|
من المستفيد من استمرارية الأزمة السورية؟
ليلى موسى
الحوار المتمدن-العدد: 7124 - 2022 / 1 / 2 - 12:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أكثر من عقد مرّ على الأزمة السورية، وما آلت إليها من الأوضاع المأساوية والكارثية على كافة الأصعدة، وتداعياتها التي ستمتد لعقود من الزمن، أرهقت كاهل الشعب السوري وعجز عنها المجتمع الدولي. ففي الوقت الذي تحولت فيه إلى مستنقع أغرقت العديد من القوى والجهات والدول، وعقدة كداء أمام المجتمع الدولي يصعب حلها والخروج منها، بل وأكثر من ذلك ما أفرزت من مشاكل وأزمات وقضايا شكلت تحديات وعراقيل أمام الجهود الدولية في مسعاها بحلحلة الأزمات التي تعاني منها دول المنطقة. السؤال الذي يطرح نفسه، من المستفيد من استمرارية الأزمة وتجذيرها؟ شكلت انطلاقة شرارة الحراك الثوري السوري الأمل للشعب السوري الذي طال انتظاره بغدٍ يضمن له حياة كريمة وجواً مفعماً بالديمقراطية والمواطنة والعدالة؛ التي طالما كان يحلم بها ويسعى إلى تحقيقها. لكن سرعان ما تحول ذلك الأمل إلى كابوس بفعل عوامل داخلية وخارجية مخلفة أزمة أفرزت أكثر من ثلاثة عشر مليوناً بين نازح ومهجر داخلي وخارجي والعدد مرشح للزيارة في ظل تردي الأوضاع المعيشية واستمرار الصراع وعدم وجود لأية حلول تلوح في الأفق على المدى المنظور، وبنية تحتية شبه مدمرة، فنسبة مما يعيشون تحت خط الفقر قرابة 90% من المجموع الإجمالي، وتراجع مستمر في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي؛ و استمرار الإرهاب وتنشيطه في بعض الأحيان بفعل بعض القوى والدول الداعمة له؛ استمرار الانتهاكات التي تمارس من القوى الإرهابية وداعميها من الدول المحتلة لسوريا؛ وفي مقدمتهم دولة الاحتلال التركي، ومئات الألوف من الضحايا والمعتقلين والجرحى؛ وجغرافية مقسمة بحكم الأمر الواقع إلى مناطق نفوذ تدار بأنظمة حكم مختلفة، واستمرار الاحتلال التركي للعديد من المناطق السورية. وغيرها من التداعيات التي أرهقت المجتمع الدولي الذي سعى لخطو بعض الخطوات لحلحة الأزمة في مسعى منه لتجفيف منابع الإرهاب، وإيقاف موجات الهجرة وممارسة بعض الضغوط لإيقاف تصدير المرتزقة من السوريين إلى دول الجوار وغيرها من الإجراءات. مساعي استبشر بها الشعب السوري خيراً ولو لم تكن بحجم ومتطلبات الأزمة التي تعاني منها سوريا، ولكن على الأقل كانت بداية للتوقف على الأوضاع الإنسانية والحفاظ على مناطق خفض التصعيد واستمرارية في مكافحة الإرهاب واستئصال جذوره. ولكن يبدو بأن هناك العديد من القوى والدول.؛ وبالرغم من تورطهم في المستنقع السوري الذي القى بظلاله على سياساتهم وعلاقاتهم الخارجية وأوضاعهم الداخلية؛ مخلفة بذلك أوضاع اقتصادية متردية وخلق شرخ وانقسامات داخل مجتمعاتهم بين مؤيد ورافض لتدخلاتهم في المستنقع السوري؛ لكنهم مصرون بالإبقاء على الأزمة لأطول مدة ممكنة لما تحمله سوريا من أهمية جيوستراتيجية بالنسبة للشرق الأوسط والعالم عموماً. فحل الأزمة يفشل ضمان استمرارية بقاءهم وتحقيق مشاريعهم وأطماعهم الاستعمارية والاقتصادية في سوريا، وهو السبيل لضمان بقاءهم في العديد من دول المنطقة التي تعاني من أزمات على صلة وثيقة بالوضع السوري. لذا؛ نجدهم يحاربون أية حلول ومشاريع تسهم في الحفاظ على الهوية والسيادة والوحدة السورية شعباً وجغرافيةً. لذا، يعملون للإبقاء على الصراع وتغذية بؤر التوتر والإرهاب وترهيب الشعب ودفعهم إلى الهجرة وانهاكه بحيث يصل لمرحلة يقبل بكل ما يفرض عليه من وقائع جديدة تخدم سياستهم الهادفة إلى هندسة ديمغرافية جديدة لسوريا؛ بما يخدم ويضمن استمراريتهم ومصالحهم في سوريا والمنطقة على وجه العموم. فبعد أية عملية توافقية ساعية إلى الاتجاه نحو الحل وإيقاف النزيف الدموي ودنو من تجفيف منابع الإرهاب؛ نجدهم يخرجون بتوصيات جديدة تضمن استهداف كيانات ومناطق معينة تحت حجج وذرائع واهية للإبقاء على الأزمة على ماهي عليها وبل تجذيرها أكثر فأكثر. قبل أيام خرجت مجموعة أستانا - بنسختها 17 برعاية روسية إيرانية تركية- بمجموعة من التوصيات ومن بينها استهداف مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تلك الإدارة التي يحمل أبناءها مشروعاً وطنياً حافظوا على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي ووحدة التراب السوري؛ وحاربوا الإرهاب ومازالوا مستمرون في مكافحة خلايا تنظيم داعش. وسرعان ما انتهزت دولة الاحتلال التركي الفرصة وقامت بترجمة تلك التوصيات إلى وقائع معاشة عبر الاستمرار في قصفها للمناطق الآهلة بالمدنيين العزل مخلفة عشرات من الجرحى والضحايا من المدنيين غالبيتهم نساء وأطفال وتفريغ العشرات من القرى الآهلة وتشريدهم، واستهداف تجمعات وسيارات وسكنات بالطائرات المسيرة. حيث أنها لم تعد تخشَ من شيء لأنها باتت تدرك بأن نجاح تجربة الإدارة الذاتية وتعميمها على عموم سوريا ستكون السبيل لإنهاء الإرهاب والحفاظ على التراب السوري ودمقرطة الدولة ونهاية مشاريعها الاحتلالية التوسعية للمنطقة؛ وبالتالي ستكون نهاية لسلطة حكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان. لذا نجدها –تركيا- تستهدف العجوز الثمانيني والشاب العشريني. استهدافهم هذا لم يكن عن عبث بل على العكس تماماً، إنه بداية استهداف المرأة المقاتلة والسياسية والإدارية حتى يحافظ بالبقاء على هذه المجتمعات متخلفة وهشة ومليئة بالتناقضات وعبدة، لأنه - أي النظام التركي - يعلم علم اليقين أنه بتحرر المرأة ستتحرر المجتمعات، ولن يكون هناك فرصة لضمان بقاء الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي تتغذى من استعباد المرأة. واستهداف الثمانيني للقضاء على الروح والجذور المتعلقة بالتراب والوطن. وما استهدافه قبل أيام لمنزل يجتمع فيه مجموعة من الشبيبة الثورية الذين يعتبرون ديناميكية المجتمعات والروح الثائرة الرافضة للخضوع والاحتلال؛ فهي تستهدف الجميع دون استثناء. وفي كل عملية قصف تشنها على المنطقة تصاحبها موجة جديدة للهجرة وتنشيط للإرهاب والتطرف. ولم تتوقف ممارساتها عند هذا الحد، بل وتسعى مع أدواتها وداعميها إلى فرض حصار خانق على مناطق الإدارة؛ عبر إغلاق المعابر في مسعى منها لتجويع الشعب ودفعهم لمحاربة الإدارة. والسياسات التركية هذه تخدم العديد من الأطراف ومنها الحكومة السورية بإطالة عمر الأزمة التي تعتبر ضمان لبقائها في السلطة؛ ومتنفس للإيرانيين باستكمال مشاريعهم، وروسيا التي قدمت مسودة دستور فيدرالي لسوريا عام 2016، نجدها تناقض نفسها اليوم بمحاربة الإدارة الذاتية وتنعتها بالانفصالية. وهي تعلم يقيناً بأن الإدارة الذاتية تعتبر أحد أهم الحلول والأكثر نجاعة للحفاظ على وحدة وسلامة الجغرافية السورية. ولكن يبدو بالرغم من عجزها من الاستمرار في دفع تكلفة تواجدها في سوريا لتردي أوضاعها الاقتصادية من جهة، لكنها من جهة ثانية تبدو في مسعى أخير منها لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح بالإضافة إلى مسعاها إلى الجانب التركي والإيراني وغيرها من الدول المستفيدة بالإبقاء على الأنظمة المركزية في المنطقة؛ والإبقاء على نظام الحكم في سوريا على ما هو عليه. لذا، لم يأتِ التصريح الأخير للمبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف بخصوص بقاء الأسد حيث أنه حذر من "يسعى إلى وضع دستور جديد لتغيير صلاحيات الرئيس، ومن أجل محاولة تغيير السلطة في دمشق، فهذا طريق نحو اللا إمكان. وعلى المعارضة تقديم مقترحات محددة وملموسة، وعدم القول إنه لا يمكن إحراز تقدم أثناء وجود بشار الأسد في السلطة. هذا نهج غير بنّاء ومرفوض". إلى جانب مساعيها الحثيثة بالتنسيق مع بعض الدول العربية بإعادة الحكومة السورية إلى محيطها العربي؛ والرجوع إلى مقعدها في الجامعة العربية. طبعاً، لا نستثني إيران من ذلك وطموحها بتحقيق مشروع الهلال الشيعي؛ إلى جانب دول فاعلة في الأزمة بشكل غير مباشر مستفيدة من الأزمة وبقاء الأنظمة المركزية حتى تضمن بقاء نظامها ومنع انتقال رياح التغيير إلى مجتمعاتها. لذا، مادامت المعارضة السورية تعاني من تشرذم، وتلك التي تحظى بدعم دولي مرهون بشكل كامل للخارج –ارتهان الائتلاف لتركيا- وعدم نيل المعارضة الوطنية لأية شرعية دولية؛ والتي يتم اقصاءها بشكل ممنهج طالما لا تخدم أجندات الدول الطامعة بسوريا وخيراتها؛ وتمسك النظام السوري بذهنيته الاقصائية والرافضة لأية مشاركة وتغيير، ووجود دول وقوى تغذي الأزمة وتجذرها في ظل عدم احتلال الأزمة السورية سلم الأولويات عند الدول العظمى وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهذا يعني أن الأزمة مستمرة ولن يكون هناك حلول على المدى المنظور، وربما تشهد بعض الانفراجات ولكنها ستكون بسيطة وبطيئة.
#ليلى_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعادة العلاقات بين الشعوب ضرورة تاريخية
-
فرص وحظوظ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية
-
قتلة المرأة برعاية طاغية العصر..
-
الهوية والإنسانية تباد في عفرين ؟!.
-
هزيمة داعش تهديد للأمن الوجودي الأردوغاني
-
الإدارة الذاتية.... وقلب موازين القوى في الأزمة السورية
-
لا بديل عن الحوار السوري – السوري للخروج من الأزمة
-
تركيا ... والأزمات الدبلوماسية
-
هل حان الأوان لنهاية شهر العسل الروسي – التركي؟
-
داعش حبل نجاة أردوغان..
-
اللجنة الدستورية بنسختها السادسة: خطوة نحو الأمام، أم استنسا
...
-
توافق أمريكي – روسي على لجم تركيا عبر البوابة العربية
-
لعنة أطفال سري كانيه وكري سبي تلاحق أردوغان وأزلامه
-
فرص إعادة تعويم النظام أو تحييده من بوابة التطبيع
-
مألات الصراع السوري
-
هل سينهي الروس حظوظ التواجد التركي في سوريا؟
-
الثابت المتغير في الاستراتيجية الأمريكية
-
أفغانيات يكسرن حاجز الصمت في مملكة الظلام
-
من بوابة اللاجئين.. توافق روسي- تركي لشرعنة النظام.
-
جدلية العلاقة ما بين الوطنية والأمن الإنساني
المزيد.....
-
حاول الهرب فعلق أسفل جسر.. شاهد ما حدث لسارق تطارده الشرطة
-
الكويت.. فيديو -سري للغاية- ومداهمة أشخاص بمؤسسات ودوائر يثي
...
-
-بطائرة سعودية خاصة-.. أحمد الشرع يثير تكهنات بصورة توجهه إل
...
-
مسيّرات إسرائيلية تستهدف مخيم النصيرات
-
الرئيس الصومالي يهنّئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا
-
نتنياهو يفاخر بأنه أول زعيم يلتقي ترامب بعد انتخابه (فيديو)
...
-
بزشكيان: قدراتنا العسكرية هي للدفاع وليست من أجل الهجوم على
...
-
الولايات المتحدة.. انفجار وحريق هائل في مصفاة نفطية (فديديوه
...
-
توسيع العملية العسكرية بالضفة والأزمة الإنسانية تتفاقم بغزة
...
-
الكرياتين: مكمل رياضي يعزز الصحة النفسية ويخفف أعراض الاكتئا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|