أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوزين أوزين - سورية الجديدة بين الفاشية الأسدية والاحتلالات الأجنبية















المزيد.....



سورية الجديدة بين الفاشية الأسدية والاحتلالات الأجنبية


أوزين أوزين

الحوار المتمدن-العدد: 7102 - 2021 / 12 / 10 - 03:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مدخل: تحدي سوريا للفكر الإنساني
القضية السورية اليوم تلزمنا بالكثير من التواضع والحذر ونحن نفكر في عمق المأساة الكارثية التي طالت الشعب والبلد. حيث لا مفر لنا من ممارسة الكثير من تشاؤم العقل إذا أردنا فعلا أن نضع أرضية لآفاق واعدة لتفاؤل الإرادة. فالقضية السورية في بعدها الإنساني الأخلاقي، والسياسي الفكري في هذه اللحظة التاريخية المرعبة والمؤلمة التي لا تكف فيها الحرائق، بكل أشكالها وبمختلف صناع مستوياتها المحلية والإقليمية والدولية، عن الاستمرار، تفرض على المثقف تواضعا ويقظة فكرية سياسية، وهو يحاول امتحان قدرته على خوض غمار الفعل النظري والسياسي، كممارسة تسائل نفسها علميا وعمليا حول مدى قدرتنا على التصدي للتحديات التي تطرحها – القضية السورية- في هذا اللحظة التاريخية الشديدة التركيب والتعقيد في أبعادها الهمجية والمتوحشة كفاشية محلية واحتلالات أجنبية تؤسس وجهها الديمقراطي البراق على أنقاض البلدان وأشلاء الشعوب، تبعا لسياسة الحياة العارية، حيث لا اعتراف بالضحية ولا ضابط قانوني سياسي أخلاقي لوحشية القاتل.
سيكون من الجبن والبشاعة الأخلاقية الفكرية والسياسية أن يدير ظهره المثقف، ليس العربي فقط، بل أيضا والإنساني، إزاء ما يحدث في الشرق الأوسط عموما وسورية خصوصا من مآسي واعتداءات على الانسان بالمفهوم والمعنى الشامل للإنسان، كما هو مسطور ومحدد في النصوص والمواثيق والمعاهدات والأعراف والقوانين الدولية، خوفا من الاعتراف بمأزقه وورطته الفكرية والسياسية والأخلاقية تجاه ما يحدث من انهيارات ودمار وخراب ومخاطر تهدد الوجودي الإنساني، حيث الشرق الأوسط، والقضية السورية تحديدا أفقا للتفكير العالمي. سورية اليوم في سيرورة وصيرورة ثورتها تفرض بقوة نفسها على الفكر والابداع ولعل ما كتب في هذين الحقلين من نصوص نقدية وابداعية شاهد على خصوبة وثراء وتعقد الثورة السورية التي لا تقبل أي هشاشة فكرية وسياسية وابداعية، وهي تورط الفكر في محنة حرقة أسئلته، بما يجعل من القضية السورية أكبر تحد للفكر في التفكير في الراهن بأسئلته الملحة العاجلة التي لا تقبل التسويف والمماطلة. فكر يشتغل الآن هنا، وفي الوقت نفسه هو ملزم بالخلفيات المعرفية والمنهجية العلمية التي تجعله مؤهلا وجديرا بادعاء القدرة على مقاربة الواقع الحي المعقد، بطريقة نقدية تؤطرها رؤية شاملة متعددة الوجوه والأبعاد النقدية، ومتسعة المنظور . والغريب في الامر الى درجة المفارقة أن سورية المتجذرة في التاريخ والحضارة، تجد نفسها كغيرها من دول المنطقة في صراع مع الوجه الدموي للديمقراطية الغربية التي أسست وجودها السياسي التاريخي على تراكم النهب، والقتل، والتدمير الكولونيالي المادي والرمزي الثقافي في حق البلدان التي احتلها الغرب الاستعماري الامبريالي، وهي لا تملك – سورية- إلا الأفق السياسي الديمقراطي الحداثي كإطار وطني للدولة الحديثة. وهذا يعني أن الحرية والكرامة والعدالة، والتحرر من السيطرة والهيمنة لن يكون إلا من خلال هذا الأفق لحل مختلف التناقضات والصراعات التي تعيشها سورية الجديدة في مواجهتها للفاشية الأسدية، كشكل سياسي للامتداد الصهيوني في التدمير والتهجير والابادة السياسية والوجودية، بمباركة فاعلة ميدانيا من قبل الاحتلالات الأجنبية الإقليمية والدولية. لكن رغم هذا كله فسورية الجديدة ليست وليدة اليوم، فقد كانت جذورها منغرسة في الأرض، وفي السيرورة التاريخية الحضارية. كما أنها راهنا متجذرة في ذاكرة الثورة، باعتبارها حدث سياسي اجتماعي تاريخي. لذلك لم تكن مؤامرة ولا رغبة إرادوية، أو إسقاطا ذاتيا متعسفا، بل هي صوت التاريخ الذي يتكلم في أجمل وأبشع قوانينه التي لا ترحم المجتمعات، وهي تعيش سيرورة التغيير بكل أحلامها وتعقيداتها وخساراتها المؤلمة.
فبعد كل هذه السنوات كيف يمكننا تفكير هذا الحدث في سيرورة تكونه وتطوره، حتى أخذ هذه الوجهة، من التفكيك والتدمير والخراب والتأبيد السياسي لسورية الأسد، دون أخرى كانت ممكنة في حياة الناس المادية وفي أحلامهم بالتخلص من القهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي فرضه النظام السوري؟ وبماذا يمكن الاعتراف من أخطاء، وعماء سياسي وفكري، على مستوى التفكير والرؤية، والممارسة، ومختلف أشكال الفعل، الشعبي والنخبوي من قبل المثقفين والفاعلين السياسيين؟ وكيف يمكن للثورة أن تكون سردية مؤسسة للإطار الوطني في تنوعه وتعدده واختلافه؟
أولا: ما وراء الثورة السورية
بعد تراكم تاريخي اقتصادي اجتماعي سياسي لتجربة دولة الاستقلالات والانقلابات: ” ثورات الخمسينيات” تأكد بالملموس الفشل الفاضح للدولة الشعبوية ذات الخطاب الإجماعي العضوي الساحق للتنوع والتعدد والاختلاف في تحقيق التحول البرجوازي نحو الحداثة، التي بقيت حبرا على ورق في مستواها القانوني والمساواتي في انبثاق الفرد المواطن الحر، وتحويل العلاقات الاجتماعية القديمة ذات الروابط الجماعية الطائفية والاثنية والقبلية العشائرية، وتأسيس تجربة الحكم المباشر لدولة القانون والمؤسسات بمعزل عن الثقافة السياسية للزعامات المناطقية والطائفية للأسياد والاعيان…، حيث لم تستطع الخروج من المأزق السياسي للملاك الكبار للأراضي والعقارات والتجار والصيارفة ولكل اشكال الانتاج المدعمة للبنى والعلاقات الاجتماعية قبل الرأسمالية ، ومعاودة إنتاج نفس التراتبات والبنى الطبقية تكريسا لجدل القهر السياسي في العلاقة بين الانتاج والسلطة، بين الدولة والمجتمع، أو بين الدولة والطبقات، معتمدة على التحالفات المصلحية الضيقة مع الخارج بأسلوب تبعي يمنع التحول في البنى والصراعات المؤسسية الداخلية لجدل السياسة بين فئات المجتمع وطبقاته. كما لم تستطع استثمار فترة الحرب الباردة وما ميزها من تجاذبات حيوية اقتصادية اجتماعية وجيوسياسية، وربط التفكك الاجتماعي للسكان الذي سببته تحولات البنى الاقتصادية الاجتماعية بعد هجرات كبيرة للفلاحين الفقراء والمهمشين في وضع أقرب الى العبيد والاقنان، في مرحلة الكولونيالية ونظم الاستقلالات. وبدل استثمار النهوض الشعبي في البناء وخلق المشاريع التنموية، وإدخال معايير اقتصادية واجتماعية وسياسية وقانونية جديدة، بما يلائم تطلعات وطموحات شعوبها، لجأت الى نوع من الإجماع العضوي في نوع من التماهي بينها وبين الامة والوطن والشعب الواحد، مانعة التمايز والاختلاف والنقد والمعارضة، بل الاكثر من ذلك أبدعت في تأسيس دولة المخابرات، التي لم يخلق مثلها في البلاد، تنفذ عبر مسامات المجتمع في تكوين احزابها ونقاباتها وتأطير الطفولة والشباب والثقافة والاعلام…، مشددة قبضتها الامنية وفق ثقافة الولاء الأبوية للحزب، أو العائلة والفرد الحاكم.
لم يكن ممكنا للدولة الفاشية الأسدية هذه التي اتخذت من العنف السياسي بمختلف أشكاله من الايديولوجي الى الهدر المباشر لحياة الانسان ان تستمر هي وحدها الى الابد، متكئة على ذراعها الأمني القهري في القمع(سجن تدمر وما شابهه)، وفي القتل والمجازر(حماة، المخيمات الفلسطينية، ولبنان) والتهجير القسري، أي تغيير البنية الديمغرافية، بخلفيات سياسة الهوية والطائفية. ونتيجة ما سمي بالانفتاح الاقتصادي للدولة الأسدية استطاع نظامها من حيث لا يدري ان يعبئ وعي الشعور العام الوطني للفئات المجتمعية المتشظية سياسيا واجتماعيا، تحت وقع القهر السياسي والتحولات البنيوية التي أتت بها السياسات النيوليبرالية، أن يعبئها ضد ترف وثراء عائلي فاحش للقلة العائلية والأقلية البرجوازية الحبايب والمحاسيب الجديدة على حد تعبير ياسين الحاج صالح. وبؤس للأكثرية المقهورة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا من كل الطوائف والمذاهب والاثنيات، مع اغلاق تام لأية حركية مجتمعية، و قتل الأمل أمام أية فئة اقتصادية صاعدة، أو لنواة سياسية ( بعض القوى اليسارية التي زج بها، اعلان ربيع دمشق). لهذا كان هذا الوضع معبرا عن تذرر وتفتت المجتمع الذي يزداد اعتصاره في قدراته الانتاجية والمعيشية، وفي حرياته الديمقراطية، وفق منطق التتجير الاستهلاكي الذي يكن عداء لتنمية السوق المحلية، و توسيع وتقوية العلاقات الانتاجية، خاصة الصناعية بما يسمح باستفادة اكثر فئات المجتمع من رفاه النمو، وهي ترى بوعي حاد كيف تحتكر القلة و الأقلية النمو الفاحش بعيدا عن تنمية حقيقية للأغلبية. " الجمع بين نظام سياسي متقادم ولا إنساني وبين واجهة مادية براقة، هو الفصل النوعي للحكم الأسدي، وهو يجعله شيئا أكثر من نظام تسلطي: نظام اجتماعي وسياسي وفكري قائم على التمييز العنصري ضد الفقراء من السكان، هذا بينما يحتكر السلطة والثروة والوطنية لنفسه. هذا الاحتكار الشامل هو أحد منابع الاحتجاجات الشعبية." 44 هذه هي شروط الثورة التي يجهلها المتشككون في الربيع، اي ليس الفقر وانما وعي الشعور الشعبي باحتكار وتمتع الاقلية بتحسن النمو الاقتصادي . هذه هي خلفيات سيرورة حركة الربيع العربي في طموحها نحو الكرامة والمساواة و التنوع والتعدد والاختلاف المنمي للفرد والمجتمع المدني الحقيقي، والى الحرية والعدالة والدولة الحديثة. إنها السيرورة التي لم تنشأ من فراغ في بحثها السياسي العفوي والاجتماعي الاقتصادي عن الديمقراطية الحقيقية وهي تواجه: أولا الدولة العضوية للنازية الأسدية التي خنقت أنفاس المجتمع وأغلقت كل المنافذ في وجه البنى الطبقية معتقدة إلغاء كل الصراعات والنزاعات الاجتماعية، كما أعاقت كل الإصلاحات و التوافقات لتحرير التركيب الاجتماعي من القيود الاجتماعية القديمة، والبنى الاقتصادية والسياسية الايديولوجية لما قبل الحداثة، وما دون الوطنية،( القبيلة والعشيرة والطائفة...). و تحقيق التحول البرجوازي الذي يسمح بتكوين الآليات السياسية والاقتصادية للتغييرات الثورية الجديدة. " هي ثورة ضد النظام الذي جعل من التطوير والتحديث عقيدة تخفي علاقات سلطة وثروة امتيازية وغير مشروعة، وضد أثرياء النظام الذين سرقوا الملايين أيام الاشتراكية البعثية، ثم أصبحوا سادة الاقتصاد في الزمن الليبرالي، وضد أيديولوجي النظام الذين جعلوا الحداثة ديانة وسياسة. "45 ثانيا مواجهة الوجه الدموي البشع للديمقراطية النيوليبرالية في آلياتها الاقتصادية والسياسية والمالية والعسكرية والإعلامية، وفي مراكزها البحثية والعلمية المخصصة لإعادة انتاج الاشكال السياسية للسيطرة والهيمنة، انطلاقا من الاشكال الأيديولوجية التي تعمل على إخفاء علاقات النهب والسطو الاقتصادي الجارية، وتدعيم الفساد السياسي والاقتصادي لنظم الاستبداد، والتستر على سلخ القيمة الانسانية للشعوب. و في حالات أخرى المشاركة باليد الخفية من خلال المال والسلاح في خلق الفوضى وتفكيك المجتمعات، وتأبيد الحروب حيث لا غالب ولا مغلوب، كما حدث في لبنان، العراق واليوم في سوريا. و في التلاعب بمؤسسات المجتمع الدولي التي من وظائفها حماية الشعوب من الجرائم ضد الانسانية.
لذلك يمكن اعتبار تفاعل الشعب السوري مع الثورات العربية في كل من تونس وسوريا ناتج عن نفس الواقع في انسداداته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ونفس تطلعات الشعب في التخلص من عبء القهر السياسي الذي فرضه تسلط القلة العائلية والأقلية البورجوازية على جميع مجالات وقطاعات الحياة المجتمعية. إنها لحظة تاريخية لانفجار الخطاب المستتر والعلني للقوى الوطنية و الشعبية في عفويتها المتجاوزة لكل القوى السياسية السائدة. هكذا اقتحم الخطاب المستتر الحيز الاجتماعي العام الذي احتكره النظام الأمني المخابراتي بالحديد والنار لعقود طويلة.
