .ولذا فقد انبرى احد اهم شعراء العراق فعبر عن الرغبة الجموح في عدم التقليد والاعلاء بالذوق والطريقة والاسلوب الى ماهو لاتقليدي بل الى التجديد والتمرد على ماهو سائد ولأنه هو ذاته أي الشاعر أحمد الصافي النجفي لايرغب بتقليد نفسه . ويعترف اعترافات ذات اهمية بهذا الصدد . ويلقي الدكتور ابراهيم العاتي الضوء على سمات تلك الشخصية المتمردة فيكتب في جانب من مقالة منشورة في مجلة (النور) مستعرضا الكثير من سمات الصافي النجفي في مجال التمرد وهو يؤكد – الصافي – تلك الحقيقة في مقدمة ديوانه ( شرر ) قائلا : " فطرت منذ الصغرعلى الانحراف عن الجادة العامة التي لا ارى فيها جديدا ، لأسير في طرق لم تسلك ، واثقا من اني سأكتشف اشياء لم يألفها السائرون في الطرق العامة . ولافرق عندي ان اكتشف اشواكا او ازهارا ، أوطارا او اخطارا ، ظباءا او ضباعا ، فعندي لكل جديد لذة ، وحسبي لذة الكشف ان فاتتني لذة المكتشف " . يضيف الدكتور العاتي : " ولعل هذا الاعتراف يشكل مدخلا لفهم نفسية الصافي ومزاجه الخاص الذي يبدو لنا غريب الاطوار . وكذلك لفهم مواقفه المختلفة في ميادين الأدب والفن ، والفكرة والعقيدة ، والتجديد والاصلاح ، والسياسة والمجتمع . ونظرة خاطفة الى دواوينه تثبت صحة مانقول . ففي قصيدة عنوانها ( التمرد ) يوضح الصافي فلسفته ويكتشف عن نفسيته التي تتوق الى التجديد ، وتكره الرتابة والتقليد ، اما وسيلته الى ذلك فهي التمرد على كل ماهو مألوف ، بحيث يدعو مقلديه الى معارضته ، بل انه يتمنى ان يتمرد حتى على نفسه ، لأن التمرد عنده قرين التجدد ". يقول :

" يحاول تقليدي اناس لضعفهم
ولا ارتضي حتى لنفسي اقلدُ
أعاف طريقي ثم ابصر معشرا
به يقتفيني وهو جذلان ينشدُ
اذا سرت سيرا رمتُ في الحال غيرَه
كأني بسيري حائر ٌ مترددُ
تواثب نفسي عن سواها ونفسها
ويحلو لها حتى عليها التمرد ُ
فان رمتَ تقليدي فكن متمردا
عليّ وأكثر ْ ذم ّ ما انا احمِد ُ
علي ّ تمردْ بل على النفس والورى
لتبقى على طول المدى تتجدد " .

هذه هي النفس مجهدة ، مكابدة لأعباء الفكر ، منشدة الى عالم الصورة والمثال والتخيل وحب التكيف ، اضافة الى خصال لاتعد ولاتحصى . ولابد للنفس ، والحال هذه ، من ان تنجو بذاتها من مشاغل الحياة وجديتها وتمضي الى المبهج من سويعاتها . فالطبيعة خلابة والرفقة وحب الناس فيه من المتعة والمنفعة الكثير . سعيد من نآى بنفسه عما يعمق الحزن والحس الباكي فيها .
ان الجمال ، في امثلة ودراسات كثيرة ، يقترن بالفضيلة . وكلاهما في مجال الحس والممارسة يفيضان عن التوازن النفسي والانتشاء والسعادة . وان الدعوة الى الاقتراب من جماليات الطبيعة وفضائل الفكر والمثل الروحية الراقية هي تغذية للذات الانسانية .
يأخذنا الدكتور عبد الحسين مهدي عواد في كتابه ( نقد الشعر ) الى مايعزز منطق الارتقاء بالنفس عبر الجمال . ويشير الى شخصية ادبية ناقدة مرموقة هي قدامة بن جعفر :
" ان قدامة لم يكن قد تخلى عن الخط الأرسطي في تقريره للفضائل الأربعة ( العقل ، والشجاعة ، والعدل - السخاء - ، والعفة ) ، وانه فهم هذه الفضائل في ضوء الاخلاق الارسْطويّة ، وضمن مفهوم ماسمي ب " الوسط الذهني " . أي انه كان يعني ضرورة التوازن او الاعتدال بين قوى النفس لكي تحيا حياة فاضلة جميلة . فالجمال قوامه الاعتدال والتوازن ، وهو الشرط الأساسي في الفن ، الأمر الذي جعله يعتبر علة الجمال مرتبطة بعلة الفضيلة وماتنطوي عليها من توازن بين قوى النفس .".
وايليا أبو ماضي يسوق الحكمة تلو الاخرى في اسلوب شاعري داعيا الى الفضيلة والصحة النفسية ، فما أجمل قصيدة (الصيف) التي يصف فيها الارض في صباها ، ويدعو النفس الانسانية الى ان تتأمل الجمال ، وأن لاتكون الكآبة حاجزا ً ازاء الاحتفاء بالزهر والعطر والماء والنجم . ان المتعة والاسترخاء استجمام للنفس . ولا يجدر كبح الالتذاذ بمحاسنها . يقول ايليا أبو ماضي :

