منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7108 - 2021 / 12 / 16 - 12:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
---------------------------
ما أكثر الأشياء ، " البديهية " ، " الغائبة " ، فى مجتمعاتنا .
منها مثلا ، ثقافة " الاعتذار " . أرى الاعتذار ، من أرقى ،وأشيك ، الأزياء ، الواجب ارتداؤها ، فى جميع المواسم .
أغلبنا يفهم الاعتذار ، على أنه ضعف ، أو مذلة ، أو مهانة ، أو عجز ، أو فضيحة. مع أن العكس هو الصحيح .
فالانسان " القوى " ، امرأة ، أو رجلا ، " الواثق " فى ثرائه الداخلى ، ولا غرض له ، الا ازالة الغبار المتراكم علىالعقول والقلوب ، وتصحيح المغلوط ، ومعرفة الحقيقة الخفية ، وغربلة اختلاط الأعشاب السامة ، الملتصقة بالورود ، وفرز الذهب من الصفيح ، ومسح شبورة الادعاءات ، هو الذى ىحين يخطئ ، يعتذر. بل ويسعده الاعتذار العلنى ، لأنه يعلم أنه يزيدمن قدره ، ويتسق مع احترامه لذاته .
والانسان ، الذى يدرك ، أنه أخطأ ، ويقول " لن أعتذرولو على جثتى " ، انسان مغرور ، مريض بالعظمة المزيفة ، والبطولة الوهمية . أو بالعناد الأحمق . أو بالتعالى ، الذى يحتاج الى الشفقة ، والعلاج النفسى .
التخلص من " العجز " عن الاعتذار ، أهم من التخلص ، من " العجز " الجنسى ، للرجال . و أهم من التخلص من " التجاعيد"،للنساء .
ان الاعتذار ، "حق" الطرف الآخر . لكنه أيضا ، حقنا على أنفسنا . فالاعتذار ، يهذبنا ، يقوينا ، يؤدبنا ، يثرينا بالمزيد من التفتح ، والمرونة ، وعدم التعصب ، ينمى رهافة العواطف ، ورقة التواضع .
كم هو جميل ، الرجل ، الذى يقول : " أنا آسف " . وكم هى نبيلة المرأة ، التى تعلن : "أنا آسفة" .
البشر ، نساء ، ورجال ، الذين يدركون أخطاءهم ، ولا يعتذرون ، غطرسة ، وعنادا ، هم فى منتهى الخطر على الحقيقة ، وعلى الأخلاق النبيلة ، وعلى
ارتقاء الحياة ، وعلى على التقدم الحضارى ، لكنهم أيضا خطر على أنفسهم ، حيث سيظلون عند نقطة سفلى ، لا ترتفع .
لكن الأخطر ، النساء والرجال ، الذين لا يدركون أصلا ، أنهم أخطأوا . كل الأشياء حولهم ، تؤكد بمليون دليل واقعى ، على أخطائهم الفادحة ، فى الفكر والعمل ، والأخلاق ، لكنهم لا يرون ،ولا يستمعون ، ولا يتراجعون . بل كلما ازدادت الأدلة الواقعية ، على فداحة جرائمهم ، تمادوا أكثر فى الاتجاه نفسه .
هو النوع الأخطر ، لأنه التربة الخصبة المثالية ، التى تصنع مرتزقة الارهاب الدينى ، والأوصياء على حياتنا ، و جنود التظيمات الدينية المسلحة ، وحلفائهم المتغلغلين فى كل مكان ، فأبشع جرائمها ، حسب وصف ملايين البشر ، حتى المؤمنات والمؤمنين بأديانهم ، هو " سفك الدماء " ، ومع ذلك يندهشون لماذا يحاربهم العالم المتقدم المتمدن المتحضر .
--------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