أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد السيد علي - نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النجار -1 / 2















المزيد.....



نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النجار -1 / 2


أحمد السيد علي

الحوار المتمدن-العدد: 1658 - 2006 / 8 / 30 - 10:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هناك تساؤل لابد من طرحه بالفعل عقب قراءة رد كامل النجار على نقدي لمقاله عن طبيعة الأديان المنشور في إيلاف : هل يستخدم كامل النجار منهج ما يؤسس عليه هذا النقد ؟
كنت آمل فعلاً أن يفهم كامل النجار من النقد السابق عيوب الأسلوب الذي يستخدمه في نقده السطحي للأديان والذي تأكد لي أنه لا يقوم على أي ثقافة حقيقية بتراثها ولا خلفيات نشأتها وتطوراتها وتغيراتها العقائدية ، لكنه قفز على هذه الإشكاليات بكل بساطة مدعياً بأن :
" أما خلفيات النشأة التي يتحدث عنها السيد أحمد صبري، فليست ذات قيمة فعلية إذ أن النشأة للأديان الثلاثة كانت متشابهة في أنها نزلت في منطقة جغرافية صغيرة محدودة لا تمثل من العالم المعروف يومها إلا جزءاً يسيراً جداً " .
إن كامل النجار لا يفعل سوى اللجوء للحلول السهلة التي تمكنه من توجيه النقد للأديان بلا مشقة أو بذل الكثير من الجهد بما قد يؤدي لتعذر حصوله على نفس النتيجة التي توصل إليها بشكل ذهني بحت بعيد عن كل هذا الإزعاج الذي قد يسببه البحث .
" نزلت اليهودية عندما كان بنو إسرائيل تائهين في صحراء سيناء ويعيشون في الخيام. ونزلت المسيحية في نفس المنطقة رغم أنها كانت وقتها تحت سيطرة الرومان المتقدمين حضارياً على سكان تلك البقعة من الأرض. ولم يأت عيسى رسولاً إلى الرومان المتحضرين نسبياً وإنما أتى إلى خراف إسرائيل الضالة. أما الإسلام فلم يأت لشمال الجزيرة الذي كان ينعم بحضارة وارفة في ذلك الوقت وكانت به جامعة من أول الجامعات التي عرفها الإنسان في القسطنطينية، ولم يأت إلى الفرس الذين كانت حضارتهم مضرب الأمثال العربية وكان النبي يقص عنها القصص إلى أهل مكة، وإنما جاء الإسلام إلى البدو الذين قال عنهم الله (إنما الأعراب أشد كفراً ونفاقاً). فليس هناك أي اختلاف في خلفيات الأديان الثلاثة. ونسبةً إلى صغر المساحة الجغرافية التي نزلت فيها الأديان الثلاثة كان من السهل عليهم الاقتباس من بعض " .
وهنا لابد من القول بأن ملاحظة كامل النجار حول المنطقة الجغرافية التي نشأت فيها الأديان حقيقية ، إلا أن تجاوزه عن تطورات هذه الأديان ودراستها بشكل سليم لم يمكنه من تحقيق أي استفادة حقيقية من هذه الملاحظة ، فقد بدأت اليهودية كشريعة بالفعل أثناء وجود بني إسرائيل في سيناء لكنها شهدت عدة تطورات وتغيرات عقائدية وتشريعية سواء قبل السبي البابلي أو بعده، ولا تعبر التوراة المتواجدة الآن عن تراث مجموعة بشرية بدوية ولكنها تعبر عن تراث مجموعة تأثرت بشكل واضح بتراثيات مجاورة كثيرة ، وبالتالي فليس ثمة تواجد حقيقي الآن لما نزل في سيناء على المجموعة المستضعفة الهاربة من الاضطهاد ، وإنما أدت التطورات الاجتماعية والتاريخية لحدوث حركة تحول وتغيير وتطور كبيرة في الديانة اليهودية .
أما المسيحية فليس صحيحاً أنها نشأت في منطقة ضعيفة حضارياً رغم ضعفها العسكري والسياسي ، فقد نشأت في كل من فلسطين ولبنان الحضارة الكنعانية والتي ظلت ذات تأثير ضخم على عادات وتقاليد سكانها ، كما كان للفكر والثقافة الهيلنستية تأثر واضح على سكان تلك المنطقة الذين خضعوا لفترات طويلة لحكم الدولة السلوقية ، وكل من الحضارتين الكنعانية والهيلنستية أكثر رقياً من تقاليد وأخلاقيات وثقافة الرومان الذين يرى كامل النجار أنهم كانوا متقدمين نسبياً ، ولو كان يشير للتقدم العسكري فهو محق بكل تأكيد ، إلا أنه سيرتكب خطئاً كبيراً لو كان مقصوده هو التقدم الحضاري بالمعنى الأخلاقي والإنساني وحتى العلمي والفلسفي، وهنا سأكتفي بالإشارة أن عقوبة الصلب كوسيلة تعذيب وحشية قبل الموت ، وعقوبة قتل العشر من الذكور عند الانتصار هي ابتكار روماني .
