|
رواية زرعين والبكاء على الأطلال
روز اليوسف شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 7127 - 2022 / 1 / 5 - 16:21
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدرت عام 2021 م عن دار الشروق في رام الله رواية زرعين للكاتب الفلسطيني صافي صافي، وتقع الرواية في 156 صفحة من القطع المتوسّط. وزرعين كلمة سريانية بمعنى (فلاحون ومزارعون) . وتقع إلى الشمال من مدينة جنين ، وتبعد عنها 11كم . قُدّر عدد سكانها في عام 1922 (722) نسمة وعام 1945 حوالي (1420) نسمة . قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم عام 48 (1464) نسمة . وكان ذلك في 28-5-1948 ، وعلى أنقاضها أقام الصهاينة مستعمرة (يزراعيل) عام 1948 . ويبلغ مجموع اللاجئين من هذه القرية في عام 1998 حوالي (10116) نسمة.( المصدر: ويكبيديا). تتحدّث الرواية عن مجموعة من الأصدقاء والمعارف يقرّرون القيام في رحلة في الطبيعة في منطقة زرعين وما حولها، تبدأ الرحلة من بيت حنينا، قرية عمواس المهجّرة، الخضيرة، زرعين المهجّرة، عين جالوت، جبال فقوعة وبيسان. الكاتب هو أحد أعضاء المجموعة التي تسافر في الوطن، لتتعرّف على البلاد، معالمها، جمالها، تاريخها، نباتاتها، أشجارها وما الى ذلك. ينظّم الرحلة الحاج ابراهيم ومعه عدّة مساعدين، منهم الاستاذ جمال، الذي يقرأ لهم معلومات عن كل منطقة يصلون اليها، مستعملا بذلك الشبكة العنكبوتية، كما يقوم بتوثيق مسار الرحلة والتقاط الصور بكاميرته وببلفونه. من بين شخصيّات الرحلة: أبو ماهر وهو قادم جديد الى فلسطين من الأردنّ نقل رفات والده ودفنه في البلاد في قرية زرعين مسقط رأسه، وذلك بعد أن اضطر لحرق جثّة والده ونقل الرماد في قنينة ووضعها في حقيبته. ويحدث أن يضلّ عن المجموعة: الكاتب وجمال وأبو ماهر وأبو نهاد، فيجدون أنفسهم على أعلى تلّة وقد غابت الشمس وبالكاد يرون أنفسهم، فاضطر جمال الى الاتصال بالشرطة لإنقاذهم. هذا الامر أثار غضب المجموعة على جمال وخاصة الحاج ابراهيم، فهو لا يريد تواجد الشرطة خوفا من التحقيق مع افراد المجموعة، كذلك الكاتب غضب من جمال ورفض الركوب في سيارة الشرطة، رغم الآلام الحادة في رجلة بعد سقوطه عليها. ونتيجة لذلك لا يتمكّن الكاتب من زيارة مدينة بيسان التي أوصته صديقته حنان بزيارتها والدخول الى بيت جدّها الذي استشهد على مدخل البيت عام 1948،وتصوير صورة عائلتها التي كانت معلّقة على الحائط، وإن لم يجد الصورة فقد طلبت منه تصوير ظلال الصورة، فهي الشاهد على ملكيتهم للبيت ولوطنهم بيسان بعد أن هجّروا منه وسكنوا في دول الخليج. فهي ترى ظلّها في ظلّ الصورة، وستورثها لأحفادها فالعيش مع الظلال أفضل من دونه(ص 100). كما توجّه حنان انتقادا للمنظمة التي تهتم بإعادة أريحا ومدن الضفة، أما بيسان فيريدونها ذكرى، وهل رام الله والقدس أهم من بيسان؟(ص 98).. يثير الكاتب في هذه الرحلة عدة مواضيع وأسئلة تتعلق بالوجود وبالإنسان وكينونته في هذه الحياة. من الاسئلة مثلا: لماذا نعيش اذا كانت نهايتنا الموت؟ لماذا نسعى في مناكبها ونحن نعرف مآلنا، ربما في علبة زجاجيّة أو بلاستيكيّة كما أبو محمود؟ (ص 38). لم تمنع الدولة عودتنا إلى أراضي أجدادنا حنى ونحن موتى؟(ص 38). هل نعيش بكرامة ونحن خارج وطننا؟( ص 39) وعندما تمّ دفن رماد أبو محمود تساءل الكاتب اذا كان ملاك الموت سيأتي مرة أخرى ليسأل أبو محمود علما أنها المرة الثالثة التي يدفن فيها. أتساءل: لماذا لا نُسأل ونحن في الدنيا؟ فضميرنا يتدخّل عند كل جملة نقولها. وعند كل سلوك. ليس معقولا أن تتجمع الأسئلة في القبر وليس يوم القيامة؟(ص 77). هذه أسئلة مهمّة تثار ولا يملك أحدًا الاجابة عنها. مع ذلك يثيرها الكاتب ربما رغبة في إثارة التفكير لدى القارئ. وهناك أسئلة تتعلّق بالقرى المهجّرة أو على الأصح بما بقي منها:" ما زلت غير قادر على فهم الابقاء على بقايا القرى المدمّرة، كان باستطاعتهم إزالتها كما فعلوا في الكثير من القرى هل نسوها؟ لا أعتقد. لماذا جعلوها مزارا لأهاليها الأصليين؟ يقفون بجانبها ويتصوّرون، ويحددون جغرافيتها من خلالها، ويبكون ويضحكون ويرقصون ويغنّون للعودة إليها، لماذا أبقوا عليها؟ هل ودّوا أن نظلّ نبكي ونحزن"؟(ص 31).. عندما وصل أحد أفراد الطاقم(سلامين) الى المجموعة التي ضاعت على التلّة وخافت الهبوط منه اكي لا يسقط أحد في المنحدر، فكّر الكاتب في الهبوط من التلة مع السلامين، لكن جمال قال له نحن ننتظر الشرطة التي طلبت منا عدم مغادرة المكان، ثم تساءل الكاتب في هذه الاثناء أسئلة مثيرة: كيف استطاع السلامين الوصول الينا؟ لماذا لم نفعل مثله؟ كان الأمر بسيطا ولا نراه.. لم نفكر به أبدا، كنا لا نرى سوى الانحدارات الصعبة في كل جانب(ص 145). كان الأمر بسيطا، كان يكفي أن نعود إلى الوراء بضع خطوات، أن نسلك الطريق التي مشيناها حيث وصلنا، وننحدر رويدا رويدا في قاع الواد، ونعود إلى المجموعة الكبيرة. لماذا لم نفكر هكذا؟(ص 146). هل أراد الكاتب أن يشير الى أن الحلول لمشاكلنا تكون أحيانا قريبة منا لكنّنا لا نراها؟ أو ربما أراد الكاتب أن يشير الى المأزق الفلسطيني، وهو يشبه الى حد ما المأزق الذي وقع به الاصدقاء الاربعة حين وجدوا أنفسهم على التلّة ولم يعرفوا ما هو الحلّ؟ وكان الحلّ الأسرع والأسهل هو اتصال جمال بالشرطة. فهل يمكن أن يكون الحلّ للقضية الفلسطينية أسهل مما نتخيّل؟ وهل يمكن أن يكون الحلّ قريبًا وسهلًا دون اللجوء الى قوات أمن خارجيّة مثلا؟ كما ورد في الرواية أسماء لطيور مثل الصقر وطيور العوسق التي تشبه الصقر فهل أراد الكاتب تشبيه جنود الاحتلال بطيور العوسق المفترسة؟ رواية زرعين هي رواية يكتنفها الغموض وتستوطنها الأسئلة الانسانيّة والفكريّة والوجوديّة، كل ذلك من خلال رحلة جميلة يقوم بها مجموعة من محبي الوطن، في ربوع هذا الوطن الجميل، الذي تخيّم الظلال على بقايا بيوته المدمّرة فترتسم على الجدران تنتظر من يلتقط لها الصور ليخلدها في سجل بقايا الجدران والآثار والظلال التي لن ولم تنس صاحبها يومًا، فظلّت ظلّا تحكي للأجيال حكايتها ومأساتها.
#روز_اليوسف_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية برج اللقلق النموذج الفلسطينيّ للتحدي والصمود-
-
المرأة الفلسطينية في رواية -اليتيمة-بين مرارة اليُتم وظلم ال
...
-
قراءة في مسرحية -دعني أعش دعني أموت-
-
قراءة في رواية مسك الكفاية للكاتب باسم خندقجي 2014، إصدار ال
...
-
قراءة في كتاب فاطمة كيوان- رحلات أبي الحروف-
-
قراءة في كتاب د. نبيل طنوس-راشد حسين ويسكنه المكان-.
-
لا تُطل الغياب
-
قراءة في ديوان نزف قصائد للشاعر عز الدين السعد
-
قراءة في كتاب حصاد السنين بعد التسعين
-
قراءة في سماء الفينيق لمفلح العدوان
-
المنفى والاغتراب في قصيدة - أضاعوني - للشاعر الفلسطيني بروفي
...
-
انا والمدى
-
توقيعات
-
جاهلية هذا الزمان !!
-
أنا وأنتَ!!
-
- سيزيف وبحار - لأسيد عيساوي
-
انتظار !!!
-
تَرحال !!!
-
تَرحال!!!
-
خلف الظلال
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|