|
الفلسطينيون والمعركة القادمة
سنية الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 7122 - 2021 / 12 / 30 - 12:02
المحور:
القضية الفلسطينية
رغم أنها الأشد والأكثر كثافة، كما تشير تصريحات المتابعين، لا تعتبر اعتداءات المستوطنين الأخيرة على الفلسطينيين الحدث الأهم، إذ أن تحدي هجمات المستوطنيين والتصدي لها هو الحدث الأكثر أهمية اليوم. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل بدأت المعركة الحاسمة بين الفلسطينيين ومحتلهم؟ بعد أن أسقطت إسرائيل آخر غصن للزيتون من بدهم. لم تكن الحالة التي وصلت اليها أوضاع الضفة الغربية بمفاجئة لكثير من المتابعين، فتاريخ إسرائيل ومصالحها المعلنة، وسياساتها الممنهجة تشير إلى ضرورة الوصول إلى حالة المواجهة والاشتباك مع الاحتلال في النهاية، إذ أن الشعب الفلسطيني لم يكن يوماً شاهد زور أو متفرجاً على مؤامرات الاحتلال المستمرة بحقه والتي تهدف صراحة لنهب أرضه وتهميش وجوده ونفيه عن وطنه وهو ساكن فيه. قد يكون من المفيد إعادة تشخيص الحالة الفلسطينية اليوم، ومراجعة واقع الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس، المستهدفين الرئيسيين في معركة الأرض مع الاحتلال، في إطار وضع المعطيات اللازمة لمرحلة المواجهة والاشتباك القادمة.
تشير العديد من الشواهد أن الحركة الصهيونية ومن بعدها إسرائيل لم تأت إلى فلسطين أو تستولي عليها كي تقسم الأرض بينهما وبين أهلها، فاختارت الحركة الصهيونية السيطرة على غرب وشمال فلسطين في البداية، على الرغم من أن ادعاءاتها الدينية التي اعتمدت عليها تتركز في الأساس على شرق وجنوب فلسطين بما أسمته "يهودا والسامرة". وأوعزت الحركة الصهيونية إلى لجنة بيل عام 1937، الجهة الأولى تاريخياً التي أشارت إلى فكرة التقسيم، رغبتها بالسيطرة على الساحل الغربي والجزء الشمالي من أرض فلسطين. تاريخياً، اهتمت الحركة الصهيونية بالحصول على الأرض ونفي أهلها، فادعت في البداية بأن فلسين "أرض بلا شعب"، وبعد أن اتضح صعوبة إنكار الوجود الفلسطيني المتجذر في الأرض، انتهجت سياسة تقوم على السيطرة على الأرض والتمدد التدريجي فيها، وغرس مهاجرين غرباء عنها فيها، وطرد أهلها الأصليين منها. وقامت الحركة الصهيونية في النهاية بطرد مليون فلسطيني عن أرضه دفعة واحدة، في إطار تركيزها على امتلاك عامل القوة، ونفيه عن الطرف الآخر لتحقيق أهدافها.
لم تختلف توجهات الصهيونية الدينية أو الصهيونية القومية التي تحكم إسرائيل منذ قيامها عام 1948 حول قضية الأرض والسيطرة عليها، فأزال احتلال عام 1967 أية تباينات أيديولوجية بين الطرفين، فيما يتعلق بالسيطرة على الأرض الفلسطينية، ونفي سكانها عنها، في مخطط استكمال السيطرة على ما تبقى من فلسطين. بدأت إسرائيل بمخطط استيطان الأرض وإحلال اليهود مكان أهل البلد الأصليين، إسترشاداً بالمرحلة الأولى، التي سبقت عام 1948، منذ اليوم الأول للضفة الغربية وقطاع غزة، وتجسد ذلك في خطة الاستيطان الأولى "آلون" التي جاءت عام 1968 بمبادرة من حكومة حزب العمل العلمانية، التي أعلنت أنها "لن تعيد أي قطعة أرض محررة"، ووضعت اللبنات الأولى للاستيطان في القدس والخليل، وحاولت أن تمحي أو تلغي خط الهدنة، كما أكدت على أهمية السيطرة على الحدود الشرقية مع الأردن، لضمان الأمن، وطرحت لأول مرة فكرة الحكم الذاتي للسكان الفلسطينيين. خلال السنوات العشرة من حكمها، في أعقاب احتلال عام 1967، شجعت حكومة حزب العمل، بائتلاف ضمن حزب المفتال الديني، الذي جاء حزب الليكود اليميني من رحمه، المتدينين الإقامة في المستوطنات التي تقيمها، وأقامت مدرسة دينية في الخليل عام 1968، ودعمت منظمة غوش إيمونيم المتطرفة، التي قادت عملية استيطانية واسعة في جميع أنحاء الضفة الغربية رافضة للالتزام بما جاء في خطة "آلون" فقط، والتي تمثل أماً لمعظم المنظمات الإرهابية اليهودية الصهيونية التي جاءت في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد ذلك. في نهاية عهدها عام 1977، نجحت حكومة حزب العمل، التي بدأت عام 1968 بخمس مستوطنات و250 مستوطن فقط، برفع ذلك إلى 26 مستوطنة و1300 مستوطن.