بالنسبة للإسلام فهو لم ينشأ في منطقة بدوية وإن كانت ذات محيط صحراوي ، وثمة فارق ضخم بين العرب والأعراب أعتقد أن كل من يمتلك معرفة بالتراثيات العربية يعرفه يقول ابن منظور في لسان العرب : " فمن نزل البادية ، أو جاور البادين وظعن بظعنهم ، وانتوى بانتوائهم : فهم أعراب ؛ ومن نزل بلاد الريف واستوطن مدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي إلى العرب : فهم عرب ، وإن لم يكونوا فصحاء "(1) .
لقد كانت مكة من أهم المناطق التجارية العربية وقد أتاحت هذه المهنة للقرشيين الفرصة في الاطلاع على المنجزات الحضارية المجاورة الفارسية والبيزنطية وحتى العربية الشمالية والجنوبية ، وبالتالي فقد عرف القرشيين بكونهم أكثر رقياً حضارياً من القبائل العربية الأخرى، وفي المرحلة التالية من التاريخ الإسلامي قد شهد حالة الانتقال والاستقرار في منطقة يثرب وهي منطقة كانت تقوم على الزراعة ، وبالتالي فلا علاقة حقيقية بين البداوة والإسلام على الرغم من الضعف الحضاري الواضح للعرب مقارنة بغيرهم من الحضارات المعاصرة والناتج في الأساس عن عدم انخراطهم في وحدة سياسية .
وهناك اختلاف آخر في التطورات الاجتماعية والسياسية التي شهدها أتباع كل دين ، فقد ظلت المسيحية لفترة طويلة بلا سلطة سياسية تحميها ، حتى حاول الإمبراطور الروماني قسطنطين استغلالها عقب قراره بتقسيم الإمبراطورية الرومانية ونقل عاصمته إلى القسطنطينية (بيزنطة) ومن ثم سعى لفرض المسيحية (الرؤية التي تخدم سلطته) على العالم الروماني(2) .
أما اليهودية فقد استمرت لفترات طويلة خاضعة لمجتمع العشيرة رغم اختلاطها بالكنعانيين والعنصر الفلستي (من أصول كريتية في الغالب) وهما عنصران تميزا بتقدمهما الحضاري ، وعلى الرغم من ما تذكره التوراة من أحداث حول امتداد النفوذ السياسي للملك سليمان فإنه لا يوجد أي دليل تاريخي يؤيد هذه الادعاءات ، كما لا يوجد ما يؤيد الادعاء بأنه كانت هناك دولة بالمعنى المعروف للعبرانيين في فلسطين ويبدو أنهم عاشوا في هذا المكان مختلطين بشعوب أخرى تمت إليهم بصلة قربى (من الناحية اللغوية) ومن الممكن أن يكونوا قد حققوا سيطرة ما على بعض المدن(3) .
بالنسبة للإسلام فقد كون وحدة سياسية بقيادة النبي(ص) في وقت مبكر من الدعوة ، وعند وفاته كانت هذه الوحدة تشمل كامل أراضي شبه الجزيرة العربية ، كما لم يمض الكثير من الأعوام حتى نجح خلفاؤه في الاستيلاء على الشام وبعض مناطق الشمال الإفريقي ، والقضاء على الأكاسرة في فارس وهو ما أتاح لهم السيطرة على طرق التجارة بين الغرب والشرق الأقصى ، فهل يتوقع كامل النجار أن تكون كل هذه الاختلافات والمتغيرات بلا أي قيمة أو تأثير حقيقي على طبيعة التساؤلات الدينية والفلسفية الناتجة عن هذا التطور وردود أفعالها وصور استغلال الدين في تدعيم السلطة السياسية والتي غالباً ما تكون غير مؤمنة بهذا الدين بشكل فعلي ؟
وعلى ذلك فهناك بالفعل اختلاف في خلفيات الديانات الثلاث ، وكذلك اختلاف في مسار التطور الاجتماعي والسياسي لكل دين ، وهو ما لا يمنع من وجود متشابهات ناتجة عن تشابه التراث الحضاري عموماً في المنطقة التي نشأت بها هذه الديانات .
إن أهمية دراسة الخلفيات الاجتماعية للنشأة وتأثيرها في التطورات العقائدية لكل دين تنبع من قدرتها على كشف أشكال وأساليب التعامل مع نصوصه المقدسة وقياس ما هو حقيقي وما هو مضاف وما هو دخيل في تراثه الموجود وأشكال الاستغلال التي تلجأ إليها الدولة المسيطرة ومؤسساتها الدينية لهذه النصوص ، وبالتالي فلا قيمة تذكر لأي دراسة لا تضع في اعتبارها هذه المؤثرات .
وبغض النظر عن سماوية الأديان أو عدم سماويتها فهذه الجزئية التي لا يمكن لأي باحث نفيها بشكل واثق - كما فعل كامل النجار في رده - أو حتى قبولها بشكل واثق لا تؤثر سواء في قدسية الدين لدى أتباعه ، أو في تعرض الدين عموما لعدة عوامل ومتغيرات كثيرة تؤدي في الغالب لتطورات في الرؤى العقائدية الخاصة به وحتى في ممارسات الأتباع ، إن ادعاء كامل النجار بأن هذه الأديان كلها دين واحد بناء على بعض الاقتباسات المتبادلة بينها هو حكم سطحي في الواقع فهناك اختلافات جوهرية واضحة بين الديانات الثلاث ، فعلى المثال تبدو التوراة كتأريخ لتراث وأحداث خاصة بالعشائر العبرانية وبشكل عنصري واضح ، أما في الإنجيل فإن هذه الحالة المنغلقة تبدو أكثر ضعفاً ناهيك عن كونها غير مؤثرة إطلاقاً في التراث المسيحي ، في حين يلاحظ أنها مرفوضة بوضوح في القرآن .
