|
حكايات زن يابانية (1)
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 7130 - 2022 / 1 / 8 - 09:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كوب من الشاي
نان إن، راهب ياباني خلال حقبة ميجي (1868-1912). استقبل أستاذا جامعيا جاء للاستفسار عن فلسفة الزن اليابانية.
قدم نان إن لضيفه كوبا من الشاي. ظل يصب الشاي في الكوب حتى امتلأ وبدأ يسيل من جوانبه. لكن الراهب، ظل يصب الشاي.
شاهد الأستاذ الشاي المسكوب ولم يعد قادرا على كبح جماح نفسه. فبادر الكاهن قائلا: "لقد مليء الكوب يا سيدي ولم يعد يقبل المزيد."
أجابه نان إن على الفور: "مثل هذا الكأس، أنت مليء بآرائك وتكهناتك الخاصة. كيف يمكنني أن أخبرك بفلسفة الزن قبل أن تفرغ كأسك أولا؟"
العثور على الماس على الطريق الموحلة
كان جودو، المعلم الروحي للإمبراطور، يسافر بمفرده كأستاذ زن متجول. ذات مرة، كان يمر ببلدة إدو، المركز الثقافي والسياسي للشوغونية، والقريبة من قرية صغيرة تسمى تاكيناكا.
كان الوقت مساء، والأمطار تتساقط بغزارة بدون رحمة. ابتل جودو من رأسه حتى أخمص قدميه، وتمزق صندله المصنوع من القش. بالقرب من مزرعة في القرية، لاحظ وجود بعض الصنادل الجافة في نافذة أحد المنازل. فقرر شرار زوج منها.
المرأة التي عرضت عليه الصنادل، عندما رأته مبلولا لشوشته، يصر الماء من جبينه وملابسه، دعته للبقاء ليلا في منزلها. شكرها جودو، ودخل المنزل. توجه إلى ضريح العائلة، وتلا بعض الصلوات والأدعية. ثم تعرف على والدة المرأة وأطفالها. ولاحظ جودو أن الأسرة بأكملها كانت مكتئبة، فسأل عن السبب.
أخبرته ربة المنزل بأن زوجها مقامر وثمل. عندما يكسب، يشرب ويصبح عنيفا لا يطاق. عندما يخسر، يقترض المال من الآخرين ويواصل اللعب. في بعض الأحيان لا يعود الى المنزل على الإطلاق. فماذا يمكنها أن تفعل؟"
"سوف أساعده "، أجاب جودو. هذا بعض المال. احضري شيئا جيدا للأكل والشرب. واتركيني أتأمل وأصلي أمام الضريح.
في منتصف الليل، عاد الرجل للمنزل، وهو ثمل تماما. ثم نادى على زوجته طالبا الطعام. ظهر له جودو، وأخبره بأنه لديه شراب ووجبة أسماك شهية يريد أن يشاركه فيها. ثم شرح له سبب وجوده بالمنزل، وحدث أنه علق تحت المطر. وأن زوجته، مشكورة، طلبت منه قضاء الليلة داخل المنزل.
سر الرجل، وتناول وجبة العشاء بالهناء والشفاء، ثم استلقى ونام على الأرض نوما عميقا. وجلس جودو يصلي ويتعبد بجواره.
في الصباح عندما استيقظ الزوج، كان قد نسي كل ما حدث في الليلة السابقة. "من أنت؟ ومن أين أتيت؟" سأل الرجل جودو، الذي كان لا يزال يتعبد ويصلي.
"أنا جودو من كيوتو، وأنا ذاهب إلى ايدو"، أجاب أستاذ الزن. خجل الرجل، وقام بالاعتذار لمعلم الإمبراطور.
ابتسم جودو. وأوضح للرجل أن "كل شيء في هذه الحياة زائل.". الحياة قصيرة جدا. إذا استمريت في المقامرة والشرب، لن يتبقى لك وقت لكي تنجز فيه أي شيء آخر، وستتسبب في معاناة عائلتك أيضا".
تيقظ الزوج من سباته، كما لو كان يحلم. "أنت على حق". لكن، "كيف يمكنني أن أرد لك الجميل على هذه النصيحة الغالية. دعني أرافقك وأحمل متاعك لمدة قصيرة". فأجابه جودو: "إذا رغبت في ذلك".
بدأ الاثنان في المسير. بعد أن قطعا ثلاثة أميال، طلب منه جودو العودة. "فقط خمسة أميال أخرى"، توسل الرجل إلى جودو. واستمرا في السير. يمكنك العودة الآن"، نصحه جودو. "بعد عشرة أميال أخرى"، أجاب الرجل. بعد عشرة أميال، قال له جودو: "يمكنك العودة الآن"، فأجابه الرجل: "أنا سأتبعك ما بقي من عمري". هذا الرجل، أصبح خليفة أستاذ الزن، جودو. عن طريقه، تعلم كل أساتذة الزن الحديث في اليابان. اسمه، مو_نان، الرجل الذي لم يتراجع أبدا.
