|
أيام الجامعة .. ذكرى يعود إلى الفؤاد حنينها.
علاء الدين حميدي
كاتب .
(Hmidi Alaeddine)
الحوار المتمدن-العدد: 7112 - 2021 / 12 / 20 - 00:50
المحور:
كتابات ساخرة
‘’أرجـع زمـان الأمـس مـن صـفحاتي مــــا أجــمــل الأيــــام بــعــد فـــوات ذكــري يـعـود إلــى الـفـؤاد حـنـينها دومـــــا إذا ذاق الـــفــؤاد أســاتــي دعــنــي أمــتـع بـالـتـذكر خـطـرتـي وعــلــى الـطـلـول أمــتـع الـنـظـرات مـــا زلـــت أذكـــر هـاهـنـا خـطـواتنا وعـلـى الـرمـال ونـقـذف الـحـصوات ‘’ - بكر موسى هارون
من الأيام التي تبقي خالدة في ذاكرة الجميع هو اليوم الأول في الجامعة ، لا زلت أذكر تفاصيله الدقيقة وقد كان يومها عاديا، دخلت المعهد صباحا من باب سوره القديم الذي اضحي اليوم من النسيان لأصل ساحته التي تتوسطها نافورة لم تعمل الي اليوم و انا الذي كنت انتظر غير ما رأيت. كان الامر شبه صادم و ان لم ابالي كثيرا ، فلا الصور المنشورة علي موقع المعهد عكست الواقع الفعلي الموجود و لا ما حملتني اليه من الجنة المنشودة قد تحقق ، سارعت الي اتمام اجراءات الترسيم بعد أن قمت بتمشيط المعهد مطلعا علي أقسامه و قاعاته و ساحته التي باتت تحمل اليوم بعد أكثر من سبع سنوات ذكريات نقشت بماء من ذهب مع أصدقاء مازال بعضهم في مدارج الجامعات و اخرون غادروها نحو معترك الحياة العملية . تُعدُ أيام الدراسة الجامعية واحدة من اهم الفترات التي تمثل الصندوق الاسود لذكرياتنا وان كانت يومها تلك الفترة بمثابة الحمل الثقيل علي الطالب المرهق يومها بصعوبة ظروفه ومع ذلك تغدوا تلك الايام لاحقا دربا من دروب قوتنا في الحاضر فنختبأ ورائها كل ما اجتاحتنا مرارة الحاضر فنسارع الي الالتقاء بها ونضطر احيانا الي مواجهة دموعنا الثائرة عنّا. لا مستقبل دون ماضِ، ولا ماض دون ذكريات ولا أحد منّا ينكر ذلك، ولا أحد منا أيضا لا يشده الحنين الي ذكريات عالقة في ذهنه كثيرا ما تُداعب فكره فترسم له تفاصيل الماضي بألوان زاهية حتى وان حملت في جوانبها بعض المعاناة فترانا نضحك ونحزن في نفس الوقت على انقضاء تلك الأيام سريعا. يومها اخترت لنفسي مكانا تحت الشجرة لأجلس فيه ولم أكن أدري انه سيصبح لاحقا أحد أفضل الزوايا المفضلة لي ولأصدقائي، فتحت تلك الشجرة عشنا أجمل اللحظات وأسوئها، تحتها كنّا ننتظر نتائج الامتحانات وتحتها خضت نقاشات متنوعة مع رفاق الدرب وزملاء الدراسة، كانت ولازالت الي اليوم أكثر مكانا يشدني الي معهدي. لم تكن الشجرة المتنفس الوحيد عند عدم الالتحاق بقاعات الدرس ، فالمقهى الذي يقف شامخا بجانب معهدنا العالي ولعله يشهد علي عديد الأجيال التي مرت من هنا ، حاز مكانة كبيرة لدينا نحن الطلبة و حتي الاساتذة و لعلي احد أولئك الذي لا يلتحقون بقاعات الدرس الا بعد احتساء ما تيسر من القهوة هناك ، و هي عادة دأبتُ عليها منذ مدّة طويلة الي درجة انّي أفضل الالتحاق بالمقهى مباشرة عند حلولي متأخرا علي المحاولة مع الاستاذ عساه يمكنني من الالتحاق بدرسه كما يفعل أحد اصدقائي الذي اعتاد علي اختلاق رواية لإقناع الاستاذ حتي يمكنه من الدخول. ولعل اكثرها طرافة أنه ادّعي ذات مرّة انه اضطر الي مطاردة رجل قام بسلب امرأة في الطريق العام دون ان يفوت على نفسه الظهور في ثوب البطل الذي نجح في استرجاع المسلوب والحال انه كان يجلس معي قبل الالتحاق بالقاعة بعد ان مكنه الاستاذ من ذلك رغم ادراكه لعدم صحة القصة. في ذلك اليوم وتحت ظلّ تلك الشجرة، شاء القدر ان يجمعني مع أحد الطلبة الوافد يومها للمعهد للمرّة الاولي، ليصير لاحقا زميلي في مقاعد الدراسة في تلك السنة لنفترق بعدها ويسلك كل منا طريقه، وانا الذي كنت اعتقد دوما ان القطار لا يحيد عن سكته ولكن قطاري الدراسي كاد يحيد فعّلا فتتداركنا دون خسائر تذكر، أذكر جيدا كيف وقفت أفكر يومها هل سأغدو ما أريد؟ هل ستمر هذه السنوات الخمس سريعا؟ .. وها قد مرّت فعلا بحلوها ومرها، وضحكاتها وابتسامتها وحزنها، بعتاب الأساتذة الذي صرت أشتاق اليه، بتلك المبيتات التي تشبه السجون وان لم تتغير لليوم وصارت أتعس من السجون لكنها غدت قصورا في وجداني. لقد مرّت سريعا فعلا يا أمي وصرت أشعر أني قد غدوتُ شيخا وأنا الذي لم أكبر بعد .. صدق فعلا من قال لا تموت الذكريات ولا تموت أيام الجامعة وقد غدت اليوم من أجمل ما عشنا، ذكريتنا المتناثرة والمبعثرة هنا وهناك في اركان وزوايا معهدنا والتي نختبأ ورائها عسانا نطفئ الحنين الي ماضينا ونخفف حصار الشوق لقلوبنا عندما يعزف الحنين اليها ألحانه. كُتب لمساري الدراسي هناك أن ينتهي وتحتم عليّ التحول الي جامعة أخري في محافظة أخري من أجل مواصلة الرحلة الدراسية سعيا للحصول على درجة الدكتوراه. وفي رحاب تلك الجامعة بدأت مسيرة جديدة مختلفة عن التي سبقتها بالتزامن مع انطلاق مسيرتي المهنية. كان الأمر في البداية شبيها بالتواجد في صحراء قاحلة لا معين لك فيها أو لعلها تماثل ابحار قبطان مبتدئ بسفينته من شاطئ يعرفه في اتجاه مرفأ أخر .. لم يكن الاندماج سهلا في الحياة الطلابية الجديدة ومع الزملاء الجدد في ظل اختلاف نظرتنا للأشياء وتنوّع الانتماءات الثقافية والفكرية. رغم كل هذه الصعوبات الظرفية والأوّلية، كتب للسفينة أن تصل للميناء الأمن وكُتب لي الخروج من تلك الصحراء القاحلة الي المدينة المدنية. بعد سنتين من الرحيل عن معهدنا الأم، كانت العودة الي الديار لا طالبا وكان العناق مع قاعات الدرس التي علمتني أبجدية الشمس نكاية بالظلام وعلمتني أن القلم نافذة الحرية والكرامة والإنسانية. كنت سعيدا بتلك العودة وفرحا أكيدا بها، فقد كانت شبيهة بالذهاب لموعد عشقي ...!
#علاء_الدين_حميدي (هاشتاغ)
Hmidi_Alaeddine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين فشل الادارة التربوية و أزمة البيداغوجيا، المنظومة التربو
...
-
البحث عن الحقيقة .. بين المصادر الشفوية و المكتوبة !..
-
في ذكري المسار الثوري في تونس.. هل يتحقق يوما ما علّقه التون
...
-
المجتمع المدني و الديمقراطية ، تونس نموذجا.
-
الذكري 170 لإلغاء العبودية في تونس.
-
إشكالية التزكيات المزورة في ظل ثغرات القانون الانتخابي.
-
تسقط المناسبتية وتحيا المرأة أبديا.
-
البحث العلمي في تونس بين الواقع و المنشود ( الجزء الأول )
-
كانت يومها المرّة الأولي.
-
ثماني و ستون سنة علي الاعلان العالمي لحقوق الانسان ،مالذي تغ
...
-
الكيان الصهيوني ، اعتداءات متكررة علي السيادة الوطنية التونس
...
-
الذكري 170 لالغاء العبودية في تونس .
-
الفكر الاصلاحي في تونس ..هل من سبيل لاحيائه ؟
-
هل هناك تعارض بين متطلبات حماية الأمن الوطني للبلاد ضد الإره
...
-
الارهاب يعزف ألحان رشاشاته في تونس _هل هو كتاب فتح عليها ؟ أ
...
-
المناضل الثائر ارنستو تشى جيفارا....كيف كان سبتصرف مع ( أدعي
...
-
المجتمع المدني و الديمقراطية ، تونس نموذجا ( الجزء الاول)
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|