إن التشريعات سواء كانت خاصة بكل دين أو متشابهة تنبع من المشكلات الاجتماعية التي يواجهها مجتمع النشأة لكل دين في مراحل تطوراته ، فهي إذن تخضع في جوهرها لتراكم التجربة والخبرة البشرية ، ولا يعني التلاقي ما بينها وبين تشريعات أخرى متشابهة سواء مع أديان سابقة أو مجتمع وثني لا إثبات مصدرها الإلهي ولا نفيه ، وهنا يجب أن أشير إلى أن تشريعات الحج على سبيل المثال لم تكن واحدة عند العرب الجاهليين وهي مختلفة بشكل واضح في الإسلام عن تشريعاته لدى العرب الوثنيين أو العرب الأحناف الذين لم يعتنقوا الإسلام، وهنا أنصح كامل النجار بالاطلاع على كتاب " الأصنام " لهشام بن محمد بن السائب الكلبي(4) للاطلاع على حجم الاختلافات بين العرب حتى في نداء التلبية والطواف وغيره من الشعائر .
أما كتابه ( التشابه والاختلاف بين اليهودية والإسلام ) الذي استدل به فقد قرأته بالفعل على موقع " كتابات " ، كما أن له كتاباً آخر في نفس الموقع ( قراءة نقدية للإسلام ) وأعتقد أنهما يعانيان من نفس عيوب هذا المقال وربما أكتب نقداً لهما قريباً .
في مناقشته حول المتشددين من أتباع الديانات أشار كامل النجار إلى افتقار نقدي له للأمانة العلمية على أساس أنه لم يقل أن التفسير الحقيقي للدين يكمن في آراء المتشددين ، والواقع أنني لم أدع أن كامل النجار قال هذه الكلمة نصاً وإنما نقلت ما فهمته وما يمكن أن يفهمه أي قارئ من عبارته والتي أجدني مضطراً لنقلها كاملة :
" يزعم رجالات كل دين أن دينهم دينٌ حقيقي من عند الإله الواحد في السماء، وهو الدين الحق وما عداه باطل. ويزعم كل أهل دين كذلك أن إلههم إله رحيم غفور كريم. ولكن الأحداث التي شاهدناها أو قرأنا عنها تُثبت عكس ما ينادون به . وكل ما أُثيرت هذه المسألة يهب رجالات الدين للدفاع عن دينهم ويقولون إن القتل والدمار الذي حدث ويحدث باسم الدين ليس هو من عيوب أو قصور ذلك الدين بعينه وإنما يرجع إلى قصور فهم أتباع ذلك الدين الذين قتلوا ودمروا باسم الدين . ولكن عندما تصدر الفتاوى أو الأقوال أو الأفعال من رجال قضوا كل حياتهم منذ أيام طفولتهم في تعلّم ذلك الدين من المشايخ أو الحاخامات أو الأساقفة الذين درسوا أصول ذلك الدين في المعاهد الدينية مثل الأزهر، والمدارس الكنسية اليهودية أو المسيحية، كيف يجوز عقلاً أن نقول إنهم أخطئوا فهم ذلك الدين ؟ وإذا صدر بيان أو فتوى من عدد كبير من رجالات دينٍ بعينه ، هل يُعقل أن يكونوا قد أخطئوا فهم ذلك الدين ؟ " .
وأعتقد أن النص واضح في تفسير سبب ما عرضته من فهم حول رأي كامل النجار ، مع توضيح أنه في مقاله كان أكثر مصداقية من رده ، حيث أورد أن فتوى قتل الأطفال الفلسطينيين أصدرها مجلس حاخامات الضفة الغربية ، في حين لم يذكر هذه الخصوصية في رده ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن حاخامات اليهود في إيران رفضوا هذه الفتوى واتهموا الكيان الصهيونية باستغلال اليهودية لتحقيق مكاسب سياسية وارتكاب مذابح ضد الأبرياء ، كما أن هناك من رجال الدين اليهود من يرفض الكيان الصهيوني من الأساس ويتهمه بتزوير الكتاب المقدس ، وهنا يجب أن أشير إلى أن يهود الضفة ومعظمهم من المستوطنين من الطبيعي أن يكونوا أكثر تشدداً مع العرب بسبب وضعهم المذبذب والسيئ من الناحية المعيشية أو الأمنية، فوجودهم مرتبط إذن بالقضاء على المقاومة العربية لكيانهم ، ويبقى التساؤل مازال مطروحاً أمام كامل النجار حول هذا التعارض في الفتوى ما بين الطرفين كيف يمكننا أن نؤكد مدى صحة أي منهما في التعبير عن الديانة اليهودية ؟
إن كامل النجار في رده على هذه نقطة اختلاف الفتاوى بدا كطفل يلقي بالحجارة دون تمييز، فادعى أن الأزهر أصدر فتاوى ضد المسيحيين والبهائيين واليهود والشيعة ، وأفتى الشيعة ضد السنة – حسب ادعاؤه – وأفتى الوهابيون في السعودية ضد الشيعة والمسيحيين والبهائيين .
