|
الصورة بين التخليد والاغتيال
عبد الله أبويه
طالب باحث من المغرب
(Abdellah Oubouyh)
الحوار المتمدن-العدد: 7123 - 2021 / 12 / 31 - 23:50
المحور:
الادب والفن
اليوم لم يعد العالم الواقعي يغرينا بقدر ما يغرينا العالم الافتراضي، هذا الأخير الذي يغزو حياة الإنسان ويفتك بها ويمدد من المسافة الفاصلة بينه وبين عالمه الواقعي، ليصبح وجوده رهينا بقدرته على التفاعل مع هذه العالم، هنا نتساءل: ما الذي يجعل هذا العالم على إغراء الإنسان بانتشاله مرغما من عالم حميمي والزج به في عالم التقنية؟ لا شك أن المتتبع لآليات أو لنقل الوسائط المعتمد عليها في هذا العالم، يجد أن الصورة تحتل مكانة أساسية في تسيير الإنسان بين التوجيه والتضليل بين التواصل والإقناع؛ في عملية التواصل بين العالم وجماهيره، وبين الجماهير فيما بينهم، لقد أصبح الوجود رهينا بالصورة التقاطها وتداولها، تركيبها وتحليلها، تطويعها وتفكيكها، " الصورة موجودة في كل مكان، وتراجعت حقائق الوجود ـمام الاندفاع الأهوج لحالات الاستعراء والاستبصار والاحتماء الدائم بالصورة، كما يفعل ذلك هواة السيلفي بنرجسية مريضة أو ما يفعله آخرون اتقاء لشر زمنية تدمر كل شيء في طريقها " " فلا أحد منا يمكن أن يتصور شوارع المدن والساحات خالية من الصور، أو يمكن أن يقتني شيئا يصفه ويحتفي بمزاياه النص المكتوب وحده " ، فالصورة على حد قول الأستاذ سعيد بنكراد " نص فيما يخص المعنى " وبالتالي فالصورة لغة تنتج معاني قد لا تتحقق في اللغة بالقدر نفسه من الوضوح ولكنها "توجه الوجدان إلى ما أغفلته الكلمات أو تجاهلته" وهذا المعنى ليس مودعا في المادة التي تقوم بتمثيلها، بل في شكل حضورها ضمن مساحة محدودة. إذ أن الصورة تمارس سلطتها على الإنسان من كل الجوانب، وهذا أمر نلاحظه بسهولة دون اللجوء إلى سبل الحجج والبراهين، فالصورة واحدة في وسائل التعبير والتواصل في زمننا إلى درجة صارت فيها من الوسائل الضرورية التي يسعى الإنسان لامتلاكها والسيطرة عليها، والتحكم فيها بغض النظر عن الحاجات الأخرى، لقد أصبحنا نعيش فعلا في عصر "حضارة الصورة"، كما قال ريتشارد كيرني "، ولم يعد ممكنا أن نفكر في كثير من أمور حياتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والترويجية دون أن نفكر في الصور. لقد قال أرسطو ذات مرة؛ إن التفكير مستحيل من دون صور، فالصور كما سبق الإشارة إلى ذلك موجودة في كل مكان، إنها لا تكف عن التدفق والحضور في كل لحظة من لحظات حياتنا، إننا نعيش في "حضارة الصورة " كما قال الناقد الفرنسي "رولان بارث" بعد ذلك، والصورة لم تعد تساوي فقط ألف كلمة، كما جاء في القول الصيني المأثورـ بل صارت بمليون كلمة وربما أكثر." والاهتمام هذا بالصورة ليس وليد اليوم وإن على سلطتها وبطشها، أكثر من أي وقت مضى، "فتراثنا العربي يعكس الاهتمام بالصورة التي يعود تاريخها لتاريخ الإنسان، وقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى تركيب الصور قائلا: الإنسان يدرك الخارج عن ذاته والفكر الذي وراء حسه، وذلك بقوى جعلت له في بطون دماغه ينتزع بها صورة المحسوسات ويجول بذهنه فيها فيجرد منها صورا أخرى، والفكر هو التصرف على تلك الصور وراء الحس وجولان الذهن فيها بالانتزاع والتركيب"[1] وكأن ابن خلدون يشرح لنا بهذه الكلمات كيف تتم عملية المونتاج التلفزيوني اليوم. إننا في الإبصار – عالم الصورة - نتعلم كيف نعيد التقاط ما سبق أن أودعناه في محيطنا المباشر في الأشياء والكائنات والظواهر، وبالتالي فلا شيء يمنعنا من القول أن كل شيء صورة، ولا يمكن فهمه وتحديد دلالته دون الإلمام بقوانينها وطرق اشتغالها، فنحن نتعامل معها باعتبارها تعبيرا رمزيا مضافا وليس مجرد محاكاة صامتة لمحيط طبيعي أو إنساني لذلك علينا أن نعلم العين كيف تقرأ الصورة من خلال مدها بمعرفة بصرية تمكنها من التقاط الدلالة في الصورة، وبالتالي فالقضية المركزية في تحديد طبيعة الصورة تتمثل في معرفة كيف تأتي الصورة إلى العين وتستوطنها باعتبارها نظيرا للشيء الذي تقويم بتمثيله، والعلامة البصرية رغم إحالتها على تشابه ظاهري، إلا أنها لا تقدم لنا تمثيلا محايدا لمعطى موضوعي منفصل عن التجربة الإنسانية، فالوقائع البصرية في تنوعها وغناها " لغة مسننة" أودعها الاستعمال الإنساني فيها، للدلالة والتواصل والتمثيل، وبالتالي فالدلالات التي يمكن الكشف عنها داخل هذه العلامات هي دلالات وليدة تسنين ثقافي وليست جواهر مضمونية موحى بها، إنها محكومة بوقائع توجد خارجها .[2] إن إنتاج الصورة للمعنى يستند إلى سلسلة من القواعد التي لا يمكن للجاهل بها أن يدرك فيما هو أبعد من التمثيل سوى وجود الأشياء ذاتها، وللإلمام بطبيعة حضور المعنى في الصورة يجب إدراك القضية المركزية المتمثلة في معرفة الطريقة التي تأتي من خلالها الصورة إلى العين وتستوطنها باعتبارها نظيرا للشيء الذي تقوم بتمثيله [3] فالوقائع البصرية في تنوعها وغناها تشكل لغة مسننة أودعها الاستعمال الإنساني فيها للدلالة والتواصل والتمثيل، وبالتالي فالدلالات التي يمكن الكشف عنها داخل هذه العلامات هي دلالات وليدة تسنين ثقافي وليست جواهر مضمونية موحى بها، المتحكم فيها إذن وقائع توجد خارجها.
#عبد_الله_أبويه (هاشتاغ)
Abdellah_Oubouyh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المناطق الفاصلة بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل استنادا
...
-
مقدمة للبلاغة الجديدة
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|