بمجرد استلامها السلطة، لأول مرة في تاريخها، وضعت حكومة الليكود بقيادة مناحم بيجن خطة غوش ايمونيم الاستيطانية موضع التنفيذ، وبدأت بعملية استيطانية شاملة في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، دون قيد أو شرط، كما تبنت فكرة الحكم الذاتي، التي طرحها بيجين خلال مفاوضات كامب ديفيد في اطار محادثات السلام مع مصر عام 1978. ظُهر مجلس المستوطنات "ييشيع" أو ما يعرف أيضاً بمجلس البلدات اليهودية في الضفة الغربية منذ عام 1978، ليستكمل مسيرة حركة غوش ايمونيم، التي تراجعت مكانتها، في تمثيل المستوطنين بشكل رسمي، وتعزيز المشروع الاستطاني بشكل رئيس بالتعاون مع سلطات الاحتلال، وبقي المجلس يحمل ذات المهمة بعد توقيع إتفاق أوسلو عام 1993، وحتى اليوم. استطاع مجلس المستوطنات أن يفرض سيطرة فعلية على 61 في المائة من الأراضي الفلسطينية، ما بين عامي 1979 و1991، وهي ذات المناطق المصنفة "ج" حسب إتفاق أوسلو، من خلال سلسة من الأوامر العسكرية، والتي بدأت من بداية الاحتلال بالأمر العسكري رقم 58 / 1967، الذي أتاح لسلطات الاحتلال السيطرة على الأراضي الخاصة، التي غادر أهلها البلاد، والأمر رقم 59 / 1967، الذي سمح لقوات الاحتلال بوضع يدها على جميع الأراضي الحكومية. وفي أعقاب احتلال إسرائيل الضفة الغربية، وضعت سلطات الاحتلال يدها على صلاحيات التخطيط التي يقرها قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية الأردني، والذي كان سارياً قبل الاحتلال. عدل الاحتلال هذا القانون يعد ذلك والغى لجان تنظيم المدن المحلية واللوائية التي كانت تمثل السكان الفلسطينيين، وتم نقل صلاحياتها إلى المجلس الأعلى للتخطيط، والذي يشغله ضباط عسكريون. وما بين الأمر العسكري رقم 783 / 1979 والأمر العسكري رقم 892 / 1981، بدأ مجلس المستوطنات تدريجياً بسط سيطرته على مساحات شاسعة من الضفة الغربية، والتحكم بمصيرها ومصير سكانها وفق مخططات الاحتلال الاستيطانية.
منذ أوسلو، ركزت الحكومات الإسرائيلية المختلفة على الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على مناطق "ج"، وسابقت الزمن لخلق واقع جديد في هذه المناطق، بتوسيع رقعة المستوطنات وزيادة أعداد المستوطنين وخلق شبكة مواصلات واتصالات بين هذه المنطقة وقلب الأراضي المحتلة عام 1948 ومراكز المدن فيها. استخدمت حكومة الاحتلال مؤسسات الظل وعلى رأسها مجلس المستوطنات، لتنفيذ سياساتها الاستيطانية، دون الظهور في الصورة، لأسباب سياسية. ويعتبر مجلس المستوطنات مؤسسة فوق حكومية، اذ تضم في عضويتها المجالس البلدية والإقليمية في الضفة الغربية، وتعمل قياداتها في مناصب عليا في الوزرات الحكومية، خصوصا تلك التي تتعلق بعمل وتنمية وتطوير المستوطنات، وتحظى بدعم مختلف الأحزاب المنضوية تحت قبة الكنيست. يحصل المجلس على مزايا مالية وخدماتية حكومية خيالية، بعضها مباشر وأغلبها غير مباشر.