وبالتأكيد هو محق في دعواه عن فتوى الوهابيين ضد أي مخالف لهم حتى في الإطار الوهابي ، وعن فتوى الأزهر ضد البهائيين كذلك ، ولكن ماذا عن الفتاوى المزعومة ضد المسيحيين والشيعة ؟ وماذا عن دعواه بوجود فتوى شيعية ضد السنة ؟ في هاتين الحالتين فإن كامل النجار لا يتعدى حالة التخمين ، فليس هناك أي فتوى شيعية بتكفير السنة ، كما لا توجد فتوى أزهرية ضد المسيحيين أو ضد الشيعة ولا تتعد مشاكل الطائفتين في مصر المواجهة مع السلطة السياسية .
وهنا يجب طرح التساؤل عن هذا التباين في الفتوى لدى المؤسسات الرسمية ؟ فقد كان الصلح مع الكيان الصهيوني محرماً في عهد عبد الناصر ، في حين تحدث الجميع عن حلية إقامة سلام مع هذا الكيان في عهد السادات على خلفية وثيقة التعايش بين النبي(ص) واليهود في المدينة ، وفي الحالتين لم تكن الفتوى نابعة من وعي سياسي أو حتى إسقاط على سيرة النبي وإنما نبعت الفتوى من الخضوع لسيطرة السلطة السياسية التي حاولت استغلالها لتدعيم موقفها في مواجهة المعارضين .
ويطرح كامل النجار تساؤلاً :
" ثم حتى إذا افترضنا وجود فتاوى غير متشددة، فهذا يدل على أن النص الديني من الغموض بحيث يمكن تفسيره عدة تفاسير تناسب فهم رجالات الدين . ولكن إذا كانت الأديان من عند الله فإن الله لا بد كان يعلم أن رجالات الدين سوف يختلفون في تفسير النصوص ، فلماذا أنزل نصوصاً قابلة للتأويل ، بينما يصر رجالات القانون والدساتير على جعل النص القانوني واضحاً لا يقبل التأويل. هل رجالات القانون أذكى من الله في منع الاختلاف والتأويل؟ لا أظن ذلك. والجواب المنطقي لهذه الأسئلة هو أن الأديان ليست من عند الله " .
إن مشكلة الاختلاف في تفسير النصوص تنتج في الغالب عقب وفاة المؤسس للدين (النبي) مما يعني أنها ليست مرتبطة بوجود أي غموض في النص بقدر ما ترتبط بحالة التنازع التي تنتج عن اختلاف المصالح بين أعضاء الجماعة الدينية الواحدة وهي غالباً خلافات طبقية حيث تسعى السلطة المسيطرة لتمييع تفسير النص وإيجاد تأويلات مبعثرة له كمقدمة لإكساب رؤيتها قدر من الشرعية ، وهي تستخدم في هذه المهمة مؤسسة دينية مستفيدة من الوضع وتابعة لها بشكل كامل ، وفي النطاق الإسلامي رصد بعض الأئمة العلويين مدى خطورة هذه الممارسات التي تمت بشكل كبير في العهدين الأموي والعباسي فأوصى أتباعه بالاعتماد على القرآن كمرجعية لقبول الأحاديث الواردة عن النبي(ص) بغض النظر عن السند ، وهو بالتأكيد مخالف لما يمارسه معظم رجال الدين الآن حيث يتم تفسير القرآن على مرجعية الحديث لا العكس ، حيث أن الأحاديث المنسوبة للنبي هي منتج السلطة في الغالب المعبر عن مصالحها .
لقد أكد كامل النجار مرة أخرى مقولته بأن الدين لا ينتشر إلا في الأوساط الجاهلة معتبراً أنها " الحقيقة بعينها " مشيراً إلى :
" وإذا نظرنا إلى الأماكن التي تسود فيها الأديان نجد أن جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية لهم نصيب الأسد من المتدينين. ولا يرجع هذا إلى أن سكان تلك البقاع لهم طبيعة تختلف عن طبيعة سكان القارة الأوربية، ولذلك اعتنقوا الأديان، إنما يرجع إلى جهلهم وتفشي الأمية بينهم واعتمادهم على السحر والشعوذة في تفسير ما يحيط بهم من ظواهر طبيعية وأمراض " .
بالتأكيد هناك تفشي للأمية في بعض هذه المناطق التي أشار إليها كامل النجار ، لكن لابد له من الاعتراف بأن مناطق أخرى منها تحوي العدد الأكبر من المتدينين كما أن نسبة الأمية بها ضئيلة وتشهد نهوضاً اقتصادياً كبيراً كماليزيا ، تركيا (الأكثر تطرفاً في علمانيتها) ، وإيران ، لكن في كل الأحوال لابد من توضيح أن اللجوء للسحر والشعوذة ليس حكراً على هذه المناطق بل أنها تجد رواجاً ضخماً لدى الأوربيين والأمريكيين ، بالإضافة إلى ما تشهده أوروبا وأمريكا حالياً من الإقبال على اعتناق الديانات الشرقية كالبوذية والبهائية والديانة الفرعونية التي نشأت في أوروبا فقط ويقيم أتباعها طقوساً في منطقة الأهرام ، وذلك على الرغم من قلة نسبة الجهل في أوساطهم .
لقد حاول الاتحاد السوفيتي بداية من فترة خضوعه لسيطرة جوزيف ستالين ممارسة أكبر قدر من الاضطهاد للمؤمنين ومورس فرض الإلحاد حتى في المناهج المدرسية ، لكن لم يؤد ذلك إلى نتائج تذكر وما أن تفكك الاتحاد السوفيتي حتى شهدت المساجد والكنائس عودة النشاط والحياة لها مرة أخرى سواء في الشطر الآسيوي أو في الشطر الأوروبي ، وهنا فإن التساؤل الأساسي الذي أعتقد أنه جدير باهتمام كامل النجار – وليقبله كمجرد اقتراح – هو : ما هو سر الاحتياج والاندفاع الإنساني إلى الدين ؟ فحسب التجربة السوفيتية وبعد عشرات السنين من فرض الإلحاد كان من المتوقع – في الجزء الأوروبي من الاتحاد على الأقل – أن لا يكون هناك أثر للأديان لكن هذه العودة النشطة للمعتقدات تفرض هذا التساؤل .
وفي نطاق نفس الموضوع طرح كامل النجار استدلالاً آخر حيث ذكر بأن عدد الغير مؤمنين بالأديان يصل إلى 211 مليون تقريباً في أنحاء العالم كلهم تقريباً في أوروبا ، وأن 40 بالمائة من سكان انجلترا يقولون بأنهم لا دين لهم ، ألا يدل ذلك على أن الدين والجهل تؤمان ؟
وبغض النظر عن مدى مصداقية هذه الإحصائية فالواقع أن هذا الاستدلال غير مرتبط بالعلاقة ما بين الدين والجهل بقدر وجود علاقة واضحة بين الشرائح الاجتماعية التي تتمتع بالرفاهية الاقتصادية والاستهتار بالدين أو الميل لتبني الآراء المتطرفة دينياً وهو ما يلحظ حتى في الشرق ، على أنه من المجازفة أن يعتقد كامل النجار بأن كل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالأديان ينطلقون من نفس القاعدة الثقافية والفلسفية التي يتصورها ، ففي لقاء شخصي مع بلجيكيين من الـ 211 مليون فوجئت بأن رفضهما للأديان يقترن مع إيمان حقيقي بتأثير السحر والأفكار الغيبية التي ربما تكون مرفوضة من الأديان ذاتها ، ومع هذا التناقض غير المقبول فإن واقع هذين الشخصين – وهما بالتأكيد نموذج لمجموعة أكبر – لا يرتبط بأي حالة قلق أو تساؤلات فلسفية بقدر ما هو مرتبط بحالة مزاجية تنتشر بين الشرائح المرفهة عموماً ، كما أن انتشار الرؤى المتطرفة دينياً لدى أبناء هذه الشرائح لا يعدو كذلك أن يكون حالة مزاجية مقابلة سرعان ما يتم التحول عنها .
وحول فتوى القرضاوي وكما كنت أتوقع فقد سعى لتأكيد مساواتها بفتوى مجلس الحاخامات في الضفة ، والادعاء بأن الحوار مع الكيان الصهيوني كما فعل السادات هو الحل كي يحصل الفلسطينيين على حقوقهم ، بحجة أن نضال الفلسطينيون لم يثمر سوى فقدانهم للتعاطف العالمي واحتلال بعض أراضيهم التي لم تكن محتلة ، وقد قرن هذا التصور بتشبيه بين الاحتلال الصهيوني لفلسطين والاحتلال العربي لإسبانيا ، مع فارق وحيد من وجهة نظره أن العرب لا يمتلكون وعداً إلهياً باحتلال إسبانيا كما يمتلك اليهود في التوراة والقرآن الكريم .
ومع اعتقادي بحسن نية كامل النجار في رده الانفعالي فلا أجد وصفاً لهذا الطرح سوى بأنه يفتقد لكلاً من الوعي السياسي والحقيقة التاريخية .
قبل عام 1917 لم يكن هناك احتمال لوجود هذا الكيان الذي أقيم كي يتجمع فيه اليهود الأوربيين بالأساس كحل لمشكلتهم في أوروبا ، في مقابل أن تقوم هذه الدويلة بتنفيذ المخططات الإمبريالية للغرب في المنطقة ، وبالتالي فقد اندفعت الدول الأوربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتأييد هذا الكيان .
إن فتوى القرضاوي تكتسب وجاهتها من منطلق أن كل مواطني هذا الكيان هم مغتصبون بالأساس وحصول الفلسطينيين المقيمين والمهجرين على حقوقهم يعتمد في الأساس الأول على عدم وجود الكيان الصهيوني ، ومن ناحية أخرى فإن التعاطف العالمي الذي يدعيه كامل النجار لا قيمة له في إثبات أو إلغاء حقوق الشعب الفلسطيني كما أنه لن يكون في يوم من الأيام منحازاً لهم مادامت هذه الدويلة تحقق للغرب الرأسمالي طموحاته في احتكار الثروات ، وهنا فلا يوجد حوار ستكون نتيجته عودة اليهود لأوطانهم الأصلية ، وعودة المهجرين واللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم المغتصبة ، وهذه النتيجة بالتأكيد لا تدور في ذهن كامل النجار وإنما النتيجة الحقيقية هي تنازل الشعب الفلسطيني عن حقوق له في مقابل حصول الصهاينة على حقوق ليست لهم ، وهذا الحل لن يثير فقط سخريتي التي يرى كامل النجار أنها لا تضره .
