أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - يحيى ويحيى














المزيد.....

يحيى ويحيى


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 7127 - 2022 / 1 / 5 - 23:39
المحور: الادب والفن
    


عُرِف عن الشاب "يحيى" ميوله للكرب وبأنه يهوى سماع أحاديث الشجن وسردها، ينصت لأصوات الغم وتستهويه ولا يعرف سبب ولعه بها! وفي عزفه على آلة الكمان يبث الأحزان التي تحاكي هموم كل لدى من يسمعه فتبدو آلته تحكي الحزن أيضا؛ كان كمن يسعى ليركّب قصة حزينة لنفسه. ذات يوم، مر أمام باب امرأة عجوز وجهها ملأته التجاعيد ونبت الشعر به عند الذقن وفوق طرفي الفم وقد انحنى ظهرها قليلاً، حيّاها فردت وهي تحدق به وكأنها تسترجع شيئاً وترغب بالكلام. توقف وسألها عن صحتها فأجابت بأنها ليست على ما يرام فأوجاع الظهر والمفاصل نالت منها ولكنها ستقاوم العجز والألم، ثم دعته ليدخل بيتها لأنها تريد أن تحدثه بشيء يتعلق فيه، دخل بيتها وهناك دار بينهما حديث طويل أخبرته فيه عن سر يتعلق به، قالت إن والدته التي لا يعرف عنها شيئاً ماتت وكذلك والده عندما لم يكن يبلغ من العمر إلا ما يزيد عن العام بقليل وقد كانا في طريق عودتهما من المدينة حين تعرضا لحادث أنهى حياتيهما على الفور؛ ثم تابعت تخبره بأنه ليس الابن الوحيد لوالديه فقد ولد مع شقيقه التوأم الذي اختفى من القرية، فبعد موت والديهما تقاسمت عائلتان في القرية الطفلين، ولكن العائلة الأخرى التي تبنت شقيقه رحلت ولم يُعرف لها أثراً! حكت له العجوز كيف كان الجميع في القرية يحبونهما منذ ولادتهما وكيف أن شقيقه التوأم يشبهه لدرجة التطابق فلو وضعت الطفلين بجانب بعضهما لبانا وكأنهما واحداً يقبع أمام مرآة، إنهما متشابهان في كل شيء، استمع للعجوز حتى النهاية وسألها عدة مرات عن العائلة التي تبنت شقيقه وأين رحلت ولكنها لم تعرف أي شيء إضافي غير ما ذكرته، سألها عن اسم أخيه لكنها لم تعد تذكر كل ما عرفته أنهما نفس الشكل ومتشابهان لدرجة يصعب معها تمييز واحد منهما عن الآخر. خرج يحيى من بيت العجوز التي جاء حديثها مثل إضرام النار بقلبه. لم يعد يعرف الهدوء ولا الراحة وازداد حزنه وقرر أن يبحث عن شقيقه الذي اختفى وأصبح همه وشغله الشاغل كيف سيعثر على أخيه التوأم!
بدأت رحلته في القرى القريبة من تلك التي يعيش فيها، فكان كلما دخل قرية طرق أبواب بيوتها واحداً تلو الآخر، يحكي قصته ثم يعيدها ويعيدها لكل من يمر به متسائلاً إن كان لديهم ما يفيدون به من خبر أو معرفة أو على دراية به ولكنه لم يوفق في أن يسمع ما ينتظر سماعه ولم يعرف طريقاً لمن يبحث عنه، كانوا يسألونه عن اسمه فيقول أنا يحيى ونتطابق في تشابهنا.
قرر أن يبتعد في تجواله وبحثه فراح يجوب ويجول ويمشي نهاراً ويسكن ليلاً ولم يترك مكاناً استطاع أن يصل إليه في البلد إلا وذهب إليه متسائلاً. كابد الكثير ورافقته الأوهام ومواجع الروح أكثر كلما ابتعد. كانت الأحزان بداخله تفتش عن مخرج تقول عبره وبالصوت العالي عن معاناته، لكنها انتظمت على شكل أشعار راح يحيى يلحنها ويغنيها حزيناً لكل الناس الذين يمر بهم. أحبته الناس وتعاطفت معه وتضرعت في سرها أن يحصل على ما ومن يريد في بحثه ومعاناته ولكن بحثه بقي لا يلوي على شيء. وكلما ابتعد أكثر كلما ازدادت معاناته وعذاباته النفسية والجسدية أكثر.
بمزيج من الحزن والكآبة والتعب مقابل التصميم والأمل راح يحيى يخرج شكوى روحه شعرا كان يلحنه وينشده للناس. وهكذا غدت أشعاره هي الأجمل لأنها نابعة من القلب وتحكي قصته ومعاناته وذاع صيته في كل مكان فقد أصبح الناس يتجمعون حوله يصغون إليه ويستمتعون بموسيقاه وبأغانيه التي تعبر عن عمق وصدق أحاسيسه؛ كانت تتحد شجونه وموسيقاه لتصدر تحفاً فنية تأسر قلوب من يستمع إليها...بل وصار من الصعب على من يكون بحضرة موسيقا وأناشيد يحيى أن يميز أيهما يشده ليحيى أكثر عزفه أم شجونه وأحزانه...! لم تهدأ نفس يحيى راح يجوب كل البلدان القريبة في الشمال والجنوب والشرق والغرب وكانت المشاهد تتكرر وجهده يضيع سدى ولكنه كان يشد الناس إليه أو بالأدق ينفذ لقلوبهم عبر ما يسمعون من أغان وألحان فيطلبون المزيد فيلبي طلباتهم ولكن قلبه لم يهدأ وتفكيره لم يحيد عن أخيه يحيى الآخر.
ذات يوم قرر أن دائرة بحثه يجب أن تتوسع ولهذا ارتأى أن إفريقيا يجي أن تكون منطقته التالية فكثير من العوائل قيل إنها رحلت لإفريقيا بحثا عن عمل لم تجده بمكان آخر ولأن الأفارق طيبون وقلوبهم دافئة...وهكذا رحل يحيى إلى إفريقيا علّه يعثر على من يبحث عنه هناك...! وفعل....فقد بدأ رحلته في جنوب إفريقيا وراح يغني ويعزف، تداخلت أحاسيس مستمعيه فقد أنصتوا للموسيقا الجميلة وبكوا مع الأغاني التي تحكي الحب والحرمان، وتنشد ملهمة مشاعر اللهفة ونار الفقدان...تنقل في أماكن عديدة من إفريقيا ولم يعثر على من جاء في رحلة البحث عنه...لقد أدرك يحيى أن الناس يبكون مآسيهم المتنوعة مثل يبكون مأساته ولكنهم لا يستطيعون المساعدة...! بينما كان في إحدى الغابات جاءته فكرة أن حيوانات الغابة ربما تستطيع فك اللغز وتعرّفه بمكان أخيه...فتوغل أكثر في الغابة وراح يعزف ويغني...اجتمعت حيوانات وطيور الغابة وانتشوا وسكروا بصوته وعزفه وقصصه...وهم على هذا الحال جاء الأسد من بعيد مسرعا وانقض على يحيى فمزقه وراح يأكل لحمه...! وقفت بقية الحيوانات تتفرج واكتفت بتبادل الكلام فيما بينها: "إن الأسد أصم ولم يسمعه...! لم يسمع عزفه ولم يسمع أغانيه ولم يعرف كمّ المعاناة فيها!"



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب أو حرمان
- القافلة
- الغرب لم يسرق أخلاقك
- غياب
- قد يكون الحب
- أنت موجود وغيرك موجود
- فرح وصدمة
- غش عابر للامتحانات
- -رخيصة-
- زواج
- عميل
- هبلة
- خيبات
- حقيبة
- كارل ولغز الورقة
- غيرة آدم
- ولكتبي الضائعة حكايات
- رشيد
- نسوية، ونسوية خاصة
- عشق القيود!


المزيد.....




- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - يحيى ويحيى