عبقرية هندوسية ؟

حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 7128 - 2022 / 1 / 6 - 15:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تناقل البعض كلاما إحتفاليا تفصيليا فيه مبالغة شديدة عن المهندس الهندى ( باليغا) الذى حول الهند أم العجايب ، من بلد يعانى من الفقر والأمراض والجهل ، إلى دولة عظمى تمجد العلم، وتخلق الفرص للشباب، وتجتذب الخبرات الدولية وتقتحم الأسواق العالمية ، وهو ما أدى إلى زيادة الصادرات الهندية بمليارات الدولارات،وأنعش الإقتصاد ،وأرغد المستوى المعيشى لأكثر من مليار نسمة،وذلك عن طريق انشاء مدينة اليكترونية لصناعة تقنية المعلومات وتعليم وتدريب وتأهيل ملايين الطلاب للعمل بهذا المجال وانتاج فائض ضخم للتصدير ، وإستقبال مليارات الدولارات من الإستثمارات الأجنبية فى الوقت نفسه ، وكل ذلك بفضل مهندس واحد؟

القصة هكذا فيها مبالغة كبيرة وتحويرا مدهشا يحتوى تباعدا وتنافرا واضحا مع العلمية أوالواقعية ، فلا الهند كانت دولة يأكلها الفقر والتخلف قبل ذلك المشروع الناجح، ولا أن عملية تطوير و تنمية دولة بحجم الهند أو حتى قطر ، يمكن لشخص واحد أن يتولاها بنفسه مهما كان عبقريا ، والا لكان احمد زويل قد نجح فى مصر ، أو كانت القرية الذكية التى انشأها المهندس أحمد نظيف قد أتت أكلها ؟
كما أن الهند لا تتفرد بمثل تلك التجربة التنموية العلمية ، فهناك ماليزيا وسنغافورة وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان وحتى اسرائيل وإيران وبالطبع من قبلهم دول العالم الغربى ، وكل تلك التجارب الناجحة فى هذه البلدان لم تتعلق بعبقرية فردية حتى مع وجود شخصيات مثل مارك روزنبرك أو بيل جيتس أو ستيف جوبز وغيرهم ، وانما هى نتاج جهد مؤسسى وطنى متكامل يمتلك الرؤية والعلم، ويدعم الخصوصية والتفرد ،ويمنح تكافؤ الفرص والمساواة للجميع ويخضعهم لرقابة صارمة ،،
أما اختصار المسألة الهندية فى مهندس أو شخص واحد، فهو استهتار بعقول الناس ، وتثبيت للسذاجة التى تنتظر جودو المنقذ، أو تختصر الأمور فى بعد واحد وهو الانفاق على التعليم والتدريب وتنفيذ بعض الأفكار من هنا أو هناك ،،
فمن وجهة نظرى أن هذا المهندس الهندى - إن كانت سيرته حقيقية كما نشر ولم تكن محاولة لغسل الوجه الهندى العكر الملطخ بدماء ضحايا التطرف - نكرر هذا المهندس هو مجرد موظف متخصص مجتهد يمتلك بعض من التفرد ، عرض افكاره فباركتها حكومة منتخبة مسئولة ، ووضعت له الأهداف ، وهو نفذ ما امرته به الحكومة الهندية ، واستخدم الموارد التى أتيحت له بسخاء فى مكانها، وفعّلَها لتحقيق الأهداف الوطنية الموضوعة، وكل ذلك فى ظل رقابة وطنية فعالة تتمتع بالكفاءة وتسهل ولا تعرقل وتحاسب وتحاكم المفسدين وتستبعد عديمى الكفاءة ،
كما إنه من البديهى إن ذلك المهندس قد حقق نجاحه هذا بمعاونة الفريق المجتهد الكفوء الذى عمل معه، و الذى تعلم وتدرب فى الداخل والخارج، و الذى وفرت له الدولة الهندية كل فرص النجاح ، فمحاولات اختصار الموضوع فى شخص واحد هو امتهان للتجربة نفسها ولأى تجربة نجاح إنسانية ؟

فاذا كنا نود الإقتداء بما تم فى الهند وغيرها ، فالامر منوط بتوفير الاجواء العامة وتهيئتها لوصول من يمتلكون الرؤية لمراكز اتخاذ القرار الوطنى، سواء على الصعيد الاقتصادى او العلمى أو التكنولوجى أو الثقافى أو السياسى، وهذه الأجواء والظروف العامة لن تكون مهيئة لخلق نوابغ فى أى مجال، لمجرد مضاعفة الإنفاق على التعليم ،وزيادة حصته فى الموازنة العامة مع بقاء المناخ العام كما هو، لكن الأمر ببساطة سيكون متاحا وبسهولة فى حال تغيرت الاحوال العامة، واصبحت الحرية والديموقراطية هى السيد،حتى لو كانت ديموقراطية موجهة كإسرائيل وايران ،أوحتى لو كانت ديموقراطية حقيقية و أفرزت حكومة هندوسية عنصرية متطرفة تحاول أن تصدر للعالم وجها مدنيا يرتدى ثوب العبقريات الغربية ؟

#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات