أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - خيوط العنكبوت … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

خيوط العنكبوت … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7123 - 2022 / 1 / 1 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


قالوا : ألا تعيش في العراق ؟
قلتُ : بلى .. وهل لي غيره ؟ فهو هويتي وستري وغطاي وخاتمتي !
إذن لم لا تكتب قصة عن الفساد في العراق ، ألا تشم رائحته ؟
فكتبت هذه القصة ، وهي في حبكتها ، وشخوصها نسيج من حقيقة ، وضربٌ من خيالْ ، ولا ترمي الى أحد معين .. القصة :
***********
السيدة خيرية خلف .. موظفة بسيطة في إحدى المؤسسات العامة التابعة لاحدى الوزارات في هذا الوطن المسكين .. يناديها الموظفون والعمال والسعاة ، وحتى المدير العام نفسه ( بأم عادل ) احتراماً لكبر سنها ، فهي في السنوات الأولى بعد الخمسين .
اختارها السيد المدير العام في بداية تكريمه بالمنصب بعد أن رأى منها الطموح والطاعة والخنوع ، ففضلها على غيرها لتكون سكرتيرته الخاصة ، وأمينة سره ، فأصبحت بمرور الأيام من زبانيته المخلصين .. تُشرف بنفسها على الصفقات والتعاملات والعمولات التي تخص المدير بذكاء ودهاء نادرين ، ويلوحها مما قُسم نصيب !
وبما أن الفساد باشكاله من نهب ورشوة ومحسوبية الخ الخ قد استشرى في كل مفاصل الحكومة ، وأخذ يتوالد ويتكاثر ، وينهش بجشع في جسد مؤسسات الدولة عموما ، فلم تكن هذه المؤسسة استثناءً ، فأصبحت اكتاف الطامحين الطامعين تتدافع علناً ، وعلى رؤوس الاشهاد للحصول على حصة من الكعكة المهملة والمتروكة للذباب الجائع ، ولأنياب الضباع تنهشها كيفما اتفق !
ولم يمضِ على وجود أم عادل في هذا المنصب الحساس سوى سنتين ، وبضعة أشهر حتى حدّثت بيتها ووسعته ، وتحول الى ما يشبه الفيلا الفاخرة بعد أن كان بالخرابة أشبه ، فذاب صدء السنين العجاف ، وبدأت المرأة وأسرتها حياة جديدة مُنعمة .. فاشترت شقة في الشمال للتصييف ، وأخرى في اسطنبول لنفس الغرض ، وسيارة حديثة لابنها عادل .. أما زوجها فقد اكتفى بعملية لزراعة الشعر لصلعته في تركيا كلفتها مع مصاريف السياحة كذا مبلغ ، وتقول أحدى التسريبات بأنها تتطلع الى شراء شقة في لندن ضمانة للمستقبل ، وكل شيء يبدء بحلم ! ورحلة الألف ميل تبدء بخطوة .. عموماً عاشت المرأة أياماً من العز لم يسبقها اليها أحد .. سبحان الذي يغير ولا يتغير !
وفي يوم كغيره من الأيام قفزت الى ذهنها فكرة .. طرحتها اولاً على زوجها فاعجبته ، فقررت ان تعرضها على السيد المدير العام لترى رأيه فيها .. ملخصها :
أن تعمل سجلاً تدون فيه انجازات ونشاطات وابداعات - الحقيقية منها والوهمية - لموظفين وعمال وسعاة - الموجودين منهم والفضائيين - على حد سواء ، وتدس فيه من وحي خيالها الخصب نشاطات متنوعة للسيد المدير العام لم يقم بها ، ولايمكن أن تخطر له على بال ، وعقوبات وهمية صارمة كان المدير العام قد وجهها الى المقصرين والمتخاذلين .. وغيرها من عمليات التجميل بالنفخ والبوتكس لوجه المؤسسة ، والقائمين عليها البشع ، وتقوم بتوقيعها كالعادة بتوقيع المدير الذي تحسن تقليده ، وتمهرها بختم الدائرة الذي تحتفظ بنسخة عزيزة وغالية منه في عهدتها ، وتقدمه الى أي جهة رقابية عند قيامها بزيارة المؤسسة !
أخذت تعمل على هذا المشروع ليل نهار حتى انجزته بحرفية عالية ، وبمنتهى الدقة خلال اسبوعين فقط .. سجلٌ متقن كأنما دبره شيطان رجيم .. ثم قدمته الى السيد المدير للإطلاع ، وإبداء الرأي .. انبهر المدير بسعة خيال ام عادل ، وهنأها على ذكائها ، وأقره على الفور بعد أن عدّل فيه قليلاً ، وأضاف أقل !
ومرت الأيام كما مقدر لها ، والامور في المؤسسة تمشي كما في كل العراق الغالي بقدرة قادر .. حتى جاء ذلك اليوم الذي وصلت فيه إشارة الى أم عادل من أعوانها وجواسيسها المنتشرين في مراكز القرار بأن الوزير أو رئيس الكتلة يُحتمل أن يقوما بزيارة الى المؤسسة ، وعندما حضر المدير أسرعت اليه بالخبر :
وكان جالسا على مكتبه ، وهو جامد الوجه متعكر المزاج غارقاً في لجة من أفكاره .. كعادت الشخصيات المهمة :
— صباح الخير استاذ ..
— أهلا أم عادل صباح الخير ، ما ورائك من الصبح ؟ ليس من عادتك أن تقتحمي علي غرفتي هكذا الا اذا كانت هناك مصيبة على وشك أن تقع على رأسي !
قالت .. وفي صوتها رنة الصدق :
— يسلم راسك استاذ .. كل خير انشاء الله ، وانشاء الله من هذا الكرسي الى كرسي الوزارة بعون الله ..
ينفش المدير ريشه كالطاووس ، ويعتدل في جلسته ، ويقاطعها ويدعوها الى أن تُفرغ ما في جعبتها .
— وصلتني أخبار شبه مؤكدة بأن الوزير أو ربما رئيس الكتلة سيقومان بزيارة الى المؤسسة قريباً .. كل على حدة ، ولا ندري بالضبط من سيسبق الآخر .
ينتفض المدير ، وكأن عقرباً لدغه ، فهو لا يعير الوزير أي أهمية ، فعنده من أسراره ما يؤمن جانبه .. لكنه تضايق من زيارة رئيس الكتلة ، فهذا الرجل شئ آخر .. رغم أن حصته من عضد الفريسة يوصلها اليه بانتظام الا انه توجس منه خيفةً !
— هل اخذتِ احتيطاتك ، فأنتِ تعرفين البئر وغطائه … !
— تلميذتك النجيبة استاذ .. انشاء الله كل خير .. مازال ام عادل موجودة .. لا تقلق ولا تهتم !
يمضي يردد من غير وعي منه : اللة يستر .. وقال لها أن لا تُدخل عليه أحد إلا بعد ساعة ، وطلب فنجان قهوة سادة بدون سكر .
أخذت أم عادل تعمل في استكانة ، وصمت كأنها آلة تتحرك ، وبدأت استعداداتها للزيارة المرتقبة لكي تضمن للرؤوس الكبيرة جميعها السلامة ، وأولها رأس المدير !
حتى كان صباحاً ليس ككل صباح .. حدثت فيه جلبة ، ودمدمتُ أقدام ، وأصواتٌ تتلاطم مع بعضها .. لم يأتي الوزير بل جاء رئيس الكتلة ، وابتسامة مصطنعة تلتصق بوجهه العبوس .. مع رهط من صحبه ، وقد نمت منهم اللحى .. منها البيضاء ومنها السوداء والبين بين .. ينتفض الجميع وقوفاً ، وتنفجر على ألسنتهم الصلوات على محمد وآله ، وكان كل شيء قد أُعد سلفاً وباتقان .. تُشرف على كل حركة في المؤسسة أم عادل ومساعديها .
وعندما وصل الخبر الى المدير استبد به القلق ، وأخذ قلبه يرتجف كسعفةٍ تعبث بها الريح .. ثم هرع ورجاله لاستقبال رئيس الكتلة بكلمات جوفاء محفوظة اعتادوا على ترديدها ، وهم يضغطون على ما تبقى من أعصابهم حتى لا تنهار ، فهذا الرجل يُمسك باعناقهم ، وبيده مصيرهم ، فهو من أصحاب الحل والعقد في الدولة .. يتكأكأ على بابه العشرات من طالبي الحاجة كل يوم !
وبعد استراحة قصيرة .. تقدمت أم عادل بالسجل بكل ثقة .. وهي منفوخة الصدر والأوداج .. تسير بخطى خفيفة لا تكاد تلامس الارض ، وتتمتم ببعض من كلمات الترحيب التي لا تخلو من تملق ، وقدمته الى رئيس الكتلة الذي تناوله ، وأخذ يقلب فيه ، ويقرء بامعان مصطنع ، وهو يهز رأسه استحساناً ورضاءً :
— بسم الله .. هه .. ما شاء الله .. جيد .. ممتاز .. عفيّة .. خير انشاء الله .. احسنتم .. هذا كان ظني بكم .. بارك الله فيكم !
ثم همّش تعليقاً شكلياً قصيراً وأغلقه ، وفي النهاية أصدر توجيهاته وتعليماته ، وهو يتحدث بثقة ، وكأنه يملك المكان .
يخرج الجمع ، وعلى رأسهم المدير في توديع السيد رئيس الكتلة .. يمضى موكبه ، وتنتهي الزيارة على خير ، وينجوا الجميع ، وتعود الى الوجوه يقظتها من جديد .. لم يصدق المدير مدى الرضاء والاستحسان الذي أغدقه عليه ، وعلى العاملين في المؤسسه ، وكم أثنى على السجل ، وأعتبره بمثابة أثر أو تأريخ ، والتاريخ لا يموت كما قال .. يخلد للمؤسسة انجازاتها لتبقى نبراساً على مر الزمن !
