|
الحركة التجارية في تطوان...ما بين الماضي و الحاضر الجزء الاول
فاطمة الزهراء المرابط
الحوار المتمدن-العدد: 1656 - 2006 / 8 / 28 - 10:10
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في أقصى الشمال الغربي...على بعد 10 كلم من البحر الأبيض المتوسط، و 40 كلم من جبل طارق، تتربع تطوان " الحمامة البيضاء " على سفوح عدة جبال...شامخة بأسوارها و مآثرها الخالدة، هذا الموقع الاستراتيجي جعلها محط اهتمام مجموعة من المؤرخين و الكتاب....خاصة من الناحية السياسية و الاقتصادية التي شكلت مسرحا خصبا للكتابات التاريخية. و سأقتصر من خلال هذا المنبر على تسليط الضوء على الحركة التجارية التي عرفتها مدينة تطوان منذ تأسيسها في منتصف القرن 16.
شهدت مدينة تطوان نشاطا تجاريا مهما، على غرار الثغور المغربية الأخرى التي لها علاقة مباشرة مع الحركة التجارية العالمية، التي مهدت للتوسعات الأوروبية في مختلف المعمور. حيث يعتبر النشاط التجاري من أهم الاهتمامات البشرية منذ عصور قديمة، فقد تعاطى الإنسان لهذا النشاط إلى درجة أن شعوبا تخصصت في هذا المجال كالفينيقيين مثلا. و اشتهرت مسالك تجارية عالمية رغم طول المسافة و أخطار الرحلات، نذكر على سبيل المثال طريق التوابل و الحرير التي تمتد إلى بلاد الهند، و المسالك الصحراوية لجلب العبيد و العاج و التمر من بلاد السودان. حيث أفرد المؤرخون و الباحثون عدة مصنفات، و كتابات تاريخية في هذا الخصوص ككتاب " المسالك و الممالك " للبكري. و قد لعبت تطوان دورا مهما في هذه الحركة التجارية، خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط الذي يعتبر مهد الحضارات الإنسانية. إذا كان يعج على مر العصور بحركة تجارية مكثفة، نظرا لتمركز حضارات عريقة على ضفافه و في جزره. و مازالت الأبحاث الاركيولوجية البحرية تمدنا بمعلومات وافرة عن الأنشطة التجارية،التي كانت تزاول في هذا الحوض و عن المواد المتاجر فيها آنذاك. و تطوان بحكم موقعها الجغرافي في أقصى غرب ضفة المغرب المتوسطية، على بعد حوالي 40 كلم من جبل طارق، و مسافة 10 كلم من مصب نهر مرتيل و إحدى النوافذ المغربية على أوروبا. كل ذلك أهلها للعب دور تجاري مهم طيلة القرون من تاريخها العريق. على جانب ذلك تطوان تتوفر على عدة مؤهلات تجارية مهمة ، بحكم ارتباطها بالمناطق و القبائل المجاورة لها ( جبالة، غمارة..) و التي كانت غنية بالمنتجات الفلاحية كالشعير، القمح،الذرة، الفول و الخضر التي تعتمد على سقي المطر و تربية الماشية من البقر و المعز. و قد شكلت هذه المؤهلات الفلاحية مادة غنية للتبادل مع الخارج،و خاصة مع أوروبا التي كانت تصدر لها تطوان القمح و الشعير عبر ميناء مرتيل. و في إطار الحديث عن النشاط التجاري الذي عرفته تطوان خلال القرون الخمسة الماضية. فان تطوان تاجرت مع مختلف الدول الأوروبية، كاسبانيا ، فرنسا، انجلترا و ايطاليا... و مع مدن الشرق و خاصة بيروت و الشام. كما تاجرت مع مختلف المدن العربية و الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط على رأسها البندقية ، ليفورن، مارسيليا، قادس، الجزائر، تونس، الإسكندرية و غيرها. هذا دون أن ننسى علاقاتهما بالتجارة الصحراوية و الدول الإفريقية. و بالتالي فإن المبادلات التجارية التي عرفتها تطوان، طيلة القرنين 17 و 18 و النصف الأول من القرن 19. تركت بصمات عميقة على تكوين المدينة العتيقة. كما أن العلاقات التجارية البحرية التي ربطت تطوان بمختلف دول البحر الأبيض المتوسط، جعلت منها بوابة المغرب في وجه التجارة الخارجية خلال القرنين 17 و 18. احتلت تطوان حيزا كبيرا في كتابات بعض الرحالة الأوروبيين كالبولوني " بوتوكي " الذي زار المغرب و قضى مدة شهر بتطوان فوصف وضعية التجارة بها خلال القرن 18، و الرحالة الاسباني "Fernando Amor" الذي تحدث عن التجارة التطوانية خلال القرون الماضية في كتابه " Recuerdos de un viaje a Maruecos " الذي ألفه سنة 1859 بعد زيارته لتطوان. هذا دون أن ننسى رحلة الانجليزي " Tomas Rosco " خلال القرن 19 من طنجة إلى تطوان حيث وصف الازدهار الاقتصادي و التجاري الذي كانت تعرفه تطوان في هذه الفترة، و ذلك من خلال كتابه " The Tourisst In The Spain and Morocco " و كما حضيت تطوان باهتمام كبير من طرف الفرنسي " Delo " الذي وصف طبيعة التجارة في تطوان خلال القرن 20، أثناء وصفه لأحيائها و عمرانها و أثاراتها الخالدة. و الجدير بالذكر أن البحث في موضوع التجارة التطوانية خلال القرون الخمسة الماضية يصطدم بانعدام المصادر، و ندرة المراجع و الكتابات المهتمة بهذا المجال. الأمر الذي يدفعنا إلى الاعتماد على كل ماهو تاريخي أو سياسي أو حتى اجتماعي، من اجل استخلاص الدور الاقتصادي أو التجاري الذي لعبته تطوان طيلة القرون الخمسة.. و بالرغم من قلة المعلومات التي تتناول التجارة في تطوان و خاصة خلال القرن 16و 17 و 20. إلا أنني حاولت إعطاء صورة واضحة عن الوضعية التجارية التي كانت تعرفها تطوان في تلك الفترة، و بالرغم من الصعوبات و العوائق التي اعترضت طريقي أثناء البحث في هذا الموضوع، إلا أنني تمكنت من تغطية أهم الجوانب التجارية التي سادت في تطوان خلال القرن 16، 17، 18، 19، 20. فالمدينة متوسطية ( أندلسية، مغربية ) ذات موقع استراتيجي، مكنها من الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية و السياسية و الثقافية محليا و متوسطيا شاهدة على 5 قرون من التاريخ بأسوارها، حصونها، أقواسها، ساحاتها، أزقتها ، أحيائها ، منازلها، مساجدها...
#فاطمة_الزهراء_المرابط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأﺓ...ﺍﻟﻌمل الجمعوي أية علاقة
...
-
الأستاذ التلميذ... أية علاقة ؟!!
-
- المرأة العاملة بين قانون الشغل و مرارة الواقع -
-
اصيلا ذات مساء
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|