رعد مطشر
الحوار المتمدن-العدد: 1657 - 2006 / 8 / 29 - 07:15
المحور:
الادب والفن
قراءة في إدّلاء (عبد الزهرة زكي) الّذين يَصلُون........
(الوترُ الذي بين قوسين / هل يريحهُ الظلام ؟) هكذا تنتهي مجموعة الشاعر المبدع عبد الزهرة زكي ( اليد تكتشف ).. لتكتشف القوسين اللذين يكملان دائرةً تبتدئ من {جنائن الفراغ}, و( في ذكرى وقتٍ بين حصارين ) أو موتين دائرين على شكل الأشياء ومسمّياتها , لنرى بالنتيجة التفكير الدائري الذي يبدأ من نقطةٍ معينةٍ , وسائراً ضمن محيط الدائرة بنسقٍ معيّنٍ, وسياقٍ معروفٍ ليصل إلى ذات النقطة , ويسيطر على هذا الدائرة المغلقة من المفتتح حتى الختام ؛ خطُّ دائريٌ صارمٌ ينتج إكتشاف ( العماء ) العام المبطّن بالضياء المشع من الخاص, وإنَّ وضع أيّة خطوةٍ خارج محيط هذه الدائرة يشوّه النسق البصري المرئي , واللامرئي لها... فتتحسّس خارج محيطها الماضي المكتظّ ( بأقبية بيض ) و ... (بنسيجٍ يحركه الحالمون / ويرثي جمراته/ تقوّس الأقبية طوال نهارٍ غريب ) غرابة الطفولة المتساقطة الملامح.. أمّا في داخل محيط الدائرة , ولمرّات عديدة , سنرى الحاضر المحكوم بالملل والإستلاب و .. (دمى الآلهة التي لاتجيد التلفّظ ) , وليست هي المرّة الأولى التي تتكرّر فيها , ونرى نصفي الدائرة (كأعمى يقبّل المكان ) ؛ يستدرجان الجميع ليكونوا منفرطين بين حصارين , وقوسين وحبل يصل بين لا شيئين .. ( كذلك الحبّ , حين تسومه النيران بزهرتين ) ... وفي الفراغ بين النصفين تكتشف اليد المبصرة فراغ الأجنحة ( التي يربكُها هواءٌ عالٍ ) وكيف تنمحي قوّةُ العماء ( بإشارةٍ عابرةٍ / مِنْ ميّتةٍ / تلوكُ لبانَها بلامبالاة ) وتتأكّد مِنْ أنَّ ( الحياةَ مدورةٌ ) , وأنَّ ( الوحدةَ / إختيارٌ أوّل ) وأنَّ البياضَ المنثور في العتمة ( لَمْ يكن بإنتظار مكانٍ طافٍ ... ولَمْ / يَكُنْ أحدٌ ما /ولَمْ يكن الفراغ كذلك ) ... بل أنّه قفزةٌ خارج محيط الدائرة والمكان المبكّر الذي ( لَمْ يحلم به / مروّجو الإنهيار الأخير ) ؛ قفزةٌ يتذكّرُ فيها ( جثثاً طافيةً / بلا مصير) لتعود ثانيةً إلى ذات النقطة في التفكير الدائري : ( أنّني أتذكـّر الآن فقط ) ؛ الآن الحاضرة والماضية في مستقبلٍ طافٍ بلا مصير؛ (إدّلائه لا يصلون ) , واقفون في ذات المكان ووصولهم إنّهم لا يصلون , إذ يبدأون من نهاية البداية , ولكنهم ( أشقّاء ) الدائرة الشبيهة بساعةِ رملٍ تكشف زمانها حين تُخطئ السؤال, واليأسُ هـو الذي ( يربّى صـرخاتِها ويؤجّل رغباتها - الأمّ )، ونراها كيف ( تشيخُ ولا ترى منفاها الفادح ) , وتسيرُ على محيطه المرسوم ( ورُبّما تقبضُ على بطلانها ) أثناء مسيـرها هذا ...(وهي تشمّمُ هشيمَها / وتتعقّبُ / أثره الزائف ... بعيداً ) ... بعيداً عن منفاها الفادح؛ المنفى البداية/ المنفى الختام داخل محيط الدائرة / الحاضر وخارج محيط الدائرة / الماضي, وبين المكانين اللاّكائنين تقبض اليد على قوة الظلام ( العماء ) في ليلٍ ( يفضح الأسرار ؛ أسرار الموتى ) ... حيث تتلّمسها اليد لتكتشف أمكنتها الطافية في الفراغ , وتتحدّث عن (صداقة صانعي الأقفال / لتتذكّر الأقفاص ) بكلِّ أشكالها المرئية واللاّمرئية في الزمن والأمكنة التي تروي عنها (وهي ذات اليد التي تقبض على مصير الماشي ¬ لتوهم فراسة الموت ) .... حيث أنّ الموتَ فكرة ٌدائرية ككلَّ الحياة , وككلَّ ( الإبتهالات الخربة التي لايسمعها الجنود في { أوروك } ) الشاعر؛ أوروك ( الواقفة تحـت الأيقونة الكونية ) حيث (يقدم الخدم الجياع ) , والجوعُ فكرةٌ دائريةٌ تبتدئ بالظالم ولا تنتهي بإفتراض الجياع للحريّةِ إفتراضا آخرَ ... تكون فيه الشمعةُ ؛( تمثالَ مطر ) , والأرضُ ؛( جنائن اليد في الفراغ ) , وتعيد ( البندقيةُ إلى الشفة صوابها ) , وكذلك ( تقوّمُ السمكةُ يد صّيادِها ) لتزيـّن الحواس بخسائر الوهم / وبطلان ( النتائج التي تخطئها الأصابع ) ؛ أصابع يد الظلم صنو الفراغ الذي لا يرى حيث يتذكّر الشاعر إكتشاف يده ؛( وهي تتحّسس المكان الأشدَ يقيناً ) المكان الذي يستبدل فيه النازفُ جنونَه... ( ويسوّي الآخرون / من حوله وجهات نظرهم ) لتتكامل دائرةُ الإكتشاف والإستدلال والإشارة إلى كلّ شيء (تحت الظل المدوي / لأجنحة الخفافيش ) , وغير المتصل باللاكائن المرئي الذي ( تقطّر من يده ظلمة ٌ أو سديمٌ ثاوٍ / أو جناح ) , والرافعُ بذات اليد كلَّ شيءٍ ليقول : ( أنا حرّ )؛ حرُّ داخل محيط الدائرة , وعينه إلى خارجها متذكّراً أنّه لَمْ : ( يوقد شمعة / ولَمْ يرَ الشجرة المكسوة بالثلج / ولم يكن بعيدا بما يكفي / ولم يطأ أرضاً / في جنائن يديه في الفراغ / ولَمْ يفسد متعةً / ولَمْ يحيا حيناً / ولَمْ يتجرّأ على إنكار أسلحته إلاّ قليلا ) , وهو يشبـّه دائرة الحرية بالعبد الذي يقشّر أيّامَه بدائرة أشدَ كثافةً وتعلّق (شاهدةً لَمْ تعد تعني أحداً ما) ... وتتكَرّرُ لَمْ الجازمة لحريته المضارعة لتجعل منها ماضياً مجزوماً لما بعده , ولما قبله أيضا ( ولَمْ يعد الوسيط الأكيد فيها ) لإثبات دائرة الأشياء وحرّيتها في ( المثابة التي لايريد أن ينساها ) بل يؤكّد فيها دائرة الحياة وكروّيتها الأكثر ( إدراكاً من ورقٍ مغطّى / بوضوح الموت ) الآتي ( كرسائلَ من المستقبل / الذي يوصل العدميين / بصالة الأسلحة ) ومن أجل حريته تلك يحاول أنْ ( يبطل الفراغ المنعش ... ويبطل هدوء / يديه / يبطلهما معا ً{ الفراغ وهدوءه } مكتفيا بلذّة يديه ) ... في زمنٍ متلاشٍ , وفي مكانٍ لاكينونة فيه , رغم .. التحسّس الدائري له ... والذي نجح الشاعر ( عبد الزهرة زكي ) فيـه وأبدع , منتجاً قصيدةً موجزةً كخطٍّ مستقيمٍ هو قطر الدائرة ونصفها الأيمن , وموحّدةً , مكثّفةً مركّبةً كنقاط محيط الدائرة ونصفها الأيسر , ومساوياً - في دائرته - خطوط توصيل المعنى وإكمال الاستفهام العقلي الجدلي , وتاركاً بين هذه الخطوط كلماته لتتشكّل بشفافيةٍ عاليةٍ متـّسقةٍ كالماس , ومطلقة كإكتشاف يده لشعرية النثر المتصلة بروح العقل وخطوط الرؤيةِ والرؤيا المحلـّقة كالزجاج ... حيث نجح الشاعر فيها بإحصاء سياطه متيقّناً بأنَّ ( الألمَ يقوّمهُ الجنون ) ؛الجنون المتكّور كدائرة , وغير المشوّه بالتخلخل وسكـونية المحيط الداخل - الخارج , ومع عدم الإحساس بالدائرة الأساس لانَّ ما نشوهه ( هو ما نفكّر فيه حقاً ) إذن كلُّ شيء هنا مدوّر كالحياة : ( الجناحُ الخفيضُ / القاماتُ التي ترتجف / في إنتـظار سـقوطها ) و... ( المدافن التي تلوَّحُ في الشروق ) لشمعةٍ مدّورةِ في ذوبانها ولشجرةٍ لـمْ يرها , ولمتعةٍ لـمْ تفسدْ إستدارة حزنها قبل أنْ يبدأ من نقطة معّينة فيها.. وكذلك الحبّ وكابوس ماقبل الفجر والأساطير ونساء أوروك المحمّلات بالشمع والدمع والآس , والخاليات من العُقَد , ومن أجل هذه الدائرة ( يربّي القراصنةُ مصائرَهم _ وهي تأخذ بالقراصنة إلى أيّ مصير ... ) ونصل بعد هذه الدورة إلى بداية النهاية , أو نهاية المبتدي بزمنه المتسلّل , المستبدل للعقل بالكلمات .. لنعرف بأنَّ الشاعر ( لَمْ يكن بعيداً / بما يكفي / إنّه يتذكّر الآن فقط ) ... يتذكـّر ( كلَّ ما لَمْ يره بعد )... خارج جنون الدائرة وداخل إنفصالها بالتأكيد.
#رعد_مطشر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