انها الجنة فاعجب لامرئ
هو فيها وقليلا مايراها
ايها المُعرض عن أزهارها
لك لو تعلم ، ياهذا ، شذاها
أيها النائم عن انجمها
خلق الله لعينيك سناها
أيها النائم عن أنجمها
خلق الله لعينيك سناها
أيها الكابح عن لذاتها
نفسه ، هيهات لن تعطى سواها
لاتؤجل لغد ، ليس غد
غير يوم كالذي ضاع وتاها
واذا لم تبصر النفس المنى
في الضحى كيف تراها في مساها
هذه الجنة فاسرح في رباها
واشهد السحر زهورا ومياها
واستمع للشعر من بلبلها
فهو الشعر الذي ليس يضاهى " .

ان شعر الجمال هنا هو وصفة ! ضرورية لمعاناة الفكر والتحليق في عوالم الفلسفة حيث لاهدأة ولا طمأنينة ولاوصول في ابحار تأملي معرفي . ان الطبيعة قلادة زاهية الألوان أحرى بالتأمل والاستئناس بها ، وياليت للمرء ان يغدو شكلا بجمال وردها وروحا بنقاء أضوائها . وأين منا أحلام اليوتوبيا ؟ من جحيم الصراع الذي يتجرعه بنو الانسان يوميا وبمعزل عن نوع افكاره ومنطلقاته المبدأية ، ان البشر في سوح التناحر الحالية ، (كلٌ يعظم دينه ،على حد تعبير أبي العلاء) ، أكثر شرا من وحشية الحيوان وايذائه لبعضه البعض بأدنى مستويات الهبوط والدونية من الجراثيم والبراغيث التي حاولت النظرات – اعلاه - والنظريات السامية ان تنزه الانسان منها ، بينما يثبت الأخير انه اكثر تورطا من سواه من جميع الكائنات قسوة وهمجية .



#خلدون_جاويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون مها بين الرصافة والمنفى
- التماعات شاعرية على طاولة فلسفية
- أحر التعازي الى الشاعر المبدع يحيى السماوي
- رسالة مناجاة ...الى الشاعر أبي القاسم الشابي
- علي الشرقي بين الحياة والموت
- أطفال الذاكرة الحزينة لرياض البكري
- جدلية الشابي وايمانية السياب
- ذكرى الجواهري وعرائش لبنان
- نازك الملائكة تقارع الموت والحرب والشرور
- جبران خليل جبران ومض التسامي وعودة الروح
- وردة ادونيس ولألاء ايليا أبي ماضي
- لبنان المحبة والسلام
- الاعتزال موت ذاتي وسقوط حضاري
- - حتى أنت َ يابروتس - ؟ !
- الانسان لؤلؤة المكان وجوهرة الازمان
- لاتنسَ اسمك َ
- ثقافة الموت عزلة سوداء وقتل ابرياء
- مرحبا ً ياعراق
- بابل في القلب
- عبق الفلسفة في زهرة الشِعر


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون جاويد - شعراء في رحاب المعرفة والجمال