ثانيا قراءة في بعض الكتابات حول الثورة السورية
واكب الثورة السورية كم هائل من النصوص الفكرية والسياسية والابداعية الى درجة يصعب على المعني و المهتم والممسوس بروح الثورات، والقارئ العادي مسايرة هذا العطاء المتفاوت الجدة والموضوعية والتحليل والعمق في التناول لسيرورة الثورة في انطلاقتها و تفاعلاتها وجدلياتها الشديدة التعقيد بين الريف والمدينة، بين الوطني والاجتماعي، بين السياسي والثقافي والديني، بين مختلف مكونات البلد السوسيولوجية والثقافية كمجتمع مركب في تنوعه واختلافه، وتعدد مكوناته المجتمعية، وبين المحلي والإقليمي والدولي. وفي سياق هذا الاهتمام تمكنا من قراءة بعض الاسهامات لكل من ياسين الحاج صالح، و عصام الخفاجي، وجلبير الأشقر، وعزمي بشارة، الى جانب اطلاعنا على بعض الاعمال الروائية لكل من سمر يزبك وأسماء معيكل ومصطفى خليفة، وغسان الجباعي ...
كل هذه الكتابات وغيرها كانت تخوض معركة شرسة ضد همجية نظام سياسي تمرس على التدليس والتزوير للحقائق وتزييف الوعي والسيطرة على الادراك من خلال حضوره الطاغي في المجال العام، وداخل المرافق الإدارية المدنية والأمنية، وفي مقرات الخدمات الاجتماعية والتربوية، من المدرسة الى الجامعات والمستشفيات ...عبر القمع والتخويف. ثم استئثاره واحتلاله لصدارة الانطباع لدى الفرد والجماعات، من خلال حضوره الطاغي في المجال العام: الصور والتماثيل. هذه الكتابات كانت واعية بخطورة المعركة إعلاميا وفكريا وسياسيا، لذلك تم استثمار المستوى الثقافي، والسياسي الفكري، والابداعي، كأسس وآليات نضالية تدعم وتحصن معركة الحرية والكرامة والعدالة، وتحمي تاريخ وذاكرة الهوية الوطنية للشعب من التهميش والنسيان والتزوير الذي قد تصنعه الآلة الرهيبة للإبادة السياسية والإعلامية والثقافية والوجودية.
1 - الثورة المستحيلة
بناء على ما أشرنا إليه سابقا يمكننا فهم كتابات ياسين الحاج صالح، خاصة كتابه " الثورة المستحيلة" " وهو ليس كتابا عاديا أملته الرغبة الذاتية، بل هو شكل فكري سياسي ساهمت سيرورة الثورة السورية في بلورته وفق جدل للكتابة/ الواقع الحي كفعل ملموس لنضال ميداني ثقافي، 36يأخذ موقعه السياسي بما يمكن أن ينفع ويخدم الثورة في مختلف أشكال ممارساتها اليومية، خاصة على مستوى الحضور الفعال على المستوى السياسي الفكري والإعلامي في وجه الحرب الإعلامية والدعائية التي تمرس النظام الأسدي على ممارستها في حق شعبه طوال عقود من التكميم والتعتيم، والتضليل السياسي الإعلامي، والتزوير للوقائع التاريخية التي تخص التاريخ المنسي والمغيب للشعب المقهور بكل مكوناته وفئاته الاجتماعية، في نضاله ضد طغيان الأسدية. فالثورة المستحيلة صفحات رائعة توثق الاحداث وتوضح السياقات والظروف، وتسلط الأضواء على كل أنواع الغموض والملابسات، ومختلف أشكال التعمية والكبت والإعدام التي تعود النظام على ممارستها. كما أنها صفحات تحمي الذاكرة والتاريخ الذي كتبته ثورة الشعب بصدور نسائه ورجاله، و شبابه، العارية وهو يكتشف " تطلعا الى الانعتاق، حفزته إرادة امتلاك السياسة والحياة"، 16 دون خوف من همجية النظام ومخابراته وشبيحته التي كانت ترد بعنف على الاحتجاجات والتظاهرات السلمية. الكتاب عبارة عن كفاح يومي وجهد فكري نضالي في حماية الثورة، وفي حماية سرديتها الحقيقية كما خاضها الشعب في يومياته وتبعا للظرف التاريخي العصيب محليا وإقليميا ودوليا. وما ولده هذا المثلث الجهنمي من تفاعلات وتحولات، وما فرضه من اكراهات وانكسارات وانهيارات، غيرت الكثير من الموجهات الإرشادية للثورة في أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها، لتجد نفسها تخوض معركة ثأرية انتقامية ضد عدوانية أسدية لوثت الصراع السياسي بلوثة السلالة الطائفية التي تتجاوز الإبادة السياسية الى الإبادة الوجودية للأكثرية السياسية والشعبية، وفق استراتيجيات حددها مثلث الموت للإجهاز على الثورة والتكفير بها من خلال فرض كارثة إنسانية ومآسي متعددة المعاناة والآلام، ومختلفة الأشكال: في التهجير القسري والدفن السري. الكتاب يأتي بشكل مفصل على التحركات الشعبية السلمية وهي تواجه استراتيجية النظام الفاشية في منح معركة الحرية والكرامة وامتلاك السياسة وجهة حربية تدميرية وفق شعارات تحمل معاني الإبادة الصريحة: "الأبد" ، الأسد أو نحرق البلد، الأسد أو لا أحد.
وبتحليل نقدي لكل معطيات الثورة ذاتيا وموضوعيا يبين الكاتب المسارات المرعبة التي كان النظام يحاول زج الثورة في مستنقعاتها، وهو يعتمد على أسسه السياسية و منطلقاته اللاوطنية القريبة من التفكير السياسي الكولونيالي في تفجير الإطار الوطني للشعب السوري من خلال تفخيخ تنوعه وتعدده هدما لوحدة البلد والشعب التي تهدد بقاءه كاحتلال محلي بسياسة وعقلية وآليات صهيونية في التمركز والانتشار. بناء على هذا التناول العميق من طرف الكاتب يقدم ما يعتبره الوضع الطبيعي الذي يتهدد الثورة في سلميتها وسقوطها في لعبة السلاح مكرهة في الدفاع عن حق البقاء والحياة، حسب شروطها الأمنية و النفسية والاجتماعية والتنظيمية والسياسية...، بالموازاة مع العوامل الإقليمية والدولية التي كانت تريد نجاح هذا الأفق الحربي التدميري للبلد والثورة والشعب تبعا لمصالحها الخاصة وأهدافها السياسية والجيواستراتيجية. وفي ظل هذه المعطيات التي لم تكن في صالح الثورة لعب النظام لعبته القذرة التي هيأ، منذ سطوه على السلطة، تربتها العفنة والملوثة بالطائفية السياسية، والتخويف للكثير من المكونات الطبقية والثقافية والسوسيولوجية، جاعلا من التنوع والتعدد سلاحا للتدمير الذاتي للإطار الوطني الذي حاولت الثورة في مرحلتها الأولى تحصينه وحمايته من الشقوق والشروخ والانكسار. لكن رعب العنف المروع وسياسة الحياة العارية، في القتل بمختلف الأسلحة التقليدية والكيماوية التي نهجها النظام بمباركة المجتمع الدولي، أدى الى تشويه منطلقات وأهداف الثورة الوطنية كحلم جامع لكل السوريين في وحدتهم وتقرير مستقبلهم التحرري الديمقراطي." بقدر ما يستحكم منطق الكفاف والبقاء، ستبدو المقتضيات الأكثر تجريدا للديمقراطية والوطنية كماليات وإفراطا في التطلب. وبينما كانت الثورة تتعرف في البداية بأهدافها العامة، فإنها تكاد تتعرف اليوم أكثر بالعملية الصراعية المستميتة التي تخوضها في مواجهة نظام متوحش. "53 الشيء الي أنتج ظاهرة السلاح والعسكرة المشحونة بالمعاني الطائفية والمذهبية التي استفاد منها النظام كدعم إقليمي من العصابات الشيعية من ايران والعراق وحزب الله اللبناني. وبالموازاة مع الأفق العدمي للنظام وحلفائه برزت التنظيمات الدينية العدمية للإرهاب الديني التي كانت تخدم أجندة بعيدة كليا عن طموحات وتطلعات ثورة الشعب السوري. ثم أخيرا جاء التدخل الامبريالي ليحارب الإرهاب متجاهلا حقيقة المستنقع العدمي العطن للفاشية الأسدية كمصدر أصلي لكل العدميات الحاملة للأقنعة الدينية والاثنية والمذهبية. وهذا المصدر في حقيقته السياسية إرهاب صريح في حق شعب أعزل سمح المجتمع الدولي بكل مؤسساته لهذا النظام بارتكاب الكثير من الجرائم ضد الإنسانية. والأكثر من ذلك تضافرت الجهود الإقليمية والدولية على طي صفحة الثورة وعلى مساعدة الدولة الأسدية على معاودة انتاج نفسها، بما يدل كما قلنا سابقا على أن سوريا وكل شعوب المنطقة هي تعبير صريح على الوجه الهمجي الدموي للديمقراطية الغربية. إن ما يحدث في المنطقة، من حروب ودمار وتشرذم طائفي اثني مذهبي، يعري ما تتستر عليه الديمقراطية الغربية في بلدانها من توحش نيوليبرالي تحت غطاء سياسي إعلامي خطير وضع العالم على فوهة بركان. " وبنظرة واسعة، يبدو أن المسألة السورية تخبرنا بأننا اليوم حيال أزمة عالمية، عالم يتحكم فيه الأقوياء أكثر من أي وقت سبق منذ قرن على الأقل، وكل يوم يزيد هذا العالم تعقيدا وقتامة، ويفقد الوجهة، وتضمر الممكنات التحررية والديمقراطية فيه ."38
الكاتب كان حريصا على تقديم صورة أكثر موضوعية لشرعية الثورة وضرورتها التاريخية، فهي ليست فجائية في منطق التاريخ الحديث الذي سطا فيه النظام الأسدي على السلطة، واحتل البلد بما فيه ومن فيه فارضا رعبه الأمني بمشاريع االسجون السرية والعلنية،( ولنا في أدب السجون السورية ما يبين فيض الواقع على الخيال، القوقعة، ناج من المقصلة مثلا) باسم المقاومة والممانعة التي هي في حقيقتها السياسية مقاومة لحرية الشعب في امتلاك السياسة والحياة، وممانعة في وجه أي تطلع تحرري وطني وديمقراطي. وقد كانت الثورة في خلفياتها الاجتماعية والسياسية، وفي انطلاقتها وطنية بامتياز كبير، و بعيدة عن الطائفية والمذهبية. " الطابع العام للانتفاضة ظل مدنيا وتحرريا وانسانيا، وبقيت قاعدتها الاجتماعية عابرة للطوائف مبدئيا، وتحظى بدعم يبلغ حدود التماهي التام من منحدرين من مختلف الطوائف السورية، لكن وجهها العام أخذ يستعير مفرداته ولغته أكثر من اللغة الدينية الإسلامية ."54 إلا أن عنف النظام وتواطؤ المحيط الإقليمي الإيراني والخليجي كل بأسلوبه الخاص أولا في تحطيم الثورة خوفا من المد الثوري الديمقراطي الذي منح وجودا سياسيا لشعوب المنطقة العربية والإسلامية، وثانيا في تصريف أزماتهما الداخلية كأنظمة متسلطة، و غير شرعية، الى جانب قوى العالم المسيطرة والمهيمنة ممثلة في الامبرياليات التقليدية المعروفة والجديدة. كل هؤلاء أجهزوا على البعد التحرري الوطني والديمقراطي للثورة، و ورطوها، ثم اختزلوها في حروب طائفية ومذهبية واثنية وإرهابية.
