حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7108 - 2021 / 12 / 16 - 14:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تبدأ ثقافة السّؤال بكسر البداهة أو الامتثال لليقين، حين نمتلك الشّجاعة في مناقشة إلى أي مدى يمكن أن يكون ما نعتبره بديهياً هو الحقيقة عينها، فإعادة النظر في «البديهيات» قد تكشف عن أنها لم تعد قرين الحقيقة، أو أنها لم تكن كذلك يوماً، حتى لو جرى التعامل معها على هذا الأساس.
كل المنعطفات الكبرى في التّاريخ، على ما تدل التّجربة الإنسانية المديدة، بدأت بمساءلة البداهة، لأنها ما أكثر ما تكون أو تتحول إلى غشاوة على الأعين تحجب رؤية سواها، أكان قائماً في الأصل، أو أنه حديث التشكّل، حين تكتشف وقائع ومعطيات جديدة تفضح هشاشة وضعف وربما زيف ما كان يجري اعتماده كيقين.
ومشكلة البديهيات أنها تضعنا أمام احتمال، أو تأويل، وحيد للحقيقة، فيما السّؤال يفتح على احتمالات عدة ، لأنه يحتمل أكثر من إجابة، وتعدد الإجابات يخصب المخيلة ويثري المعرفة، ويكسر التّخندق في القوالب الجامدة التي لا تحتمل السجال معها.
لكن مجرد طرح الأسئلة وحده ليس كافياً لأن يصبح هو الطّريق المفضي إلى المعرفة، ذلك أن هناك أسئلة مكرورة تقال في الكثير من المنتديات والدوريات، وتفرض على المتلقي، مستمعاً كان أو قارئاً، إجابة واحدة مضمرة في ثنايا السّؤال.
أي أنه في حقيقة الأمر جواب يراد إملاؤه حتى لو أتى على صيغة سؤال.
تكرار الأسئلة نفسها في كل مرة يعني، في الغالب الأعم، الوصول إلى الأجوبة نفسها، أو إلى أجوبة متشابهة لا تغير شيئاً من الجوهر، وينتج عن ذلك مراوحة في نفس الدائرة، فلا يتحقق التّراكم المنشود للمعرفة، وتظل القضايا الماثلة أمام الفكر والمجتمع عالقة.
المطلوب، في العمق، التّفكير في اجتراح أسئلة جديدة لم ترد في السياقات السّابقة، وهذا ما عنينا به وضع البديهيات موضع المساءلة، ما يحرض الفكر نفسه على ولوج فضاءات جديدة، لم يسبق له الاقتراب منها، إما لأنها لم تخطر على البال، وإما أنه ببساطة جرى تحاشي ذلك.
يقال إن الصّياغة الصّحيحة للسؤال هي نصف الإجابة، وهذا يعني أنه لا يكفي طرح السّؤال، وإنما أن نحسن صوغه بشكل ملهم ومحرض على البحث.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