غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1657 - 2006 / 8 / 29 - 10:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا كانت إسرائيل قد تكرست, وإلى الأبد, كمقولة يحتفي بها المشروع الغربي في كل مناسبة وعند كل جريمة ترتكبها بحق العرب بشكل عام والفلسطينيين واللبنانيين بشكل خاص, فإنها مقولة أظهرت عمق الأزمة في الطريقة التي يريد هذ المشروع الكوني تكريس حل للمسألة اليهودية وفق هذا الدم, فإننا نقف عاجزين عن تفهم عميق لهذه المجازر ونتساءل بكل بساطة: لماذا العالم قد تخلى عنا نحن الشعوب المحيطة بهذا الحل الغربي للمسألة اليهودية ¯ دولة إسرائيل بالطبع ¯ وزاد في الطنبور نغما ظهور الجار الإيراني نداً من خلف الدم اللبناني والفلسطيني لهذه الإسرائيل, ليس هذا وحسب, بل هو يطرح نفسه كوجه إقليمي أول وأوحد, وفق مؤشراته النووية على قاعدة فقهية كمرجعية وحيدة, والتي مازالت في بداياتها, فكيف بها إذا انتهت إلى سلاح نووي? نعم لقد تخلى العالم عنا وتركنا عرضة بين مطرقة هذا الحل الدموي وبين سندان أنظمة لم تكن استمراريتها بمعزل عن التواطؤات الدولية والأقليمية, وتخلف مجتمعاتنا التي لم تعرف بعد الانتقال إلى حالة من الهجوم المدني لنيل حقوقها الأساسية.
إسرائيل محصلة ميزان قوى ووضع دولي وعالمي ومازالت مشروعاً دينياً مغلقاً, بالتأكيد عندما نتحدث عن مشاريع هنا إنما نتحدث عن فاعلين تاريخيين وسياسيين لهم السطوة والهيمنة الأيديولوجية والمؤسساتية. ولا نتحدث عن كلية الشعب اليهودي.
علينا التمييز بين التعايش مع الشعب اليهودي الذي أصبح جزءا من شعوب هذه المنطقة وبين التعايش مع هذا المشروع السياسي الديني المغلق الذي مازال لديه كل هذه القدرة على الدم, وهذه مواجهة ليست خاضعة للتفكير بعقل ملتهب وديني مقابل, بل هي بحاجة لثقافة تميز عميقاً بين التعايش مع الشعب اليهودي وبين مواجهة حضارية ومدنية مع هذا المشروع المنغلق على ذاته في لاتبشيرية لا تستطيع العيش إلا في غيتوها الخاص, هذا التمييز يجب ألا يخيفنا أبدا وعلينا أن نتعامل معه بثقافة أرقى منه وهذه تطرح علينا سؤالا: ما هذه الثقافة الأرقى? هل هي الثقافة الدينية التي عندنا كمقابل ? أم هي الثقافة التي تستند على أرقى القيم الإنسانية التي أنتجتها البشرية? والسؤال المهم إذا كانت مجتمعاتنا مغيبة عن هكذا ثقافة فما الحل? وأنا اتحدث هنا خارج نطاق هذا الهول السياسي اللاسياسي أصلا, خارج هذا القدر من الشحن الدموي عند الثقافتين الدينيتين. عند عتاة المشروع المغلق والذين قادوا هذه المذبحة الأخيرة ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني, يدركون جيدا والآن أكثر من أي وقت مضى أن مشروعهم خاسر في حالة السلم والسلام مع الشعوب المجاورة , حالهم كحال بعض من نظم المنطقة. ولا يعني مطلقا مواجهة هذا المشروع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أي كما يطالب الرئيس الإيراني بإعادة اليهود من حيث أتوا.
لم ينتصر مشروع بالحق فقط وإنما يلزمه ميزان قوى, وعلى الأقل ثقافة أرقى إن لم يتوفر ميزان القوى هذا, على الشعب اليهودي أن يقتنع أننا أصحاب حق بثقافة متسامحة . ليست مسحة غاندية بالتأكيد وإنما هي جزء رئيسي وفاعل إن أردنا ميزان قوى فعليا وحقيقيا وسلميا بالدرجة الأولى,
في إيران, نعم إنها مرجعية شيعية وثقافة مغلقة.