هيه دي الحكاية؟
كان يشاد بأستاذ الزن، هاكوين، من قبل جيرانه باعتباره أحد من يعيشون حياة نقية.
كانت هناك فتاة يابانية جميلة، يملك أبواها متجرا للمواد الغذائية بالقرب منه. فجأة، دون سابق إنذار، اكتشف والداها أنها حامل. مما أغضب الوالدين جدا. وعند سؤالها، قالت إنها لن تعترف من هو الرجل. ولكن بعد الكثير من المضايقات والضغوط، قالت إنه هو "هاكوين".
في ثورة غضب عارمة، ذهب الأبوان إلى أستاذ الزن يوبخانه ويعتبان عليه ويلومانه. لكن كل ما استطاعا الحصول عليه منه هو قوله: "هيه دي الحكاية؟"
بعد ولادة الطفل، تم إحضاره إلى هاكوين. خذ ابنك وتول رعايته. بحلول ذلك الوقت، كان هاكوين قد فقد سمعته، وهو أمر لم يزعجه البتة. لكنه قام بالعناية بالطفل ورعايته جيدا. كان يحصل على الحليب من جيرانه وكل شيء آخر يحتاجه الصغير.
بعد عام لم تعد الفتاة الأم تتحمل وخز الضمير. وقالت لوالديها الحقيقة. وهي أن الأب الحقيقي للطفل، هو شاب يعمل في سوق السمك.
ذهبت والدة الفتاة ووالدها في الحال إلى هاكوين للاعتذار وطلب الصفح والمغفرة، وطلبا إعادة الطفل مرة أخرى إلى أمه.
لم يمانع هاكوين، وكل ما قاله: "هيه دي الحكاية؟".
خضوع
كان يحضر وعظ أستاذ الزن بانكي حشد كبير من المستمعين، ليسوا فقط طلاب زن، بل أشخاص من جميع الرتب والطوائف. لم يقتبس بانكي من آيات مقدسة (سوترا)، ولم ينغمس في أطروحات أكاديمية. لكن، كلماته كانت صادقة، تأتي مباشرة من قلبه إلى قلوب مستمعيه.
أغضبت شهرته وجماهيره الكبيرة كاهنا من طائفة نيتشرين. أتباعها كانوا يغادرونها ويذهبون للاستماع إلى بانكي. مما جعل أحد كهنة النيشرين، يذهب إلى المعبد، مصمما على منازلة بانكي وتحديه.
"أنت، يا معلم الزن!"، أخذ الرجل يصيح بأعلى صوته. "انت تحظى بطاعة مريديك وتلاميذك ومن يحترموك. لكن رجلا مثلي لا يحترمك، فهل يمكنك أن تجعلني أطيعك؟"
قال بانكي: "تعال إلى جواري وسأريك. بفخر، شق الرجل طريقه خلال الحشد إلى المعلم. ابتسم بانكي. "تعال إلى جانبي الأيسر"، فأطاعه الرجل. "لا"، قال بانكي، "قد نتحدث بشكل أفضل إذا كنت على الجانب الأيمن. فتعال إلى هنا." الرجل بدون تردد، يذهب إلى اليمين. "هل ترى"، قال بانكي، "أنك تطيعني الآن؟ أعتقد أنك شخص لطيف جدا. اجلس واستمع".
لا تخف حبك، أعلنه على الملأ
كان هناك عشرون راهبا وراهبة واحدة، تدعى إيشون. يمارسون جميعا حياة التأمل والصلاة على يد أستاذ زن معين.
كانت إيشون جميلة جدا بالرغم من قصها لشعر رأسها وارتدائها لفستان عادي. وقع العديد من الرهبان في حبها سرا. كتب أحدهم رسالة حب لها، يطلب فيها موعدا ولقاء.
لم ترد إيشون عليه. في اليوم التالي، عندما انتهى أستاذ الزن من موعظته، وقفت إيشون ووجهت خطابها إلى كاتب الرسالة قائلة: "إذا كنت تحبني حقا، تعال واحضني الآن أمام الجميع".
لا للحب، ونعم للطف
كانت هناك امرأة عجوز في الصين، قامت برعاية راهبا لأكثر من عشرين عاما. بنت له كوخا صغيرا، وأطعمته، بينما كان هو متفرغا للصلاة والتأمل. أرادت أن تعرف مدى التقدم الروحي الذي أحرزه طوال هذا الوقت.
لمعرفة ذلك، طلبت المساعدة من فتاة جميلة مليئة بالحيوية والرغبة. قالت لها: "اذهبي واحتضنيه، ثم اسأليه فجأة: ماذا يريد الآن؟"
ذهبت الفتاة إلى الراهب، وبدون كثير من اللغط، داعبته واحتضنته. ثم سألته عما يريد فعله بعد ذلك.
"شجرة قديمة تنمو على صخرة باردة في فصل الشتاء"، أجاب الراهب ببيت من الشعر. "لا يوجد دفء في أي مكان"، ثم أدار لها ظهره.