ويبقى كلام كامل النجار عن الوعد الإلهي في التوراة وفي القرآن لليهود بالحصول على فلسطين والذي لا يعدو أن يكون ترديد للدعاية الصهيونية وبعض الذين سعوا لتبرير ما فعله السادات سابقاً وما يفعله بعض السياسيين العرب من التواصل مع الكيان الصهيوني ، وهنا أذكر كامل النجار أن هذا الوعد لو كان له وجود فهو خاص ببني إسرائيل الذين فروا من اضطهاد الفرعوني وليس باليهود ، وعلى كامل النجار وأصحاب الرؤية الصهيونية التي اقتبس منهم هذا الزعم إثبات أن كل اليهود في العالم ترجع أنسابهم إلى بني إسرائيل ، أو أن بني إسرائيل قد التزموا باعتناق اليهودية فقط ولم يعتنق أي منهم الإسلام أو المسيحية ، مع توضيح أن ما ورد في القرآن الكريم لبني إسرائيل ليس وعداً بامتلاك أرض فلسطين بهذه الحدود المعروفة الآن ، وإنما أمر بالعيش في المنطقة التي عاشت بها أقوام تمت للعبرانيين بصلات قربى ثقافية ولغوية كالكنعانيين وغيرهم(5) ، أما الوعد الوارد في التوراة فهو ليس مقتصراً على أرض فلسطين فقط بالنسبة لبني إسرائيل وإنما يشمل مناطق أخرى من هذا العالم القديم وهو أيضاً يخص فقط أبناء إبراهيم وهؤلاء أكبر وأشمل من بني إسرائيل .
وهنا نتساءل ما هو الفارق بين الاحتلال الإنجليزي لمصر أو للهند وبين وضع الكيان الصهيوني في فلسطين ؟ بالتأكيد لا فارق في الاستغلال ولكن هناك فارق في الأسلوب فإن الاحتلال الإنجليزي لمصر رغم أنه سمح بوجود أعداد ضخمة من الأجانب ومنحهم السيطرة على الثروات المصرية فإنه لم يقم بإحلالهم محل المصريين في مقابل تشريده للمصريين في أنحاء العالم أو ممارسة حرب إبادة ضد بعض المدن المصرية لإحلال سكان بريطانيين محلهم ، فهذه الممارسات لم يقم بها سوى الكيان الصهيوني والأمريكيين ، وهذا المثل ينطبق كذلك على وضع العرب والأمازيغ في إسبانيا ، فعلى الرغم من أن هذه البلاد كانت أصلاً محتلة من العنصر القوطي ، فلا يمكن وصف التواجد العربي / الأمازيغي بها على أنه فتح بقدر ما هو غزو قام به الإقطاع في العالم الإسلامي ضد الإقطاع المنافس في أوروبا للقضاء نهائياً على سعيه للسيطرة على شمال أفريقيا ، مع فارق أن فكرة الدولة القومية ذات الحدود الثابتة لم تكن موجودة في تلك الفترة ، بالإضافة أنه لا صحة لما ادعاه كامل النجار من قيام العرب بطرد السكان الأسبان للشمال ، فقد اعتنق الكثير من الأسبان الإسلام واشتهروا في التراث الإسلامي باسم " الصقالبة" وهي تسمية كانت تشمل المسلمين من أصول أوروبية كتمييز لهم عن المسلمين العرب والمسلمين الأمازيغ ، وثمة فارق بين وضع الاحتلال العربي لأسبانيا والاحتلال الغربي للعالم الثالث ، فلا يمكن لأي إنسان إنكار حقيقة أن أسبانيا كانت المنطقة الأكثر تطوراً ونهوضاً حضارياً في فترة الحكم العربي ، في مقابل الوضع المزري لكل الدول التي خضعت للاستعمار الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين .
وحول الفروق ما بين القتل باسم الدين والقتل باسم الديمقراطية كان رد كامل النجار كالتالي:
" ولكن عندما يتخذ السياسي قراراً بشن حرب على دولة أخرى، يستطيع مواطنوه أن ينتقدوا قراره ويعترضوا عليه ، وقد يضطرون السياسي إلى الاستقالة أو إلى فقدان مقعده في الانتخابات. والحرب السياسية معروف أنها لأسباب زيادة مصالح بلد معين أو زعيم معين، إنما الحرب باسم الدين، وخاصة الدين الإسلامي فهي حرب مقدسة باسم الله. ومن من المسلمين يستطيع أن ينتقد ما قرره الله وأجازه " .
إن هذا الدفاع لكامل النجار ليس ناتجاً سوى عن مخيلته الشخصية وهو أيضاً يفتقر تماماً لأي مصداقية تاريخية ، فنحن لم نسمع أن الشعب الأمريكي قد أسقط الرئيس الأمريكي بسبب قنبلتي هيروشيما وناجازاكي ، ولم يسقط نيكسون من أجل حرب فيتنام وإنما بسبب فضيحة ووتر جيت الداخلية كما أن ضرب الأمريكيين لطائرة مدنية إيرانية أثناء حرب الخليج لم تؤد لسقوط الحزب الجمهوري في الانتخابات ، وهذا ليس فقط الوضع في أمريكا بل ربما يشمل أوروبا كذلك .
إن السبب يرجع إلى طبيعة المقدس ذاته ، في الشرق فإن الله هو المقدس ولذلك تمارس النظم الديكتاتورية الاستغلال باسمه ، وفي الغرب الذي سعى لتهميش وضع الدين فإن الحرية الفردية والديمقراطية هي المقدس الأساسي بالنسبة للأوربيين وبالتالي فهي مصدر الاستغلال الحقيقي لإقناع دافع الضرائب بضرورة الحروب التدميرية ضد شعوب أخرى مستضعفة ، وتعمل الآلة الإعلامية الضخمة على الترويج لهذه الرؤية بحيث يتحول المقاوم إلى إرهابي ، والمعتدي إلى مُحرر ، أما الحرب باسم الدين الإسلامي فأرجو من كامل النجار أن يلاحظ أن أول من أشعل هكذا حروب هو الغرب نفسه الذي استغل الأديان لمواجهة الاتحاد السوفيتي ، وتحول بعض تجار المخدرات في أفغانستان إلى مجاهدين ، وتم القيام بحملات لتجنيد الشباب المسلم للجهاد في أفغانستان ضد الكفار الشيوعيين ، وهناك عدد من الأفلام الأمريكية التي أظهرتهم بصورة إيجابية في مقابل السوفييت المتميزين بالقسوة والعجرفة ، وسأتجاوز في العراق عن الأحذية الأمريكية التي يرتديها الإرهابيين المزعومين وأخطائهم في نطق الألفاظ القرآنية وحتى أخطائهم في تطبيق الحدود كما ينص المذهب الحنبلي والتي لا يمكن أن يقع فيها أي متطرف ، لكن بالتأكيد فقد لاقت هذه الممارسات اعتراض العديد من علماء الدين السُنة ، وهي بالتأكيد لاقت اعتراض من علماء الدين الشيعة ، فعلى أي أساس ارتكز كامل النجار في قوله أن الحرب باسم الإسلام لا يمكن لأي مسلم معارضتها ؟ وهذه المعارضات يفرضها على الواقع حقيقة التنوع في نطاق الدين سواء في تعدد المذاهب أو في المدارس المنتمية لكل مذهب على حدة كفيل بوجود مثل هذه المعارضة .
إن هذا التطرف الساذج المنتشر في العالم الإسلامي حرضت عليه ودعمته القوى الغربية العلمانية كلها وسعت لنشره في كل أنحاء العالم الإسلامي كمحاولة للحيلولة دون انتشار الفكر اليساري ، ومن المذري الآن أن يتجاوز أمثال بوش وبلير للقول بأنهم في حرب ضد إرهاب قامت دولتيهما بصناعته .
إن كامل النجار لم يجد أي مبرر لقيام الزعماء العلمانيين بنفس ممارسات الجماعات الدينية المتطرفة سوى أن هؤلاء الزعماء لا يتصرفون من منطلق العلمانية وإنما يخضعون لعقلهم الغريزي :
" ولكن عندما تلجأ العلمانية السياسية إلى القتل، فتأكد أن على رأسها شخصاً يفكر بعقله الغريزي مثل جورج دبليو بوش الذي ينتمي إلى اليمين المسيحي من جماعة Born Again Christians الذين يعتقدون، دون إثبات، أنهم جاءوا لتجديد المسيحية. والرئيس بوش لا يستحي أن يقول إن الله أوحى إليه أن يغزو العراق. وصدام حسين العلماني قال إن الله أوحى إليه أن يغزو الكويت. والأيديولوجية التي تسكن العقل الغريزي لا يتحتم أن تكون أيديولوجية دينية، فمثلاً بول بوت عندما أباد الملايين في كومبوديا، لم يكن ينطلق من أيديولوجية دينية، ولكنه رغم ذلك كان يؤمن بأيديولوجية علمانية خولت له أن يبيد الملايين الذين لا ينتمون إلى أيديولوجيته. فشخص مثل هذا لا يمكن أن يكون فعل كل هذه الشنائع وهو يفكر بعقله الواعي. فالعقل الواعي يزن العمل وما ينتج عنه ثم يقرر إذا كانت النتائج تبرر العمل. بينما العقل الغريزي لا يفكر لأنه مبرمج مثل آلة الحاسوب التي تقوم بأكثر العمليات الحسابية تعقيداً ولكنها تفتقر إلى العقل. فالعلمانيون، وليس العلمانية، قد يرجعون إلى العقل الغريزي " .
وإذن حسب هذه المقولة " والأيديولوجية التي تسكن العقل الغريزي لا يتحتم أن تكون أيديولوجية دينية " فإن العقل الغريزي لا يعبر عنه الدين فقط كما قال كامل النجار في مقاله الأول :
" والأديان، التي بدأت مع نمو الجنس البشري عندما كنا أقرب إلى الحيوان من الإنسان، ما زالت تسكن وتتحكم في العقل الغريزي وتجعل منه قوة تتغلب على العقل الواعي في أغلب الأحيان، فهي كالأدوية أو الأفيون الذي يزيل تحكم العقل الواعي. فالأديان تُرجع الإنسان إلى أطواره الأولى " .