والكاتب عندما يؤرخ للثورة في سيرورتها من هذه الزاوية السياسية الفكرية، لا يحاول دفع الاتهامات والآراء التي تحاول شرعنة المآل الذي وصلت اليه ثورة شعب سلمي أعزل، هذه الآراء التي كان هاجسها النقدي البحث في الثقافة السياسية المجتمعية بمختلف تعبيراتها الدينية والأهلية والسوسيولجية في قراءتها الساذجة للنزعة المحافظة المؤطرة لوعي وثقافة المجتمع، أو في الأسلمة، والإرهاب الديني...، بل كان هدف الكاتب توسيع المنظور لرؤية مختلف الوجوه والوقوف على كل المعطيات والترابطات والسياقات التي تمفصلت مع حركية الصراع بين القوى الشعبية الذاتية للثورة، وعنف القتل المروع لنظام تتفرج على جرائمه الحماية الدولية والإقليمية، وهي تنخرط ميدانيا وماليا وإعلاميا وسياسيا في صراعها على سوريا من زاوية مصالحها وأجندتها التي تعري الوجه الدموي للديمقراطية الغربية. كما تسقط قناع نزاهة ومعقولية وقانونية ومصداقية مؤسسات المجتمع الدولي التي ليست أكثر من آليات سياسية واقتصادية وثقافية تعمل على شرعنة السطو والإرهاب والحصار، وحق التدخل العسكري كلما تطلبت مصالحهم ذلك، أو في التحالف مع التسلط والطغيان المحلي ضد أي تحول ديمقراطي تحرري تعلن الشعوب انطلاقته السلمية رفضا للتغييب السياسي لحقها في الوجود السياسي. " لدينا، إذا، الوضع المركب التالي: نظام طغموي يقتل محكوميه ويكرههم ويخونهم ويرفع نفسه فوقهم درجات، رغم أنه جامع لأصول الوضاعة كلها، وجمهور متنوع أخذ ينهج في الدفاع عن نفسه منهج المستميت الذي يوجه تصرفه رد غائلة الموت عن حياته، وليكن ما يكون. القوي المهاجم بلا ضمير، والضعيف المدان لن يقبل بضوابط كمالية تنال من قدرته على حماية نفسه. الضمير كمالي. الثقافة أيضا. والسياسة كذلك. "59
بوعيه النقدي وحسه التاريخي في النظر الى تفاعلات الممارسات المجتمعية النضالية في ظل الحرب التي يخوضها ضد شعبه النظام الأسدي بشراسة المحتل الأجنبي، الأقرب إلى السلوك الصهيوني، استطاع ياسين الحاج صالح رؤية الخراب والدمار العدمي. " الصفة العدمية الجوهرية لشعار" الأسد أو لا أحد" هي التلخيص الأمثل للصفة الوجودية للصراع بين السوريتين. "88 هذه العدمية التي ستتناسل من لوثتها عدوى العدميات الطائفية والمذهبية والشبيحة، و عدميات الإرهاب الديني. دون أن ننسى إرهاب الشرعية الدولية الروسية والامريكية والتركية في محاربة الإرهاب. كما استطاع الكاتب رؤية الواقع الحي للثورة في معطياتها الميدانية، وهي تواجه الموت المطلق، الشيء الذي حتم ظهور مكونها العسكري "الشرعي". ويحمل النظام العدمي مسؤولية الخراب والدمار والإرهاب. " لقد نشأت المقاومة المسلحة بفعل رفض النظام للسياسة ومواجهة النظام للثورة بالسلاح، فإذا مضى في تصعيد النظام عنفه الى مستوى الإرهاب، تهيأت الظروف أكثر من أجل العنف الجهادي وأساليبه الإرهابية. "100 والكاتب واع بخطورة هذا الأفق العدمي الذي يريده النظام لأنه تعبير عن طبيعته الإجرامية العدمية حيث لا مساحة في ممارسته الصراعية للسياسة. لذلك ينبه ياسين الى أن المشكلة في المقاومة المسلحة هو في التساؤل عن كونها منظمة أو دون تنظيم، ومدى امتلاكها لوعي ورؤية سياسية تضبطها. و التنبه أيضا إلى ما يمكن أن ينجم عن السلاح من مضاعفات قد تسيء الى الثورة وتقلل من وطنيتها وشعبيتها، أمام نظام تمتد جذوره السياسية والثقافية والاجتماعية في التربة الفاشية للحكم المسنود بالقوى الأمنية والجيش الذي " ليس في سجله غير انتصارات على السوريين واللبنانيين والفلسطينيين في سنوات الحكم الأسدي. "107 إنها سنوات تأسست على الحقد والكراهية والطائفية السياسية التي تجد في الممارسة الأيديولوجية السياسية للنظام مسوغات وجودها في استغلال خبيث للتنوع والتعدد الثقافي والسوسيولوجي للإطار الوطني للمجتمع السوري. وتحويل هذا الغنى والثراء الى حرب داخلية باردة دائمة بين كل فئات ومكونات البلد. الشيء الذي ساعد على تكون وانتشار مناخ نفسي اجتماعي مسكون بالخوف والحيطة والشك بين أبناء الوطن الواحد. وسهل للنظام احتكار السياسة وتمزيق جميع الروابط العاطفية والتضامنية والإنسانية بين كل المكونات، من خلال آليات المظلومية ونزعة التفوق الاضطهادية والعنصرية المفعمة بالكراهية والشيطنة للآخر" هذه الأحكام من الآليات النفسية والخطابية الممهدة للعنف الجماعي و المجازر الجماعية. "117
هكذا يحاول الكاتب تسليط الضوء على الكثير من مناطق الظل، والأسئلة المؤلمة، التي قد تواجه القارئ والمهتم بالشأن الإنساني وضمنه المأساة السورية، حول سر هذه الهمجية والوحشية في أن حاكما يقتل شعبه ويدمر بلده لضمان ديمومته في التسلط والقهر، ولتأبيد طغيانه وهو يتغذى على الموت77 ( القوقعة). لذلك فإن مقالات الكتاب تزيل الكثير من الغموض، وتوضح ما اكتنف سيرورة الثورة من التباسات في مراحلها الثلاث، من السلمية الى الطائفية وصولا الى التدخل الامبريالي. تتضح الصورة على أننا إزاء ثورة تداخلت فيها المعطيات التاريخية والثقافية للفاشية الأسدية، وما عرفته من تحولات نيوليبرالية بفعل سياسة التطوير والتحديث من ثراء فاحش للقلة والأقلية الحاكمة، وبؤس للشعب الملغى من كل الحسابات الاجتماعية والاقتصادية، في مناخ يسيطر فيه التصحر والقهر السياسي، والمحيط الاقليمي التسلطي الإيراني والخليجي والتركي، بالإضافة الى الموقع الجيوسياسي لسورية الذي يعمق الحضور القوي للمصالح الدولية، دون أن ننسى دولة الإرهاب الصهيوني التي توجه الكثير من الاستراتيجيات الفاعلة والمتصارعة على سورية وفق ما تعتبره مصالحها الحيوية، إما بالهجوم الحربي على ما تعتبره أهدافا عسكرية تهدد أمنها، أو بالتنسيق المرن مع قوى الهيمنة الدولية الروسية والأمريكية. لهذه الأسباب والعوامل كلها نفهم مع الكاتب تشتت الجهد الوطني للثورة الذي لم يجد أرضية ذاتية و موضوعية صلبة لتقوية الجبهة الداخلية (المتشرذمة والغارقة في ما دون المجتمع والدولة بفعل سياسات النظام) للإطار الوطني الجامع لكل القوى الشعبية، والمكونات الوطنية في تنوعها واختلافها وتعددها. ولا حضور لمعارضة سياسية قادرة على التنظيم والتأطير الميداني والسياسي، لأنها تشربت التصلب الفكري والذهني والسياسي، الى درجة أنها كانت تفكر بمنطق السلطة لا بمنطق التغيير والثورة، فهي كانت تحتضر أخلاقيا وسياسيا في صراعات تافهة، ومع ذلك كانت عينها على السلطة، لذلك صعب عليها تدبير المرحلة وإدارة الصراع، خاصة وأنها كانت تحارب بالمنظار حيث لا علاقة لها بما يحدث على الأرض. ولم تكلف نفسها عناء حماية الثورة عوض العيش على وهم أصدقاء سورية وطلب الحماية الدولية. هكذا كان سهلا أن ينتشر التفتت و التجزؤ، وتضيق الرؤية السياسية والفكرية الميدانية، والنظرية للنخب الفاقدة للثقة والمصداقية. فكان طبيعيا أن تنتكس الثورة وهي تخلف الكثير من الآلام والخيبات، و ترى جميع أدواتها المستقلة تتفكك سواء السلمية أو المسلحة ( الجيش الحر). وتعتلي ساحة المعركة الفاشية الأسدية وما ولدته من عدميات طائفية وإرهابية، تبرر الاحتلال الأجنبي. وقد تناول ياسين الحاج صالح بتحليل نقدي كل هذه العدميات، بما في ذلك الجهادية المقاتلة التي ولدها العنف الوحشي الأسدي، حيث إنها تقوض وتهدم وتمزق البلد والناس، وتؤسس للطغيان والكراهية. وبعبارة واحدة إنها الوجه الآخر للفاشية الأسدية. " معلوم أن قيادة الجهتين المتطرفتين الأسدية والإسلامية، مرتبطتان بجهات أجنبية، الأسديون هم جزء من المحور الإقليمي الطائفي الذي تقوده ايران، ويندرج فيه حزب الله اللبناني ومجموعات شيعية عراقية وأفغانية ويمنية وغيرها، والإسلاميون مرتبطون بمحور سعودي خليجي، أو بحركة الجهاد العالمية. وفي الحالتين نحن حيال قوى طغيان متطرفة من جهة، وطائفية من جهة ثانية، وتابعة وغير وطنية على كل حال. "168
ووضع حد لهذه العدميات، التي أخذت طابع إقطاعات عسكرية، في نظر الكاتب لن يتحقق إلا بالتخلص من النظام الأسدي الذي نشر الرعب المروع بمختلف أشكال الأسلحة التقليدية والمحرمة دوليا، بما في ذلك هجمات بالطيران على طوابير الخبز. " أما العنف الذي لا يعرف حدا فلا أحد يجاري حكم السلالة الأسدية فيه. كان هذا رهانها الذي لم تحد عنه منذ أول يوم من الثورة. ولها الفضل الكبير في تكسير الرابطة الوطنية وإثارة نوازع الثأر، ونشر العنف في المجتمع السوري ككل ، ودفع ما كان يمكن أن يكون نزاعا سياسيا داخليا الى حرب محلية وإقليمية. وسبق أن قتلت عشرات الألوف من السوريين واعتقلت وعذبت عشرات الألوف في أزمة وطنية كبيرة في جيل سبق (1979-1982). "192
وأمام هذا الواقع المؤلم لا يكف الكاتب عن التأكيد على أن البديل الحقيقي لا تعبر عنه حالة التشرذم والتجزؤ للإقطاعات العسكرية، من الأسدية والإيرانية وصولا الى مختلف الإمارات الجهادية، بل ضروري التمسك بسورية كمكسب تاريخي تبنى عليه سورية الجديدة التي تتسع لكل مكوناتها بتنوعها واختلافها وتعددها وفق معاني جديدة للهوية. لكن الوصول الى هذا الحلم صعب في ظل تعقد القضية السورية التي لم تعد مجرد مفاوضات وتسوية سياسية، فالنظام الأسدي حوّل الصراع الى صراع وجودي، لذلك دمر البلد وقتل الناس وهجرهم منسجما مع شعار " الأبد والأسد أو لا أحد". كما أن الإمارات العسكرية الجهادية تسهم في التشتت والتمزق ودوام التوتر والاقتتال ضمانا لوجودهم ومصالحهم، المتناقضة مع مفهوم الثورة كتغيير جذري للبنيات الاجتماعية والسياسية والثقافية الاستبدادية، في بعدها السياسي وكموروث ثقافي ديني متسلط . هكذا تتقاطع مصالح كل العدميات الأسدية والإقليمية والدولية وكل الاقطاعات العسكرية على تأبيد مستنقع التفكك و الحرب خدمة لمصالحهم. " إن استعصاءا متماديا في سورية هو الحصيلة الوحيدة التي لا تلحق الضرر بالمصالح الأمريكية "206.
