شهدت الايام القليلة الماضية سلسلة من الاحداث العسكرية في المملكة السعودية التي يتوجب علينا التوقف عندها، وهي:
1. محاولات حرق عدد من الحسينيات في تاروت وبعض المدن في المنطقة الشرقية، وذلك بعد الخلافات الحادة في صفوف المعارضة حيث رفض السلف التوقيع على عريضة تطالب بالمساواة والغاء التمييز الطائفي .. مما اعتبره البعض حركة من السلف / أي جماعة بن لادن ضد مؤسسات شيعية او من عمل المخابرات لتصعيد الخلافات بين اطراف المعارضة في السعودية.
2. اكتشاف السلطات السعودية كميات كبيرة من الاسلحة وتبادل اطلاق النار مع عدد من العناصر التي تمكنت من الفرار. وذلك قبيل اسبوع، والطلب من المواطنين ارشاد اجهزة الامن الى العناصر المطلوبة.
3. الهجوم المسلح على ثلاث مجمعات سكنية في الرياض يقطنها اجانب من بينهم امريكان وبريطانيين ويبدو ان واحدة منها تضم عاملين في شركة امريكية (شركة فينيل التي كان لها دور كبير في حرب فيتنام لتدريب مرتزقة سايغون ضد ثوار الفيتكونغ) تقوم بتدريب الحرس الوطني، حيث اسفر الهجوم الذي شارك فيه قرابة 9 انتحاريين الى تدمير اقسام كبيرة من المجمعات السكنية ومقتل العشرات واصابة المئات بجروح وذلك قبيل زيارة كولن باول للرياض في جولته الاخيرة. وقد اشارت وكالات الانباء الى ان الهجوم قد خطط له ونفذ من قبل جماعة القاعدة التي يقودها اسامة بن لادن.
اعتبرت الولايات المتحدة هذا الهجوم موجهاً ضدها بالدرجة الاساسية.. وتوعدت بملاحقة مرتكبيه.. وان العدالة الاميركية (وليس السعودية) ستلاحقهم..
الحرب بين امريكا وتنظيم القاعدة
افترق الحليفان (امريكا والقاعدة) بعد حرب الخليج الثانية، حيث وجد بن لادن وانصاره ان الولايات المتحدة قد احتلت منطقة الخليج وان المعركة لم تعد بين الاسلام والشيوعية (الاتحاد السوفيتي الذي كان يلفظ انفاسه) وانما بين الاسلام وامريكا والغرب الكافر عموماً.. وبدأ الحديث عن المواجهة العالمية بين هذين المعسكرين، حيث قام تنظيم القاعدة بشن سلسلة من الهجمات في الصومال واليمن وشرق آسيا.. وتمكنت من ترتيب قاعدة لها في افغانستان عندما وصلت حركة طالبان الى السلطة في كابول لتجعل منها بؤرة للحركة السلفية يقود من خلالها بن لادن المعركة العالمية ضد الغرب الكافر ويقيم عليها الدولة الاسلامية بالنموذج الوهابي.
وكانت تفجيرات نيويورك وواشنطن (اذا صدقنا الرواية الامريكية) ذروة المواجهة .. وجعلت منها الادارة الامريكية الشماعة لتشكيل حلف عالمي ضد الارهاب.. دعت كل دول العالم الى التوحد تحت قيادتها لشن الحرب على كل القوى المعادية للولايات المتحدة وحلفائها وخاصة الكيان الصهيوني .. وبالتالي اعتبرت كافة المنظمات الفلسطينية وحزب الله وسوريا وايران في معسكر الارهاب / اضافة الى ما سمته محور الشر الذي ادخلت فيه العراق وكوريا الشمالية. لكن التركيز الاساسي كان على الحركة الاسلامية السلفية التي تقف ضد الولايات المتحدة الداعمة للكيان الصهيوني والناشرة لقواتها العسكرية في جزيرة العرب.. اضافة الى تصديها لكافة برامج التحديث في المنطقة حيث ترى في ذلك تبعية للغرب الكافر..
شنت الولايات المتحدة الحرب على افغانستان وتمكنت من اسقاط نظام طالبان وتنصيب حكومة تأتمر بأوامر الولايات المتحدة، لكن هذه الحكومة ادخلت الكثير من الاصلاحات السياسية والاجتماعية في افغانستان بحيث استفادت قوى اجتماعية عديدة لم تكن متوافقة مع طالبان..