عادت الفتاة لتخبر المرأة بما قاله الراهب.
"أعتقد أنني قد أطعمت هذا الشخص لمدة عشرين عاما بدون فائدة!" هتفت المرأة العجوز في ثورة من الغضب. "لم يبد الرجل أي اعتبار لحاجتك، ولم يقم بشرح موقفه. ليس المطلوب منه الاستجابة لعاطفتك، ولكن كان بإمكانه أن يبدي بعض اللطف في رفض طلبك."
ثم ذهبت العجوز إلى كوخ الراهب وأحرقته عن آخره.
إعلان
كتب تانزان ستين بطاقة بريدية في اليوم الأخير من حياته، وطلب من أحد المرافقين إرسالها بالبريد. ثم توفي. البطاقة تنص على التالي: أنا أرحل عن هذا العالم هذا هو إعلاني الأخير. تانزان 27 يوليو 1892
موجات كبيرة
في الأيام الأولى من عصر ميجي، عاش هناك مصارع معروف يسمى "أو نامي"، ويعني الموجات الكبيرة.
كان أو نامي قويا للغاية، وكان خبيرا يعرف فن المصارعة. في مبارياته الخاصة، كان يهزم حتى معلمه، ولكن في الأماكن العامة كان خجولا لدرجة أن تلاميذه كانوا يلقونه أرضا.
شعر أو نامي أنه يجب أن يذهب إلى أستاذ زن، ويطلب منه المساعدة. فذهب إلى هاكوجو، وهو معلم زن متجول، عندما توقف في معبد صغير قريب. وطلب رؤيته، ثم أخبره بمتاعبه الكبيرة.
"موجات كبيرة هو اسمك؟"، تساءل المعلم. "ابق هذه الليلة في المعبد. أثناء الليل، تخيل أنك موجات كبيرة هادرة. أنت لم تعد مصارعا خائفا، بل أنت تلك الموجات الضخمة العنيفة التي تجتاح كل شيء أمامها، تبتلع كل شيء في طريقها. افعل هذا وستكون أعظم مصارع على الأرض".
ثم انصرف المعلم، وجلس أو نامي يتأمل ويتخيل نفسه موجات عاتية كاسحة. لقد كان يفكر في أشياء مختلفة، ثم عاد تدريجيا لكي يتخيل أنه مجرد موجات كاسحة لكل شيء أمامها. موجات، تجرف الزهور في مزهرياتها، وحتى تماثيل بوذا، قد غمرتها المياه. قبل الفجر، لم يكن المعبد سوى انحسار وتدفق لأمواج بحر هائل هائج.
في الصباح وجد المعلم أو نامي يتأمل، وابتسامة خافتة على وجهه. ربت على كتفه وقال له: "الآن لا شيء يمكن أن يزعجك"، "أنت تلك الأمواج. سوف تكتسح كل شيء أمامك."
في نفس اليوم، اشترك أو نامي في مسابقة مصارعة وفاز بها. بعد ذلك، لم يتمكن أحد في اليابان من هزيمته.
القمر لا يمكن سرقته
عاش ريوكان، وهو أستاذ زن، أبسط حياة في كوخ صغير عند سفح جبل. في إحدى الأمسيات زار لص الكوخ، ليكتشف أنه لا يوجد به شيء يمكن سرقته.
عاد ريوكان فجأة وأمسك باللص، وقال له: "ربما قطعت شوطا طويلا لزيارتي. ولن أدعك تعود خالي الوفاض. أرجوك خذي ملابسي كهدية مني لك".
تحير اللص من تصرف ريوكان، لكنه أخذ الملابس وانسل بعيدا. ثم جلس ريوكان عاريا يراقب البدر. وهو يحدث نفسه: " يا له من رجل مسكين. كم كنت أتمنى أن يكون في مقدوري إعطائه أيضا هذا القمر الجميل."
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل ما تريد معرفته عن القمر
-
من يقود الإصلاح الديني؟
-
حجاب المرأة عادة يهودية قديمة
-
رواية الغابة لسنكلير
-
هذا هو جسدي، فهل من مشترٍ
-
الإصلاح الديني يبدأ بالأزهر
-
الصراع المرير بين الدين والعلم
-
أي جانب من أجدادك قد انحدر من القرود
-
أحمد عبده ماهر وحكاية الفيل
-
الذئب والحمل
-
الثعلب والغراب
-
المسرح الإغريقي
-
أوريستيا - ثلاثية أسخيلوس – ربات الغضب
-
نص - ثلاثية أسخيلوس – حاملات الشراب
-
أوريستيا - ثلاثية إسخيلوس – حاملات القرابين
-
أثينا (منيرفا)، ابنة زيوس
-
قصص وحواديت من العالم القديم (27/27) شارلمان
-
قصص وحواديت من العالم القديم (26) نهاية الإمبراطورية الغربية
-
قصص وحواديت من العالم القديم (25) ثيودوسيوس العظيم
-
قصص وحواديت من العالم القديم (24) قسطنطين العظيم
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|