ومن المثير للغرابة أيضاً أن يستخدم كامل النجار نفس أسلوب رجال الدين في تبرير الممارسات المتطرفة :
" فالعلمانيون، وليس العلمانية، قد يرجعون إلى العقل الغريزي " .
وهي بالضبط نفس صيغة التبرير لدى رجال الدين التي كانت محل انتقاده في المقال الأول :
" وكل ما أُثيرت هذه المسألة يهب رجالات الدين للدفاع عن دينهم ويقولون إن القتل والدمار الذي حدث ويحدث باسم الدين ليس هو من عيوب أو قصور ذلك الدين بعينه وإنما يرجع إلى قصور فهم أتباع ذلك الدين الذين قتلوا ودمروا باسم الدين " .
إن هذا التصور لكامل النجار لابد وأن يدفعه – حسب اعتقادي – إلى إعادة التفكير مرة أخرى في رؤيته ، فالمشكلة ليست في الدين أو الأيديولوجية وإنما في الاستغلال الذي يستخدم أي مقدس وأي أيديولوجية لتكريس مصالح طبقة مسيطرة ، ويمكن لكامل النجار أن يطلق على هذا الاستغلال اسم العقل الغريزي أو أي مسمى آخر ، ولكن لا مجال للكيل بمكيالين في هذه النقطة .
إن أي سلطة سياسية هي معبر عن مصالح طبقة اجتماعية ، وفي إطار الصراع الاجتماعي بينها وبين الطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى لن تتورع عن استخدام أي معتقد ديني أو سياسي في المواجهة حتى ولو بصورة تخالف جوهره .
وعن ما ذكره كامل النجار حول المجموعة المسيحية التي ينتمي لها جورج دبليو بوش ، فلا أظن أن المسيحية هي الأرق الأساسي الذي يشغل ذهن الرئيس الأمريكي ، فالواقع أن هذه الحروب التي يخوضها وإن روجت إعلامياته لتبريرات مسيحية في المجتمع الأمريكي أو شعارات ديمقراطية في الغرب الأوروبي ، فإن أهدافها الأساسية هي السيطرة على ثروات المنطقة والقضاء على الدول المتمردة والخارجة على السياق الأمريكي ، وتأمين وضع الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط ، وكل هذه الدوافع لا علاقة لها بالمسيحية أو الديمقراطية ، كما لا يمكن التحدث عن علاقة حقيقية بين الكيان الصهيوني والدين اليهودي مع معرفة أن مؤسسي هذا الكيان التاريخيين ليسوا من المؤمنين .
وللحديث بقية

-------------------
1 – جواد علي . المفصل في تاريخ العرب . نسخة كومبيوترية . موقع مشكاة http://www.almeshkat.ne . الجزء الأول . ص 5 – 7 .
وقد أشار الواحدي النيسابوري إلى أن هذه الآية نزلت في الأعاريب من أسد وغطفان . ( الواحدي النيسابوري . أسباب النزول . موقع مشكاة http://www.almeshkat.ne . سورة التوبة الآية 97 ) ، وفي لسان العرب رجل أعرابي بالألف ، إذا كان بدوياً ، صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلإ ، وتتبع لمساقط الغيث ، وسواء كان من العرب أو من مواليهم . ( ابن منظور . لسان العرب . موقع مشكاة http://www.almeshkat.ne . حرف العين . ص 586 ) .
2 – هـ .أ.ل. فيشر . تاريخ أوروبا في العصور الوسطى . ترجمة / محمد مصطفى زيادة ، السيد الباز العريني . ط دار المعارف بمصر . القاهرة 1950 . ص 5 – 9 .
3 – يرجى مراجعة مؤلفات د / فراس السواح على سبيل المثال :
الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم . طبعة درا علاء الدين . طبعة 3 . دمشق 1997 .
آرام دمشق وإسرائيل . طبعة دار علاء الدين . طبعة 1 . دمشق 1995 .
4 – هشام بن محمد بن السائب . الأصنام . تحقيق / أحمد زكي باشا . طبعة دار الكتب والوثائق القومية . القاهرة 2003 .
5 – محمد حسين فضل الله . من وحي القرآن . موقع بينات http://www.bayynat.org.lb . سورة التوبة / 97 ، سورة المائدة 21 .



#أحمد_السيد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة
- مشاهدات من كتاب حسن العلوي العراق الامريكي
- مشاهدات من كتاب العلوي حسن (العراق الامريكي الشيعي بعد العرا ...
- مشاهدات من كتاب العلوي حسن
- خليل المعاضيدي شاعر غادر قبل الاوان
- lمدينتي بعقوبة والارهاب
- أصول الكيسانية .. دراسة في النشأة
- ثقب
- النيرفانا الغربية التي لا يستحقها المسلمون
- المهمشون في التاريخ الإسلامي للدكتور محمود إسماعيل .. كتابة ...


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد السيد علي - نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النجار -1 / 2