وبالرغم من التأييد او التعاطف العلني او المستتر من قبل الكثير من قوى التحرر لبعض العمليات التي قامت بها جماعات القاعدة، الا ان العديد من هذه العمليات قد ووجه بالا ستنكار والشجب، كما ان البعض بدأ يتمحص البرنامج السياسي والاجتماعي لتنظيم القاعدة وخطورته على المجتمعات العربية والاسلامية التي تريد تحقيق اصلاحات سياسية واجتماعية هي في امس الحاجة اليها... مما خلق ارباكاً في صفوف الديمقراطيين والاسلاميين المتنورين المعادين للهيمنة الامريكية .. هذه القوى المؤمنة بالتقدم والديمقراطية والحرية والرافضة كلية للعولمة الامريكية والقطب الواحد والسلوك المتعجرف للادارة الامريكية التي تريد تدمير كافة المؤسسات الدولية لاعادة صياغتها حسب رؤيتها للعالم..
وفي المنطقة العربية باتت حركة التحرر العربية في وضع سيء لغاية حيث انها لا يمكن ان تقف مع العدو الامريكي الداعم بلا حدود للكيان الصهيوني.. ولا يمكنها الا ان تقف الى جانب النضال البطولي العادل للشعب الفلسطيني الذي يقدم يومياً الشهداء والاستشهاديين من اجل التحرير.. لكنها تريد الديمقراطية والتحرر والتقدم والمساواة والعدالة الاجتماعية ولا تريد فرض انظمة شمولية سواء كانت دينية او شيوعية او قومية ..
تفجيرات الرياض
يبدو ان هذه التفجيرات ستكون لها انعكاسات كبيرة بمستوى تفجيرات نيويورك.. بل يمكن القول بأنها الحلقة الاخرى من الصراع الذي نقلت القاعدة المعركة الى قلب المعسكر الآخر.. فاذا كانت الولايات المتحدة هي العدو الاجنبي فان بن لادن يرى في المملكة السعودية العدو المحلي الذي فتح الابواب للامريكان ودنس الجزيرة العربية ويستجيب للاملاءات الامريكية وبالتالي لابد من التصدي له واسقاطه..
في هذه الفترة يتعرض النظام السعودي الى جملة من الضغوطات الخارجية والداخلية الكبيرة التي سيتقرر على ضوء كيفية استجابته او تصديه لها خط السير القادم ليس فقط في المملكة وانما في المنطقة برمتها أي دول المجلس التعاون والدول العربية الاخرى.. وابرزها التالي:
1. الضغوطات الامريكية الكبيرة التي ترى فيه منبع الارهاب الفكري والسياسي سواء بوجود جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر او الجمعيات والفعاليات الاسلامية التي تجمع التبرعات للجماعات الاسلامية في العديد من دول العالم وترسل المتطوعين، سواء الى الشيشان او افغانستان او غيرها.. او تقف مع النضال العادل للشعب الفلسطيني.
2. القوى الاجتماعية الحديثة في المملكة، من التجار والصناعيين الى العمال والطبقة الوسطى التي تريد تحديث النظام الحاكم والمشاركة السياسية وادخال اصلاحات واسعة النظاق عبرت عنها محتويات الوثيقة الوقعة من قبل اكثر من مائة شخصية متعددة الاتجاهات الفكرية والسياسية والتي رفعت الى ولي العهد السعودي..وهذه القوى تطالب بالمساواة والغاء التمييز الطائفي واعطاء المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية. واصلاح القضاء .. الخ.. مما يجعلها في صدام مع المؤسسة الدينية ـ السياسية التي تعتبر هي الحزب الحاكم في المملكة.
3. السلطة الحاكمة المتمثلة في الاسر السعودية وكبار المسؤوليين البيروقراطيين وجماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. والاسرة الحاكمة بها تباينات.. وكذلك كبار المسؤوليين.. الا ان الحزب الحاكم يشكل الاكثر تخلفاً والاكثر اصراراً على التمسك بالقديم وعدم ادخال اية اصلاحات حقيقية في النظام السياسي او التعليمي ..