وتمضي الأيام ، وتسقط الوزارة تحت ضغط مظاهرات الاحتجاج على الفساد ، وتبدء مشاورات الكتل من جديد لتكليف رئيس جديد للوزراء ، وتشكيل كابينة جديدة .
وتتشكل الحكومة الجديدة كالعادة بعد مخاض عسير .. لا غرابة .. فالقوم يتقاتلون على الحكم .. لا لمعاجة امراض الفقر ، والتخفيف من أيام الشقاء التي لا تنتهي ، ولا لإقامة التوازن الحرج بين الجوع والتخمة ، ولا ليشعلوا شمعة ، ويحاربوا الظلام ، وانما لجني الثمار وزيادة الغلة ، واللعب بالمصائر .
وهبت فجأةً رياح التغيير تحمل معها خبر ترشيح السيد المدير العام في التشكيلة الوزارية الجديدة .. تقديراً لنزاهته ، واخلاصه في العمل ، وحسن ادارته للمؤسسة التي كان يديرها بكل كفاءة واقتدار !
ويصبح المدير الذي عمل كل ألاعيب الدنيا والآخرة .. وزيراً !
تدخل عليه أم عادل لتزف له البشرى ، وتخطف الحلاوة :
— مبروك .. الف الف مبروك استاذ .. أم أقول يا معالي الوزير ؟!
تستريح ملامحه فجأةً .. يقاطعها ، وهو منفعل وعيناه تلمعان ببريق الفوز .. يكاد يطير من الفرحة :
— أواثقة مما تقولين ؟
— وثوقي من رؤية حضرتك ..
يقول منتشياً :
— وصلني رذاذ من هنا وهناك لكني لم أصدق .. اللة يبارك فيكِ .. لنصبر قليلا حتى يصبح الحلم حقيقة .
ووسط هذه المشاعر الفياضة ، والانفعال بالخبر ، والحلم بمغانمه يقول :
— أم عادل : اطلبي .. شبيكِ لبيكِ .. ماذا تريدين حلاوة الوزارة .. ما يغلى عليك شيء ، فأنتِ وجه السعد والخير كله ؟
تصمت لحظة لتلتقط انفاسها ثم تقول ، وهي تفتعل الخجل :
— أريد سلامتك .. موفق انشاء الله .. اللهم آمين .. ( فترة صمت .. ثم ) وإذا حضرتك مصر فعندي طلبين :
— أأمري .. !
— استغفر الله .. ( تُكمل ) الاول تعيين خدامك عادل في إحدى السفارات في اوربا ، والثاني .. ( صمتٌ لذيذ ) .. خجلانة .. والله خجلانة .. ( يحمر وجهها كأنها قد عادت صبية ) .. !
يقول كأنه مسحور :
— اطلبي .. ما يغلى عليك شيء ابداً .. ( يضع يده على شاربه )
تقول في صوت بارد سريع ، وابتسامتها تقفز على شفتيها :
— شقة في لندن .. !
يقهقه عالياً في نشوة ليس كمثلها نشوة .. ثم يقول في خضوع :
— حاضر .. من عيوني .. غالي والطلب رخيص !
تشهق في فرح .. تحتضنه بعينين شاكرتين ، وتهيم في فرحتها .. !!



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيرة زوجة … ! ( قصة قصيرة )
- لم كل هذه الدموع … ؟! ( قصة قصيرة )
- زوجة .. مع وقف التنفيذ ! ( قصة قصيرة )
- أيامٌ مرَّت وراحت … ! ( قصة قصيرة )
- وكانت أيام … ! ( قصة قصيرة )
- من شابه أباه فما ظلم .. ! ( قصة قصيرة )
- الولد سر أبيه .. ! ( قصة قصيرة )
- الأفعى … ! ( قصة قصيرة )
- زوج .. أبو عين زايغة ! ( قصة قصيرة )
- وداوها بالتي كانت هي الداءُ … ! ( قصة قصيرة )
- في البدء كانت الخيانة … ! ( قصة قصيرة )
- جحلو … ! ( قصة قصيرة )
- العقاب من جنس العمل … ! ( قصة قصيرة )
- فقراء يائسون … ! ( قصة قصيرة )
- الزواج فوبيا … ! (قصة قصيرة )
- رباب … ! (قصة قصيرة )
- غداء رومانسي … ! ( قصة قصيرة )
- بنت الباشا … ! ( قصة قصيرة )
- الأيام الأخيرة في حياة ( معيوف ) … ! ( قصة قصيرة )
- بطرس … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - خيوط العنكبوت … ! ( قصة قصيرة )