و بعد هذا التحليل الفكري والسياسي العميق نراه يبين هشاشة وضحالة الآراء والمواقف والتصورات التي تصدر الاحكام جزافا وتؤسس لقناعات انتقادية لاذعة، وهي لا تمتلك ملفات الواقع الحي بمختلف تفاعلاته وعلاقاته ودينامياته الاجتماعية والسياسية والعسكرية المتعلقة بمختلف العدميات، من المحلية الى الدولية، حتى يتيسر فهم انخراط السوريين في مختلف أشكال الدفاع عن الحياة ضد القاتل العمومي الذي ولد كل هذه الاقطاعات الحربية المرتبطة بإستراتيجيات القوى الإقليمية والدولية التي تعبر عنها بوضوح حادثة " توقف غامض ( أمريكي سعودي في تقديري) لعملية التحرير وإسقاط النظام في دمشق. وهو ما اقترن بتصرفات غريبة جدا من وجهة النظر العسكرية: ترك مطار دمشق الدولي يعمل، وبيع طريق دمشق- حلب للنظام بالمال، وجرى الانسحاب من مواقع قدسيا الهامة. تاه الصراع، ولم يعد له هدف سياسي وطني، واستعادة النظام زمام المبادرة فورا، وقطع طريق إمداد الغوطة من الشمال باحتلال النظام العتيبة في آذار 2013".235
لذلك ليس غريبا أن تصل الثورة السورية الى نهايتها من خلال التحكم الامبريالية في الوضع السوري، مع رسمها لكل المسارات التي تجعل مستقبل البلد وجميع الممارسات الاجتماعية والسياسية والعسكرية وفق مصالحها، دون أي اعتبار للقيم الإنسانية الكونية التي تدعيها في حق الشعوب في حريتها وكرامتها، و تقرير مصيرها بعيدا عن الأشكال السياسية الجديدة للاستعمار المستحدث بغطاء الديمقراطية الغربية التي نمثل وجهها الدموي القائم على النهب والقتل والخراب والدمار والجرائم ضد الإنسانية. " يمكن وصف الطور الحالي من الصراع في سورية بأنه الطور الامبريالي، طور يجمع بين السيطرة المباشرة والعدوان الشامل والهندسة العسكرية والسياسية لأوضاع تناسب القوى المسيطرة، وتشكل استئنافا لمجهود الدولة الأسدية في تحطيم الثورة، فصلا عن شراكة في الغطرسة واحتقار للعدالة. ولعله يوجه هذا المجهود كله إرادة إعطاء درس لشعوب الإقليم والعالم أجمع في مخاطر الثورات. "243
2 - سورية درب الآلام نحو الحرية
ومن زاوية أخرى توثيقية تاريخية تعتمد على المعطيات الوضعية التوثيقية يحاول عزمي بشارة في كتابه " سورية درب الآلام نحو الحرية" أن يفهم الثورة في انطلاقتها وصيرورتها، وهو في ما طرحه لا يختلف كثيرا عما سطره ياسين الحاج صالح في كتابه المذكور حول طبيعة النظام الأمنية التسلطية في احتكاره للسلطة والثروة والسياسة والحياة، الى درجة جعل الشعب في حالة من الغليان المكتوم لا تستطيع أن تتجاوز ثورته الحيز الاجتماعي للخطاب المستتر، الذي لا يقوى محيطه المحلي والإقليمي العراقي واللبناني الغارق في الحروب الطائفية السياسية على دفعه نحو اكتساح المجال والفضاء العام لإعلان وجوده السياسي، كشعب مقهور يرفض المذلة والمهانة والاسترقاق السياسي الاجتماعي من قبل سورية الأسد. لذلك يربط بشارة انطلاقة الثورة السورية بما حققته الثورة التونسية والمصرية بشكل سلمي. إلا أننا نستغرب قوله " نعتقد أن الثورة السورية التي تحركت في أجواء الثورة العربية هي الثورة التي كان يمكن تجنبها بالإصلاح حتى بعد اندلاعها لو فهم النظام مزاج شعبه السياسي وذاكرته ومخاوفه ومطالبه، ووافق على تغيير أسلوب تعامله معه بإجراء إصلاحات بنيوية كافية "25 . وقد استعمل بشارة مصطلحات انشائية لا علاقة لها بالعلوم الاجتماعية والسياسية والتاريخية...، كما أشار الى ذلك في تمهيده. لأن النظام السياسي يؤسس وجوده السياسي والاجتماعي والاقتصادي على الموت الرمزي للشعب، والموت المادي لكل فعل سياسي معارض، وصولا الى إبادة الشعب الثائر. وقد خصص بشارة الفصل السادس للحديث عن استراتيجية النظام التي لا تقبل بالشعب إلا باعتباره مواليا هادئا. 226 مما يعني أن الأنظمة الشمولية العربية في قهرها الداخلي للشعب وتبعيتها للخارج تبني مصالحها، من خلال الولاء والطاعة باعتماد آليات استعمارية في " تسييس الفسيفساء الاجتماعية"27 أي تتموقع خارج الوطنية، أو بتعبير أدق ضد الوطن والإطار الوطني. حيث إن إصلاحها الحقيقي هو زوالها، أي التحرر منها بشكل سلمي أو ثوري، وأي شكل تحدده الكثير من الشروط والظروف والسياقات والعلاقات والتفاعلات الصراعية المحلية والإقليمية والدولية. وبين الصفحة وأختها تتعثر محاولة بشارة لفهم الثورة، بين قوله بالطبيعة المخابراتية للنظام في التحكم في جميع مفاصل الدولة والمجتمع والذاكرة والتاريخ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث " أغلقت هذه الأجهزة المجال العام أمام أي حراك سياسي معارض للسلطة القائمة، ولعبت على وتر التناقضات والحزازات المجتمعية من خلال الإبقاء على الروافد والمغذيات الاجتماعية لها ."30 لكن في الصفحة الموالية يقرأ بشارة تعقد وصعوبة الثورة السورية من خلال خصوصية مجتمعها المركب. وهنا تنتصر القراءة الاستشراقية الكولونيالية التي يؤسس النظام على أرضيتها وجوده السياسي، كممارسة أيديولوجية سياسية تضمن ديمومته وتؤبد سلطته، كنظام لا وطني يتناقض سياسيا مع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، وما يشكلها من قيم ومبادئ الحرية والمواطنة والديمقراطية...،
يعني هذا أن المشكلة سياسية داخلية قائمة في الصراع السياسي المجتمعي في تطييف النظام للحقل السياسي، وتمزيقه للإطار الوطني بواسطة آليات سياسية استعمارية في إنتاج قراءتها التسلطية للمكونات الثقافية والسوسيولوجية، كتنوع وتعدد تخترق أي مجتمع في العالم." الشعب السوري ينشد الحرية والكرامة، ويتوق الى المواطنة وحقوق المواطن وحاله في ذلك حال الشعوب العربية كافة. والفارق الرئيس في ثورته يكمن في خصوصية مجتمعه المركب دينيا وطائفيا وإثنيا، التي أعاقت تبلور هوية وطنية جامعة تسمح بفصل المجتمع عن النظام، والنظام عن الدولة، وأوجدت جماعات أهلية تجمع بين المجتمع والنظام، تخترقهما عموديا، وتمكن النظام من استثمار ولاء الأجهزة الأمنية وضباط الجيش في استخدام غير محدود للعنف. "31 والخلاصة عند الكاتب أن سياسة الهويات نابعة أساسا من شروط موضوعية، هي من طبيعة المجتمع المركب التي " تشكل خطرا حقيقيا على كيان الدولة الموحد "33. ولو كان الكاتب واعيا بالمستوى السياسي للصراع السياسي الذي يخوضه النظام على الأقل منذ بروز الدولة الأسدية، التي تفكر بعقلية المحتل في فرض الوصاية والحماية بالمعنى الكولونيالي على الشعب" المتخلف والجاهل" بلغة رئيسه، لفهم بشارة أن النظام لم يضيع لا فرصة الإصلاح ولا فرصة الانتقال الديمقراطي. ولعل المعطيات السابقة التي أشرنا إليها في محور ما وراء الثورة لأكبر دليل على فاشية النظام التي تعبر عنها شعاراته " الأسد أو لا أحد" الأسد الى الأبد"...
يقول بشارة بأن النظام" ضيع فرصة احتواء القوى المنتفضة بداية، بشكل يمكنه من الإصلاح، وربما الانتقال الديمقراطي التدريجي بقيادته من دون سفك دماء، ومن دون تعريض تماسك سورية وشعبها للخطر. "34 والغريب في الأمر أن هذا الكلام يتناقض مع ما هو مسطور بين دفتي الكتاب، كما لو أننا أمام مؤلف جماعي تتعارض فيه الآراء. ففي نقاشه لما يسميه الفرص الضائعة، الإصلاح السياسي والانفتاح الاقتصادي وما تمخض عن ربيع دمشق، يشير بشارة الى طبيعة النظام القمعية والسلطوية التي تؤكد حقيقة أن النظام بعيد عن الإصلاح والديمقراطية" وعاد الاستقواء بالقمع الأمني باعتباره الآلية الرئيسية التي تحكم تعامل النظام مع معارضيه. "47 وانطلاقا من نزعة استعلائية غير ديمقراطية يحتقر النظام الشعب في محاولة إنتاج إيديولوجيته القمعية، بما تبقى من أزبال قمامة الاستعمار: ما يسميه الرئيس في خطاباته "الخصوصية السورية"، التي قوبلت بالرفض النضالي من خلال بعض القوى الفاعلة، ومن بينها المؤسسة لإعلان دمشق، رغم ما تعرضت له من قمع وملاحقة أمنية. وبسبب عوامل ذاتية وموضوعية داخلية وخارجية ضعفت وتشتت دينامية هذه التجربة في المعارضة. مما فسح المجال للفساد والتسلط والقهر السياسي أن يتعمق ويرخي بثقله الرهيب على كل فئات الشعب المهدور في انتمائه وهويته الوطنية، تحت وقع شعارات "اقتصاد السوق الاجتماعية". " وكانت هذه التطورات عبارة عن عملية لبرلة اقتصادية في ظل الفساد والاستبداد السياسي... وكان لذلك أثر بالغ في خريطة الحركة الاحتجاجية في سورية إبان انطلاقتها. فهي في إطارها الأشمل، باعتبارها نزوعا نحو التغيير، حركة شعبية ضد القهر السياسي، وضد الفساد البنيوي المتجذر في الجمع بين النيوليبرالية الاقتصادية والاستبداد السياسي. "55
هكذا يفكر عزمي بشارة سيرورة ولادة الثورة التي لم تكن كما قلنا سابقا فجائية لمن يحسن قراءة التحولات التي كان ينتجها الظرف التاريخي العصيب الذي كان يضع الشعب السوري على فوهة بركان. حيث صرخة الحرية والكرامة والعدالة لم تعد تستطيع حبس أنفاسها والتزام الصمت، أو اللجوء إلى الكبت، أو التوقف والنكوص، خاصة والشعب يكتشف خديعة الإصلاح والديمقراطية وفاشية نظام يعلن بوقاحة استعداده لقتل شعبه تحت غطاء المؤامرة ومحاربة الأعداء. وقد اكتسب فاشيته بعد مجزرة حماة، حيث تحولت سورية الى دولة الأجهزة الأمنية تستبيح كل شيء، فلم يعد هناك حتى ما يسمى بالمجال الحميمي الخاص. والكاتب يشير بوضوح الى الطبيعة الإجرامية للنظام، لكن ما يثير الاستغراب الى درجة التساؤل حول سهو بشارة في جمعه بين إمكانية قدرة النظام على الإسهام في تغيير نفسه عبر إصلاحات سياسية ممكنة، وهي جزء من تطوره الطبيعي كضرورة تاريخية كامنة في صيرورته السياسية الاجتماعية الاقتصادية والأيديولوجية في الوقت الذي يعرف بشارة أنه " اتضح أن نهج حماة ليس أسلوبا من الأساليب التي يختارها النظام، بل هو نهج بنيوي. "60 له جذور عميقة كما ناقشها بتفصيل بشارة في الفصل السابع حول ترييف الحزب وتطييف الجيش وصولا الى صعود فئة الذئاب الشابة كشريحة اجتماعية اقتصادية مرتبطة بالأمن والسياسة. هذا التوجه عمقته سياسة بشار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كدولة الاستثناء الاستبدادي في احتكار السلطة والثروة وفتح الباب لمختلف أنواع الفساد، وتعميق الهوة بين قلة تزداد غنى وثراء فاحشا، وشعب ينحصر وجوده الى المستوى النباتي في البحث عن لقمة العيش للبقاء. " من الواضح أن هذه الفئة باعتباراتها الخاصة ليست المركب الوحيد في النظام، فثمة مركبات أخرى لديها اعتبارات أخرى. ثمة أجهزة أمنية وجهاز دولة وقاعدة اجتماعية طائفية. لكن فئة رجال الأعمال من الذئاب الشابة المتداخلة بالأمن أصبحت في مرحلة حكم بشار الأسد الفئة الاجتماعية الأكثر تأثيرا في النظام. "313 ونجم عن هذا الواقع الجديد، من جهة ، صعود ملحوظ لمعدل النمو على حساب التنمية الذي كانت تستفيد منه مركبات النظام، ومن جهة أخرى أفرز وعيا شعبيا غاضبا وساخطا من القهر والحرمان والاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي عن دائرة الثروة التي تحتكرها وتمتع بامتيازاتها القلة البورجوازية والأمنية وأقليتها الأسدية العائلية. هذه هي زاوية النظر التي تؤطر محاولة عزمي بشارة في فهمه انطلاق الثورة والتعرف على صيرورتها. وهو في ذلك كما لو كان يرد ضمنيا على سردية المؤامرة التي روجها النظام وحلفاؤه، وفي الوقت نفسه يقف في وجه السطو على التاريخ كما يفعل المتسلط المنتصر عادة، ليؤكد شرعية الثورة وضرورتها التاريخية الموافقة للتركيب الاجتماعي الاقتصادي في تحولاته وصراعاته الاجتماعية والسياسية بين التغييب السياسي لوجود الشعب بمختلف مكوناته، وبين إعلان الممارسة الاجتماعية السياسية للقوى الوطنية الشعبية عن حق امتلاك السياسة وعيش الحياة. هكذا توالت الاحتجاجات كما يسردها عزمي بشارة من إعلان دمشق مرورا باعتصام السفارة الليبية وصولا الى انتفاضة درعا. " خوف النظام من الثورة ومحاولته وأدها في المهد بالاستخدام المكثف لإطلاق النار على تظاهرات سلمية أهلية الطابع تحوّل الى نبوءة تحقق ذاتها. وأصبحت شدة القمع والدماء الغزيرة التي سالت في تظاهرات جمعة الكرامة في 18آذار/مارس2011 محركا يدفع الأمور الى اتساع نطاق التظاهرات وتحولها الى انتفاضة محلية عارمة، ثم الى ثورة وطنية ."86 شاركت فيها فعاليات مختلفة بشكل عفوي تلقائي. لكنها نابعة من تاريخ القهر السياسي والتهميش والتغييب لحق الوجود السياسي للشعب. وحين برزت التنسيقيات المدنية، أخذت الاحتجاجات بعدا تنظيميا، رغم الهجمة الشرسة للجهاز الأمني والجيش و الشبيحة. فظهرت بشكل واضح الطبيعة اللاوطنية والاستعمارية للنظام البعيد كليا عن الفرص الضائعة والإصلاح السياسي. لذلك ليس غريبا أن يتبنى النظام " رواية العصابات الإرهابية والمسلحين والسلفيين والمؤامرة لتبرير قمعه وقسوته. وكل ما يقال اليوم عن المؤامرة والمسلحين المدسوسين قيل في هذه المرحلة المبكرة من عمر الثورة "91
هذه هي السردية التي اشتغل عليها ٍرأس النظام في خطاباته إعلاميا وسياسيا. " دأب النظام السوري في سورية على تعريف الثورة أو وصفها منذ بدايتها بأنها " مؤامرة خارجية" تستهدف سورية بسبب مواقفها " الممانعة" غير المنسجمة مع السياسات الغربية في المنطقة، متجاهلا بذلك بعدها الشعبي العفوي الأصيل ودوافعها المعروفة المتجذرة في الواقع الاجتماعي والسياسي السوري، ومضامينها السياسية الثورية. لكن النظام تبنى سياسة تهدف الى القضاء على الثورة مبررة دعائيا بهذه الرؤية. "229 وشاركته بعض القوى اليسارية التي لايزال يسيج عقلها ونمط تفكيرها جدار برلين. لكن الكثير من الكتابات التي واكبت الثورة، فكريا وسياسيا وإعلاميا وإبداعيا، عرت هذه الخديعة السياسية الخبيثة التي افتعلت قتل الجيش والشعب معا في محاولة لشحن الجيش بالعدوانية الشرسة تجاه شعبه. ومع ذلك برزت انشقاقات كثيرة وعت دناءة الفاشية الأسدية ولا وطنيته في الإصرار على قتل شعب استمر في احتجاجاته السلمية شملت ريف ومدن سورية. أسهم النظام بقتله في تجذر شعارات الثورة من المطالبة بالإصلاح الى رفع شعار إسقاط النظام. حيث يرى بشارة أن استمرار الثورة وامتدادها بفعل الحضور القوي لفئات واعية سياسيا وسط الفئات الفقيرة في مراكز الأطراف المهمشة، دون أن يعني ذلك أن الفقر والريف منطلقها. " ظهرت في بداية الثورة فئة من شبان الأحزاب المعارضة المناضلين، وفئة أوسع بكثير من المدنيين غير المؤطرين الواعين سياسيا واجتماعيا والمنتمين الى الطوائف كلها. ظهر هؤلاء في المدن السورية كلها، بما فيها حلب ودمشق. ويعتبر قتل هؤلاء واعتقالهم بالآلاف، أو إجبارهم على الاختباء أو اللجوء الى المنافي من أهم جرائم النظام التي أدت الى تجريف البعد المدني للثورة السورية بالقوة. "94