الهجوم الانتحاري في الرياض يوم الثاني عشر من مايو 2003 فتح الابواب مشرعة للتدخل الامريكي الواسع في الايام القادمة لمواجهة الحزب الحاكم السعودي الذي يقف وراء "الارهاب" وبالتالي لا بد من تحطيمه كما حطمت الادارة العسكرية المحتلة للعراق الحزب الشمولي الحاكم في بغداد.. وفتحت كافة الاحتمالات للتطور السياسي في العراق..
ولا بد من الاشارة الى ان وزارة الخارجية الامريكية قد اصدرت قبل فترة تقريرها حول المملكة السعودية والانتقادات الشديدة حول الاوضاع المتعلقة بحقوق الانسان.. كما ان دعوة الرئيس الامريكي لعقد مؤتمر لاستقلال القضاء في المنطقة مؤشر على التوجهات الامريكية للتدخل في كافة مناحي الحياة في دول المنطقة لاعادة رسمها من جديد.
وعلينا ان نحدد موقفنا من هذه التطورات.
انني ارى اهمية بالغة ان يكون للحركة الديمقراطية والوطنية والاسلامية المتنورة برنامجها الخاص لتكون طرفاً في المعادلة .. ولا تقف مدافعة عن هذا او ذاك بحجة الحفاظ على الوحدة او ضد الامبريالية او ما شابه من شعارات لا تحدد للناس مايجب عليهم عمله، او تجعلهم يصبون الماء في طاحونة عدوهم الداخلي او عدوهم الخارجي..
ان الحركة الشعبية لديها مطالبها الواضحة المتعلقة بالاصلاح السياسي والاداري والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي الشامل.. هذا الاصلاح الذي يرتكز على الشفافية وضرورة اشاعة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والمواطنة المتساوية والمشاركة الشعبية في صنع القرار وضرورة وضع دساتير عصرية ودولة المؤسسات والقانون ، واستقلال السلطات الثلاث وحرية التعبير والتنظيم والنشر، وحرية تشكيل الاحزاب السياسية والنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني...والحد من سلطات الاسر الحاكمة ورجالاتها الذين يتصرفون وكأن الارض ومن عليها ملكية خاصة لهم..
والحركة الديمقراطية تقف ضد التنظيمات الطائفية والمعادية للتقدم وحقوق المرأة ... حيث قد نجد أنفسنا نعتبر الموقف من حقوق المرأة مقياساً لجدية أي تنظيم سياسي في هذه المنطقة .. وبالتالي فاننا نرى بأن هذه التفجيرات الاخيرة مضرة للغاية .. وتقدم للولايات المتحدة الكثير من التبريرات للاحتلال الحقيقي الواسع للمملكة لاعادة صياغة كافة اوضاعها الداخلية..
ان النظام مطالب بادخال اصلاحات كبيرة.. وعلى كافة قوى المجتمع ان تقف ضد الطائفيين وقوى التخلف.. والذين يرون في العمليات العسكرية تكملة لبرنامجهم السياسي...
ان القوى الديمقراطية والقومية لا تقف مع العمليات العسكرية خارج فلسطين.. ان العمليات الاستشهادية التي ندعمها بلا حدود هي عمليات الاستشهاد في فلسطين.. ضد الغزاة الصهاينة ومن اجل تحرير فلسطين واقامة الدولة الديمقراطية على ارض فلسطين والغاء الكيان العنصري الاستيطاني التوسعي الذي لا ينتمي الى العصر وانما يشكل امتداداً لافرازات العنصرية الرأسمالية .. اما بية العمليات العسكرية في دول العالم ، فاننا نرى بأنها مضرة لنضالنا العادل.. دون ان نتوقف لحظة عن النضال ضد الامبريالية الامريكية ومشاريعها للهيمنة، وعلينا ان نرتبط بكل القوى المعادية للعولمة الامريكية .. هذه الحركة التي يتزايد نشاطها يوماً بعد يوم.
ان التوجه نحو الاصلاحات السياسية يتطلب المزيد من العلاقات بين القوى السياسية في البحرين وبينها وبين كل المناضلين من اجل الاصح في بقية دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص.. في ذات الوقت الذي نكثف من كل اشكال التضامن مع اشقائنا في فلسطين لدعمهم في نضالهم ضد شرون وعصابته..