احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 7093 - 2021 / 12 / 1 - 09:42
المحور:
المجتمع المدني
# وصلني من الاستاذ سالم بخشي هذه القصة
كان يتمنى أن يكون حادّ البصر في هذه اللحظات بالذات ؛ و يستطيع النظر إلى الصورة العائلية المعلقة على الجدار المتصدع للغرفة التي لم يبارحها منذ وقت طويل . لم يكفيه تخيّل تفاصيل الصورة في ذهنه طوال الوقت ، و تمنى أن ينظر إليها عن كثب ولو لمرّة واحدة و أخيرة قبل أن تنتابه سكرات الموت و يفقد البصر و الإدراك نهائياً ؛ و قد أحس بدنّو أجله بعد ما شاهد رؤياه الأخيرة !
كان يرنو إلى جهة الجدار دون جدوى . لم يكن يجرؤ على طلب أمنيته الأخيرة من ابنته زينب ؛ لئلا يهيج مشاعرها من جديد و يعاظم من حزنها ، قائلاً في نفسه : ( لأترك إبنتي المسكينة تنعم بلحظة هدوء وسكينة ، يكفي ما ذرفت من دموع فيما مضى ... وما ستذرف لاحقاً عند موتي !) .
لم تفارقه طوال الليل ، و لم يذق جفنها الكرى ، و لم تتوقف عن البكاء إلا قبل لحظات . لقد ذبّل البكاء عينيها الساكنتين و دكّن الأرق محيط محجريها و صيّر وجهها الملائكي الجميل إلى شبح مصفر حزين!
لم تنسى أن تسأله بعد ما فقدت الأمل ، بالكمية الهائلة من الأدوية والعقاقير الطبية التي تزاحمت بالقرب من سريره الذي لم يغادره منذ شهور :
( أبتي ، ماذا تطلب مني في هذه اللحظات ؟! ) .
لم يجب الأب ، بل أمسك بكف إبنته زينب بحركة وئيدة ، و قبض عليه بوهن متبسماً ؛ ليشعرها بالرضى و الإطمئنان ؛ و لا يحمّلها عناءً أكثر مما تتجثم . و كان يخفي في قرارة نفسه آسفاً على رحيله الوشيك ؛ و تركها وحيدة دون قريب أو حبيب ...
لم تكن زينب بعيدة عن رغبة والدها ، و كانت تعلم ما يمكن أن يطلبه في هذه اللحظات ، إلا أنّها كانت تخشى عليه بالضبط ما كان هو يخشاه عليها ! لكن بعد تأمل طويل و عميق ، أدركت كيف يمكن أن تكون روحه مطمئنة أكثر و راضية و هي تغادر نحو ربها ، إذا ما شاهد الصورة ؛ فانبرت مسرعة و أنزلت الصورة العائلية عن الجدار، وقرّبته من والدها المسكين ، قائلة له بصوت حميم حزين مخنوق بالعبرات:
( أبي ، أعرف ما يمكن أن تطلبه مني في هذه اللحظات !) .
إختلط بكاؤهما ،وهما ينظران إلى الصورة العائلية و يفحصان ببصرهما أفراد أسرتهما ،و يتأملانِ من شقيقين يافعين بشيرين ، أُعدما من قبل الأجهزة الأمنية للسلطة البائدة بتهمة الإنتماء إلى حزب معارض . و هناك في نفس الصورة ، أم باسمة حنونة ، ماتت بعدهما حزناً وكمداً !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