هكذا نفهم مع عزمي بشارة الأسباب والعوامل الهمجية والدموية الكامنة في طبيعة النظام الشمولي، التي أنهت البعد السلمي الوطني الديمقراطي للثورة التي شملت كل الطوائف والمناطق السورية، وهي تعري في صمودها حقيقة نظام في طبيعته السياسية، الأقرب الى قوة احتلال محلية، وهو يخوض بشراسة حربا وحشية ضد شعبه. الشيء الذي جعل الثورة تأخذ بعدا مسلحا. " سقطت شرعية الدولة ومؤسساتها في وجدان الثائرين، وتحول النظام الى ما يشبه قوة احتلال تفرض على الناس حماية نفسها من بطشها في البداية، ثم مقاومتها لردعها، ثم تنظيم نفسها من أجل الانتصار عليها. وضمن هذه الرؤية يمكن فهم دينامية العسكرة في الثورة السورية. "191 التي انطلقت في البداية كدفاع عن النفس ضد عملية القتل التي طالت الكثير من السوريين بما في ذلك بعض الجنود الذين أعدموا ميدانيا كمنشقين رفضوا إطلاق النار على الشعب الأعزل، قبل أن تتحول الى مكون رئيسي في الثورة مع إصرار النظام على الحل الأمني الدموي في ظل الموقف اللاأخلاقي واللاإنساني من المجتمع الدولي الذي ترك الشعب السوري وحيدا تفعل فيع آلة الحرب ما تشاء. وقد عرفت ظاهرة التسلح سيرورة صعبة في التكون والتطور، في التوحد والتنظيم والعمل الاستراتيجي. " مصيرها لم يكن أفضل من محاولات إقامة الأطر السياسية. ونعتقد أن التعدد الميداني، وعدم تنظيم القوى المسلحة للثورة فاقا حالة اللاتنظيم واللاوحدة اللذين صاحبا عمل القوى السياسية المعارضة في الخارج ."202 وقد زاد الطينة بلة توالد الكثير من الكتائب المحلية والأجنبية السلفية التي كانت تحارب بالوكالة بناء على ما تمليه عليها الدول الداعمة بالمال والسلاح. هكذا سيطر التشرذم والتشظي سياسيا وعسكريا. دون أن تقوى ظاهرة العسكرة على تحقيق نتائج داعمة لقيم الثورة السلمية المدنية، باستثناء المعارضة المسلحة في ريف دمشق التي حققت نوعا من التنسيق والتنظيم" ويرجع ذلك كما يبدو لوجود حالة من التجانس على مستوى الثقافة بين المقاتلين والمجتمع في ريف دمشق، فالثوار في ريف دمشق هم غالبا من أبناء المنطقة ذاتها، ما ساهم في الوصول الى مستوى أعلى من التنظيم والتنسيق بين الفصائل ."218 إلا أن التنظيمات السلفية والجهادية المسلحة وفرت أرضية ملموسة لدعاية النظام في كونه يخوض حربا ضد الإرهاب، متجاهلا الأسباب الداخلية عبر التاريخ الحديث والمعاصر لسورية في ظل حكم العائلة الأسدية، التي خلعت على نفسها نوعا من القداسة، يستحيل معها على النظام القبول بالثورة التي ترى أنه هو المشكل وبالتالي تغيير النظام السياسي هو الحل. لأنه بعيد في سيرورة تكونه وتطوره كنظام فاشي في ممارسته السياسية، عن أن يتضمن في بنياته السياسية والاجتماعية الاقتصادية إمكانية إصلاحه. هذه الإمكانية التي يرى عزمي بشارة أن النظام ضيع فرصها، في الوقت الذي يؤكد في الكتاب نفسه أنه " لم يخطر في بال النظام، ولا يمكن أن يخطر في باله، أن المشكلة هي النظام السياسي الأمني، أي هو ذاته. "232 بل بالعكس كان النظام واعيا بذلك، ولهذا واجه الثورة بشعارات الحكم أو الموت: الأسد أو نحرق البلد، الأسد أو لا أحد...، ولنا في كلام عزمي بشارة ما يدل على وعي النظام بتهديد الثورة لوجوده السياسي. " وأثبت النظام باستراتيجيته الدعائية منذ اليوم الأول أنه ينوي الحفاظ على نمط الحكم الاستبدادي كله من دون نقصان، لأنه الإمكانية الوحيدة لتحكم فئة بعينها بقية المجتمع، ولتتعامل مع الدولة باعتبارها مزرعتها الخاصة. وتطلب ذلك القضاء على الخصوم معنويا وجسديا، بقتل شخصياتهم وقتل شخوصهم. "247 و قد أدت هذه القناعة لدى النظام الى بروز الكثير من الجماعات المسلحة المندرجة في إطار الجيش الحر. كما ظهرت الحركات الجهادية التي لا تختلف عن فاشية الدولة الأسدية، الشيء فتح البلد على حرب طائفية رسم النظام أفقها الاستراتيجي انتصارا لدعايته الإعلامية والسياسية والحربية في قوله بالحرب ضد الإرهاب، وهذا ما مهد الطريق للتدخل الإقليمي والدولي. وفي هذا التحليل لصيرورة الثورة وتحولاتها المعقدة نرى تشابها بين عزمي بشارة وياسين الحاج صالح في ما سماه بالمراحل الثلاث للثورة السورية. كما لهما الرؤى نفسها على الواقع السياسي والتنظيمي والميداني لمختلف أنواع المعارضة الداخلية والخارجية التي لم تستطع التخلص والحسم مع عقلية صراع المواقع والمناصب ذات الأفق السلطوي البعيد عن سيرورة الثورة وأهدافها، وطموحات وتطلعات شعبها.
3 - العقد الأخير
ومن زاوية تقليدية شائعة في حدودها ومحدوديتها في التحليل النقدي الذي يعتمد المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية الإحصائية...، كإستراتيجية فكرية سياسية للإقناع بالتناول العلمي الملموس للواقع الملموس يحاول محمد جمال باروت في كتابه " العقد الأخير في تاريخ سورية" تفسير وتوضيح شرعية الثورة ومعقوليتها في منطق حركة تطور الواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي السوري في ظل النظام التسلطي. وما خلفته سياساته الاقتصادية والاجتماعية من فقر وتهميش، واستبعاد اجتماعي سياسي للشعب المقصي، مما تحققه برجوازية الحبايب من رفاه النمو على حساب التنمية البنيوية الغائبة لباقي الفئات والطبقات الاجتماعية، وما يترتب على هذا من تغييب للحريات الديمقراطية. وهذا الوضع الجديد لم يكن إلا حلقة بنيوية مأزومة في سيرورة التركة الحرجة للتركيب الاجتماعي الاقتصادي السياسي للدولة الأسدية الذي عمق أرضية موضوعية للفساد والتفكك المجتمعي و تضعضع العلاقة بين الدولة والمجتمع. وهي أرضية لبروز حركة الاحتجاجات والفعل السياسي الديمقراطي( المنتديات، اعلان دمشق...) الذي سرعان ما تعرض للقمع بسبب الطبيعة الشمولية التسلطية الى حد القداسة الإلهية التي تنظر الى مفهوم الشراكة و المشاركة السياسية والمجتمعية كشرك ديني بوحدانية النظام السياسي الذي لم يكن ممكنا أن يتضمن في بنية سيرورته إمكانية أي فرصة ضائعة، كما يراها كل من عزمي بشارة ومحمد جمال باروت. هذه الطبيعة السياسية للنظام التي عجزت النخبة الثقافية والسياسية عن فهمه وفهم ممارسته السياسية المرتبطة بإيديولوجية الإصلاح والتحديث المرتبطة برئيس شاب. وهي شكل سياسي لتأبيد وديمومة الدولة الأمنية التسلطية الأسدية. " لم تستطع القيادة السياسية التي كان لبعض أشخاصها حضور قوي، أن تفكر في هذه المنتديات ونوياتها السياسية المحتملة والممكنة- في ضوء ما وعد به خطاب القسم من " احترام للرأي والرأي الآخر"- وأن تقوم بعملية مأسستها، بل فكرت فيها في ضوء آليات الإقصاء والتسلطية التقليدية التي اعتادها على مدى سنوات طويلة، وشكل ذلك " فرصة ضائعة" لتجديد الحياة السياسية، وتفعيل المشاركة المجتمعية. "34 في الوقت الذي نرى أن الفرصة الضائعة تتمثل في تعبير القوى السياسية والشعبية عن رفضها سطو العائلة الأسدية على الدولة الى حد التوريث.
يحاول باروت وضعنا في الصورة الخلفية لاندلاع الثورة من خلال فهمنا لعملية التشكل الطبقي، وبنى التركيب الاقتصادي الاجتماعي التي يسيطر في مستواه البنيوي الاقتصادي، اقتصاد الريع الذي تحكمت في استثماراته طبقة برجوازية مرسملة ترتبط بشكل أو بآخر بالدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية، في ظل التعددية الاقتصادية التي تجمع بين القطاعات العامة والخاصة والمشتركة38 . والغريب في الأمر أن يبرر الكاتب وطنية حافظ الأسد وانتماءه التحرري بخبرته وتجربته الفذة في الحكم التي جعلت غورباتشيف المضعضع يسأل فخامة الرئيس عن سر حكمه لمدة طويلة .44وفي ذلك ايحاء للقارئ عن سر تخلي الأسد عن الإصلاح السياسي واللجوء الى عملية ترقيع الانفتاح اقتصادي الذي يحتويه الريع المدعم ماليا بالمساعدات الخليجية، تفاديا لتفكك الوطن السوري. وقد تحدث الكاتب مطولا عن قناعة بإمكانية خطة مشروع للتنمية الانسانية( عملية التحرير وعملية التمكين والبناء المؤسسي)50 في ظل نظام سياسي تسلطي أسس وجوده السياسي على تفكيك المجتمع من خلال سياسة الهوية الطائفية والمذهبية والاثنية والمناطقية، مع التحكم في الأجهزة الأمنية والجيش كقوة ردع في وجه الحضور السياسي للشعب وقواه الوطنية والديمقراطية. فهل يستقيم الإيحاء ببراءة النظام حين بين الكاتب أن اعتراض الوزراء على مشروع الخطة في بعده المؤسسي أدى الى بلبلة القيادة القطرية التي تضطلع بالوظيفة السياسية؟
وهو ما نتج عنه مشروع لبرلة يفتقر للإصلاح المؤسسي، مما أدى الى تكون جذري لقوس الأزمات. لأن التحولات الاقتصادية وما رافقها من عمليات التحرير أدت الى هدر التصنيع، حيث كانت شريحة رجال الأعمال الجدد تفكر في قطف ثمار النمو على حساب التنمية الإنسانية منشغلة بتضخيم مصالحها الخاصة . " فالهدف من الاستثمارات في المنظور التنموي ليس رفع معدل النمو، لأن رفع معدل النمو ليس هدفا في حد ذاته، إلا بقدر ما يرتبط بقضايا التنمية الإنسانية. "75 وبذلك أنتج هذا الواقع فسادا كبيرا بين هؤلاء والبروقراطية، أي في الجمع بين التحرير والارتباط بالدولة. ونحن نتتبع تحليلات الكاتب المفصولة كليا عن طبيعة الدولة الأسدية والنظام السياسي، والبنى الصراعية السياسية والاجتماعية السائدة عبر هذه السيرورة التاريخية لما عرفته الدولة من تحولات اقتصادية، الى درجة يرسخ لدى القارئ العادي على أن الدولة بريئة، وفوق الطبقات، وأن الفاعلين الاقتصاديين والبروقراطيين هم الذين تسببوا في كل الكوارث التي عرفتها وستعرفها البلاد مستقبلا، نخلص الى قناعة فكرية لدى الكاتب بإمكانية الإصلاح بمعزل عن طرح النظام السياسي كموجه ومؤطر وناظم ومحرك للفاعلين ولقواعد اللعبة الاقتصادية السياسية. والأكثر من هذا أن جمال باروت يتحدث عن ممانعة الاقتصاد السوري 89الذي واجه تحديات طبيعية(الجفاف) وإقليمية ودولية وخرج منتصرا. وكان بإمكانه أن يركب موجة إصلاحات مؤسسية تمكينية." كانت مصر وسورية وكوريا الجنوبية عام1960، عند المستوى نفسه تقريبا من حصة الفرد، في الناتج المحلي الإجمالي، أما اليوم فإن الناتج في كوريا الجنوبية، التي ربطت سياسات التمكين بالتحرير، يفوق عشرة أمثال الناتج المحلي المصري" . دون أن يحدثنا عن معدل نمو الحريات الفردية والديمقراطية والقانونية والمؤسساتية والسيادة الشعبية والحياة المدنية...، مضحك الى حد السخرية هذا التحليل الذي يستثني المستوى السياسي والايديولوجي من مقارناته بالإمكانات والفرص الضائعة التي كان من الممكن تفعيلها من قبل الدولة الأمنية اللاوطنية واللاديمقراطية في سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بهذا التحليل المسكون باللاشعور المقاوم والممانع نفهم الأخطاء التي كانت وراء صناعة الأسباب المحركة للثورة السورية التي أنتجتها فقط في نظره "عملية اختزال الإصلاح المؤسسي الى برنامج تحرير اقتصادوي ليبرالي متهالك على جذب الاستثمارات بأي ثمن، بغية رفع معدل النمو الكمي. "95 صحيحة كل الخلاصات الاقتصادوية في الفقر والتهميش والترييف التي ينتهي إليها تحليل محمد جمال باروت لكنها عاجزة عن تفكيك خلفياتها السياسية التي تجعل عبارة ( يمكن) التي يكثر منها الكاتب مجرد تخيلات وهوامات بعيدة عن طبيعة النظام السياسي في سياساته ومصالحه الضيقة البعيدة عن الشعب في حياته وطموحاته وتطلعاته، فهو نظام لا يمتلك شرعية شعبية. ولعل في قمعه الدموي للشعب خير دليل. والكاتب لا يكف عن بحث تبريرات للنظام غير الوطني وغير الديمقراطي وغير الشعبي في ما يسميه " ضعف الإصلاح الضريبي وتأخر الإصلاح الإداري والمؤسسي وضعف الشفافية والافصاح، وفساد الجهاز الضريبي، وجمود اصلاح القطاع العام تقريبا. "102 بالإضافة الى أن سوريا في نظره ذهبت ضحية الانعكاسات السلبية لسياسات العولمة على البلدان الضعيفة. صحيح أن الكاتب يقدم أرقاما وبيانات ومعطيات وضعية وإحصائيات حول غياب التنمية الإنسانية وتعمق الفقر، ومعدلات البطالة التي لا تكف عن الارتفاع، خاصة بين الشباب، وتهميش القطاعات المنتجة: الصناعة والزراعة. كما فصل بشكل دقيق حول العمليات والسيرورات التي عاشها الاقتصاد السوري على مستوى النمو والتضخم، لكن السؤال ظل معلقا : لماذا لم يتم تفعيل الإصلاح؟ ولماذا تم تجاهل عملية التمكين والاكتفاء بالتحرير الاقتصادي ؟121 هل السر مرتبط برغبة ذاتية وضيق في الرؤية والممارسة، أم أن مصالح اجتماعية سياسية فئوية هي التي تحكمت في الديناميات الاقتصادية والاجتماعية، أي إرادة سياسية ليست لها ارتباطات بالتنمية الإنسانية الوطنية لأغلبية فئات المجتمع؟ " إجمالي المرحلة برمتها، ولد أمرا جديدا في المجتمع السوري، هو نويات عملية التغيير والتحول من التسلطية الى الديمقراطية، وبالتالي تعريف التنمية على أساس مفهوم التنمية الإنسانية. في هذا السياق كان الإصلاح المؤسسي يمثل دينامية واقعية ومحتملة للتحول الديمقراطي، لكن هذه المحاولة هدرت وضاعت، على نحو لم يعد ممكنا معه النظر الى المنهج الإصلاحي المؤسسي، إلا بمفاهيم ديمقراطية خالصة ".136 لم تكن هذه المحاولة ضرورة تاريخية في تطور سيرورة النظام السياسي السوري، فهو كان في ممارسته السياسية لاجما ومعيقا لأي حركة تطور من هذا النوع، لأنها تهدد وجوده السياسي بسبب طبيعته غير الوطنية. لذلك كان طبيعيا أن يمضي وفق عملية التحرير التي تزعمها برفقة رجال الأعمال الجدد مركزا على معدلات النمو تبعا لمصالحه التي لا تتقاطع مع مصالح التنمية الشعبية والتوجه الديمقراطي لعملية الإصلاح المؤسسي. ولم تكن تحولاته من نظام تسلطي شعبوي صلب الى نظام تسلطي مرن، لتعني تخليه عن جهاز الدولة في حقيقته الاجتماعية السياسية كجهاز قمعي بامتياز كبير، لذا كان واثقا من قدرته على فرض الإذعان والخنوع إزاء ما تنتجه الآثار السلبية للتركيز على النمو دون أي اعتبار للتنمية الإنسانية التي جعلت أغلب مختلف فئات المجتمع، ما دون خط الفقر كما بين ذلك محمد جمال باروت، مع الإيحاء بأن بعض الفئات وجدت نفسها في مستوى ما دون خط البشر.