لماذا الهروب إلى الأمام, ومما نهرب نحن في منطقة مليئة بالطوائف والمجنزرات والنفط والزنازين والإرهاب والمقاومات من شتى الألوان والسلط?.
إيران كمشروع دولة دينية هي دولة طائفية بامتياز, ولن يكون في تاريخية المنطقة وحضور نفوذها إلا بناء على حركيتها كسلطة داخل إيران, لذا فإنها لن تتمدد سوى طائفيا أولا ¯ لبنان العراق ..الخ ¯ وإن لم يتوفر هذا فتمددها سيكون دينيا ¯ سورية وفلسطين في عمل ميداني تبشيري طائفي في النهاية إن هي استطاعت إلى ذلك سبيلا ويبدو أنها في سورية قد حققت بعض التقدم.
لا يمكن أن تكون هنالك دولة دينية طائفية وتشجع في الوقت نفسه ثقافة مدنية في مناطق نفوذها هذه قضية بائسة للذين يدافعون عن هذا النفوذ, فحتى تستطيع إيران أن تكون قدوة, عليها أن تكون دولة حقوق إنسان في إيران أولا, إذن لماذا الدفاع عن إيران , حتى لو كانت المواجهة مع إسرائيل, فنحن عندما ندافع عن إيران فإننا نؤكد غياب فعل شعوبنا عن أن تترجم مطالبها الحقيقية بعيدا عن الهتاف لأنظمتها وما تسوقه هذه الأنظمة. المشروع الإيراني ليس أقل خطرا من ذلك المشروع المغلق الغيتوي.
في أحياء دمشق القديمة بيوت تشترى من قبل الهيئات الإيرانية, والحجة قربها من بعض المقامات المقدسة عند الشيعة.
وعرضا نسأل: ما المؤسسات التي أنشاها حزب الله في لبنان لاستمرار النفوذ الإيراني?
في لبنان سلط الطوائف فوق سلطة الدولة.
بغض النظر عن الشعارات التي ترفع في كل مرحلة من مراحل الصراع الدائر في لبنان وحول لبنان ومن أجل لبنان فمازالت الغنيمة السياسية لرجالات الطائفية وليس من باب المجاملة أن مشروع الراحل الحريري كان يمكن أن يخرج خارج هذه الدائرة لكن القدر غلبه, ربما تكون قراءتي خاطئة ولكنها تبقى قراءة خاضعة للتصحيح.
سؤال ساذج : إذا كانت الواقعة الدستورية تنصف الطوائف إلى حد ما في تعاطي الدولة اللبنانية مع هذا الشأن فما الخلاف إذن ? إنه ببساطة خلاف محمول على قواعد ارتكاز ليست لبنانية وهنا لا نفرق كثيرا سواء كانت إيرانية أم غيرها, . فهذه القواعد الارتكازية تعمل وفق أجندة أساس تتلمس مصالح الدولة أو السلطة صاحبة هذه القاعدة.
وببساطة أيضا على القوى المدعومة الآن من المجتمع الدولي أن تستفيد من هذا الدعم من أجل العمل الجدي على أن تقدم نفسها كقوى مدنية لبنانية ليست طائفية وهي على عاتقها حمل مشروع دولة مدنية علمانية, وإلا سنبقى ننتقل من تحت الدلف لتحت المزراب. وعلينا هنا أن نلاحظ فارقا بسيطا لكنه مهم:
فحكومة السنيورة ومن تمثل مدعومة من جهات عدة متفقة على دعمها وعلى دعم الدولة اللبنانية, بينما الآخرون مدعومون من قواعد ارتكاز أحادية الجانب والمصلحة, إيران على سبيل المثال فلايدعم مشروعها في لبنان سوى إيران نفسها.
في النهاية على قوى الأكثرية أن تتحمل مشروع قيام الدولة اللبنانية القوية القادرة والتي مصلحتها فوق مصالح الطوائف ورجالات الطوائف, وهنا نهمس للسيد وليد جنبلاط من باب (الأملية) كما يقول أخوتنا اللبنانيون بالطبع: فإنكم في تبنيكم لمشروع دولة مدنية ربما يجعل من شعبيتكم خارج الطائفة الدرزية أكثر مما هي عليه الآن.
ليس مهمتنا في لبنان علمنة المتدينين من كل الأديان والطوائف, بل مهمتنا هي في تكريس مبدأ التعايش الحر الديمقراطي مع من يختلفون معهم, ومن لا يريد فليتحول إلى خارج عن القانون لا حل غير هذا . فلبنان لم يعد يحتمل كارثة أخرى.