وتدعم الحكومات الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها الاستيطان صراحة، اذ تصرف على المستوطن في الضفة الغربية ضغف واحيانا ثلاثة أضعاف ما تصرفه على المواطن العادي في المدن الإسرائيلية. وتقدم الحكومة حوافز عديدة لتشجيع الاستيطان، بدءاً بتخفيض أسعار السكن والامتيازات الضريبية لتشجيع المشاريع المختلفة الصناعية والزراعية وحتى الرعوية. وتستخدم سلطات الاحتلال أيضاً الصندوق القومي اليهودي، الذي صرح عن عمله العام الماضي، في إطار مناطق الضفة الغربية، لتسهيل عملية نقل الأراضي من الدولة لمجلس المستوطنات، للتغطية على دورها المباشر في عمليات الاستيطان. كما تفعل حكومة الاحتلال دور الجهاز القضائي لخدمة الاستيطان والمستوطنين، في اطار سن الكنسيت لقوانين تعرقل عملية الطعون في تزوير عمليات شراء الأراضي من الفلسطينيين، ناهيك عن الأوامر العديدة التي تعطل عمليات البناء والاستثمار والتنمية من قبل الفلسطينيين في مناطق "ج". وأخيرا، تستخدم إسرائيل الجماعات والمنظمات الإرهابية، لضمان استمرار عمليات التوسع الاستيطاني وسرقة الأراضي وترهيب الفلسطينيين، بسسب التزاماتها السياسية، فتدعم هذه الجماعات في تشييد البؤر الاستيطانية، التي تضمن استمرار التوسع الاستيطاني، دون تحمل تبعات ذلك سياسياً، فتوفر الدعم المالي واللوجستي وكذلك الحماية لهذه الجماعات، ولا تكتفي بعدم اخلاء هذه البؤر أن صدر قرار قضائي ضد وجودها، بل تعمل على شرعنتها وتبيضها عندما تحين الفرص.
إنها معركة الأرض، فاستراتيجية الصمود والتحدي بالبقاء لم تعد تكفي وحدها لمواجهة هذا التغول والتوحش الصهيوني المخطط والمدروس والمتفق عليه عموماً من قبل دولة الاحتلال، والذي ينفي صراحة الوجود الفلسطيني الأصيل ويستبدله بوهم الصهيونية المصطنع ومصالح استعمار شره، لم يعد قادراً على إخفاء نواياه. لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في برقه وبيتا وغيرها من المناطق الفلسطينية، أن إسرائيل لا تعرف الا لغة واحدة، هي لغة القوة والحشد والمواجهة، اذ أن المواجهة القادمة تحتاج إلى العمل الجماعي والتصدي المشترك، ليس فقط لصد اعتداءات المستوطنيين، وإنما لاسقاط مخطط الاستيطان والوجود اليهودي برمته في أرضنا المحتلة عام 1967، إنها معركة كسر العظم، فإما أن ننصر أو ننتصر.
#سنية_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الولايات المتحدة في مأزق صنعته بيدها
-
الاحتواء الأميركي للصين هل لايزال ممكناً
-
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: رسالة إلى إسرائيل
-
عن المفاوضات النووية ومستقبل المنطقة
-
عن التطبيع …
-
إسرائيل وتجسسها على الفلسطينيين، إلى متى؟
-
الفلسطينيون من وعد بلفور إلى حل الدولة الواحدة
-
استخفاف إسرائيلي جديد بالعالم الحر
-
ملاحظات على الانتخابات العراقية
-
صفقة تبادل الأسرى، هل هي ممكنة الآن؟
-
الانتخابات الألمانية: مفاجآت لن تغير المعادلات
-
إسرائيل… الاستثناء الوحيد في السياسة الأميركية الشرق أوسطية
...
-
هل تنتظر الولايات المتحدة هزيمة جديدة في آسيا؟
-
الأسرى… نحو تبني آليات جديدة للمواجهة
-
حرب الأدمغة … الفلسطينيون ينتصرون من جديد
-
سياسة أميركا المتحوّلة تجاه منطقة الشرق الأوسط
-
المنطقة تترنح فوق صفيح ساخن
-
الانسحاب الأميركي من أفغانستان: ملاحظات أولية
-
حرب الظل في المنطقة: محاولة لفرض معادلات جديدة
-
بينت وتقليص الصراع: الحل ليس على الاجندة الإسرائيلية
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|