غالبا ما يطرح الكاتب مفاهيم وأطروحات نظرية تبدو تحليلية نقدية، كما أشرنا إلى ذلك، ليبين لنا سيرورة المسارات الاقتصادية الاجتماعية التي فجرت الاحتجاجات، وكانت بمثابة انطلاقة للثورة. لكنه طرح معزول عن الواقع الحي الذي يجعل تلك المفاهيم متورطة في الخلفية الايديولوجية للنظام في صراعه الاجتماعي السياسي الذي يخوضه بالتحالف مع رجال الأعمال الجدد/القطاع الخاص. نقصد هنا انتظارات جمال باروت من مثلث الدولة والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي. أي ينتظر في ظل الاستبداد الأسدي أن يفرز الوضع الجديد مجتمعا مدنيا فاعلا بجمعياته المدنية. للأسف فالتجربة العربية رغم تفاوت استبدادها لم تنتج في هذا السياق التسلطي الاستبدادي، سوى جمعيات المجتمع القبلي الطائفي المناطقي...، تكريسا للانقسامية الاستعمارية البعيدة كليا عن مفاهيم الإصلاح، المؤسسية ، اللبرلة...، إنها تنهض على الضد من ذلك لتنسجم مع سياسة النظام في استغلاله السلبي السياسي الاجتماعي لتعددية مكونات المجتمع الثقافية والسوسيولوجية والدينية...، عوض تحويلها الى إطار وطني جامع لكل المكونات.
المتنفس الوحيد، كمجال وفضاء عام، الذي فرض نفسه في صالح القوى الوطنية الديمقراطية و الشعبية هو الشبكة المعلوماتية، ومختلف وسائل التواصل والاتصال بما في ذلك الفضائيات، كل هذه الوسائط وفرت إمكانيات للتعبيرات المعارضة والنقد، خاصة من قبل الفئة المتعلمة الشبابية من مختلف الفئات الاجتماعية للتوحد والتعبئة والتنظيم والتوعية لخوض أشكال احتجاجية على الميدان. وهي احتجاجات حاولت أن تجمع بين المطالب الاجتماعية والحريات الديمقراطية، وهذا ما عجزت المقاربة الاقتصادية عن مقاربته بدقة، لأن رؤية الكاتب لم تتناول بالتحليل الدقيق حركة التفاوت التطوري للصراع السياسي بدل الاكتفاء بعلاقة التحدد الاقتصادي التي تجعل من الفقر والهشاشة والتهميش... شروطا كافية لموضوعية الثورة في انبثاق الفعل الفجائي العشوائي. كما حاول الكاتب أن يشير الى التحولات العالمية والمتغيرات الدولية التي أدت الى انهيار المعسكر الشرقي وما تبعه من أزمات فرضت نوعا من الانفتاح السياسي بفعل الاحتجاجات الاجتماعية التي مهدت بشكل أو بآخر للاحتجاجات الديمقراطية ابتداء من الثورة التونسية. لكن ما سمي بالإصلاحات العربية ومنها السورية لم تكن في حقيقتها سوى جسرا ومسوغا لتهيئة أرضية شرعية انتقال السلطة، أو بشكل أدق تسهيل عملية السطو على السلطة من خلال آلية شرعية التوريث، وهي بعيدة عن تحول أو انفتاح سياسي، بقدر ما هي معاودة إنتاج الشكل السياسي للتحكم التسلطي المناسب للتغيرات الدولية، وما فرضته من رياح التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بفعل تحديات العولمة. لم يكن الاستبداد العربي مؤهلا للاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر بفعل القبضة الأمنية الشرسة للأنظمة التي جعلها تعقد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بسبب سياسة النهب والفساد القائمة على مشاريع التحرير الاقتصادي االمؤسسة على سياسات النمو الذي تزداد فيه القلة والأقلية الحاكمة ثراء فاحشا غير مشروع، والشعب غارق في الفقر والذل واكراهات التهجير. " لقد حكمت هذه الخلفية الاجتماعية- الاقتصادية اندلاع حركات الاحتجاج الحادة في المدن السورية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وطرحت أسئلة حادة عن نهاية حقبة كاملة من نموذج النمو التسلطي الملبرل. وعبرت عن نفاذ الصبر على تسلطية نظام قديم غدا هشا في بنيته المؤسسية، بينما بات هذا النظام غير قابل للاستمرار وفق دينامياته السابقة، ووهنت استراتيجياته في الهيمنة، وتقوضت قواعد عقده الاجتماعي، فالنظام لم يعد قادرا على الحكم بالوسائل القديمة من دون أن يتحول الى قوة قمع عارية، كما صار المجتمع غير قابل لاستمرار الانصياع له من دون تغيير جوهري في بنياته. "165
إن سر اضطراب التحليل ومنطق التفكير النقدي في كتاب جمال باروت يعود الى تغييبه الصراع السياسي الاجتماعي في حركته التاريخية المتمفصلة بالمستوى الاقتصادي. وإدراكنا لهذا السقف الأيديولوجي في الرؤية السياسية الفكرية، يمكننا من فهم الكثير من التناقضات الواردة في كتاب جمال باروت بين تحليله الاقتصادي الدقيق والمسند بمعطيات علمية في نتائجها الاجتماعية الاقتصادية الكارثية على مستويات الفقر والتهميش والترييف...، وفي القضاء على بيئة الحياة الشيء الذي جعل سورية في وضعية قابلية للثورة، وبين القول بالعامل الفجائي العشوائي المتمثل في المثير الأمني للعنف السلطوي خارج إرادة النظام التسلطي الذي كان يميل الى الحل السياسي. سطوة الأيديولوجي في التحليل تغرق كل الخلاصات العلمية التي ينتهي إليها محمد جمال باروت في مستنقع القناعات الايديولوجية. هكذا تفسد الأيديولوجية التحليل العلمي وتجعله مبتورا الى حد التناقض. وبسخرية لاذعة تجعل الكاتب يسقط في هنات غريبة قريبة من فكر المؤامرة التي تشتغل داخل النظام ضد النظام كأب طيب حام بنواياه الحسنة في الإصلاح والتغيير والبريء من جميع التناقضات الاجتماعية الحاصلة بفعل ممارسته السياسية للصراع الاجتماعي السياسي الذي أدى الى التهميش والترييف والانقسامات، وهدم المحيط الايكولوجي الحي، أي القضاء النهائي على بيئة الحياة في الكثير من المناطق السورية، وليس انطلاقا من المقاربة الأمنية تفهم الاحتجاجات الشعبية. وتظهر سطوة الإيديولوجي على فكر المؤلف من خلال تسرب لاشعوره السياسي وهو يحاكم الكارثة السورية من خلال ما حصل من سياسات تسلطية متلبرلة في العقد الأخير فقط. " فقد كان عقد عاصف من السياسات التسلطية المتلبرلة، التي قادتها شريحة من رجال الأعمال الجدد أو المئة الكبار في سورية، وهشاشة سياسة التنمية المناطقية، كان كافيا لتآكل ما حققته سورية من تقدم في مجال التنمية الإنسانية في الأرياف المتمدينة. "309 وتبعا لهذا الوعي الفكري والسياسي عند محمد جمال باروت ينبغي فهم دلالات عنونته للكتاب " العقد الأخير". وهذا يعني أنه راض بشكل أو بآخر على ما حققته الأسدية من قبل هذا العقد من تنمية إنسانية، لولا عماء الحكومة السياسية في اقترافها بعض الأخطاء، خاصة في العقد الأخير، حيث كان يمكن أن تتجنب سورية ما يسميه الاضطرابات والاحتجاجات الناجمة عن المثير الأمني الذي لعب لعبته الخطيرة من وراء ظهر الرئيس الذي فقد في لحظة فجائية عشوائية سلطته الفعلية، فتفجرت الانتفاضة السورية. لكن المؤلف في الصفحات نفسها من الكتاب ذاته يناقش بعمق كيف أن هذه السياسات حولت حياة الناس الى جحيم بفعل انهيار نظام الحياة في مناطق الأطراف مثل ريف دمشق وما حدث من تشليح في المعضمية ضد الساكنة التي وجدت نفسها عارية في العراء بدون أرض. هكذا رمت السياسات الحكومية بالشعب في " مصيدة الخراب البيئي والتنموي... كان الفساد الحكومي يدمر-على المدى القريب- نظام الحياة في دمشق الكبرى كلها، ويرتكب أكبر الجرائم الكيانية في تاريخ هذه المدينة، منذ فجر عمرانها الأول، لتغدو دمشق، منذ سنوات مدينة تقف على حافة العطش. "312
إزاء هذه المعطيات الدقيقة والصحيحة التي يطرحها الكاتب بتحليل عميق يتشكل السؤال حول فرضيته العشوائية المتعلقة بالمثير الأمني كإجابة موضوعية في صيرورة الضرورة التاريخية، وهي تعلن عن منعطف تاريخي جديد، من خلال تفجيرها لعوامل الانتفاضة والثورة. وفي الوقت نفسه على الضد من ذلك، يصل الكاتب الى إحدى خلاصاته العميقة والمنسجمة مع تحليله العلمي" ماذا بقي لهؤلاء؟ الجواب بسيط: الاحتجاج والانتفاض والثورة. "311 هكذا يتدخل الايديولوجي فيعري شيئا من اللاشعور السياسي عند الكاتب لكونه يتوهم إمكانية وفرصة أن يغير النظام ذاته ولا يورط نفسه في استراتيجية القبضة الأمنية الشرسة التي دفعت بالكل، النظام والشعب نحو الدمار والخراب والكارثة، وإلا فما معنى هذا التخريج لانفجار هذا الوضع اللاإنساني من طرف المثير الأمني كما يزعم الكاتب. " السلطة الفعلية استعادت دورها وقوتها في التحكم في قرار الرئيس نفسه، وايقاعاته بعد اندلاع الأحداث... ولم يتم الانتقال الى المرحلة السياسية عبر صيغة مؤتمر الحوار الوطني، وتحولت التظاهرات السلمية الى اضطرابات في معظم الحالات، كما دفعت في الوقت ذاته مجموعات محلية في بعض المناطق، الى التسلح الذاتي أو بواسطة الاستيلاء على بعض مستودعات أسلحة الجيش نفسه. "347 وخدعة التجاذبات و توزيع الأدوار، والايحاء بنوع من الانقسام المهدد لكيان النظام التي يصادق عليها المؤلف سرعان ما ينفيها بقوله: إن النظام متسق إستراتيجيا في النهاية. والغريب في الامر أيضا أن يعتمد المؤلف في تحليله الاقتصادي الاجتماعي على المقارنات بين ما يعتقده الأفضل، أي ما قبل العقد الأخير، وبين الأسوأ وهو ما يعبر عنه العقد الأخير. أو حين يفكر حياة الناس في 2007 مقارنة بما كانت عليه في 2004، وأيضا حين يعتمد مفهومي المركز والأطراف، بمعزل عن الصراع السياسي العنيف الذي يخوضه النظام في حق الشعب وقواه الوطنية والديمقراطية، لقراءة الواقع السوري موهما القارئ على أن هناك مركز متمثل بالمدن المليونية يعيش حياة إنسانية حقيقية، في الوقت الذي كانت فيه أغلب الفئات المجتمعية ، خاصة الشباب تستميت من أجل البقاء في ظل واقع غارق في فقر القدرات منذ سطوة آل الأسد على السلطة، أي الحرمان من الحرية التي لا يمكن التفكير فيها خارج مواردها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هكذا يؤثر الايديولوجي على ما طرحه محمد جمال باروت من تحليل وأفكار تجعلنا نفهم أن سيرورة النظام السياسي الأسدي في جذوره التاريخية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ما كان لها أن تتكون وتطور إلا من سيئ إلى أسوأ. وبالتالي فالاحتجاج على الطرفية والهامشية والفقر والبطالة والتسلط الحكومي والسياسي، هي في عمقها احتجاجات ضد نظام سياسي في ممارساته السياسية للصراع السياسي و الاجتماعي الاقتصادي، من خلال مزاوجته بين الاستراتيجية الأمنية، وإطلاق وعود الدينامية السياسية. " يبدو أن تعزيز الحريات الديمقراطية بشكل مستدام من خلال تغيير متفق عليه مع جزء من الطبقات الحاكمة، لهو أكثر توهما بكثير في العالم العربي مما كان عليه فيما مضى في عهد الملكيات المطلقة الأوربية، أو حديثا في عهد الديكتاتوريات البيروقراطية في أوربا الوسطى والشرقية. "98
4 - الشعب يريد