في سورية نحن إلى العودة إلى عام 1954 كحد أدنى.
غير أننا أمام سلطة ديكتاتورية فإننا أيضا أمام اشتغال على تطييف المجتمع وإلا فإن سلطتنا تدرك أكثر من غيرها بأنها لن تستطيع الاستمرار بغير حضور العامل الطائفي من دون اللعب على المصطلحات كثيرا. ومن دون أن يزج بنا دوماً كلما تعرضنا لهذا الأمر في خانة أعداء الوطن ..الخ
لم نعد في وضع يسمح لنا في أن نصمت عن كل هذا ¯ الدمارالمنهجي لشعبنا السوري واللبناني ¯ وكمثال بسيط, لتعيد السلطة السورية ترتيب الجيش السوري بحيث لا يأخذ هذا التواجد الطائفي الخاص, وإذا كان هنالك من يصر على أن الحديث في المسألة الطائفية يشمل كل أبناء شعبنا من الطائفة فهو يحاول أن يتواطأ مع هذا الوضع ولن نقوم بعد اليوم بالدفاع عن أنفسنا كلما حاولنا التعرض لهذه المسألة التي تحمل في داخلها عقدة المجتمع في سورية, عقدة وصلت لدرجة أن هذه السلطة نفسها باتت غير قادرة على تجديد بناها السلطوية, فما بالنا أن تصلح المجتمع السوري والدولة السورية ..وهيهات أن نصل إلى قيام انتخابات وتداول سلطة ..الخ
ما يجري في العراق كل لحظة ليس سببه الأميركان والاحتلال فقط بل الجميع يعرف السبب ويتحدث عنه باستمرار ولكننا عندما ننتقل للحديث عن سورية ترتجف قلوبنا وأناملنا.
سورية باتت مليئة بقوى دينية شجعها النظام لكي يرى العالم أننا مجتمع جاهز لحرب أهلية في حال أعطي الحرية, وتعمل السلطة ليل نهار من أجل تكريس هذه المعادلة, وهنالك في المعارضة من يساعدها في ذلك وبنفس الحجة: الخوف من حرب أهلية, وسؤالي بسيط هنا :
إذا أعلن السيد الرئيس بشار الأسد إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري ليقتدي بتجربة بينوشيت ليبقى قائدا أعلى للجيش والقوات المسلحة ويجري انتخابات حرة وتنافسية كيف سيكون الوضع? أعتقد بأن مواطننا السوري وكأي مواطن آخر لايحب الدم.
وأنت إن كنت مسلما سنيا بالولادة كلما تحدثت عن هذه المسألة يردون عليك: والأخوان المسلمون ماذا فعلوا في سورية أيام الثمانينات? حجة جاهزة ..ولكن إلى متى سيبقى هذا المشجب سيفا مسلطا على رأس عملية التغيير الديمقراطي السلمي? رغم أننا في المعارضة كنا ومازلنا ندين ما حدث من عنف في الثمانينات ووقفنا ضده بقوة ودفعنا ثمن مواقفنا, ونطالب السلطة بالتقدم نحو الإصلاح لكن يبدو أن مقولة الإصلاح نفسها قد حولتها السلطة إلى عملة بلا قيمة شرائية . ودوما أكد الكثير من فصائل هذه المعارضة على مقولة: عفى الله عما مضى.
رغم أن غالبية من يتبنى هذا الموقف يدرك أهمية إرادة السلطة في المجتمعات التي تريد الانتقال فعلا للديمقراطية, الاتحاد السوفيياتي انتقل للديمقراطية بكل جمهورياته وقومياته وطوائفه ..الخ ما الذي حدث? وغيره دول كثيرة انتقلت بنفس الطريقة, ما الذي حدث ?
أليست سورية أول دولة إسلامية يأتي فيها رئيس مجلس وزراء مسيحي?
ما مصلحتنا نحن كشعب سوري في بقاء العداء مع كل جوارنا ? وكيل التهم الجاهزة لمن هب ودب إن لم يكن تحت جناحنا ?
إذا كنا غير قادرين على التحدث بحرية عن شؤون وطننا فهل نحن قادرون على مواجهة المشروع الإسرائيلي في قضم الجولان بالتقادم مثلا?!
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