المقاربة الاقتصادية نفسها عند محمد جمال باروت، نجدها عند جلبير الأشقر في كتابه "الشعب يريد"ّ، بمفاهيمها الماركسية الضيقة الأقرب الى سلفية النصوص في التعامل الحرفي والإسقاط التعسفي للنظري الجاهزعلى الواقع الحي المختلف، لقراءة أسباب الثورات العربية الكامنة في السيرورة التاريخية لبنى التركيب الاجتماعي السياسي الاقتصادي. لهذا الهدف قدم قراءة نقدية للأبحاث والدراسات التي تنجزها المؤسسات المالية الدولية حول الوضع الاجتماعي الاقتصادي، خاصة على مستوى البيانات الزائفة المخالفة للواقع الملموس الذي يتجذر فيه الثالوث الرهيب للفقر واللامساواة واللااستقرار. وقد ناقش جلبير هذا الثالوث بشكل دقيق ومفصل معززا ببيانات وإحصائيات كمية سمحت بتأويلات كيفية أتاحت له بناء فرضيات تأويلية اقتصادية واجتماعية لما حدث في المنطقة العربية من احتجاجات وانتفاضات منذ اللحظة البوعزيزية، كحدث تاريخي اجتماعي نابع من الوضع المادي المأساوي الذي كانت ترزح، تحت وطأة قهره وعذاباته في التهميش والفقر والبطالة...، أغلب الفئات الاجتماعية، خاصة فئة الشباب. الكتاب رغم ما فيه من تحليل ومناقشة لما كان يعتمل في صراع البنى الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، فإنه مرهق في قوالبه النمطية التي تزج بالمعطيات الاجتماعية والاقتصادية في المقولات الماركسية بطريقة لا تخلو من التعسف النظري في محاولة التملك المعرفي للواقع العربي الحاضن للانتفاضات، ولشرعية الاحتجاجات والثورات التي اندلعت من تونس. هكذا يتناول الكاتب مختلف العوائق التي منعت تحقق التنمية ومعدلات نمو يمكن أن تحقق تحديثا وتقدما وانخراطا للدولة في مختلف أشكال الاستثمار أسوة بما تحقق في جنوب شرق آسيا ، خاصة في الصين التي نجحت في هذا المسار الاستثماري بقيادة الدولة الى جانب القطاع الخاص، وهذا ما فشلت فيه البلدان الناطقة بالعربية من خلال ما عرف بسياسة الانفتاح والتحديث والتطوير التي أدت الى الكثير من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية ، في الفقر والبطالة...، وفي الغياب الكامل لأرضية بنيوية لتحقيق التنمية الاستثمارية والمجتمعية عوض الفساد والثراء الفاحش المرافق لمعدلات النمو التي تنهبها فئة قليلة من الطبقة السياسية الحاكمة والمهيمنة على اقتصاد البلد والمتحكمة في تقرير مصيره . " بعد أن اعتلى بشار الأسد سدة الرئاسة إثر وفاة والده... راح يوسع نطاق التحرير الاقتصادي بصورة نوعية. وفي المقابل وضع بشار نهاية سريعة جدا للتحرير السياسي الذي جربه في بداية رئاسته. وقد أدت الوصفات النيوليبرالية وعمليات الخصخصة، التي تم إجراؤها في محاولة التغلب على الركود الاقتصادي الذي شهدته التسعينات، أدت الى تراكم فائق السرعة للثروات الكبيرة في سورية،... فإن الجزء الأكبر من هذا الاثراء الفاحش قد عاد بالنفع على العشيرة العائلية لآل اسد وشركائهم. "218 ونتج عن هذه الهيمنة العائلية والطائفية السياسية على الدولة والمجتمع والجهازين الأمني والعسكري إحباط اجتماعي يتراكم يوما عن يوم، الشيء الذي جعله قابلا للانفجار في أي فرصة تاريخية. لذلك نلاحظ أن استبدادية الأنظمة العربية، و السياسات المدعومة بنصائح وتوصيات وتعليمات المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي هي التي ساهمت في زيادة تأزيم الأوضاع الناهضة أصلا على بنيات اقتصادي واجتماعية وسياسية مأزومة بحكم القهر السياسي للأنظمة، بالإضافة إلى موقعها الطرفي اللامتكافئ في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. أي تبعا لما يسميه جلبير العوامل الظرفية والعلل البنيوية التي تيسر فهم الانتفاضات العربية " ويتميز نمط الإنتاج ومستوى الأداء الاقتصادي في البلدان العربية بسيادة استهداف الريع وضعف النمو. ويترتب على تزاوج هاتين السمتين وهن البنى الإنتاجية وقلة وتائر التوسع في الاقتصادات العربية، مما يمهد السبيل لانتشار البطالة والفقر. ومحصلة ذلك كله قيام نمط من النشاط الاقتصادي يحمل عواقب وخيمة على التمكين الاقتصادي للبشر. " 69 ويحلل بدقة جلبير ما يقصد بالريع المحلي المتمثل في الثروات الطبيعية التي تستغلها هذه الأنظمة الى جانب استفادتها من الابتزاز المالي الأجنبي في شكل مساعدات تضمن ولاءها الأمني والعسكري بصورة أقرب الى فقدان امتلاك القرار السيادي، بما يعني الشكل السياسي الحديث للاحتلال المحلي الذي تمارس الأنظمة بشراسة دموية في القمع السياسي والعسكري/الأمني.
تبعا لتحليل جلبير يمكن فهم الثورات العربية انطلاقا من هذه النمطيات الخصوصية لنمط الإنتاج الرأسمالي في البلدان العربية التي تجمع بين التسلط السياسي الى حد الطغيان الصريح، والبيروقراطي المقنع بلغة القانون غير الشفاف، واحتكار الثروات الريعية. " تسود المنطقة العربية هذه النمطية الخصوصية لنمط الإنتاج الرأسمالي- مزيج من النظام الميراثي والمحسوبية ورأسمالية المحاسيب، ونهب الممتلكات العامة، والتضخم البيروقراطي، والفساد المعمم، على خلفية قدر عظيم من انعدام الاستقرار وهزالة سيادة القانون أو حتى غيابها. وهذه النمطية الخصوصية هي ما يعيق تنمية المنطقة. هي ذي السلسلة التي انكسرت في ديسمبر كانون الأول في تونس. "97
وفي الفصل الرابع من كتابه " الشعب يريد" يبين بشكل واضح أن فجائية الانتفاضات العربية يمكن قراءتها، من خلال سيرورة اجتماعية اقتصادية سياسية، كانت فيها العوامل الموضوعية تنضج في اتجاه تراكم الاحتجاجات المتنوعة لمختلف الفئات الاجتماعية التي تزداد معاناتها أمام معدلات النمو التي كانت تستفيد منها أقلية حاكمة عائلية وبيروقراطية وأمنية عسكرية، بما في ذلك جهاز المخابرات. فهذه الفئة القليلة كانت تنعم بالثراء الفاحش بصورة ممانعة ومقاومة لأي إصلاح سياسي، أو تفكير في التنمية المجتمعية الشاملة، لكونها أنظمة قمعية بعيدة كليا عن براديغم البعد الوطني ومصالح الإطار الوطني الجامع لكل مكونات المجتمع. لذلك لم يكن ممكنا في هذه السياقات البنيوية لطبيعة الأنظمة، وما خلفته ممارستها السياسية القهرية في التسلط، والاحتكارية في النهب والسطو على الثروات الريعية إلا أن تتبلور الشروط والظروف الموضوعية والذاتية لأفق الانتفاضات. وبالتالي سيكون خطاب المؤامرة مجرد ورقة التوت التي تحاول بها الأسدية كطغيان إبادي تغطية وجهها الدموي المتوحش في حق الشعب والبلد.
5- دراسة نقدية لتقارير المركز السوري لبحوث السياسات:
عن الأزمة السورية.
في هذه الدراسة النقدية حاول حسام الدين درويش تسليط الضوء على الكثير من الجوانب المغيبة معرفيا ومنهجيا وسياسيا في التقارير التي أنجزها المركز السوري لبحوث السياسات حول جذور و آثار الأزمة السورية. وقد مهد لدراسته النقدية بخلفية معرفية علمية للمستويات الثلاث لمفهوم السياسة، التي انطلاقا منها قام بتحليل نقدي لحدود ومحدودية تقارير المركز التي ظلت عاجزة عن التناول النقدي المعرفي والسياسي لهذه الأزمة. حيث سجنت نفسها ضمن ما هو اقتصادي اجتماعي بشكل ضيق ومعزول عن البنى السياسية للنظام. حيث يستحيل فهم ما يحدث في هذين الحقلين بدون تحديد نظري فكري وسياسي لطبيعة الدولة ومؤسساتها، وللنظام السياسي. خاصة وأن الأمر يتعلق بالبحث عن الجذور ، وفي جذور الأزمة السورية التي أنتجتها هيمنة وسيطرة الممارسة السياسية للنظام السياسي السوري على المشهد السياسي، و الاقتصادي الاجتماعي. وهذا ما لم تفلح فيه تقارير المركز، رغم اضطرارها معرفيا الى تناول البعد السياسي، وإن بشكل محدود، لا تتجاوز فيه المستوى السياسي/ المؤسساتي الذي ظل رغم ذلك خجولا ومحتشما في مضامين هذه التقارير، الغارقة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التنموية، بعيدا عن بنية النظام السياسي الأمني والعسكري. لهذا ظلت جذور الأزمة مغيبة في تقارير المركز نتيجة تركيزه على واجهة السلطة الشكلية دون الاهتمام بعلاقات السلطة/القدرة، أي الاهتمام بالسلطة الفعلية التي تقف خلف كل الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما يلحق المؤسسات من تشوهات و اختناقات تؤدي الى تهميش واقصاء المجتمع من دائرة الفعل السياسي والاقتصادي التنموي. هكذا تبقى بنيات مؤسسات الاستبداد السياسي مغيبة في التحليل النقدي الذي يسعى إليه جهد واضعي هذه التقارير. وفي هذا السياق يستغرب وينتقد حسام الدين درويش اهتمام تقارير المركز بالقوة والقدرة الشكلية للحكومة في إدارة الأزمة، مع التغييب الواضح لدور الرئيس الذي استبد بكل السلطات الشكلية والفعلية واضعا نفسه فوق المؤسسات، التي ليست أكثر من واجهة لتغطية جذور الأزمة الحقيقية المسببة للاختناق المؤسساتي والمجتمعي. وبسبب الرؤية الايديولوجية السياسية، التي تؤطر هذه التقارير في تناولها السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ظلت جذور الأزمة المرتبطة ببنية السلطة السياسية مغيبة، الشيء الذي قلل من القيمة المعرفية والمنهجية العلمية، لهذه التقارير، وجعلها بعيدة عن الأهداف الفكرية و السياسية في الكشف عن جذور الأزمة والعمل على تجاوزها. ويمكن القول إن هذه التقارير -بوعي أو بدون وعي- عملت على طمس جذور الأزمة أكثر مما عملت على الكشف عنها، كما عملت على تبييض صفحة النظام السياسي في شخص الرئيس وأجهزته الأمنية والعسكرية، الى حد براءته مما حدث ويحدث في سورية من أزمات وكوارث ومآسي. و هذا النوع من التقارير يشبه الى، حد ما، الخطاب الأيديولوجي الإعلامي والسياسي للنظام في التعمية على دور الرئيس والتخفي وراء "حرية" الانتقاد والتهجم على التجليات الشكلية للنظام السياسي، المتمثلة في الحكومة ومجلس الشعب. لكن " جذور الأزمة تكمن في بنية النظام السياسي، وفي بنية الدولة المبتلعة – جزئيا على الأقل- من السلطة الفعلية الحاكمة، ودور هذه البنية عموما وماهية السلطة الفعلية ودورها خصوصا، ليس في حصول الأزمة، وفي استمرارها حتى الآن، وفي اتخاذها الصيغ والأشكال الكارثية التي اتخذتها خلال السنوات التسع من عمرها فحسب، بل الدور الجذري لهذه البنية وتلك السلطة في الجذور والآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة التي يركز المركز جل اهتمامه عليها أيضا. "22
وهذا ما لم تقو تقارير المركز على رؤيته وفهمه وتحليله نقديا، بشكل يسمح باستعمال لغة ومفاهيم معرفية سياسية تسمي الجذور الفعلية للأزمة بأسمائها الحقيقية المرتبطة بالطبيعة التسلطية الاستبدادية للنظام السياسي. وتحدد بدقة الحراك المجتمعي بوصفه ثورة سياسية تستهدف النظام السياسي ورئيسه.
ثالثا/ التفكير مع الثورة ضد فشل التغيير
انطلاقا مما تناولته بالتحليل والنقد في الكتابات السابقة، وبناء على المعطيات التي تراكمت طيلة عشر سنوات، من القتل والتهجير والتدمير...، لم يعد ممكنا الحديث عن الحدث السوري خارج كونه ثورة سياسية داخلية ضد نظام فاشي، هو أقرب الى قوة احتلال محلية. وهذا ليس توصيفا أو حكما معياريا يفتقر الى ما يؤسسه معرفيا وسياسيا وأخلاقيا وواقعيا. فهو نظام لم ينهض على شرعية تاريخية نضالية، ولا أفرزته التمثيلية السياسية الشعبية الديمقراطية. لذلك عمل منذ وجوده، كانقلاب عسكري، على تدمير المجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا، من خلال، خلق التصحر السياسي، مع إفراغ الدولة من البعد القانوني والسياسي والمؤسساتي، الى حد هدر السيادة بسبب إضعاف مناعة تنمية وتطوير وتحديث ودمقرطة الكيان الوطني. وكانت النتيجة إلغاء الوجود السياسي للشعب. كما قام بالسطو على الاقتصاد الوطني وتحويله الى ملكية للقلة و للعائلة الحاكمة. وهذا يعني بشكل واضح أننا أمام نظام لا وطني، لأن مصالحه السياسية والاقتصادية لا علاقة لها بالبعد الوطني المتجلي في الدولة الوطنية الحديثة، ومصالح شعبها السيادية. وغير ديمقراطي لأنه أجهز على حياة المجتمع بتجريم الفعل السياسي، المتنوع والمختلف والمعارض. حيث زج بالفئات المتنورة والمثقفة المناضلة في السجون، وغيب الآخرين بين مفقود ومنفي. ففرض سياسات اجتماعية واقتصادية تنموية يحكمها الولاء والريع والاغتناء اللا مشروع للقلة والعائلة الحاكمة. هكذا تضافرت جميع العوامل والمستويات البنيوية والتاريخية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا...، في سيرورة تطورية لحركة الصراع السياسي الذي حرم كل فئات المجتمع من حق امتلاك الوجود والحياة السياسية الاجتماعية، والفكرية الثقافية. فكان طبيعيا في منطق تاريخ الانتظام الاجتماعي السوري هذا، أن يعلن الشعب ضرورة حقه في الوجود السياسي الاجتماعي المباشر، والتحرر من قهر وتسلط نظام عسكري أمني هو أقرب الى قوة الاحتلال في طبيعته الدموية.
راهنا الثورة السورية لم تعد معنية فقط بشرعية الضرورة التاريخية والسياسية لثورتها، بل أيضا، وبشكل أكبر، غدت معنية بالسؤال الذي هو روح الثورة: لماذا فشل التغيير؟
ليس من السهل مواجهة هذا السؤال بالتفكير والعمل الفردي، خاصة عندما يكون السؤال مرتبطا بالمستقبل، بسورية الجديدة، أكثر من ارتباطه بالماضي واليأس والكفر بالثورة. صحيح بأن أسباب هذا الفشل كثيرة، منها ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي إيديولوجي داخلي، وهي مرتبطة بطبيعة النظام السياسي الذي دمر المجتمع في تلاحمه و نسيجه الوطني، وأعطى للمكونات الثقافية والسوسيولوجية، المتنوعة والمتعددة، أبعادا طائفية ومذهبية وإثنية ومناطقية. وفكك القوى الوطنية الديمقراطية، فساد فراغ على مستوى البديل السياسي، الثقافي، الوطني والديمقراطي الذي يمكن أن يكون سندا داعما منظما وموجها ودافعا للممارسة والفعل الشعبي، في التفكير والتخطيط والتعبئة والتنظيم والتعاون. كما أن السياق الدولي في خلفياته التاريخية والراهنة كاستعمار وامبريالية في سيطرتها وهيمنتها، وفي امتدادها كمشروع نيوليبيرالي دموي متوحش قائم على النهب والقهر والاحتلال، كلما كانت مصالحه الاقتصادية و الجيواستراتيجية تتطلب ذلك. إن هذا كله يمثل الوجه الآخر الدموي للديمقراطية الغربية الذي تعريه سياساتها وممارساتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والاعلامية على الصعيد الخارجي في العلاقة الامبريالية بالبلدان الضعيفة. وهذا يعني أن هذه العلاقة تعبر عن الوجه المغيب من الاستغلال و القهر والهدر والاحتلال الذي تقوم عليه الديمقراطية الغربية. ويحضر أيضا في هذا السياق الدور الإقليمي الخليجي والإيراني والتركي، وهي بلدان لها موقف سلبي تجاه أي تحول إيجابي يمكن أن ينتج عن الثورة السورية. خاصة على المستوى السياسي الديمقراطي المناقض كليا للأنظمة الديكتاتورية الخليجية ولإيران، دون أن ننسى الّأطماع التركية في فرض نوع من السيطرة والوصاية على مستقبل الشعب السوري، الى درجة الرغبة في التحكم في زمام مصيره السياسي، بخلق معطيات ميدانية على الأرض، تحقيقا للتفتيت السياسي والاجتماعي والايديولوجي للمكونات المجتمعية، وفق معنى جديد للجغرافية السياسية. وذلك منعا أو إعاقة لتبلور الجامعة الوطنية السورية، التي تتجاوز الهويات والانتماءات الضيقة، لما دون الدولة والمجتمع والمواطنة...
فهذه المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية، بالإضافة الى الحضور القوي للمشروع الصهيوني، تلزمنا بالكثير من التفكير العميق المسؤول، والبحث الرصين، تبعا لمركز توجيه إرشادي( براديغم) مغاير ومناقض لكل الطروحات الوثوقية السائدة العاجزة عن تغيير وتوسيع زاوية النظر النقدي، التي تسمح بممارسة جدل النقد والنقد الذاتي. لذلك فإن قراءة فشل التغيير ينبغي أن يتم بناء على هذه الشروط الموضوعية التي تحالفت فيها المصالح الإقليمية والدولية، مع الطغيان الداخلي، لنظام دموي جفف كل منابع الحياة السياسية والفكرية الثقافية، وأجهض كل التنظيمات المدنية الديمقراطية، وواجه شعبه بالأسلحة المحرمة دوليا، تحت أعين منظمات ومؤسسات المجتمع الدولي، التي تشهد المجازر والإبادة بصمت قاتل، متورط بشكل أو بآخر، في جرائم ضد الإنسانية. لهذا كان من الطبيعي، أمام هذه العدمية الداخلية والخارجية، أن تأخذ سيرورة الثورة في تطورها السلمي السياسي الاجتماعي، مسارات العسكرة و التفكك والتشرذم بأبعاد مناطقية وطائفية ومذهبية وإثنية، لا تقل عدمية عن همجية النظام والتدخل الإقليمي والدولي. حيث تم استثمارها من قبل المحيط الإقليمي والدولي في حروب بالوكالة. وأيضا من طرف همجية النظام في القتل والتدمير، باعتباره الثورة مؤامرة رجعية وإرهابا يهدد الأمن العالمي.
إلا أن سرد هذه المعطيات الموضوعية لا يمكن أن يجعلنا نتستر على المسؤولية والمحاسبة السياسية والفكرية والإعلامية التي تخص عجز مختلف تنظيمات المعارضة. وقد أبانت عن نوع من القصور والعجز في الرؤية والتفكير والممارسة، بسبب سقوطها رهينة المخططات الإقليمية والدولية. معبرة عن عجزها في مقاربة و قراءة هذا الواقع في شروطه الموضوعية ، بشكل خاص. وما يتطلبه من خطوات وممارسات حرة ومستقلة في التفكير والتنظيم والتقرير، والتحكم في زمام المصير، بدل السقوط في الفخ السياسي والإعلامي الإقليمي والدولي لما يسمي أصدقاء الشعب السوري. لقد كان واضحا مدى حدود ومحدودية المثقف والسياسي السوري في إدراكه بكل ما يحيط بالثورة من إكراهات وتهديدات داخلية وخارجية، حتى يكون في مستوى المرحلة التاريخية وما تتطلبه من مهام فكرية وسياسية وإعلامية وميدانية، تحمي ممارساته من الكثير من الأخطاء والمنزلقات، التي ولدها العجز والتبعية والاتكالية على فهم ساذج، للتوازنات الدولية، والاستعمال المزدوج لمؤسسات المنتظم الدولي. كما كان قاصرا في وعيه وفكره السياسي النقدي، وهو يثق ثقة عمياء في الوجه المرن للديمقراطية الغربية، دون أخذه بعين الاعتبار أن ذلك الوجه البراق قائم على أنقاض البلدان الضعيفة وما طالها من نهب وقتل وسيطرة وعلاقات ظالمة ومجحفة وغير عادلة على كل المستويات. وبالتالي فإن الرهان على التدخل الإقليمي أو الدولي، دون أخذ مسافة مستقلة نقدية ، يمكن اعتباره من ضمن الأسباب التي ساهمت بشكل أو بآخر في فشل التغيير السياسي الذي لا يقف عند سقف سقوط رأس النظام السياسي.
رابعا/ هل يمكن أن تكون سردية الثورة جامعة للوطنية السورية؟
تاريخيا وسوسيولوجيا وأنثربولوجيا وسياسيا جميع الجماعات كيف ما كانت طبيعتها التاريخية الاجتماعية المناطقية والطائفية والدينية، بما في ذلك الدولة الوطنية الحديثة، ما كان لها القدرة والإمكانية أن تؤسس وجودها وتكتلها ووحدتها، وتاريخها الهووي الذاتي إلا من خلال سردية واقعية / متخيلة مركبة وشديدة التعقيد. تبعا لهذا الفهم والتحليل السابق نعتقد في إمكانية أن تكون سردية الثورة السلمية في بعدها الوطني والمدني الإطار الوحدوي، لما يمكن أن يكون أساس الأرضية السياسية والاجتماعية والأيديولوجية لتشكل وتبلور جامعة وطنية سورية تؤدي الى بناء سورية الجديدة. فالسياق السياسي الاجتماعي والاقتصادي الذي أنتج الحدث السوري بوصفه ثورة سياسية داخلية، ضد نظام سياسي فاشي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، حملت في أحشاء سيرورة تطورها بعدا وطنيا ديمقراطيا، تجلى في مختلف ممارسات الحركة المدنية، كفعالية تنسيقية مجتمعية مستقلة مبدعة وخلاقة على مستوى الفعل النضالي الوحدوي المحكوم بمبدأ المواطنة في التأطير والتوجيه والادماج والشراكة والمشاركة. وذلك من خلال الترحيب بكل الفئات المجتمعية، والدفع بالشباب والنساء، وكل المهمشين...، الى الانخراط في مختلف الاشكال النضالية المدنية السلمية، للتغلب على حالات الفراغ التي أفرزها الصراع السياسي ضد نظام الطغيان. هكذا يمكن القول إن قراءتنا لسياق ولادة وتكون وتطور سيرورة سردية الثورة في بعدها المدني والسياسي الحداثي، في قيمه ومبادئه، وفي حرياته وحقوقه الإنسانية، يمكن أن تتكون من خلالها جامعة وطنية ديمقراطية تجمع كل السوريين في تنوعهم وتعددهم كثراء وطني. وهذا يعني أن الرهان اليوم ينبغي أن ينطلق من الضرورة السياسية والاجتماعية لاستئناف حركية المضمون الاجتماعي والسياسي والثقافي لسيرورة حركة المجتمع المدني من خلال الايمان بسردية الثورة السورية كإطار مدني تجميعي وتوحيدي لكل المكونات المجتمعية. قصد بناء سورية الجديدة التي تختلف وتتناقض كليا عن سورية الأسد، وشروطها الإقليمية والدولية التي دمرت المجتمع وخربت البلد. قد يبدو الامر صعبا جدا في ظل هذه الظروف الداخلية والخارجية، لكن لا شيء يمنع التفكير والابداع تبعا لهذا المنظور في التجميع والانطلاق والتنظيم والمأسسة لمختلف أشكال الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي التي يمكن أن تجيب، الى حد ما، عن سؤال لماذا فشل التغيير؟

لائحة المراجع
1- سنحاول قدر الإمكان الابتعاد عن التحيز الأيديولوجي، ونحن نعرض بعض وجهات نظر حول الثورة السورية
2- عصام الخفاجي، ولادات متعسرة العبور إلى الحداثة في أوروبا والمشرق، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2013)
3- ياسين الحاج صالح، الثورة المستحيلة، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2017)
4- أنظر على سبيل المثال لحسن أوزين: تقاطع نيران: جدليّة الإبادة والحرّية (2/1) https://www.alawan.org/2019/11/09/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B7%D8%B9-%D9%86%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D9%84%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%91%D9%8A%D8%A9-1/
5- مصطفى خليفة ، القوقعة، يوميات متلصص، (بيروت: دار الآداب، 2008)
6- عزمي بشارة، سورية درب الآلام نحو الحرية، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2013)
7- محمد جمال باروت، العقد الأخير في تاريخ سورية، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012)
8- جلبير الأشقر، الشعب يريد، ترجمة عمر الشافعي (بيروت: دار الساقي، 2013).
9- حسام الدين درويش (دراسة نقدية لتقارير المركز السوري لبحوث السياسات عن الأزمة السورية) https://www.harmoon.org/researches/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D8%AD/



#أوزين_أوزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية الجديدة بين الفاشية الأسدية والاحتلالات الأجنبية


المزيد.....




- مصر: جدل بسبب تصريحات قديمة لوزير الأوقاف عن فتاوى الشيخ الس ...
- ماذا بقى من القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا بعد انسحابه ...
- محكمة روسية تدين مواطناً هولندياً بتهمة الاعتداء على ضابط شر ...
- كله إلا سارة.. نتنياهو ينتقد وسائل الإعلام دفاعًا عن زوجته: ...
- يورونيوز نقلا عن مصادر حكومية أذرية: صاروخ أرض جو روسي وراء ...
- إطلاق نار في مطار فينيكس خلال عيد الميلاد يسفر عن إصابة ثلاث ...
- إعادة فتح القنصلية التركية في حلب بعد 12 عاماً من الإغلاق
- بوتين: روسيا تسعى إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا
- ماذا تنتظر عمّان من الشرع و ترامب؟
- -يديعوت أحرونوت-: إسرائيل تهاجم اليمن بـ 25 طائرة مقاتلة


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوزين أوزين - سورية الجديدة بين الفاشية الأسدية والاحتلالات الأجنبية